جمعية سورية لذواقي الطعام

22-10-2007

جمعية سورية لذواقي الطعام

سعاد جروس:  تخيل انك تنتمي لمؤسسة تعرف نفسها على انها جمعية ذواقي الطعام؟ «كلما سمع أحد باسم جمعيتنا ابتسم» هكذا يقول بيير أنطاكي أمين سر جمعية ذواقي الطعام السورية مضيفا ان مثل هذه الاهتمامات ما تزال غير مألوفة في مجتمعنا.

ويتابع أنطاكي، إن ثقافة الطعام لم تدخل مجال الأعمال بعد. مع أن الجمعية أسسها مجموعة من رجال الأعمال وسيدات المجتمع عام 2002 وسجلت لدى وزارة السياحة، إلا أنها لا تزال غير معروفة محلياً كما هي في الخارج، كونها عضو نشيط في الأكاديمية الدولية لذواقي الطعام، التي تضم أكثر من عشرين دولة. وقد نشأت فكرة الجمعية بالأصل لدى رجل الأعمال الحلبي جورج حسني، الذي كانت له علاقات صداقة مع أعضاء في الأكاديمية الدولية، طلبوا منه تمثيل المطبخ السوري في الأكاديمية.

والمطبخ السوري مشهور بعراقته وبغناه وشدة تنوعه، فهو يجمع بين مأكولات الجبل والساحل والداخل والبادية، الملونة بنكهات الشرق والغرب معاً. وكان لوقوع سورية على طريق الحرير القديم أثر كبير في تلوين المطبخ السوري بمذاقات محمولة من الشرق إلى الغرب وبالعكس.

عن ذلك يقول بيير انطاكي:«طريق الحرير ذو ذاكرة قديمة، ليس في التبادل التجاري فقط، بل في إقامة علاقات متينة بين الشعوب المختلفة في العادات والتقاليد والثقافات. فقد اقر الباحثون أنّ العرب استفادوا من كل من سبقهم حتى في الطبخ، وطوّروا وحسنوا كلّ ما أخذوه، فهم الذين بنوا جنات بابل، وجلبوا من أفريقيا إلى المتوسط البرتقال والدرّاق والخوخ والمشمش والأرضي شوكي وغيرها».

ويضيف انطاكي ان العرب «استوردوا قصب السكر من الهند والصين وزرعوه في بلاد الشام ومصر، وطوروا استخراج السكر منه. ثم بدأوا بتصدير السكر في القرن التاسع إلى اسبانيا وجزر المتوسط والبندقية. وجدير بالذكر أن كلمة سكر في لغات بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط مشتقة من كلمة سكر العربية».

ولذلك فلا غرابة في أن تتخذ الجمعية مقراً لها في مدينة حلب التي تعتبر مطبخ سورية، لشهرة هذه المدينة بالطعام «الكبب والمحاشي خاصة» وبالغناء، كما أن اغلب الأعضاء من حلب وهم نحو 23 عضواً متطوعاً من رجال الأعمال وسيدات المجتمع، علماً أن الجمعية أسسها عشرة أعضاء، خمسة منهم من حلب وخمسة من دمشق.

الا ان الجمعية تعاني الآن من عدم قدرتها على القيام بتنظيم نشاطات تتمكن من خلالها تأمين التمويل اللازم لها سوى الاشتراكات كونها غير ربحية، كما لا تستطيع التوسع بسبب كادر الإدارة المحدود العدد وغياب العناصر المتفرغة، فهناك رغبة لدى أكثر من ثلاثين شخصاً للانضمام إلى الجمعية، لكن تأجل قبولهم لعدم تفرغ موظف إداري لمتابعة طلبات الانتساب. وتشترط جمعية الذويقة لقبول الطلبات أن يكون المتقدم سوري الجنسية حائزاً على شهادة جامعية، ويجيد لغتين على الأقل الفرنسية والانجليزية، لأن أغلب النشاطات تتم في أوروبا، كما أن لغة الأكاديمية الدولية والتي مقرها باريس هي الفرنسية. وتطلق الجمعية على نشاطاتها التي بدأت ممارستها بعد تشكيلها بموافقة وزارة السياحة صفة «القصوفية» من مقصف، وتعني الأكل أو تذوق كل ما يدخل في مكونات الطبخ، من البهارات الى الفواكه والخضار والحبوب، وغيرها. ومن ضمن النشاطات لهذا العام رحلة قصوفية سياحية إلى اليونان، يتم خلالها زيارة الأماكن السياحية نهاراً، فيما يخصص المساء لتذوق الأطعمة اليونانية.

لكن ما هو معيار التذوق إذا كان لكل شخص ذائقته الخاصة؟ يقول انطاكي لـ«الشرق الاوسط» «ثمة معايير للتذوق بغض النظر عن القبول الشخصي للطعم، فمثلا هناك وصفة ستيك النعامة بالشوكولا، الذائقة المشرقية لا تستسيغ طعم الحلو مع المالح، لكن الحكم عليها يتم بناء على مزاوجة مواد الوصفة، وعلى درجة النضج، وطراوة اللحمة.. إلخ. كذلك الفوائد الصحية، من ضمن المعايير».

