باسم قهار يمسرح «تياترو» فواز حداد: الرواية تكبل المسرح

22-11-2008

باسم قهار يمسرح «تياترو» فواز حداد: الرواية تكبل المسرح

تقوم مسرحية »تياترو« للمخرج العراقي باسم قهار (من إنتاج المسرح القومي في دمشق)، المبنية على رواية لفواز حداد »تياترو ١٩٤٩«، على خطين يسيران معاً كما عنوان رواية حداد؛ تياترو الفرقة المسرحية التي يترأسها حسن فكرت (يؤديه زيناتي قدسية) السوري المغترب في القاهرة والعائد ليؤسس مسرحه في دمشق، العام ١٩٤٩ بما يعنيه من هزائم ما بعد النكبة، وما يعنيه من فساد وانقلابات. يبدأ العرض، تقريباً، بانقلاب حسني الزعيم وينتهي بانقلاب سامي الحناوي. لكن، وعلى غير ما يريد العرض أن يوزيناتي قدسية في لقطة من المسرحيةحي، لا ترابط حقيقياً بين الخطين، وغالباً ما كان أهل المسرح عند حضور السياسة يقيمون لعبتين متوازيتين، أو متداخلتين، هما لعبة المسرح ولعبة السياسة، لذلك جاء الديكور (لنعمان جود)، وهو جميل وبسيط ومتقن، مبنياً على مستويين؛ الخشبة الحقيقية، ومنصة مرفوعة على سلّميْن متقابلين، لكن اللعب يجري فوقهما من غير تمييز.
لكن »تياترو« فشل في استنباط علاقات منطقية بين لعبتيْ السياسة والمسرح. وهو حاول أن يقدم لعبة المسرح داخل المسرح فقدم مشاهد، من دون ضرورات درامية، مثل تدريبات الفرقة على نص كلاسيكي، ثم راح يستعرض أداءها المفخم بشكل تهكّمي. إذا أردنا مثالاً على لعبة المسرحة وأي ضرورة درامية لها لنتذكر »الخادمات« لجان جينيه، وكيف تروح الخادمتان واحدة تقلّد سيدتها والثانية تقلد الخادمة. أو كيف يستخدم هاملت فرقة مسرحية تمثل أمام عمه الملك ليكتشف وقع القتل الممسرح عليه، ليقبض بالأحرى على ضمير الملك. والأمثلة كثيرة من المسرح العالمي.
فائض المسرح
ولعل العرض كان مكبلاً بقيود كثيرة، أبرزها أنه محكوم بالرواية، وربما وجد نفسه مضطراً لأن يجد تمثيلاً لكل شخصياتها، وإلا ماذا يعني وجود شخصية ماري جبران، غير الفاعلة درامياً في العرض، ولا دور لها سوى ذِكرها سبباً ومحرضاً لعودة فكرت إلى دمشق، لكنها هنا تظل تحوم على الخشبة (أدّتها أميرة حديفي)، ربما بحجة صوت جميل لديها، وراحت تغني طوال الوقت على المسرح، غناء بدا مشوشاً أكثر منه ممتعاً. لكن ليس من المنطقي القول إن شخصية ما كانت فائضاً على الخشبة، في الوقت الذي تجد العرض برمته مفككاً ومربكاً وبلا هدف، فقد يكون كله في هذه الحالة نوعاً من فائض، رغم زعم المخرج في دليل العرض أن »على المسرح أن يملك ارتكاباته ضد الفائض من اللغة وعبء الإرث..«. نقول إن المسرحية هنا نوع من فائض لأنها تخرج أولاً على قانون المسرح الذي هو قبل كل شيء التزام بـ»الآن وهنا«، فأي درس أراد »تياترو« أن يستخلص من أحداث العام ١٩٤٩؟
إذا كان العرض قد استنتج لنفسه، وختم بالقول: إن رحيل الاستبداد حياة للمسرح، حين يقول ممثل: »الآن صار بوسعنا أن نجري بروفة بشكل صحيح«، فإن ذلك يبدو نافلاً لأن الخلاصة لم تأت نتيجة سياق ما، أو نقاش سابق لفكرة المسرح أو أثر الاستبداد.
ما بين شخصية حسن فكرت ومسرحه، وانقلاب الزعيم ومن ثم الانقلاب عليه، شخصيات عديدة يتطرّق العرض لها، ممثلة ورحلة عذابها من القرية إلى العاصمة والعمل في المسرح، ثم قصة حبها لممثل ومن ثم لصحافي، ما يعني أيضاً التطرق إلى شخصيتيْ الممثل والصحافي تالياً، ثم يمرّ في العرض محام ومحقق وشخصية منتحلة، لكن تبدو كل من تلك الشخصيات كما لو أنها تمشي منفردة عن زميلاتها، غير مكترثة ببناء درامي أو حكائي، وربما حاول كل منها أن يبني لنفسه حكايته الخاصة، وكأن الأمر هنا تجرؤ من الممثل لانتزاع مساحة له في العرض لا أكثر.
لكن اللافت في العرض هو حركة الممثلين المضبوطة، الرشيقة، والمرسومة بعناية، والأهم أنها موقعة موسيقياً بشكل جميل وخفيف ولافت (الإعداد الموسيقي قصي قدسية، وحركة الجسد لرامي فرح). من أبرز الممثلين في العرض علي كريّم، مروان أبو شاهين، شادي مقرش، مازن عباس، ورنا شميس.

راشد عيسى

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...