تقليعة و موضة وصرعة وبدعة" الابراهيمية ومنطقها التاريخي الأعوج !

22-10-2023

تقليعة و موضة وصرعة وبدعة" الابراهيمية ومنطقها التاريخي الأعوج !

Image

الجمل: د. نزار العاني

مهداة إلى الكاتب نبيل صالح الذي تناول أطروحة "الإبراهيمية" بمقالة في كتابه ( تحرير العقل العربي..) عنوانها : الدين الإبراهيمي الجديد في الشرق الأوسط.
             ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

في القرن الواحد والعشرين ، ينبش المفكرون في الغرب القبورَ ويحاولون إحياء تواريخ ونظريات وأطروحات وعقائد ميتة ومنسيَة منذ عصر التنوير ، إن لم نقل قبل . وواحدة من هذه الصرعات محاولة إحياء الابراهيمية ! 

كتاب أ.د رينهارد لاوت (ابراهيم وأبناء عهده مع الله)* يغسل ويكفّن ويدفن هذه التقليعة / والموضة / والصرعة ، ويقرأ على روحها "الفاتحة" الفكرية والفلسفية والتاريخية .

الابراهيمية باعتقاد "لاوت" ، وعمرها أربعة آلاف سنة ، أشبه ما تكون بحكاية تاريخية بلبوس " مأساة " أو مسرحية لبطل اسمه "ابراهيم" ، وموضوع "المأساة" كما يشير اسم بطلها هو بالتحليل اللغوي : ( البرّ أمام الله ) . 

والفيلسوف المفكر الألماني "لاوت" لا يتورط في جدل ديني محتدم منذ سنين طويلة حول تطويب أرض فلسطين لابراهيم ونسله كما جاء في سفر التكوين ، ولا يدخل في نقاش جغرافي قيد البحث حول موطن اليهودية الأول في جنوب الجزيرة العربية كما فعل العديد من الباحثين العرب (1) ، بل يناقش المسألة من جانب آخر ، وهو أن (الوعد والعهد) المقطوع بين الله وابراهيم قد جرى نقضه بانزياح فهم "موسى" لمضمونه وجوهره وحيثياته وحكمته ، ولدور موسى في تأليب سبط اللاويين الأشدّاء وأمره لهم بقتل عبدة الأصنام ، ولذا فقد صار الوعد باطلاً لأن القتل شرعاً وعموماً من المحرمات ! ولنقرأ ما كتب هذا المفكر :

(الفصل المظلم في حياة موسى هو فصل أوامر الإبادة والتحريم وتنفيذها، وهنا بالذات يظهر موسى كلاوي حقيقي . فالأمر الذي صدر للإسرائيليين من نسل لاوي بقتل كل من عَبَد العجل كان مقدمة لأوامر التحريم القادمة . يتخذ موسى مرجعاً له الوعد الذي سبق أن أعطاه الله لابراهيم أن نسله سوف يملك الأرض التي وعد بها ، وقد فهم موسى من هذا ، أن هذا الوعد لن يتم إلا بإبادة - وليس فقط بها ! - الشعب الكنعاني . وهذا هو نص الأمر المزعوم الذي أتاه من الله : 

"وتأكل كل الشعوب الذين الرب إلهك يدفع إليك . لا تشفق عيناك عليهم ولا تعبد آلهتهم لأن ذلك شَرَك لك" . تثنية 7/16 (2).ويصدر موسى أوامر للإسرائيليين بهذا المعنى : " تمحو ذكر عماليق من تحت السماء . لا تنسَ " تثنية 3/2 (3) . ويذكر موسى في شيخوخته : " وأخذنا كل مدنه في ذلك الوقت وحرَّمنا من كل مدينة الرجال والنساء والأطفال . لم نُبق شارداً . لكن البهائم نهبناها لأنفسنا وغنيمة المدن التي أخذنا " تثنية 2/34-35 ) (4) ص 281. انتهى الاقتباس .