ويؤكد انطاكي أن العالم الصناعي لم يواجه مشكلة في النوعية، كما يواجهها اليوم، حيث تتبدى في مواجهته للسمنة كمشكلة صحية وطنية، فأعيد النظر بنظام التغذية الشعبي المتمثل بالوجبات السريعة الغنية بالسعرات الحرارية. المفارقة أن المجتمعات العربية تستورد هذه الأنواع الغذائية لتضيف مشكلة أخرى فوق المشكلة الأساسية في نمط الحياة وأسلوب تناول الأكل ونوعيته المسببة للسمنة والترهل. ويوضح أنطاكي، أن نوع الغذاء في منطقتنا صحي جداً بدليل أن آباءنا لم يعانوا من السمنة كما نعاني منها الآن، والسبب في ذلك يضيف في قلة الحركة والحجم الكبير للوجبات.

وفي هذا المجال، يبرز دور الأكاديمية الدولية التي وقعت عقداً مع شركة مطاعم فرنسية بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي لوضع نحو ثلاثة آلاف وصفة لوجبة غذائية كاملة يشارك في وضعها ثلاثة آلاف طباخ، لا تزيد سعراتها عن 800 سعرة، ليتم تقييمها فيما بعد، واعتماد ما يمكن تعميمه منها كنموذج للغذاء الصحي الشعبي. ويتمنى انطاكي ان تتمكن الجمعية في سورية من ممارسة دور مماثل مؤثر وفعال ومجد، وعدم الاكتفاء بالنشاطات الحالية رغم أهميتها.

 برامج الجمعية لاشك أنها مغرية جداً، لما توفره من متعة وترف، في موائد عامرة بطيبات ما رزقنا به، ولا يسع المرء سوى الابتسام أمام رفاهية برجوازية، عادت لتطل بخجل على المجتمع السوري بعد عقود من التقشف الاشتراكي.

مرحلة بدأت بالأفول مع اعتماد الحكومة سياسة اقتصاد السوق المفتوح، وانعكاسه على المجتمع السوري، وبالأخص في المدن حيث سوق العمل وما يفرضه من عادات وتقاليد جديدة تظهر في أنواع الطعام وطقوسه، مع طغيان النمط الاستهلاكي للحياة اليومية والانتشار الفطري للمطاعم، بدأ المطبخ المنزلي بالتراجع لصالح تقدم الوجبات السريعة والأكلات الهجينة، الغربية المواطنة، ما جعل الحاجة ضرورية إلى جمعية أو جهة تتبنى الحفاظ على المطبخ المحلي كجزء من الموروث الثقافي، بما يختزنه من حضارة. من هنا تأخذ النشاطات «القصوفية» لجمعية ذواقي الطعام أبعادها الحقيقية والعميقة والعملية، فهي ليست مجرد رحلات للاستمتاع وتذوق ما لذ وطاب، حيث تهدف الجمعية إلى التعريف عالمياً بالطبيخ السوري وتشجيعه على الانتشار محلياً.

فهناك أكلات في الجزيرة السورية يجهلها الدمشقيون، وأصناف من الكباب اشتهرت بها حلب كالكباب بكرز، غير معروفة بحمص أو غيرها من المدن السورية والعكس صحيح، الحراق أصبعه مثلا لا تُحضَّر الا في دمشق، والطريقة الحمصية بتحضير المكدوس غيرها في المدن الأخرى، وهذه مجرد امثلة. أهمية هذه الأعمال تتبدى في الجدوى الاقتصادية الناتجة عن تسجيل المذاقات الخاصة بكل بيئة. فالجمعية سعت، بحسب ما أفاد أنطاكي، إلى تسجيل أحد افخر أنواع زيت الزيتون الذي لا يوجد إلا في محافظة ادلب السورية، وتسجيل نوع من الفستق الحلبي لا يوجد إلا في حلب، لكن وزارة الاقتصاد لم تستجب كما ينبغي لتلك المساعي، لعدم توفر قناعة لدى الكثيرين حول أهميتها الاقتصادية.

مع أن كثيراً من المنتوجات الزراعية السورية تصدر إلى دول أخرى لتغلف هناك وتأخذ علامة تجارية من بلد التغليف، وتحصد أرباحا كبيرة، لا ينال منها المزارع السوري السمعة الجيدة، وإنما نزراً يسيراً من الأرباح. مع أن الأمثلة الناجحة في الغرب أكثر من أن تحصى. مثلما لم تتوفر أيضا القناعة بأهمية وجود هكذا جمعية للحصول على شهادات مذاق، لما يقدم في المطاعم السورية، ومازال مزاج أصحابها هو الحكم الوحيد، بكل ما يعنيه ذلك من تهديد للمذاقات المحلية. ويشير إنطاكي إلى أن ثمة وصفات كثيرة في طريقها إلى الاندثار لأن أحداً لم يعد يذكرها ولا يتذكرها. ويتحدث عن أن احد أعضاء الجمعية ضمن نشاط الجمعية دعا زملاءه إلى منزله في مدينة اللاذقية، وقدم لهم تشكيلة واسعة من أصناف الطعام المحلي وأغلبها لا يعرفونه، أو لم يعد منتشراً كما كان. ومما يؤسف له، والحديث لأنطاكي أن قائمة الطعام الشائعة في بلادنا هي: السلطة والمتبل والحمص والمشاوي، ومن غير المعقول أن لا يعرف السائح من مطبخنا سوى هذه القائمة المحدودة جداً، ويعطي مثلا أن الكوسا المحشية لا تقدم نهائيا في المطاعم.

لذلك تفكر الجمعية مع وزارة السياحة حالياً بوضع كتاب عن الأكلات المنسية، أما تلك التي في طريقها إلى الانقراض والنسيان، فسنتركها لأبنائنا كي يؤلفوا عنها كتباً في الجيل الثاني.

 

المصدر : الشرق الأوسط

إلى الندوة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...