بمناسبة مرور عام على رحيل الأديب الطبيب عبد السلام العجيلي
الجمل : عام مضى على رحيل الدكتور عبد السلام العجيلي كان ذكره فيه حاضراً في كل ما تركه لنا من ارث ثمين يغني حاضرنا ومستقبلنا بكتب وحكايات وأفعال إنسانية تؤكد أن الأخلاق والإبداع والأدب جزء لا يتجزأ في نفس الإنسان النموذج للقدوة الحسنة .
ولعل الصفحات التالية التي كتبها بيده الدكتور عبد السلام العجيلي عن تجربته ومساهمته في تطبيق برنامج اللقاح الشامل على أطفال سوريا، تكشف لنا الدور الإنساني الهام الذي مارسه كطبيب والجهد الكبير الذي بذله، إلى جانب الجمعيات الأهلية، لدى الجهات الرسمية لتطبيق البرنامج في الرقة كبداية، وكيف تم تعميم التجربة وإنكار جهود أصحاب الفكرة .
إنها قصة نجاح تنطوي على قدر من المرارة ، لكنها لم تمنعه من تذكر حيثيات أرادها أن تبقى للتاريخ كتجربة تبين كيف تثمر الجهود الأهلية إذا وضعت في خدمتها الإمكانيات اللازمة . وما يمكن للنيات الطيبة والإخلاص للمهنة والضمير الانساني أن تفعله في مجتمع ينجب قامة وطنية بحجم الدكتور العجيلي الذي لم ينفصل دوره كطبيب عن دوره كأديب ومبدع حرص على خدمة مجتمعه ودفعه نحو التطور والنمو ليكبر معه وفيه .
وإذ نعيد اليوم في ذكرى مرور سنة على رحيله قراءة هذه التجربة ليس لإحياء ذكره، فهو حي أكثر من الأحياء، وإنما كي نتذكر أن في بلدنا تجارب تستحق إعادة القراءة مثنى وثلاث ورباع.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من عبد السلام العجيلي:
في مطلع عام 2002 صرح وزير الصحة السوري بأن سورية خالية من إصابات شلل الأطفال مائة بالمائة نتيجة لجهود وزارة الصحة في تطبيق برنامج اللقاح الشامل على أطفال القطر.دعاني قراءة تصريح الوزير إلى تسجيل حكاية هذا البرنامج و كيف كانت الدعوة إلى تطبيقه ثم كيف جرى تنفيذ هذا التطبيق, ثم وصف علاقتي الشخصية به. هذه الحكاية لا أدري إذا كان وزير الصحة يعرفها أو أنه لم يسمع بها وأعتقد أنه لن يعرج عليها لو أنه عرفها أو يعطيها كبير أهمية, محتفظاً بالفضل فيها لوزارته و ربما له شخصياً. وأنا أقول هذا اعتماداً على سيرة الدكتور إباد الشطي في عمله الوزاري و ما تبين لي من خصائصه النفسية في ممارسته ذلك العمل.حكاية برنامج التلقيح الشامل بدأت في مطلع الثمانينات من القرن المنصرم. ففي عام 1981 سعى الأب بولس سلمان رئيس جمعية أسرة الإخاء في دمشق, عن طريق أصدقاء لنا مشتركين, إلى التعرف إلي بعد قراءته لكتابي (عيادة في الريف). وأسرة الإخاء هي جمعية خيرية مهمتها العناية بالأطفال المعوقين و معالجتهم من إعاقتهم. وهي في الأصل فرع من جمعية أرض البشر العاملية التي لها فروعها في بلدان كثيرة, إلا أن القوانين المرعية في بلادنا حتمت على أن يكون الفرع السوري جمعية مستقلة بذاتها, وإن ظل من الناحية الواقعية شديد الارتباط بجمعية أرض البشر الأم. حدثني الأب بولس, في لقائنا