جرة جحا المثقوبة

26-01-2008

جرة جحا المثقوبة

من يراقب أداء حكومتنا الراشدة خلال فصل الشتاء الحالي والصيف الماضي لن يموت هماً وغماً, بل سيموت طقيقاً وفقعاً, فالصيف الذي شهد موجة حر لاهبة, حرصت خلاله الحكومة على التآزر مع ما ابتلي به العبد لله الأخ المواطن الكريم, من قيظ شديد مع إحكام القفل عليه في طنجرة التقنين الكهربائية, فانسلق بمرق عرقه, كأفضل وسيلة لاستغلال الطاقة الطبيعية والبشرية. ولم ينته الصيف إلا وكان الأخ المواطن الكريم قد تختخ ومخمخ ­من المخ لا الاستمخاخ ­أي مثل المرهم تضعه على الجرح فيطيب, فلا يقول أف ولا آخ, مهما قننوا وتفننوا بصنوف اقتصاد السوق الاجتماعي.
وهكذا تمت تهيئة المواطن العزيز لتمرير الأسعار الجديدة للكهرباء من دون حس وبلا تنفس ولا ما يزعج فريقنا الاقتصادي المنصرف بكامل طاقته إلى وضع دراسة رائدة لتنجير خازوق €رفع الدعم€ بعد الفشل الذريع الذي مني به خلال الصيف حين جننوا الأسواق وألهبوا شهية التجار لمزيد من نهب العباد. وصدقنا أن الفريق الاقتصادي اقتنع بأن موضوع رفع الدعم على الرغم من ضرورته وأهميته لا يمهد له بفوضى إعلامية تعطي ضوءاً أخضر للتلاعب بالسوق.
فترة الهدوء النسبي التي حملها الخريف لم تدم, والكهرباء التي بذلت بسخاء لتزيين الشوارع في الأعياد بعشوائية وابتذال للتعويض عن بهجة مفتقدة, لم تكن دليلاً على وفرة الكهرباء كما خُدعنا, إذ عدنا مع حلول صقيع الشتاء إلى التقنين لساعات طويلة وبالأخص في المحافظات, بالتزامن مع حملة مكافحة تهريب المحروقات وإغلاق عشرات محطات الوقود, وشح المازوت, بالتكافل مع موجة صقيع قارصة أتت على الأخضر واليابس, واكبتها أزمة €غاز€, كل ذلك اجتمع على المواطن على خلفية عودة الفريق الاقتصادي إلى الدندنة برفع الدعم تمهيدا لحفل قادم تبشر به عمليات تجميد المواطن الكريم من البرد وحفظه في ثلاجة الشتاء, بعدما تم طهوه وحرقه صيفاً, لأنه من المحتمل جدا أن لا يحتمل وتفقع مرارة الجماهير لا قدر الله وتجد الحكومة نفسها أمام مأزق انقراض المواطن السوري... من قال إن حكومتنا غير حكيمة ولا تفكر بكل الاحتمالات؟
ولزيادة الطنبور نغماً, لا يسكت المسؤولون عن توزيع الطاقة بل يصرحون ما انزل الله به من سلطان. فمدير فرع دمشق وريفها بشركة توزيع الغاز عزا أزمة الغاز الحالية إلى «تدني درجات الحرارة وموجة الصقيع التي تسيطر على البلاد والتي تسببت بانخفاض إنتاج الشركة بمقدار 40€». أما مدير عام شركة المحروقات, فنفى وجود أزمة «مفتعلة» وأعلن أن شركته لا تتبع سياسة تقنين على المادة!! لا بل طلب «تعاون المواطن وان لا يكون السبب في الأزمة»!! ويزيد طين تصريحه بلة بالقول: «هناك من يريد تعبئة كميات كبيرة وآخرون لا يستطيعون تعبئة ما يحتاجونه فعلياً»!!
