التضليل الإعلاني.. جريمة جديدة يعاقب عليها القانون

17-06-2008

التضليل الإعلاني.. جريمة جديدة يعاقب عليها القانون

شبكات للدعارة وللاتجار بالأعضاء البشرية، أطباء السوق السوداء، خلطات سرّية لأدوية مستعصية، جامعات وهمية، جمعيات سكنية للاحتيال العقاري...

كلّها عمليات تحرّكت خلال السنوات العشر الأخيرة والتي شهدت الفورة الإعلانية في سورية، واتخذت من الجرائد الإعلانية التي تعمل دون قانون يقيّدها أو ينظم عملها وستبقى كذلك حتى تاريخ 11/6/2008 . ‏

ففي هذا التاريخ دخل قانون حماية المستهلك مرحلة التنفيذ ومعه بدأت شروط الإعلانات بالخضوع لرقابة قانونية، قد تصل عقوبة مخالفيها ومرتكبي عقوبة «الإعلان المضلل» من معلنين وناشرين إلى السجن أو الغرامة أو الاثنين معاً كما يقول الدكتور عبد اللطيف بارودي مدير الشؤون الفنية في وزارة الاقتصاد والتجارة والخبير الرئيس الذي ساهم في إعداد هذا القانون. ‏

- علاج الأمراض المستعصية من سرطان وسكري وبهاق وصدف، وغيرها من الأمراض التي يعلن علماء العالم صراحة عجزهم حتى الآن عن إيجاد علاج شاف لها، يعلن في الوقت ذاته أطباء وأشخاص عاديّون في سورية عن قدرتهم على شفائها بكلمات يدفع ثمن نشرها في إحدى الجرائد الإعلانية، فقد شكّلت هذه الجرائد بمثابة المنصات التي يطلق منها أطباء السوق السوداء إنجازاتهم العلمية، والتي كشفت التحقيقات مع بعضها أنّ كثيراً منها كانت بمثابة الأوكار لعصابات وشبكات تمارس تجارة غير شرعية. ‏

ومنها ماتم اكتشافه مؤخراً من شبكة واسعة لتجارة الأعضاء البشرية وبيع الكلى، وكان من إحدى نتائج التحقيقات التي قام بها الأمن الجنائي في دمشق، الكشف عن هذه الشبكة وبأنها كانت مؤّلفة من مجموعة من المدّبرين والمتبرعين، إضافة إلى عاملين في بعض المشافي وسائقي التاكسي، والأهم من ذلك، فقد كان مهندس هذه العمليات شخصاً يتولّى تحريك هذه الشبكة عبر نشر إعلانات التبرعات في الصحف والجرائد الإعلانية. ‏

‏ - ومن شبكة التجارة بالأعضاء البشرية إلى شبكات للدعارة، فقد جرى تتبّع نشاطها من قبل الأمن الجنائي وملاحقتها عبر الإعلانات التي تتستّر خلفها من إعلانات للوظائف التي تدعو الفتيات إلى العمل في داخل سورية أو خارجها، تحت مسميات علنية منها عروض الأزياء أو بيع مستحضرات التجميل أو غيرها من وظائف السكرتارية أو العلاقات العامّة. ‏

ومنها الإعلانات التي تم إيقافها بقرار رسمي، وكان على رأسها الإعلان الذي وصفه عضو مجلس الشعب محمد حبش بأنّه «كان نوعاً من الترويج للدعارة»، ومنها إعلانات الشبكة الهاتفية الذكية والتي كانت تصدر عبر إعلانات تدعو الشباب للعمل مع هذه الشبكة والاتصال معها، بعبارات مثل: «فرفش دردش»..، تلك الشبكة التي اعترف وزير الاتصالات لاحقاً بانها انحرفت عن اهدافها وبدأت تمارس أعمالاً مخالفة للقانون. ‏

ورغم اكتشاف شبكات وراء شبكات سواءً لبيع الأعضاء البشرية أو للدعارة، فقد استمرّت هذه الإعلانات بلارقيب، نظراً «لعدم وجود أي نص قانوني يفرض أي نوع من انواع الرقابة على الإعلانات» كما يقول مزيد فرح معاون مدير المؤسسة العربية للإعلان، والذي يعتبر أن «كل انواع الرقابة والشروط التي تفرض المؤسسة، إنما تستند إلى اجتهادات رقابية من قبل إدارات المؤسسة ذاتها وليس انطلاقاً من أي نص قانوني محدد». ‏