الأول, عن تاريخ الجمعية التي يرأسها وعن أهدافها و طريقة عملها. قال لي إن لها ستة فروع في محافظات مختلفة في القطر, وإنه حين قرأ كتابي الآنف الذكر أحس بأنه عثر على الشخص الذي يستطيع مساعدته في إنشاء فرع سابع للجمعية, في محافظة الرقة, تقوم برعاية الأطفال المعاقين المصابين بمختلف العاهات ومد يد العون إليهم بالإرشاد و المعالجة الطبية و إجراء العمليات الجراحية عند الحاجة. لذلك فهو يطلب مني قبول القيام بإنشاء هذا الفرع لأسرة الإخاء في بلدتي الرقة.وعلى الرغم من كثرة مشاغلي في ذلك, ومن عادتي في الابتعاد عن الانضمام إلى أي هيئة رسمية أو عامة, فقد قبلت فكرة إنشاء فرع لأسرة الإخاء في الرقة لما أملت من خير فيها لأطفال الرقة في مجال الوقاية والمعالجة, وهما أمران يدخلان في صميم اهتماماتي الإنسانية كطبيب مكلف بالعمل لسد حاجات أبناء منطقته الصحية بكل الطرق. وقد ساعدتني الجهات الرسمية في قبول قيام فرع للأسرة في الرقة, مع توقفها عن السماح بافتتاح فروع جديدة لها, بصفته شعبة من فرع دمشق. كما ساعدني محافظ الرقة الأستاذ محمد سلمان بأن أوعز بتنفيذ ما طلبته من تخصيص فرعنا بجناح من المستشفى الوطني, لم يكن مشغولا في ذلك الحين, لكي نبدأ عملنا فيه كمقر للوقت.بدأت عمل الفرع بأن عممت على زملائي الأطباء وعلى الأهلين في مختلف مناطق محافظتنا بأن يحيلوا إلى فرعنا كل طفل دون الثالثة عشر من عمره إذا كان مصابا بعاهة معيقة أيا كان سببها, لنعمل على مساعدته في التغلب على إعاقته بالطرق الممكنة في فرعنا, وإذا احتاج الأمر في إحالته إلى مراكز أكثر استعدادا. وهذه المساعدة ستكون بأجور رمزية في بعض الحالات, وقد تكون مجانية في الحالات التي تستدعي ذلك.ولست هنا في صدد تبيان طريقة العمل في فرعنا وعن العاملين فيه من متطوعين و ممن هم بأجر, ومن وافدين أجانب ترسلهم إلينا مؤسسة أرض البشر من فرنسا بصورة خاصة. وما أريد أن أشير إليه هو ما انتهت إليه دعوتي بإحالة الأطفال المعاقين إلى الفرع من تهافت العدد الكبير منهم إليه, من مصابين بمختلف الآفات المعيقة. أكثر ما جلب انتباهي كثرة المصابين بعقابيل مرض شلل الأطفال, البوليو, المشلولة أطرافهم المختلفة جزئيا أو كليا. قبل هذه الدعوة كنت في الشهر والشهرين أقع على حالة أو أكثر من تلك العقابيل بين المرضى الذين يراجعونني. ولكن هذا العدد ارتفع إلى عشرات وبعدئذ إلى مئات في الأشهر الأولى ثم في السنتين التاليتين، بين الأطفال المحالين إلى الفرع. كنت أعرف من مطالعاتي العلمية أن شلل الأطفال قد تضاءل حتى الانمحاء في البلدان المتقدمة، وحتى في بلدان تعتبر من العالم الثالث في أمريكا الجنوبية وفي كوبا. هذا الانمحاء جاء نتيجة لتطبيق اللقاح الواقي من شلل الأطفال بصورة نموذجية على أطفال تلك البلدان منذ الأشهر الأولى من حياتهم. فلماذا يظل أطفالنا عرضة لهذا المرض المخيف ليتكون منهم في النهاية، في الرقة وفي باقي أنحاء قطرنا السوري، هذا الجيش الكثيف من المعاقين؟