خارطة الديبلوماسية التركية تجاه الصراعات السياسية في الدول العربية

12-04-2011

خارطة الديبلوماسية التركية تجاه الصراعات السياسية في الدول العربية

الجمل: تحدثت التقارير والتحليلات السياسية الجارية عن جهود الدبلوماسيات العربية والإفريقية والتركية الساعية إلى احتواء الصراعات السياسية الشرق أوسطية المحتدمة في ليبيا ـ اليمن ـ البحرين، فما هي طبيعة وحقيقة هذه الجهود، وما مدى مصداقية تأثير العامل التركي في تعزيز فعاليات هذه الجهود؟

* التحركات الجارية في المسرح الدبلوماسي الشرق أوسطي: توصيف المعلومات الجارية

تشهد منطقة الشرق الأوسط في الوقت الحالي أربعة صراعات سياسية مرتفعة الشدة، وبالمقابل ولجهة احتواء ضغوط هذه الصراعات، بدأت العديد من الأطراف الدولية والإقليمية تحركاً دبلوماسياً مكثفاً من أجل دفع الأوضاع نحو التهدئة والحل، وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي:
•    جهود احتواء الصراع الليبي: برز إلى سطح الأحداث تحركان دبلوماسيان، الأول بواسطة تركيا ضمن ما عرف بـ(خطة خارطة الطريق التركية لحل الأزمة الليبية)، والثاني بواسطة الاتحاد الإفريقي ضمن ما عرف بـ(خطة خارطة الطريق الإفريقية لحل الأزمة الليبية).
•    جهود احتواء الصراع اليمني: برز إلى سطح الأحداث تحركان دبلوماسيان، الأول بواسطة دول مجلس التعاون الخليجي ضمن ما عرف بـ(المبادرة الخليجية لحل أزمة الصراع اليمني)، والثاني بواسطة تركيا ضمن ما عرف بـ(خارطة طريق حل الصراع اليمني).
•    جهود احتواء الصراع البحريني: برز إلى سطح الأحداث تحرك دبلوماسي بواسطة تركيا، ضمن ما عرف بـ(المبادرة التركية لحل الأزمة الليبية).
•    جهود احتواء الصراع الفلسطيني: برزت إلى سطح الأحداث تسريبات عن تحرك دبلوماسي بواسطة تركيا، لعقد مصالحة بين حركة حماس وحركة فتح الفلسطينيتان، وتقول التسريبات بأن أنقرا قد وجهت الدعوة للطرفين من أجل عقد اجتماع للمصالحة بينهما في مدينة اسطنبول التركية.
تقول المعلومات والتسريبات، بأن كل المبادرات التي تم طرحها لم تتمكن حتى الآن من تحقيق النجاح، فقد وافق الزعيم معمر القذافي على المبادرة التركية والمبادرة الإفريقية، ولكن المعارضة المسلحة الليبية رفضت المبادرتين، وبالنسبة لليمن، فقد وافق الرئيس علي عبد الله صالح على المبادرة الخليجية، ولكن المعارضة السياسية اليمنية رفضت المبادرة، وبالنسبة للبحرين، تقول المعلومات والتسريبات بأن جمعية الوفاق الوطني الإسلامية ـ الفصيل الرئيسي المعارض ـ أكدت بأنها لم تستلم أي مبادرة تركية وأضافت الجمعية بأنها سوف تتعامل بإيجابية مع المبادرة التركية متى ما وصلت إليها. وبالنسبة لمبادرة المصالحة الفلسطينية، تقول المعلومات والتسريبات بأن الفرقاء الفلسطينيين قد وافقوا على عقد لقاء اسطنبول وتبقت بعض المسائل الإجرائية الترتيبية والتي بمجرد أن تكتمل فإن لقاء اسطنبول الخاص بمصالحة فتح ـ حماس سوف ينعقد.

