فضائح محطة معالجة منصرفات حمص

11-06-2006

فضائح محطة معالجة منصرفات حمص

تدثرت دراسة قديمة لمحطة معالجة منصرفات مدينة حمص منذ 1978بغبار الأرشفة في وزارة الإسكان، وأنجزت الدراسة «شركة إنكليزية» قالت: إنّ العمر التصميمي للمحطة المدروسة ينتهي عام2001، ثم نفضت وزارة الإسكان الغبار عن الدراسة و«جاهدت» حتّى تم إنجاز المحطّة كما هي في الدراسة القديمة واشتغلت المحطة في 15/12/1998أي قبل ثلاث سنوات من انتهاء عمرها الاستثماري الذي حدده الدارس، وعبر «مزحة» وصائية مدعمة بأداء فني مراهق جرى طبعا حفل التدشين وهناك من صفّق ودبك على وقع أهزوجة نشاز مفادها أنّه لدينا محطّة معالجة لمنصرفات ثالث أكبر مدينة في القطر..، و«تدلّ» الوقائع على أنّه كان المطلوب تسجيل هذه المحطة في سجل الإنجازات فقط دون اعتبار يومها لجدوى المحطة، ومدى تناسبها مع واقع التلوّث الجديد الذي تفاقم في نهر العاصي، وإشكالية انخفاض «غزارة» الصرف المنزلي بعكس ما توقعه الدّارس وما اعتمده المصمم من أرقام، وواقع حال منصرفات معمل السكر، ودون التنبه إلى مشكلات الحمأة الناتجة عن عمل المحطة وكيف سيتم التعامل معها..؟!

 

بعد ثماني سنوات على إقلاع المحطة أعطت مياها معالجة بأسوأ من المواصفات المصممة لأجلها، واختلفت في تشغيلها عن المواصفات التصميمية، وتتطلّب حاليا مزيدا من الإنفاق الحكومي على تأهيل صبيب معمل السكّر قبيل دخوله إلى محطّة المعالجة مع أنّ المصمّم الإنكليزي لم يلحظ ذلك، واكتفى بمحطّة معالجة واحدة لكامل صرف مدينة حمص المنزلي والصناعي وصرف السكّر، أيضا أرخص خيار حاليا لمعالجة الحمأة الناتجة عنها يكلّف 200مليون ل.س وبعض الخيارات كلفته التقديرية حوالى المليار ل.س أيضا، وإذا ظلّت وزارة الزراعة تعتبر عدم صلاحية الحمأة للزراعة، ستصبح مكبّاتها «صالحة» لتغذية مياهنا الجوفية بالتلوّث فقط؟!
 

ونشير إلى «إشكال» فني تجسده قناعة مشغلي المحطّة وجهات فنية أخرى مفادها أنّ المحطّة ناجحة في معالجة الصرف المنزلي، وجزئيا في معالجة صبيب السكر، وبعضهم يقر أحيانا بفشلها في معالجة هذا الصبيب، وهذا التفصيل لا يتوافق مع من درس وصمم المحطّة الذي حدد معايير نجاح المحطّة بمعالجة المنصرفات دون تفريق بين صبيب منزلي وصبيب السكّر..، لذلك نقتنع وبعد دراسة مستفيضة لآراء فنية عديدة ووثائق تخصّ المحطّة بأنّ العبرة ليست في نجاح بمعالجة صرف منزلي وفشل أو قصور في معالجة صبيب السكّر، فالعبرة في منظر الهدّار النهائي للمزيج المشترك الخارج من محطّة المعالجة إلى نهر العاصي من كلا الصبيبين، حيث لا يفرق العاصي بينهما..، فما يصله ملوّث بأكثر ممّا يجب..، ولا يمكن القبول بهذه الاستثمارات والإنفاقات الباهظة من أجل قبول مياه معالجة بمواصفات متدنية!! ‏