ساقني تساؤلي هذا إلى التفكير بالسعي إلى أن يتولى فرعنا في أسرة الإنحاء سد النقص الذي نعانيه في هذا المجال، بأن نقوم بحملة تلقيح في منطقة محافظة الرقة ضد شلل الأطفال، وضد السل الذي كان متفشياً في منطقتنا تفشياً مريعاً. عرضت فكرتي على إدارة الأسرة بدمشق التي اتصلت بمؤسسة أرض البشر في فرنسا، فلقيت قبولاً مع الاستعداد للمساعدة بالطرق الممكنة. وأرسلت المؤسسة إلينا الدكتورة مارتين فيتيه لتتدارس معي، في الرقة، خطة العمل في حملة التلقيح المقترحة.أخذنا في حسابنا أن علينا أن نلقح في خلال هذه الحملة من الأطفال عدداً يقارب ثلاثين ألف. كان علينا أن نؤمن كمية من اللقاح كافية لهذا العدد، وأن نؤمن عناصر بشرية تكفي لمباشرة التلقيح على هذا العدد. توجهت مؤسسة أرض البشر إلى فروعها الأوروبية لتزويدنا بكميات من اللقاحات تبرعاً منها بلا مقابل لمشروعنا. وقد تلقيت شخصياً رسائل من بعض تلك الفروع تستفهم مني عما يهمها قبل أن تقدم لنا ما نطلبه. أما العناصر البشرية المؤهلة لتطبيق التلقيح فكان علينا نحن في فرعنا في الرقة تأمين أفرادها وتأمين وسائط نقلهم وأسباب عيشهم طيلة فترة الحملة. ولهذه الغاية الأخيرة أكثرت اتصالاتي بالمراجع الرسمية، من إدارية وصحية، في الرقة ثم في العاصمة، لأشرح أهمية العمل الذي نقوم ولأطلب مساهمة هذه المراجع بإمكانياتها الكبيرة فيه.في الرقة كان المحافظ الأستاذ محمد سليمان على تفهم تام لقيمة ما نفعله فأبدى استعداده لأن يضع تحت تصرفنا كل آليات دوائر المحافظة وكل ما نطلب انضمامه إلينا من موظفيها. أما في دمشق فقد قابلت الدكتور حامد حسن، وهو رئيس اتحاد طلبة سورية، وشرحت له مشروعنا الذي نريد أن ندخله مرحلة التنفيذ. قلت له إنكم تقيمون لطلاب الصفوف المنتهية في كليات الطب، وفي كل صيف، معسكرات تدريب طبية في المحافظات البعيدة… نريدكم أن تعطونا طلابكم في هذا الصيف ليكون تدريبهم على تلقيح الأطفال في حملتنا. وافق الرجل على طلبي، فحصلنا بهذا على حاجتنا من العناصر البشرية بطريقة مناسبة وصالحة.وفي دمشق أيضاً، في أثناء مساعي لإنجاح عملنا، تدخلت الظروف لتجعل مشروعنا أكثر اتساعاً وأشمل فائدة. فقد كنت في زيارة للسيدة هالة فرح في مقر عملها في مكتب هيئة الأمم المتحدة في عاصمة بلادنا، وهي الصديقة التي عرفت الأب بولس سليمان بي في أول تلاقينا، فسألتني عن سير العمل في مشروعنا. أخبرتها بأننا في انتظار اللقاحات التي ستزودنا بها جمعية أرض البشر في فرنسا وسويسرا. قالت لي: ولماذا تلجئون إلى الجمعيات البعيدة؟ يمكنكم أن تطلبوا من اليونيسيف، منظمة حماية الأطفال التابعة للأمم المتحدة، حاجتكم من اللقاحات. إن مكتبها في جوارنا، وتستطيع الآن أن تلقى فيه مديرها الدكتور شفيق الشلاح. سيكون مستعد لمساعدتكم، لأن مشروعكم من صميم عمل منظمته.