* دبلوماسية المبادرات وحل الصراعات: تحليل المحتوى والمضمون

احتوت المبادرات وخرائط الطريق التي تم طرحها كأساس لتحقيق التهدئة وحل الصراعات على العديد من البنود، والتي سعت بشكل مكثف ومختصر إلى إقناع أطراف الصراع بضرورة التّخلي عن الدفع باتجاه هاوية إشعال النزاعات المدمرة، وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي:
•    النموذج التركي لحل الصراع الليبي: تقول المعلومات بأن المبادرة التركية التي أخذت شكل خارطة طريق حل الصراع الليبي قد تضمنت الآتي:
ـ الوقف الفوري لعمليات إطلاق النار.
ـ الامتناع عن استهداف المدنيين.
ـ انسحاب قوات القذافي من المدن التي تحاصرها.
ـ توفير الممرات الآمنة لمرور المساعدات الإنسانية.
ـ تأمين سبل الوصول للمساعدات الإنسانية.
ـ الانتقال إلى مرحلة الديمقراطية الدستورية.
تشكيل حكومة انتقالية يقودها سيف الإسلام معمر القذافي وتشارك فيها المعارضة الليبية.
ـ أن تسعى الحكومة الانتقالية لإجراء الإصلاحات السياسية والاقتصادية إضافة إلى إجراء التحولات الجذرية في هياكل الدولة.
ـ بقاء القذافي كزعيم رمزي دون أي صلاحيات دستورية أو تنفيذية.
هذا، واقترحت المبادرة التركية، أن يتم التوقيع على اتفاقية هدنة فورية بما يؤدي على الفور إلى عملية الفصل بين القوات (قوات نظام القذافي وقوات جيش تحرير ليبيا التابع للمعارضة). إضافة إلى قبول الطرفين بأن تتم عملية الإشراف على الهدنة ووقف إطلاق النار والفصل بين القوات، بواسطة: خبراء الأمم المتحدة ـ دول التحالف الدولي.
أشارت المعلومات إلى أن الزعيم معمر القذافيي قد وافق على المبادرة التركية، ولكنه اعترض على النقاط الآتية:
ـ الاعتراض على مشاركة دول التحالف الدولي في عمليات الإشراف والرقابة، وذلك لأن قوات هذه الدول تمثل طرفاً في الصراع المسلح الدائر حالياً، وبالتالي فهي طرف في النزاع وليست طرفاً محايداً.
ـ الاعتراض على أن يتم تبني بنود المبادرة عن طريق إصدار قرار دولي بواسطة مجلس الأمن، وذلك لأن مجلس الأمن الدولي هو الذي قام بالأساس بإصدار قرار فرض منطقة حظر الطيران على ليبيا، بما أدى إلى اندلاع المواجهات العسكرية والضربات الجوية.
هذا، وتقول المعلومات والتسريبات بأن تركيا قد وافقت من حيث المبدأ على ضرورة تعيين مراقبين مستقلين يجري اختيارهم من دول لم تشارك في العمليات العسكرية الجارية حالياً في الساحة الليبية. هذا وتقول المعلومات والتسريبات بأن المبادرة التركية قد حظيت بالموافقة الأمريكية والمصرية. ووافق عليها الزعيم معمر القذافي، ولكنها اصطدمت برفض المعارضة الليبية، والتي ما زالت أكثر إصراراً على رفض أي مبادرة لا تتضمن خروج الزعيم معمر القذافي وعائلته عن السلطة.
•    النموذج الخليجي لحل الصراع اليمني: تقول المعلومات بأن المبادرة الخليجية التي سعت إلى حل الصراع اليمني، قد تضمنت المفاصل الآتية:
ـ مبادئ المبادرة: وهي خمسة وتتمثل في الآتي:
1 ـ ضرورة أن يؤدي الحل إلى الحفاظ على وحدة اليمن.
2 ـ ضرورة أن يلبي الاتفاق طموحات الشعب اليمني إزاء التغيير والإصلاح.
3 ـ أن تتم عملية انتقال سلسة للسلطة وآمنة لجهة تجنيب اليمن الانزلاق نحو العنف والغموض.
4 ـ أن تلتزم كافة الأطراف بإزالة عناصر التوتر السياسي والأمني.
5 ـ أن تلتزم كافة الأطراف بوقف جميع أشكال الانتقام والملاحقة ضد بعضها البعض، وذلك عن طريق تقديم الضمانات والتعهدات اللازمة لتحقيق هذا الغرض.
ـ خطوات المبادرة: وتضمنت خطوتان، هما:
الخطوة الأولى: أن يعلن الرئيس علي عبد الله صالح تنحيه عن السلطة وفي نفس الوقت يقوم بتسليم السلطة لنائبه عبد ربه منصور هادي.
الخطوة الثانية: أن تتم عملية تشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة المعارضة اليمنية، من أجل: إعداد الدستور وتنظيم الانتخابات الجديدة.
هذا، وأشارت المعلومات والتسريبات إلى أن المبادرة الخليجية قد وجدت موافقة أمريكا وقبول الرئيس علي عبد الله صالح، ولكنها ما زالت تصطدم برفض المعارضة اليمنية التي تتمسك بضرورة رحيل الرئيبس علي عبد الله صالح وملاحقته ورموز نظامه قضائياً.
بالنسبة لنموذج المبادرة الإفريقية لحل الصراع الليبي، فمن الواضح، أن الروابط الوثيقة التي حدثت في الفترات الماضية بين الزعيم معمر القذافي والاتحاد الإفريقي، إضافة إلى تزايد شكوك أطراف المعارضة الليبية في عدم حيادية الاتحاد الإفريقي إزاء القذافي، إضافة إلى عدم رغبة الأطراف الغربية (وعلى وجه الخصوص واشنطن ـ لندن ـ باريس) في تولي الاتحاد الإفريقي لأي دور في الأزمة الليبية، فقد تشددت مواقف المعارضة الليبية الرافضة للمبادرة الإفريقية.
أما بالنسبة لنموذج المبادرة التركية لحل الصراع البحريني، فمن الواضح أن هذه المبادرة لم يتم طرحها لتداول أطراف الصراع حتى الآن، وتشير التسريبات إلى أن الضغوط الأمريكية والسعودية هي التي دفعت أنقرا لجهة تأخير طرح المبادرة، وذلك لأن محور الرياض ـ واشنطن ما زال أكثر تمسكاً لجهة إنفاذ استخدام العنف الهيكلي والوظيفي كوسيلة لاحتواء الصراع البحريني بما يتيح أيضاً ردع الأطراف الخليجية الأخرى من مغبة إشعال الصراعات المماثلة.