نعتمد المعلومات التالية عن لسان الشركة العامّة للصرف الصحي في حمص، وتفيد بأنّ الشركة الإنكليزية الدارسة للمحطة حددت المواصفات التصميمية لها على أن تكون مواصفات المنصرفات الداخلة إليها من شبكة الصرف الصحي كما يلي(507ملغ/ليتر bod) بينما المنصرفات الحالية متفاقمة التلوّث وتتمثّل لذات المواصفة المذكورة بـ (7000 ـ 8000 ملغ/ليتر bod للمنصرفات المنزلية و1200-2000ملغ/ليترbod للمنصرفات الصناعية)، وحدد المصمم المواصفة التصميمية المطلوبة للمنصرفات بعد معالجتها في المحطة بـ (40ملغ/ليترbod) بينما المحطة تحقق حاليا(90ملغ/ليترbodفقط على ذمّة الشركة العامّة للصرف الصحي في حمص)، ونلاحظ بأنّ الفارق يصل إلى خمسين درجة للوحدة المذكورة بين المطلوب في تصميم المحطة وبين ما وصلت إليه وفق التشغيل الحالي..، وهو يمثّل تقصيرا طبعا..؟! .. ونتمنّى هنا من وزارة الري الإفصاح عن نتائج التحاليل التي تجريها هي في هذا الخصوص؟ ‏

وتوافقت رؤية الإدارة الحالية للشركة العامّة للصرف الصحي في حمص، وإدارة مديرية البيئة على مضمون تقرير يخص منصرفات مدينة حمص، وممّا جاء فيه أنّه تتمّ معالجة مياه الصرف الصحي لمدينة حمص والمياه الناتجة عن التجمعات الصناعية الواقعة ضمن المخطط التنظيمي للمدينة في محطة المعالجة (الدوير) التي تعمل على طريقة الحمأة النشطة، وتعالج المحطة الصبيب الدّاخل إليها، وتتعرض لصعوبات تشغيلية نتيجة لانخفاض استهلاك الفرد من المياه وأدّى ذلك إلى ارتفاع نسبة الملوّثات الدّاخلة إلى المحطة بنسبة 20%، ونتيجة لارتفاع تركيز الملوّثات المنصرفة إلى شبكة المجاري عن الحدود المسموح بصرفها إلى المجاري، وعدم وجود معالجة أولية للمنصرفات الصناعية ذات التراكيز العالية من الملوّثات والتي تصب مباشرة إلى شبكة المجاري وبالتالي تؤدي إلى ارتفاع تراكيز الملوّثات الذاهبة إلى المحطة.. أمّا المشكلة الأكبر فهي مشكلة التخلّص من الحمأة الناتجة عنها.. ‏

نستعين هنا بمعلومات فنية متفق عليها مفادها أنّ معظم محطات المعالجة المماثلة والتي تعتمد على أحواض وساحات تجفيف حمأة مكشوفة يصدر عنها روائح وتتكاثر في محيطها الحشرات، وتفيد هنا إدراة الشركة العامّة للصرف الصحي في حمص بأنّ هذه المشكلة تحت السيطرة لأنّه يتمّ رش المبيدات أسبوعيا..، وأيضا يتمّ ترحيل الحمأة بشكل يومي إلى مكب خاص بها يبعد 70كم عن مدينة حمص.. ‏

ويبرز السؤال المهم التالي: إلى متى يحتمل المكب الحالي للحمأة استقباله لها؟ أليس الأمر هو نقل للتلوّث من المحطة إلى مكان آخر؟، ألن تكون الحمأة-حتّى لو ثبت صلاحيتها زراعيا- بتلك التراكيز الكبيرة مع الزّمن مصدر تلوّث خطير في منطقة المكب الحالي؟! ‏


 سبق أن ناقشت شركة الدراسات والاستشارات الفنية خيارات عدّة لمعالجة الحمأة في محطة معالجة مياه مجاري مدينة حمص، تحت عنوان استخدام الحمأة كمحسّن للتربة، وتمثّلت الخيارات بالتالي: (طريقة التثبيت الهوائي للحمأة وكلفتها التقديرية حوالى 900مليون ل.س-طريقة الهاضمات وكلفتها التقديرية 600مليون ل.س- طريقة استخدام المكب الحالي الذي يبعد 70كم شرق مدينة حمص وكلفته التقديرية حتّى عام2020تزيد عن 115مليون ل.س، وسلبياته تتمثّل في إعادة نقل الحمأة من المكب إلى المناطق الزراعية بعد مرور الفترة المناسبة على تخزينها. ‏