وكان لقائي بالدكتور السلاح بداية تطور فعال في عملنا. قال لي إن مشاركة المنظمة هنا أبوابه لأنه لم يجد من يريد التعاون معه والاستفادة من إمكانياته. كما قال إن اليونيسيف لن تكتفي بتزويدنا باللقاحين اللذين نطلبهما منها، لقاح سالك ضد شلل الأطفال ولقاح ب س ج ضد السل، بل إنها ستزودنا باللقاحات ضد الكزاز والدفتريا والتيفوئيد والسعال الديكي، مما يضمن مجموعها تلقيحاً شاملاً للأطفال. إلا أنه أضاف قائلاً إن المنظمة، بحكم كونها تابعة لهيئة الأمم المتحدة، لا تستطيع التعامل معي شخصياً، ولا مع أسرة الإخاء التي أرأس فرعها في الرقة، ولا مع منظمة الهلال الأحمر التي كنت أرأس فرعها كذلك والتي اعتبرتها شريكاً لنا في العمل. إذ لابد من تغطية حكومية رسمية لمشروعنا لتقدم اليونيسيف مساعدتها لنا. كان علي إذن أن أتوجه إلى وزارة الصحة لإطلاعها على مخططنا والطلب منها أن تأخذ نصيبها من المساهمة في حملتنا. وهذا ما فعلته، وما اقتنعت به المراجع التي قابلتها في وزارة الصحة والتي بينت لي أن فكرة التلقيح الشامل قد خططت لها الوزارة منذ منتصف السبعينيات ولكن الظروف لم تسمح بإخراجها إلى حيز التنفيذ إلى اليوم!وبدأنا عملنا في أواخر الصيف، صيف عام 1985، وفي الموعد الذي حددناه. كنت أعرف تهيب الناس في منطقتنا لعملية التلقيح بذاتها لعدم إلفتهم لها. لذلك قمنا بدعاية واسعة، بين الأمهات بصورة خاصة، لتبيان فوائد العملية وسلامة تطبيقها على الأطفال. بل إني كتبت خطباً بأسلوب ديني وزعتها على أئمة الجوامع، لتقرأ على المصلين في أيام الجمع، تحث الأهلين على حمل أولادهم إلى وحدات التلقيح. وقد قامت هذه الوحدات بمهماتها طبقاً للبرنامج الذي حددناه بصورة جيدة. وكانت النتيجة أن تلقى ثماني عشر ألف طفل لقاحهم الشامل في تلك الحملة. وهو عدد، وإن لم يبلغ ما قدرناه عند التخطيط لمشروعنا، ضخم ومرض واعتبرت المراجع المسؤولة على اختلافها الوصول إليه إنجازاً كبيراً.أحد تلك المراجع المسؤولة التي قدرت هذا الإنجاز كانت مؤسسة اليونيسيف نفسها التي أرسلت إلينا من نيويورك وفداً يضم عدداً من كبار موظفيها، جاءوا إلى الرقة ليلتقوا بنا وليطلعوا على طريقتنا في العمل وعلى النتائج التي وصلنا إليها. كانوا على علم بالنصيب الذي كان لي في التفكير والإعداد والتنفيذ، وتجاوز العقبات التي كان يمكن أن تعرقل عملنا. وهذا ما جعل اهتمامهم بشخصي كبيراً. وعرض عليّ الناطق باسم الوفد أن أكتب مقالاً عن عملنا لينشر في دوريات هيئة الأمم المتحدة باعتباره إنجازاً كبيراً لليونيسيف، بمناسبة الاحتفال بمرور أربعين عاماً على نشوء المنظمة. وعلى الرغم من أهمية ما طلب مني، فقد اعتذرت عن عدم تنفيذه احتجاجاً على تصرفات أزعجتني من بعض الرسميين ودفعتني إلى التباعد عنهم.