ويضيف: «إنّ صدور قانون المطبوعات رقم 50 للعام 2005 جعل الجرائد الإعلانية تابعة مباشرة لوسائل الإعلام وسحب صلاحيات المؤسسة من الرقابة عليها منذ ذلك الحين». ‏

وما يؤكّد أن الإعلان أصبح منفلتاً منذ ثلاث سنوات عن أي نوع من انواع الرقابة حتى ولو كانت الرقابة غير المستندة الى قانون والتي كانت تمارسها مؤسسة الإعلان، يؤكّد ذلك انتشار إعلانات واستمرارها وعدم التدقيق في إثباتاتها رغم أنّها تدّعي أشياء مستحيلة أو استدراجية بشكل واضح. ‏

و كنّا نشرنا قبل ثلاث سنوات تحقيقاً عن أحد المكاتب الذي يعلّق إعلاناً ثابتاً في شارع الحلبوني، مبيناً حاجته الدائمة إلى سكرتيرات أو موظفات علاقات عامّة، ونشرنا يومها لقاءً مع فتاتين تعرضتا للتحرّش الجنسي من صاحب المكتب ورفعتا ضدّه قضيّة في المحكمة. ومع ذلك فإنّ هذا الرجل لايزال يثبّت هذا الإعلان ويعلن حاجته المستمرة للموظفات منذ ثلاث سنوات وحتى اللحظة على حدّ علمنا. ‏

‏ - ومن شبكات الدعارة والاتجار بالأعضاء البشرية، فقد ولدت شبكات اشتكى منها المسؤولون قبل المواطنين المتضررين ومنها: مجموعات الاحتيال العقاري والسكني التي باعت للمواطنين شققاً سكنية وهمية، كما باعتهم بيوتاً وعقارات مباعة سلفاً ولأكثر من شخص. ‏

وهذا مادعا الحكومة إلى الطلب من وزارتي الإعلام والإسكان والتعمير العمل على عقد اجتماع مشترك لوضع الآلية المناسبة لمنع نشر أي إعلان عبر المؤسسة العربية للإعلان أو وسائل الإعلام الأخرى، عن نشاطات عقارية لشركات أو جمعيات تتضمن دعوة المواطنين للاكتتاب على مساكن فيها ما لم تكن تلك الشركات العقارية والجمعيات السكنية حاصلة مسبقاً على التراخيص اللازمة أصولاً، إلى جانب رفض أي طلب للإعلان حول ما تقدم ما لم يرفق بنسخة عن الترخيص المطلوب والتشدد في هذا المجال حفاظاً على حقوق الإخوة المواطنين. ‏

وكانت وزارة الإسكان قد تلّقت كتاب سفارة دولة الإمارات العربية المتحدة في دمشق رقم ش.ع 2/1/496 تاريخ 26/3/2007، متضمنا قيام مؤسسة شارقة الشام للهندسة والمقاولات بنشر إعلان في نشرة الوسيلة، أعلنت فيه تسمية مشروع سكني تجاري تزمع تشييده باسم مجموعة قرى الشيخ خليفة ـ ضاحية العين للسكن والاصطياف، ما دفع بوزارة الإسكان إلى مخاطبة وزارة الإعلام ودعوتها لتوجيه جميع وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة العامة والخاصة، بعدم نشر أي إعلان مهما كان نوعه لنشاط بناء المساكن وبيعها من قبل القطاع الخاص، إلا بعد الحصول على موافقة وزارة الإسكان والتعمير ووزارة السياحة ووزارة الإدارة المحلية والبيئة، والحصول على التراخيص اللازمة للبناء بشكل أصولي، وكذلك الأمر بالنسبة إلى إعلانات الجمعيات التعاونية السكنية، إلا فيما يخص أعضاءها حصرا، وخاصة أن هدف الجمعيات السكنية هو بناء الشقق السكنية لأعضائها وتمليكها بسعر الكلفة والمساهمة في خطة الحكومة بميادين الإسكان. ‏

