وفيق سليطين: نزار قباني أحدث إنقلاباً في المجتمع العربي

24-10-2006

وفيق سليطين: نزار قباني أحدث إنقلاباً في المجتمع العربي

في أروقة مكتبة الأسد، وعلى هامش انعقاد الندوة العربية للاحتفاء بالشاعر العربي السوري نزار قباني التقينا الاستاذ وفيق سليطين أستاذ الأدب العربي في جامعة تشرين فكان لنا معه الحوار التالي:

يعتبر الشاعر نزار قباني من الشعراء الذين كسروا التابو المقدس فتحدث بجرأة عن الدين والجنس والسياسة. برأيك، الى أي مدى استفاد الشعراء من تجربته هذه؟! ‏

لاشك أن نزار قباني شاعر مؤسس في هذا المنحى وقد شكل في النصف الثاني من القرن الماضي انقلاباً مفاهيمياً على ضيق المجتمع بفكره القائم، واطروحاته الجامدة والمستعادة. ولكن الكلام على اقتحام التابو في الدين والجنس والسياسة ليس كافياً بحد ذاته لانجاز شعري عظيم، ربما كان مهماً على مستوى المضمون والمقولات في حفز حركة التقدم الاجتماعي ونقل رؤاها الى آفاق جديدة. ولكن المسألة في الشعر تحتاج الى كلام آخر، هو كلام على بنيان كامل فالشعر لايقرأ بمضمونه فقط إنه يؤثر بشكله وبصياغته اولاً، وهو مايحوله من مستوى اللغة الاعتيادية الى مستوى الكلام الفني، ولذلك فإن المسألة على مجرد الاقتحام للمحظور تحتاج الى تبصر أعمق ومراجعة متأنية لاتنفع معها الحماسة والانفعال العابر. ومع ذلك فإنه في مجال هذا السؤال دشن طريقاً وذلك من عقباتها وموانعها لكثير من الشعراء الذين عاصروه وجاؤوا بعده. يبقى له فضل الريادة والتأسيس بغير شك وليس لمن درج على استعادة صوته أو تقليد طريقته مزية إلا بمدى مقدرته على الارتقاء بهذا المعطى او بهذا الانجاز الى مستوى آخر يغدو معه مجال الاقتحام هو مجال الشاعر الجديد وليس المقلد. وأؤكد من جديد ان الشعر لايؤثر بما يثيره من قضايا ومفهومات أو مضمونات، إنه يؤثر قبل كل شيء بكونه صياغة مخصوصة وشكلاً فنياً، فالشاعر هو صانع لغة وخالق اشكال قبل أن يكون معلم أفكار وملقن محتويات وأفكار ‏

ہ كيف تنظر الى الحركة الشعرية في العالم العربي، بعد أن فقد الشعر رونقه مع صعود الفن الروائي؟ ‏

رونق الشعر. ‏

ہہ أظن ان التنظير للرواية من حيث هي قرينة المدينة وتحولاتها، على خلاف الشعر ايضاً، هو كلام يحتاج في زعمي الى إعادة نظر ولا أظن أن الشعر قد فقد دوره أو رونقه مع صعود الفن الروائي أو بسببه. ‏

ذلك أن مرحلة الصعود الحضاري ترفع معها كل شيء من لوازمها و مشتقاتها وكذلك فإن مرحلة الانحدار او التدهور تعمل خلافاً لذلك على خفض القيم والمصاحبات، ومن هذا المنطقل علينا النظر الى حركة الفن عموماً، والأدب خصوصاً في الزمان والمكان، يمكن الكلام على ضرب من الشعر أو آخر وليس على الشعر، كما يمكن الكلام على تجارب في الفن الروائي وليس على الفن الروائي عامة، هنا مجال تمييز، وافتراق، وليس محل توحيد وادماج. والسؤال في نظري يتطلب رؤية أعمق ترى الأدب في سياقاته الاجتماعية والتاريخية الخاصة وان كان يستقل احياناً بمحوره عن الحركة المشار اليها ولكنه لاينفك في العمق عنها، ولايبارح تحولاتها. ومن هنا يجب اعادة النظر في اطلاق الاحكام ورد العلل الى معلولاتها والأسباب الى مسبباتها لدى الركائز العميقة في تحولات التاريخ الاجتماعي، وخطوطه المتعرجة والمنكسرة التي نستطيع ان نفسر على ضوئها صعود هذا النوع او ذاك، ونرد الى الاصل بحيث ان الفروع لاتتفسر بذاتها واستقلاليتها ‏

لم يسلم الشعر العربي من الحداثة ، وحيثياتها، فنشأت أنواع متعددة منها قصيدة النثر، وقصيدة التفعيلة اللتان بدورهما انقسمتا الى تفريعات أخرى، كيف ترى الى مستقبل الشعر العربي في ضوء هذه التقسيمات؟ ‏

ہہ يمكن الانطلاق من مقولة ذات قدرة تفسيرية في سياقنا العربي عموماً، مفادها أن الحداثة جاءتنا متركزة في الأدب على نحو خاص، بينما كانت الحركة نفسها في المركز الغربي، هي حداثة تطاول أبنية الحياة جميعاً، حداثة نقلت مركز الكون من الله الى الانسان واحدثت انقلاباً فكرياً ومفاهيمياً بات متساوقاً في حركته على المستويات المختلفة لقطاعات الحياة الانسانية، وهو خلاف ماحصل عندنا، ولذلك ظهرت تجارب تأخذ بتقانات الحداثة شكياً أحياناً، وترتد عن ثقلها فكرياً وهو مايحدث مفارقة أساسية في هذا السياق، والكلام على تحولات الشكل بين قصيدة النثر وقصيدة التفعيلة ليس هو محل تركيز القيمة بذاته الآن المآلات التي انتهت اليها تجارب واسعة من قصيدة النثر لا تختلف عن انسداد الآفاق التي انتهت إليها تجارب من قصيدة التفعيلة، الكلام يجب ان يتركز على شاعر قادر على الخلق والتمويل ضمن هذا الشكل أو ذاك مع الاعتراف بأن للشكل حدوده وقدرته على الاستيعاب والاستجابة، وكذلك على التحدد في التاريخ، وليس هناك على العموم أشكال نهائية للفن لأن صنعته الفنية تقتضي مبارحة الأشكال المستقرة والبحث عن ممكنات جديدة في القول والتعبير والصياغة، وقد يكون دالاً في هذا المستوى قول« رينيه شار» الشعر هو الكشف عن عالم يظل أبداً بحاجة الى الكشف. أما مستقبل الشعر العربي فهو مرتبط على نحو ضروري بمستقبل مجتمعنا وأمتنا وثقافتنا في قدرتها على إنجاز المغايرة وتأسيس النهوض والارتقاء في سلمه الصاعد انفتاحاً على الأمم والثقافات وتفاعلاً معها على نحو يقتضي بمزيد من الخصب والوعد وغزو آفاق المجهول واحراز وثبة ضرورية في هذه المستويات جميعاً، والشعر يمكن ان نرى اليه ضمن هذا الكل الذي يحقق لنا بالمواصفات المشار اليها أعلاه مكانة في التاريخ المعاصر ويتيح لنا المشاركة الواسعة الخلاقة التي تجعلنا في مركز الحضور لا في هوامش الغياب والعطالة والتخلف. ‏

عزيزة السيبني

المصدر: تشرين


إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...