* الدور التركي المتزايد: الأبعاد غير المعلنة

على أساس اعتبارات خارطة التحالف وعلاقات توزيع موازين القوى الإقليمية والدولية، يمكن ملاحظة الآتي:
•    سعي تركيا المتزايد لجهة القيام بالقدر الأكبر من جهود احتواء وحل الصراعات والنزاعات في منطقة الشرق الأوسط.
•    سعي تركيا إلى القيام بإجراء المشاورات والتفاهمات الرئيسية المسبقة مع واشنطن، إضافة إلى القيام بالمشاورات والتفاهمات الثانوية مع كل من القاهرة والرياض.
•    عدم اهتمام أنقرا بإجراء المشاورات مع بلدان الاتحاد الأوروبي، وذلك لقناعة أنقرا بأن الموافقة الأمريكية وحدها تكفي لذلك، أما عدم سعي أنقرا إلى التفاهم والتشاور مع حلفاءها الشرق أوسطيين التقليديين دمشق وطهران، فعلى الأغلب أن يكون سببه إدراك أنقرا المتزايد بأن وجود أي من هذين الطرفين سوف لن يتيح لأنقرا الحصول على دعم واشنطن.
وتأسيساً على ذلك، من المتوقع أن تسعى أنقرا إلى بناء العمق الاستراتيجي الجديد، على خلفية حصول أنقرا على المزيد من القوة الدبلوماسية والقيام بعمليات التدخل الناعمة الساعية لاحتواء الصراعات. وهو الأمر الذي ظلت أنقرا أكثر رهاناً على أهميته وذلك لأن بالضرورة سوف يتيح لأنقرا إسقاط قوة النفوذ الدبلوماسي على منطقة الشرق الأوسط. بما يجعل من أنقرا القوة الإقليمية الرئيسية الوسيطة في كل جهود الدبلوماسيات الوقائية الدولية والإقليمية.
تشير معطيات خبراء التحليل السياسي الخاصة بعمليات الدبلوماسية الوقائية إلى ضرورة أن تتضمن أي عملية دبلوماسية وقائية على المكونات الآتية:
•    تقصي الحقائق وجمع المعلومات.
•    القدرة على القيام بعمليات الانتشار الحركي المبكر.
•    القدرة على بناء نطاق المنطقة العازلة بين أطراف الصراع.
•    القدرة على بناء الثقة بين الأطراف المتصارعة.
هذا، ومن الواضح جداً أن أنقرا وحدها لن تستطيع الإيفاء بهذه المتطلبات، وذلك لأن غياب أنقرا الطويل عن قضايا المنطقة خلال حقب الحرب الباردة، قد جعل أنقرا من جهة منقطعة الصلة عن الحقائق والمعلومات، وفي نفس الوقت من الجهة الأخرى لا تتمتع بالمصداقية الكاملة لجهة الإشراف على بناء الثقة بين الأطراف المتصارعة وذلك بسبب علاقات أنقرا الوثيقة ـ والخفية في كثير من الأحيان ـ بالولايات المتحدة الأمريكية. وهو الأمر الذي انفضح من خلال امتناع أنقرا عن تسليم مبادرتها لحل أزمة الصراع البحريني، والسبب واضح وهو رفض واشنطن والرياض لهذه المبادرة. وهو وبكل أسف السبب الذي يظهر من خلال امتناع أنقرا عن الإعلان عن التوضيحات التي تفسر أسباب تأخر أنقرا وامتناعها حتى الآن عن تقديم هذه المبادرة.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...