الثورة والمقاومة والإشكالية السورية
الجمل- عبدالله علي: "الثورة تمزِّق علم المقاومة" ... تفسير هذه الواقعة مفتوح على احتمالات عدة: إمَّا أنَّ الثورة والمقاومة نقيضان متضادَّان، وأن الثورة فعل خير بينما المقاومة فعل شرٍّ. وإمَّا أنهما صنوان متآلفان مما يثير الاستغراب حول العداء الطارئ بينهما.
من حيث الاصطلاح، تعني الثورة الانتفاض ضد الحكم الظالم للتخلص من القمع ونيل الحرية والمساواة. وتعني المقاومة الانتفاض ضد الاحتلال بهدف تحرير أرض الوطن وإرادة الإنسان. وبالتالي فإن الثورة والمقاومة لهما نفس المفهوم وهو الانتفاض من أجل الحرية، ويقتصر الاختلاف على الجهة التي يتم الانتفاض بوجهها، فإذا كانت سلطة محلية قيل عنها ثورة، وإذا كانت سلطة أجنبية قيل عنها مقاومة. علماً أن هذا التمييز بين الثورة والمقاومة لم يكن قائماً دائماً على هذا النحو، فأغلب حركات المقاومة العربية التاريخية ضد الاحتلال العسكري أطلق عليها اسم الثورة كالثورة السورية والثورة الجزائرية وغيرها كثير.
لا مجال إذاً لإعمال الاحتمال الأول القائل بأن الثورة والمقاومة نقيضان متضادَّان وأن أحدهما خير والآخر شرّ، لأن التعريف بيَّن لنا بما لا يدع مجالاً للشك أنهما شيء واحد وينطويان على نفس المعنى والمفهوم.
وهنا علينا أن نطرح التساؤل التالي: طالما أن الثورة والمقاومة صنوان متآلفان فلماذا هذا العداء بينهما؟
*****
الحرية لا تتجزأ، ومقتضى هذا أن تتوحد جهود جميع المطالبين بالحرية وأن يدعم بعضهم البعض الآخر، كما فعلت جميع حركات التحرر في العالم عندما كانت تتساند وتتآزر وتتعاضد فيما بينها ضد القوة الغاشمة التي تغتصب حريتها. لكنَّ الواقع الجديد يجري بعكس هذا المقتضى حيث نرى "الثورات العربية الحالية" تنظر بعين إلى بعض الثورات، وتغمض العين الثانية دون ثورات أخرى كالثورة في البحرين، وكذلك الأمر في علاقة هذه الثورات وخاصة "السورية" بالمقاومة الإسلامية في لبنان.
منذ بدء ما يطلق عليها أصحابها اسم "الثورة السورية"، وعلى وجه الدقة في احتجاجات درعا التي انطلقت في أواسط شهر آذار الماضي، لاحظنا صدور تصريحات من بعض الشخصيات المعارضة تتهم حزب الله بالمشاركة في أعمال القمع من خلال إرساله ثلاثة آلاف مقاتل لدعم السلطة السورية في مواجهة تلك الاحتجاجات، كما سمعنا العديد من الشعارات التي أطلقها المشاركون في المظاهرات ضد حزب الله وضد إيران، حتى وصل الأمر إلى قيام هؤلاء بإحراق علم المقاومة وعلم دولة إيران.
واستباقاً لأي اعتراض نقول أن التصريحات والشعارات أثناء احتجاجات درعا صدرت قبل أن يقول حزب الله رأيه فيما يجري، أي لا يمكن اعتبارها رد فعل على موقف حزب الله اللاحق والذي انحاز من خلاله إلى جانب السلطة السورية. مما يدلُّ في اعتقادي على وجود موقف مسبق للثورة السورية ضد حزب الله ومقاتليه، وهو موقف دلَّت الوقائع على أنه مشوب بكثير من التشنج غير المبرر. وهذا الموقف يطرح الكثير من التساؤلات المريبة، لا سيما وأن قسماً كبيراً من الشعب السوري ينظر بفخر إلى المقاومة الإسلامية ويعتبرها نقطة بيضاء في تاريخ أسود من الاستسلام والإذعان.
قد يخطر على بال البعض أن سبب عداء الثورة السورية للمقاومة اللبنانية هو التحالف القائم بين هذه الأخيرة وبين السلطة السورية من باب أن صديق عدوك عدو، لكن عندما نفكر أن المقاومة الاسلامية حماس هي أيضاً حليف للسلطة السورية يكون من حقنا أن نستغرب لماذا لم يبادر القائمون على الثورة باتخاذ موقف مشابه من حماس، علماً أن قيادتها بخلاف قيادة حزب الله، مقيمة في العاصمة دمشق وما زالت!!!. ويوازي هذا استغرابٌ آخر، لماذا لم نسمع في ميدان التحرير في مصر أو حول سفارة البحرين فيها شعارات كتلك التي انطلقت لدعم الثورة السورية؟ أم أن ثورة البحرين لا تحتاج إلى الدعم؟
نحن نطرح هذه التساؤلات انطلاقاً من أنَّ لا شيء يحدث دون سبب، وأن فهم الواقع يوجب علينا أن نبحث عن الأسباب دائماً، ونترك لفطنة كل قارئ أن يجد الأسباب بنفسه.
*****
وقد يرى البعض أن سبب هذا العداء يكمن في أن السلطة السورية قامت على مدى سنين طويلة بتبرير غياب الحريات الفردية والانتقاص من حق التعبير بذريعة الممانعة والمقاومة، وعليه يرى هذا البعض أن نيل الحرية يستوجب تحطيم الذرائع التي تحول دونه، لذلك كان هذه العداء من جانب الثورة السورية للمقاومة باعتبارها تشكل الذريعة التي تعتمد عليها السلطة لسلب الحريات وانتقاص الحقوق.
ومما لاشكَّ فيه أن معادلة الحرية مقابل الممانعة قد كانت ومازالت إشكالية معقدة لم تتمكن السلطات السورية من النجاح في حلها، وفضَّلت دائماً تغليب جانب الممانعة على جانب الحرية.
ولكن هل يعني هذا أن يكون البديل هو استعداء المقاومة أو محاولة القضاء عليها، وهل نفهم من هذا أن القائمين على الثورة يؤمنون حقاً بوجوب التخلي عن المقاومة كسبيل أوحد لنيل الحرية؟
سؤال برسم من يهمه الأمر.
*****
في الختام نقول: لا يمكن لثائر أن يمزق راية ثائر مثله، مهما كانت الأسباب. وحتى في حال وجود اختلاف مرحلي أو تكتيكي بين ثورة وأخرى، فإن الثائر الحقيقي يدرك بحدسه أن من مصلحته أن يدعم أي ثورة تقوم ضد القمع أو الاحتلال لأنها تساهم في تخليص العالم من جزء منهما، وأنَّ تحرير شبر من الأرض أو فرد من الناس هو خطوة لتحقيق الهدف الاستراتيجي بالحرية الكاملة.
التعليقات
لأنو حزب اللة شيعي
معك حق فادي
حرية مقرفة التي يطلبون
حرية مقرفة التي يطلبون
كتب عزمي بشارة على صفحته في
إضافة تعليق جديد