كان من المقرر أن تقام في اللاذقية عن عملية التلقيح باعتبار أن السلطات الصحية في تلك المدينة قامت بعمل مماثل لعملنا ولكن على نطاق ضيق وعلى عدد قليل من الأطفال. طلبت من الرسميين الذين سيتحدثون في الندوة أن يشكروا أسرة الإخاء التي أوفدت منظمتها الأم إلينا ممثلتها الدكتورة فيتيه، وزودتنا بكثير من المعلومات وآزرتنا في التخطيط والتنسيق حتى استطعنا إنجاح حملتنا. قيل لي جواباً على طلبي بأنهم لن يشكروا أية جهة أجنبية، وإنهم سيكتفون بشكري شخصياً. أزعجني هذا التصرف كما استغربت أن يقول لي أحدهم ونحن نبحث في الترتيبات التي كان على الجهات الحكومية أن تتخذها إبان الحملة، أزعجني قوله بلهجة بين المزاح والجد: من أين جئت لنا بوجع الرأس هذا!… إلى جانب أمور أخرى تافهة القيمة من هذا القبيل.لم تكن هذه على كل حال أشياء ذات قيمة تجاه نتائج جهودنا، وتجاه ما انتهت إليه هذه الجهود من عمل مستقبلي. فقد زار أعضاء وفد اليونيسيف القادم إلينا من أمريكا رئيس الجمهورية الراحل، الرئيس حافظ الأسد رحمه الله، وتحدثوا إليه عن سرورهم بالإنجاز الكبير الذي تمثله حملة اللقاح في محافظة الرقة. سألهم الرئيس: ماذا تريدون منا من مساعدة؟ قالوا له: نريد أن يطبق ما جرى في الرقة على كل سورية!هذا كان جوابهم على سؤال الرئيس، كما رواه لي الدكتور شفيق السلاح الذي كان مرافقاً لرجالات الوفد في مقابلتهم له أصدر الرئيس حينئذ أمره الذي لا مرد له ولا تردد فيه بأن يطبق في سائر المحافظات السورية ما طبق في محافظة الرقة. ونفذ هذا الأمر كما ينبغي بعد أن تم الاستعداد له كما ينبغي. وكنت ذكرت في أحد تقاريري التي كتبتها تهيئة لحملتنا أن التلقيح الشامل الذي أجري في جمهورية كولومبيا في أمريكا الجنوبية قد بدأه رئيس الجمهورية بالذات، بأن تولى بيده تلقيح أول طفل من رعاياه. ويبدو أن رئيس جمهوريتنا قد أعلم بهذا الذي ذكرته عن رئيس جمهورية كولومبيا، فتولى سيادته بيده حقن أول طفل في الحملة العامة بحقنة اللقاح الشامل..كانت تلك أولى الحملات العامة والشاملة لكافة أنحاء قطرنا، التي تكررت ولا تزال تتكرر، والتي أدت إلى الواقع الذي وصفه وزير الصحة السورية عن خلو بلادنا من إصابات شلل الأطفال. انطلق هذا العمل الجليل من محافظتنا وتوجت نتيجته مبادرتنا التي سعينا إليها بإمكاناتنا المتواضعة، ولكنها الجادة والمصممة على نفع أبنائنا بتحصينهم ضد آفات ممرضة ومعيقة وقتالة. وقد أحببت أن أسجل في هذه السطور في ذكرياتي عن هذه المبادرة، وأن أتحدث عن دورنا فيها، وإن جهل كثيرون ذلك الدور، أو تجاهله كثيرون من عارفيه.وفي ما يلي ألحق نماذج لمراسلاتنا وتقاريرنا التي بدأنا بها مبادرتنا تلك، والتي بمتابعتها وتطبيقها حصلنا على ما حصلنا عليه ووصلنا إلى ما وصلنا إليه.
(ملحق1)
الدكتورة مارتين فيتيه، من منظمة أرض البشر، فرنسا
مشروع التلقيح في منطقة الرقة
المشروع الذي قدم شفهياً إلى المحافظ وإلى مدير الصحة هو التالي:
- الأمراض التي يجري التمنيع منها هي شلل الأطفال والسل، اللذان يستشريان في المنطقة.
