في الحوار .... وآلياته

27-01-2007

في الحوار .... وآلياته

نضال حيدر:  يسمونها: «صاحبة الجلالة»، ومن تسمياتها المألوفة: «السلطة الرابعة».... إنها الصحافة؛ ذلك العالم الواسع المترامي الأطراف؛ الساكن حيناً، والصاخب معظم الأحيان.
الداخل إلى هذا العالم «مفقود» إن لم يتزود بجملة من المعطيات والأسباب، التي من شأنها أن تخدم توجهه المتمثل في البحث عن المعلومة، والخبر التحليلي؛ وصولاً إلى التحقيق الصحفي؛ والحوار، الذي يعد من أصعب المهام الإعلامية وأسهلها في آنٍ معاً، صعوبته تتجلى في البحث عن قاعدة معلومات عن الشخصية المراد إقامة تواصل فكري أو معرفي معها، والاطلاع ما أمكن على تجربتها، وإعداد المحاور الأساسية لمسيرتها في مجالها الأساسي؛ ومن ثمّ في فن «التحاور» من خلال معطيات عدة واضحة وممنهجة، لا السير على مبدأ «السؤال والجواب» التقليديين، فالغاية الأساسية من الحوار هي كسر ذلك القالب «النمطي» الجامد؛ والخالي من أية لمسات إبداعية يضيفها «المحاوِرْ» على أجواء اللقاء، من هنا يعتبر الحوار محاولة للخروج إلى فضاءات أوسع، والولوج إلى مجاهل أعمق، هو سبرٌ للأغوار، وكشفٌ للمستورِ والمخبأ في داخل الشخصية الإنسانية، واستقراءُ لنِتَاجِ «المحَاوَرْ» ومحاولة لا بد منها لاستنتاج أسئلة قد تبقى معلّقة دون إجابات، إذا لم يكن طرفا الحوار على سوية متقاربة، والأمر هنا أشبه ما يكون بالجسر الذي تستلزم إقامته وجود ضفتين متينتين، ليأتي مكتمل البنيان، وليتيح للعابرين سُبُلَ الذهاب والإياب....
وفي الغالب الأعمّ، ثمة ضباب كثيف يغلف معظم ما تتحفنا به المنابر الإعلامية على مختلف مستوياتها، فتارةً يستعرض الإعلامي مهاراته اللفظية ومخزونه «الثر» أمام ضيفه الذي يبدو عاجزاً عن فهم ما يهدف إليه مستضيفه، وتارةً يحدث العكس وفي كلا الحالتين؛ النتيجة واحدة، مسارٌ باتجاه واحد يفضي إلى الفشل الذريع.
وفي مفاصل قليلة نسبياً؛ قياساً إلى المشهد الإعلامي الواسع والمتسع لكل شيء معظم الوقت، ما عدا «الحوار» بآلياته الفعالة والناجعة، نعثر ما بين حينٍ وآخر، وعبر امتدادات زمنية بعيدة نسبياً في هذا المنبر الإعلامي أو ذاك، على حوار «خاص» في شكله ومضمونه، حينها ننجذب كمتابعين إلى هذه الحالة الحضارية، التي تعكس أرقى ما يمكن أن يتوصّل إليه العقل البشري، ألا وهو إقامة «الجسر»... جسر التواصل بين «المبدع» و «المتلقي».
تأسيساً على ما تقدم، لنا أن نسأل: من المسؤول عن تردي ظاهرة الحوار إلى أدنى مستوياتها اليوم؟! ...، أهو المتلقي الذي انصرف عن «السمين» إلى «الغث»، أم وسائل الإعلام التي كرّست حضوراً كثيفاً للسطحي والمستهلك والمبتذل...؟!..
إن محاولة الإجابة عن السؤال السابق، تستلزم البحث الجدي والمتأني، عن سبب انصراف شرائح كبيرة من الجمهور؛ عن أجواء الفكر والمثاقفة، التي باتت بمعظمها «ترفاً» لا أكثر ولا أقل...
تصدمنا المكتبات المنزلية المدججة بالعناوين الجذابة، والكتب الفاخرة الطباعة والتجليد ولكن؟!..، لو كان هناك من يمسك بهذه الكتب، ويقتحم «صمتها الوقور» ويتجول في  ثناياها باحثاً عن أسئلةٍ يتوخى إجابات عنها، لو كان ذلك ممكن الحدوث، هل كنا وصلنا في حالة «الحوار» إلى هذه الطريق «المسدودة»؟!...
لنعترف؛ الطريق «غير سالكة» بسبب «تراكم» جموع «المدعين والدخلاء» على بلاط «صاحبة الجلالة» و«التقنّع»... ، نعم إنه «التقنّع» وإلا بماذا نفسر انتشار الكتب في أوساطنا كانتشار النار في الهشيم، ولا من حوار، ولا من محاورين...؟!...

الجمل من مساهمات القراء

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...