و اعتبر موفق قعيري مدير التعاون السكني في وزارة الإسكان والتعمير الترويج للجمعيات السكنية ومشروعاتها عبر وسائل الإعلام، خروجاً للجمعيات السكنية عن الأهداف التي أسست من أجلها، أي بمعنى آخر تدعو مواطنين ليسوا أعضاء لديها للاكتتاب على مساكنها، وبمعنى أدق أصبحت تقوم بدور تاجر العقارات، إذ إن القانون ألزمها أن تبني لأعضائها وألا تقوم بالبناء لغيرهم مادامت تحصل على إعفاءات كبيرة ودعم من الحكومة من خلال تأمين الأراضي بسعر الكلفة. ‏

‏ - ويرى معاون مدير مؤسسة الإعلان مزيد فرح أنّ هذه التعليمات كانت محيّرة بالنسبة للمؤسسة وأحدثت جدلاً مازال مستمراً حتى الان، إذ «تأتي هذه الشركات حاملة ترخيصاً من وزارة الاقتصاد يخولها العمل في الاستثمار العقاري، فكيف لي أنا كمختص في الإعلان أن أدخل في صلب عملها ونوع الإعلان الذي تظهره مادامت بالنسبة لي مرخّصة أصلاً»؟ ‏

ويعتقد فرح أن الكثير من الوزارات ترمي فشلها في مراقبة التابعين لها بتحميل الإعلانات سبب تقصيرها، ويضرب على ذلك بأمثلة كثيرة منها: مكاتب استقدام العمّال والعاملات أو الخادمات، فهؤلاء شرعيون بالنسبة للإعلانات ماداموا قد حصلوا على تراخيص بالعمل، وكذلك الأطباء الحاصلون على تراخيص من وزارة الصحّة وغيرهم وغيرهم، «أمّا إن كانوا يمارسون هذه التراخيص بشكل خاطئ فهذه ليست مسؤولية الإعلان كما يقول فرح». ‏

ويؤّيده في هذا الرأي الدكتور مأمون الحلاّق مدير عام جريدة الدليل الإعلانية، حين يوضح أن المطلوب بحسب تعليمات مؤسسة الإعلان، هو التأكّد من حيازة الشخص طالب الإعلان على الوثائق الرسمية التي تؤكّد ملكيته للعقار الذي يرغب في بيعه أو حصوله على ترخيص تجاري وصناعي في إعلانات الشركات و الوظائف وما شابه، أمّا إنّ كان هذا المعلن يبيع سلعة غير مطابقة للمواصفات أو غير مطابقة لشروط الترخيص، فهذه ـ من وجهة نظر الحلاق ـ مهمة الجهات الرقابية كحماية المستهلك، وهي التي تقوم بهذا الدور في كل دول العالم لتوعية المستهلك وتقديم النصح له. ‏

‏ - الاعلان المضلل ـ بحسب القانون 2 الخاص بحماية المستهلك ـ هو الذي يتم بأية وسيلة كانت ويتناول سلعة أو خدمة أو يتضمن عرضا أو بيانا أو ادعاء كاذبا أو مصوغاً بعبارات من شأنها أن تؤدي بشكل مباشر أو غير مباشر الى خداع أو تضليل المستهلك. ‏

ويقول الدكتور عبد اللطيف بارودي: المشرّع عندما نظر إلى موضوع الإعلان، وجد أنّه المحرّك الرئيسي لموضوع الترويج، وفي قانون مكافحة الغش والتدليس لم يكن هناك أي إشارة لموضوع الإعلان المضلل، ومع صدور قانون حماية المستهلك فقد أخذ القانون من القوانين العربية والعالمية منها المصري وقانون حماية المستهلك العربي، حيث تم تناول الإعلان بكافة جوانبه». ‏

ومن الأعمال التي اعتبرها القانون مخالفة ويستحق مرتكبها العقوبة: «المبالغة بوصف المنتج بما لا يتفق مع الحقيقة والواقع الفعلي بهدف تشجيع المستهلك على اقتناء المنتج او تلقي الخدمة. استخدام الوسائل التي من شأنها خداع الشاري ومنها استخدام طرق بيع او شراء توهم المستهلك بقرب نفاد المنتج. كما حظر القانون الاعلان او الترويج لمنتجات تحمل رموزا بما في ذلك الترميز بالخطوط او اشكالا غير مطابقة لواقع المنتج او المقلدة والتي من شأنها أن تؤدي للخطأ مهما كانت الوسيلة المستخدمة». ‏