المفارقة أن المدير العام لم ينف وجود أزمة بدليل أنه طلب بتهذيب من المواطن الكريم أن لا يكون سببها, فالأزمة حسب تصريحه موجودة ولكن ليست «مفتعلة», وهذا رد غير مباشر على ما يشيعه مواطنونا الكرماء بأن الحكومة تفتعل الأزمة كي ترفع سعر المازوت, وسرعان ما وجد دخان شائعتهم ناراً له فيما نقلته صحف اقتصادية عن مصادر مطلعة ­عارفة بالخفايا والنيات ­أنه من «المتوقع» وربما من «المؤكد» أن تقوم الحكومة قبل نهاية الشهر الحالي كانون الثاني €يناير€ 2008 بتطبيق مبدأ إعادة توزيع الدعم على المحروقات, كما تسميه الحكومة, وليس رفع الدعم كما يشاع, والسيناريو الأخير لهذه الخطوة يكمن في منح كل أسرة سورية وعلى بطاقة العائلة قسيمتين مدعومتين لمادة المازوت تمنح كل منها كمية 500 ليتر مازوت الأولى بسعر 7.5 ليرة سورية, والـ500 ليتر الثانية بسعر 9.5 ليرة سورية, وما يزيد عن ذلك يباع بالسعر العالمي أي ما يعادل 25 ليرة سورية.
ومن المتوقع أيضاً حسب المبشر المطلع, أن يتم رفع قيمة اسطوانة الغاز إلى 250 ليرة وأيضاً زيادة طفيفة على مادة البنزين, يقابل هذه الخطوات زيادة في الرواتب والأجور بنسبة 15 إلى 25€ مع زيادة لأسعار المحاصيل الزراعية والمنتجات التي تعتمد في إنتاجها مادة المازوت وبنسبة تعوض الزيادة المرتقبة.
كل شيء انكشف وبان... وتصريحات المدراء العامين مقابل الأزمات المتضامنة مع غضب الطبيعة, مثل حكاية جحا حين ذهب إلى السوق ليبيع جرة خضراء في السوق. فقيل له إنها مثقوبة. فرد: هذا كذب إذ لا يسيل منها شيء, فإن قطن أمي كان فيها وما سال منه شيء.
المصيبة أو المصائب المنتظرة ليست في رفع الدعم وزيادة الأسعار, بل في الطريقة التي تمهد الحكومة بها لقراراتها, باعتمادها على التسريبات وتذكية الشائعات, والتي تحل وبالاً على مواطن مسكين حبل صبره أطول مما نتوقع, فيمسي على سعر مستعر ويصبح على سعر أشد سعيرا.
إذا كانت الحكومة مصرة على «رفع أسعار المحروقات» أي بيعنا جرة جحا المثقوبة فلتطلق رصاصة الرحمة على «الدعم» و ترحمنا من كذبها وترددها, فنعرف أي قبر سنتوسد إذا فقعنا, بدل أن تطيل معاناتنا, حالنا حال من وصفه إعرابي بأن «يقضي نهاره بالمنى ويتوسد ذراع الهم إذ أمسى».

سعاد جروس

المصدر: الكفاح العربي

التعليقات

معظمنا مستقل عن عائلته بالكامل سكنياً و مادياً. سيكون من الغباء اعتماد دفتر العائلة لتوزيع الحصص ! يجب على الحكومة ان تبدأ التفكير بحلول موضوعية للشكل الإجتماعي و ألا تغفل البنية المدنية المستقبلية من قبيل: هل الصوبا هي النموذج المستقبلي للتدفئة في المشاريع السكنية التي تبشرنا بها الإعلانات الطرقية أم الشوفاجات؟ على القوانين أن تأخذ بالإعتبار الكثير من التفاصيل الاجتماعية و المدنية لا ان تهاجم الناس على طريقة الولايات العربية القديمة التي بنيت على الدسائس و الخبث و العنف.

آمل أن لا تطول المدة قبل أن تنفجر مرارة المواطن السوري شكراً لقلمك....

هل سيصبح الوضع أسوأ من لبنان بالنسبة إلى غلاء الأسعار.. وهذا الوضع لم يجعل المواطن اللبناني يفكر بحل غير الهجرة والهرب من بلاده... فهل سيكون المواطن السوري أكثر ذكاءاً...!!!

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...