- الطريقة المتبعة هي حقن تحت الجلد للقاح ب س ج واللقاح الفموي ضد شلل الأطفال. ستعطى هذه اللقاحات في حملات جماعية. و تستخدم الطريقة التي طبقت في كوبا خالية من مرض شلل الأطفال (راجع خلاصة مقال منشور في مجلة «صحة العالم» الملحقة بهذا التقدير).
بين سكان منطقة الرقة البالغ عددهم 40000 مواطن قدرت عدد الأطفال دون الرابعة من العمر, وهم المعنيون بالمشروع , قدرته بين ثلاثين و أربعين ألف طفل. وقد وافقت السلطة الإدارية عللى هذا التقدير, أو أنها على الأقل لا تملك أرقاما أكثر دقة في الموضوع.
سيهيأ للتنفيذ 30 إلى 40 فريقا من ثلاثة أشخاص (طلاب طب في مرحلة التدريب) مؤلفين من:
- سكرتير
- محضر
- ملقح
ويجري تبادل المهمات داخل الفريق، كي يستطيع كل منهم القيام بكل منها.
يلقح كل فريق نحواً من 1000 طفل، بواقع مائة طفل يومياً في أسبوعين كل منهما خمسة أيام عمل. ويحسب الحساب لحملة ثانية في فترة 6 إلى 8 أسابيع (الطلاب في العادة يقضون 4 أسابيع من التدريب في العطل الصيفية). ويطبق في المرور الأول حقن لقاح ب س ج تحت الجلد وأول دفعة من اللقاح الفموي للشلل. وفي المرور الثاني يجري التأكد من ندبة ب س ج وتعطى الدفعة الثانية من لقاح الشلل الفموي.
تقوم مديرية الصحة بإعلام الأهالي، وبتعيين مسير الحملة، وبتأمين حاجيات العمل (سيارات ووقود وبرادات، وما إلى هنالك) وبتنظيم أسلوب التدريب بالاشتراك مع كليات الطب. بمعنى الاهتمام بالقضايا الميدانية في أمكنة العمل.
ما يطلبه مدير الصحة من جمعية أرض البشر هو التالي:
- تحضير الدراسات العلمية عن هذا التلقيح الجماعي على دفعتين من الجرعات الفموية كل عامين لكل الأطفال ما دون الرابعة، كما هو جار في كوبا.
- تأمين سلسلة التبريد للقاح ما بين منتج اللقاح والرقة.
- إرسال ثلاثة اختصاصيين (؟) لمتابعة هذه العملية.
(ملحق 2)
أرض البشر
سويسرا – جنيف
23 نوفمبر 1984
إلى الدكتور عبد السلام العجيلي
الرقة، سورية
عزيزي الدكتور ،
أرجو أن تسمح لي بأن أطلب منك رأياً. لقد طلب من منظمتنا (وهي مؤسسة مستقلة عن منظمات أرض البشر المحلية) معونة من أجل مشروع «مكافحة شلل الأطفال عند السكان البدو في سورية».
من ناحيتي، وبعد أن استشرت طبيباً سوريا يعمل في جنيف، وضعت على الطلب بعض نقاط استفهام، مثل الآتية:
1) لماذا اختير شلل الأطفال سواه من الأمراض التي يبدو أن الرحل معرضون لها أكثر، مثل الكزاز والخناق والسل؟
2) إن لقاحات شلل الأطفال تختزن في البرودة، فكيف يستطاع اللحاق بالرحل في تنقلاتهم الدائمة، وكيف يمكن احترام فترات تكرار التلقيح؟
3) ما أراه أن شروط انتقال الإصابة بشلل الأطفال في الوسط البدوي تكاد تكون معدومة. ألا يمكن أن تكون الشلول وحالات العرج المتقطع ناجمة عن أسباب أخرى، مثل الوقوع والرضوض الولادية؟
إني أود قبل أن نسير بعيدا في هذا المشروع أن أطلع على رأيك.