إن الذي فعله ويفعله الرأس العنيد "نتانياهو" هذه الأيام ، يطابق تماماً ما جاء به نبيّه القديم في التوراة ، ويصادق عليه "بايدن" نبيّه الجديد ، ولا يخرج عما جاء في الآية أعلاه (تثنية 25/19) ، مع تعديلين طفيفين : فعوضاً عن ( فلا تنسوا أن تمحوا ذكر "بني عماليق" من تحت السماء ) ، سيكون التحريف القديم الجديد للتوراة ما يحدث في غزة ، وتوصيفه القول ( فلا تنسوا أن تمحوا ذكر "بني فلسطين" من تحت السماء " ومن فوق السماء) . وباعتقادي الخاص حول بُدعة الابراهيمية وحواشيها ، ومحاولة جر المسلمين المتدينين والعرب بعربتها الخربانة ، أرى أن المفكر اليهودي كارل ماركس لم يخطئ في قراءة التاريخ على أنه صراع طبقات منطلقاً من موروثه . إذ أن "إسرائيل" ، وهو في التفكيك اللغوي "مصارع الله" ، وهو نفسه "يعقوب" ابن "إسحق" ، قد احتكر لنفسه تَرِكة جدّه ابراهيم ، واغتصب حق عمّه "اسماعيل" من تلك التَرِكة ، وهي بالرواية التي يعتريها الشك أرض فلسطين ، لسبب طبقي أمومي نسوي محض ، فهو سليل السيدة الراقية "سارة" ، الزوجة الأولى لابراهيم ، في حين أن "اسماعيل" الأخ الأكبر لإسحق هو سليل الجارية والأمَة والخادمة "هاجر" !! طبقياً إذن ، يبدو بعد آلاف السنين ، أن الرأسمالي والبورجوازي ، وسليل الست ،إسرائيل ، في جدلية ماركس ، يحق له استعادة إرث جدّه ، ومنها أرض غزة ، ونزع ملكيتها من قريبه وخصمه الدّوني إسماعيل ، وتهجير نسله إلى سيناء لأربعين سنة قادمة ، وهي أرض التيه التاريخية لشعب إسرائيل ، انتقاماً من التاريخ والقدر الذي فرض على اليهود الشتات ، ويكون نتانياهو قد أخذ بالثأر ، وعزز بالممارسة شعار شعب الله المختار . وتقليعة وموضة وصرعة الابراهيمية في التحليل النهائي ، هي صفقة وتسوية بائسة لتثبيت مصالحة كاذبة بين نقيضين : في اللوج والبلكون ، سادة إسرائيل من صلب سارة ، وفي الصالة والقبو خدم اسماعيل من صلب هاجر !!  

والرحمة على روح صديقي الراحل "غانم هنا " الذي نقل هذا الكتاب الرائع إلى اللغة العربية ، والذي ألهمتني أطروحاته على الكتابة من موقع النضال المعرفي والفكري ، والشكر موصولٌ للصديق لؤي صمصام Louai Samsam الذي أهداني إيّاه .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* أ . د رينهارد لاوت ، إيراهيم وأبناء عهده مع الله ، ترجمة أ. د غانم هنا ، خطوات للنشر والتوزيع ، دمشق، الطبعة الأولى 2006 .

1- كمال صليبي، زياد منى ، أحمد داوود ، فاضل الربيعي .

2- في نسختي من الكتاب المقدس ، وردت كما يلي : (وتقضي على جميع الشعوب الذين يسلمهم إليك الرب إلهك. لا تشفق عليهم ولا تعبد آلهتهم ، ففي ذلك شرك لهلاكك ).

3- هناك خطأ في الكتاب يتعلق بمرجعية رقم الآية المذكورة وهو 3/2 ولكن الصحيح هو 25/19 ، والنص في غوغل مطابق لما جاء في الكتاب ، وتتكرر في سفر الخروج 17/14، وفي نسختي كالتالي : ( فلا تنسوا أن تمحوا ذكر بني عماليق من تحت السماء ).          

4- في نسختي : (وفتحنا جميع مدنه في ذلك الوقت ، وحَلَّلنا في كل مدينة قتل جميع الرجال والنساء والأطفال فلم نُبق باقياً. وأما البهائم فغنمناها لأنفسنا مع المدن التي فتحناها) .

 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...