طريقة أفران التجفيف وكلفتها التقديرية 200مليون ل.س حتّى نهاية 2020) ولم يخل أيّ خيار من إيراد مساوئ له..، وكأنّ أحلى الخيارات مرّ!! ‏

نشير إلى إمكانية محتملة للتعاقد مع جانب صيني لدراسة وضع المحطة واقتراح حلول تنفيذية لها.. ‏

عندما برز مقترح هدر صبيب معمل السكّر إلى العاصي دون معالجة في محطّة المعالجة لرفع المعاناة عنها، جاء ردّ من وزارة الري تمثّل في كتاب نصّه:"إلى وزارة الإسكان ..يرجى أخذ العلم أنّ صبيب معامل السكّر الذي هو صبيب سبع معامل مشتركة يعادل 45%من الصبيب الدّاخل إلى محطّة المعالجة في الدوير، وأخذ بعين الاعتبار معالجة هذه المياه مع مياه مجاري حمص أثناء تصميم وتنفيذ محطّة المعالجة المذكورة، ..لذا لا نوافق على صرف مياه ملوّثة إلى نهر العاصي من صبيب معامل السكّر وخاصّة بعد أن صرفت مبالغ لا بأس بها على تحويل مصب معامل السكّر إلى محطّة المعالجة ولها ترتيبات خاصّة داخل المحطّة، ونقترح عمل محطّة معالجة أوّلية مستقلّة لصبيب الكحول ومن ثمّ صرفها مع بقيّة مياه شركة السكّر إلى محطّة معالجة مياه المجاري لمدينة حمص.. ‏

وفي كتاب صادر عن شركة الدراسات والاستشارات الفنية عام 2000فقرة نجد أنّ لها أهمية لعرضها هنا وهي" لقد رفض الدارس/مصمم محطة المعالجة/ فكرة معالجة مجاري معمل السكّر بشكل مسبق أو بشكل منفصل في محطّة مستقلّة وذلك نظرا للتكاليف الباهظة جدا لمثل هذا الحل وقد وجد أنّ مياه مجاري معمل السكّر فقيرة بالمركبات المغذية ولابدّ من إضافة هذه المركبات من أجل حسن سير عمليات المعالجة البيولوجية لهذه المياه وهذا أمر باهظ التكاليف، بينما يؤكّد على أنّ مزيج مياه معمل السكّر مع مجاري حمص يكون ملائما للمعالجة البيولوجية دون أي إضافات، كما أنّه لاتوجد مساحة متاحة ضمن معمل السكّر لإقامة منشآت معالجة كاملة أو معالجة مسبقة لمياه المجاري الناتجة عنه، ناهيك عن أنّ مثل هذه المنشآت تحتاج إلى مئات ملايين الليرات من أجل الإنشاء وإلى عشرات ملايين الليرات من أجل التشغيل ما يجعل هذا الأمر غير قابل للتنفيذ، ولأنّ الدارس قد أصر على تخديم أكبر عدد من المنشآت الصناعية التي يدخل صبيبها إلى مجاري المدينة بما في ذلك معمل السكّر ضمن محطة المعالجة مياه مجاري مدينة حمص، حيث، إنّ المعالجة المختلطة لهذه المياه أوفر بكثير من معالجة المياه كلّ على حدة.." ‏

ولكن أخيرا تحدد الخيار بمحطة معالجة جديدة خاصة بمعمل السكر، ونستعين بمحضر اجتماع تمّ في محطّة المعالجة بحضور فنيين معنيين من شركة سكر حمص والمحطة ومديرية البيئة..، والمؤرخ في 2/5/2006وما جاء فيه: «بيّن المجتمعون ضرورة قيام شركة السكر بحل إسعافي وهو تقليل المواد الصلبة الطافية إلى أدنى حد ممكن لتقليل أثرها على المحطّة، والإسراع بإنجاز حل استراتيجي بتنفيذ محطّة معالجة لمنصرفات شركة السكر وفق خطّة الشركة كون الدراسة للمحطّة في مراحلها الأخيرة». ‏

 

 

ظافر أحمد

المصدر: تشرين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...