ومع شكري، أرجو يا عزيزي الدكتور، أن تتقبل خالص مشاعري التقديرية.
عن منظمة أرض البشر
روجيه فان دن بروك، أمين السر
(ملحق 3)
الرقة في 3 ديسمبر 1984
عزيزي السيد فان دن بروك،
كل شكري لرسالتكم اللطيفة، وأود أن أعطي بعض الإيضاحات حول النقاط التي تضمنتها الرسالة، مع العلم بأني لا أدري في الحقيقة هل توجهتم إليّ بصفتي الشخصية أو لعلمكم بأني رئيس فرع الرقة لأسرة الإخاء (أرض البشر).
ويبدو أن شيئاً من سوء التفاهم قد دار حول الاسم الذي أطلق على مشروعنا، وهو الذي بسببه جرى الاتصال بكم.
هذا العمل هو مشروع رائد نسعى إلى تطبيقه في منطقة الرقة على أطفال أهلها، سواء كانوا بدوا أو حضريين. وفي هذه المنطقة، حتى الذين هم من أصل بدوي خالص لم يعودوا رحّلا إلا بصورة جزئية. لقد أصبحوا أصحاب سكن ثابت منذ أمد طويل. وأولئك الذين لا يزالون يعيشون حياة بدوية إنما ينتقلون في موسم الانتجاع والرعي فقط، ليعودوا بعدئذ إلى قراهم في بقية العام.
وعن أسرة الإخاء (أرض البشر) في الرقة أقول إنها فرع بادئ. عندما باشرنا نشاطنا منذ ثلاثة أعوام بتسجيل الأطفال المعاقين في منطقتنا صدمنا بالعدد المرتفع لحالات عقابيل إصابات شلل الأطفال التي وردت إلينا. فبين ستمائة حالة مسجلة حالياً لدينا في المدينة والقرى حولها نجد أن النصف منها حالات شلل أطفال. والقائمة لم تنته بعد، لأن الكثيرين لم يعلموا بعد بوجودنا. ونحن نقدر أن هناك أربعة آلاف معاق بين سكان المنطقة الذين يبلغ تعدادهم أربعمائة ألف. وهذا العدد سائر إلى الازدياد في غياب التلقيح الوقائي النموذجي. مبدئياً لا يطبق التلقيح النظامي في الوقت الحاضر إلا عند الالتحاق بالمدرسة، وهو ليس شاملاً. وهذا ما دفعني إلى السعي إلى تلافي هذا التقصير المؤسف.
ونحن لم نهمل الأمراض الأخرى المنتشرة في المنطقة. وتجدون ربطاً صورة من البرنامج الذي هيأته معنا الدكتور مارتين فيته، من أرض البشر في فرنسا، في زيارتها الأخيرة لمركزنا. وهو متعلق بالتلقيح ضد شلل الأطفال وزرق لقاح ب س ج. في آن واحد.
في هذا البرنامج، كما تلاحظون، ذكرنا أن تنفيذ المشروع سيكون حسب ما نأمل بالتعاون مع الإدارة المحلية وكليات الطب في بلادنا التي تقيم معسكرات صيفية لطلاب السنين الأخيرة يتدربون فيها على الممارسة الطبية خلال أسبوعين في المناطق القروية. ثم إننا مهتمون كذلك بالاحتفاظ باللقاحات في البرودة، ولا سيما أنه لوحظ بعض إصابات الشلل في أطفال ملقحين سابقاً مما يدعو إلى الشكل بنوعية الاحتفاظ ببعض اللقاحات.
وأختم هذا السطور، يا سيدي العزيز، بأن أشكركم سلفاً على كل مساعدة ستقدمونها لنشاطاتنا في هذا المجال، وبرجائي أن تثقوا مني بخالص مشاعر المودة والتقدير.
عبد السلام العجيلي
الجمل_ خاص
إضافة تعليق جديد