ومما نص عليه القانون: يحظر استعمال الاعلان المضلل أو المغلوط أو الخادع، ويجب أن يتصف الاعلان أو الترويج للمنتج بالصدق والحقيقة التي تعبر عن جوهر المنتج وجودته دون لبس أو غموض. ‏

ويوضح د.بارودي ردّاً على سؤال حول الفقرة التي تقول: «يتحمل صاحب الاعلان مسؤولية الخطأ المرتكب من قبله». هل هذا يعفي ناشر الإعلان من مسؤوليته وهل ينطبق عليه مقولة «ناقل الكفر ليس بكافر»؟ ‏

يقول بارودي: «نصّت التعليمات التنفيذية على مسؤولية مشتركة»، مضيفاً: «سنطلب من الناشرين طلب وثيقة للتأكد من صحة المنتج، وستتم عملية انتقائية لبعض الإعلانات التي تشكّ فيها دوائرحماية المستهلك للتأكد منها ومساءلة المسؤولين عنها». ‏

ويوافق كل من د.بارودي ومدير عام جريدة الدليل د.مأمون الحلاق على ضرورة عقد اجتماع مشترك بين مديريات وجمعيات حماية المستهلك وبين المسؤولين عن نشر الإعلانات للتعاون في تطبيق هذا القانون، ويقول بارودي: «لقد اجتمعنا مع مؤسسة الإعلان اكثر من مرّة لوضع ضوابط بشكل متوازن، لأننا لا نريد أن نتشدد دون منطق لكي لايهرب المعلن إلى الخارج. يجب أن يكون هنالك توازن. مثلاً عندما يطلب صناعي الإعلان عن صابون منحّف أو ماشابه فأنا أطلب منه شهادة تحليل عن الصابون الذي يريد الإعلان عنه وهذا ليس صعباً إذ يفترض أن يكون متوفراً لديه من قبل. ‏

- مراسلات طويلة موجّهة من نقابة الأطباء السورية ضد أحد مدّعي الطب البديل ممن يطلق على نفسه «باحث» لم تفلح في إيقافه عن ممارسته الصريحة لهذا العمل الطبّي، كما لم تفلح في إيقاف بعض الأطباء وغيرهم ممن يدعّون امتلاك أجهزة تشفي من أمراض لاشفاء لها.. فكيف نتوقع أن تصل جهود النقابة في الحد من الإعلانات المضللة والتي تم من خلالها تمرير أطباء السوق السوداء. مادامت وزارة الصحّة لم توقف المخالفات العلنية والصريحة التي أبلغتها عنها النقابة في كتب رسمية كثيرة. ‏

واليوم يعلن بعض المغمورين في سورية عن قدرتهم على شفاء الأمراض المستعصية على علماء الأرض دون أن تتحرّك وزارة الصحّة إمّا إلى تبنّي اختراعاتهم ومساعداتهم على نيل نوبل للطب، وإما وضعهم في غياهب السجون جرّاء الغبن الذي يمارسونه على العباد. ‏

وقبل خمسة عشر عاما تقريبا بث إعلان تلفزيوني في الولايات المتحدة الأمريكية عن سيارة (فولفو) السويدية، يظهر تعرّضها لحادث اصطدام مع شاحنة، ومع ذلك يخرج أربعة ركاب منها وهم يضحكون في دلالة على أمان السيارة المذكورة. طلبت منظمة حماية المستهلك الأميركي من شركة فولفو إجراء التجربة عملياً، ولكن الشركة رفضت ذلك وبررت أن المشهد تمثيلي بحت، فقاضتها المنظمة بخمسين مليون دولار لأنها مارست الخداع بحق المواطن الأميركي. ‏

حمود المحمود

المصدر: تشرين

التعليقات

د تكون العاية السياسية هي أخطر أشكال الإعلان في العالم المعاصر و برغم انها تدرس ضمن مناهج الإدارة و بالرغم أنها تستثمر كل ما وصلت إليه علوم الإجتماع و النفس و الإقتصاد و التكنلوجيا إلا أن ثمة حقيقة غاية في البساطة يتم التغاضي عنها و هي أنها تشرعن الإحتيال! في أحد المسلسلات الأمريكية يستنكر المحامي كيف أنه بات من العادي أن تتم الدعاية للاس فيغاس على أنها الجنة في الأرض متناسيين انها في الحقيقة تقوم على الموبقات! و يؤكد أن حركة الأموال فيها اهم من أي مشروع آخر /على أقله حتى أتى بوش و أثبت أن الحروب تحقق مكاسب أسرع و أكثر فحشاً/. في الولايات المتحدة الأمريكية تتكفل الشركات بدفع مال الحملات الإنتخابية و يصل الأمر تنظيمياً الى حد بيع كوبونات الولاء التبادل بين السياسي و رجل الأعمال. بعض الدول لا تزال تتعاطى مع الموضوع بحساسية شديدة على اعتبار ان أنظمتها الإجتماعية لا تزال تعطي للمجتمع مساحة من السلطة السياسية لا يمكن أن يتم التنازل عنها لصالح الشركات. في بلادنا اقترحنا و ما نزال أن نختصر هذا الألم و الإحتيال و التفاهة الإنسانية و أن نترفع عن التشبه بحثالة النتاج المادي في العالم على الأقل لأننا من شعوب شهدت ولادات الأنبياء و ربما يكون لدينا من الفطنة ما يكفي لأن نفكر على طريقتنا و ليس على طريقة البنتاغون او الكونغرس. نتمنى لو أن الإنتخابات البرلمانية السورية تكتفي بإصدار صحفي مع الجريدة الرسمية لمدة إسبوع يتضمن صور المرشحين و خلفياتهم الإجتماعية و المهنية و ربما برنامجهم. و بالتالي يتم منع أي شكل من أشكال الإعلان و التحريض و الإستجرار و التلاعب و الإستقطاب. قد يغلق هذا بعض أبواب الرزق و لكن نحن هنا نفكر بالدولة و بصناعة شعب و بإرساء تقاليد. لا ندري لما لا يحق لنا إرساء تقاليد ربما لا تدرسها معاهد إعداد السماسرة في بوستن او في شيكاغو. ما زلت أصر على واجبنا ابتكار أشكال تؤنسن مجتمعنا بدل التشبه بأشكال مريضة و متسرطنة في بلاد تقوم في كامل عقليتها على الإستعمار و الإحتكار و في بلاد تنادي بالحرية من أجل ربح شركاتها فقط بينما قانون التفريق العنصري ظل سارياً حتى بداية السبعينيات في كثير من ولاياتها! يقول أدونيس : من يتشبه يتشوه ! و هذا ليس فقط في عالم الفن و عالم الإبداع بل و في السياسة و الإقتصاد. كان الرئيس حافظ الأسد الذي صادف ذكرى وفاته منذ أيام - و بالرغم من اختلاف المعارضة و غيرها عليه- ذو فضل في مسألتين: أولاً رفضه تبعية دولتنا لسلطة البنك الدولي. و ثانياً تأكيده على أهمية الأمن الغذائي. و اليوم ثمة ما يدا على أن مشروع دولة سيدة لم يكن ينفصل عن شعوره الشخصي بالسلطة و النجاح. من ناحية ثانية يمكن الإشارة على أهمية خيارات من قبيل خدمة المعلم من حلب في حمص أو المعلم من الرقة في اللاذقية و التي شهدت امتعاضاً لدى الجميع و لكنها كانت ضرورة من ضرورات بناء وعي بجغرافيا الوطن و اختراق أشكال الإنغلاق المذهبي و العشائري و المناطقي. اليوم و في هذا المرحلة التي تشهد انكشافات كبرى في مآزق الفلسفات و النظريات الإقتصادية و الإجتماعية , من المعيب ان نرى حمقى و خراف و حشرات تقتات على فتات المدارس الغربية التي هي نفسها تدرس سبل الخلاص من مآزقها الإنسانية على المستوى الأخلاقي و السياسي: انفضاح النزعات الكولونيالية الحديثة وأزمة الغرب في تعاطيه الفوقي مع الشعوب الأدنى في سلم التطور, آليات مناقلة الأزمات و تحريكها وفق ما يسمى كرة اللهب أي أن تبقي كرة اللهب تتدحرج حتى لا تحرقك و بالتالي فإن الدول ستتكفل بإطفاء حرائق الشركات. لا ندري من المستفيد من إقامة منتجع لشركة أجنبية يأتي اليه سائح أجنبي يدفع من خلال الكريديت كارد . عملياً لن تغادر رؤوس الأموال مخازنها في بنكوك العالم! و بدون ضرائب على رؤوس المال الأجنبي سنكون ببساطة ممسحة للآخرين. من المعيب اليوم ان ما يتم الإشارة إليه في وسائل الإعلام على انه انفتاح ليس إلآ آليات اقتصاد عليلة قائمة على الخبث و الرعونة و هدم الدولة و الإنسان. ثمة أزمة في الموارد البيئية و أزمة في الطاقة و بعد أن نفقد المواطن نكون قد حولنا الدولة الى محمية للشركات و ننام نحن السوريون في حظائر جماعية على أطراف الطوق الصناعي أو السياحي أو- سمه ما شئت- ما يدهشني هو أن من يدرس آليات الإعلان و الترويج و إدارة السوق يدرك أن كل فلسفتها قائمة على التلاعب و المعيب أن كل هؤلاء لا يطيقون صبراً العودة الى أوطانهم ليمارسوها على أبناء جلدتهم!! لا أحد يشعر أن هذه المعرفة يجب أن تقود الى رؤية أخلاقية. على العكس الجميع يعتقد انه يملك سلاحاً سرياً جديداً غير معروف فيعمد الى استعماله على أبناء مجتمعه. البعض ينادي بالإنتساب الى منظمة اٌتصاد الدولية غير واع بالمطلق أن هذه المنظمة منظمة غير حكومية بل حتى أنها عابرة للحكومات. أي انها تجعل من رجل الأعمال سلطة ضد السلطة الوطنية. و خاصة إذا كان رجل أعمال سوري يصنع الصابون مقابل رجا أعمال اسرائيلي يدير شركات أسلحة و هندسة صناعات دقيقة. لا أحد يدعي هنا أن رجل الأعمال السوري سيتحكم بمنطق المنظمة لصالح وطنه. إن كان هذا البهيم أو ذاك لا يدفع ضرائب في بلاده و لا ينتج بمواصفات تليق بسمعة بلاده فإنني أشك أنه سيكون مواطناً أفضل عندما يكون تحت رحمة شبكة الشركات الكبرى. من يقف وراء هذا الإعلان الدائم عن الإنفتاح و عن المستقبل الملهم و المزدهر؟ الصحافة اليوم و لم يمض من عمرها في سوريا السنتين باتت أشد فساداً من صحافة الدولة التي طالما هاجمها الصحفيون و تباكوا في محاريب السفارات الغربية على سلطتهم الفقيدة. ما الذي يحدث ؟ هل هذه هي البراديس التي غيبتها أجهزة الدولة في العهد السابق؟ بتنا أشد اعتقاداً أن الدولة كانت تحمي المواطن من أن يأكل المواطن لحم أخيه المواطن. و التي تشكل جوهر آليات الإرتقاء بحسب المنظور الفاشي لبعض سفهاء التنظير الإقتصادي و الذين يرون أن الدولة تمثلها قلة قليلة تقطن العاصمة في حيز سكني أو اثنين و تسثمر في باقي البلد و تحشر الفائض السكاني في جور جماعية يبقيها حية إرث من الأخلاق قد لا يبقى طويلاً و بعض ما تبقى لها من ضمانات هي إرث سياسة رجل يدل الوقت على سعة معرفته أكثر مما يدلل على أي شيء آخر.

في لبنان يمكن أن نتعلم درساً عن خطورة المال السياسي. أساليب الإعلان السياسي, تدخل المال الأجنبي في تشكيل الهوية السياسية. في السياسة المعاصرة لا يوجد حدود للدولة. المال يتسرب عبر الحدود الجغرافية مثل الكيروسيين في الجلد. يجب ان يتم سن قانون في سوريا يمنع منعاً نهائياًالدعاية السياسية. ليس فقط تحجيمها بل يجب ان تكون ممنوعة تماماً و أن تتكفل وسائل الإعلام الحكومة بتقديم الهويات السياسية بحيادية شديدة . من المعيب أن تكون الراقصات, طاولات الطعام, الهدايا, الخيام, اليافتات, الصور التي تغطي فضاء المدن, هي وسائل التأثير في الهوية السياسية للدولة. لابد من تحييدها إن هذه أهم خدمة نقدمها لمؤسسات الدولة السياسية. و لمستقبل سياسي مستقل.

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...