الفيتو رقم 4: تحالف عالمي جديد
للمرة الرابعة، يتصدى الفيتو الروسي ــــ الصيني المشترك، للمخططات الإمبريالية ضد سوريا في مجلس الأمن الدولي؛ هذه المرة، الأهداف المعادية، مختلفة، ومعنى الفيتو الثنائي مختلف أيضا.
أهداف الأطلسي ثلاثة: (1) الردّ على مسار الحسم في سوريا من خلال خلق أجواء مشحونة بالقول إن اسقاط النظام السوري ما يزال على الأجندة، (2) إحراج الروس، أخلاقياً وسياسياً، من خلال صياغة قرار يدين الطرفين المتقاتلين في سوريا بوصفهما مجرميّ حرب، ينبغي وضعهما أمام المحكمة الجنائية الدولية، التي يستخدمها الأطلسيون منصة للبلطجة الدولية باسم القانون الدولي، (3) وهكذا يتحوّل المرشح بشار الأسد، في الانتخابات الرئاسية التي تدعمها روسيا، من رئيس قادم مكتمل الشرعية، إلى مطلوب للعدالة الدولية، لولا الحماية الروسية ــــ الصينية!
أما الرد، فكان هذه المرة معروفا مسبقا؛ الأهم من ذلك أنه جاء مجرد علامة دبلوماسية عن تحالف عالمي جديد، أصبح واقعاً سياسياً وعسكرياً واقتصادياً في شنغهاي.
قبيل الفيتو رقم 1، كانت هناك توقعات غربية ــــ عربية، بتمرير قرار أممي شبيه بذلك الذي أتاح لحلف الأطلسي، التدخل العسكري المباشر في ليبيا لإسقاط نظامها بالقوة (ما نجم عنه سقوط عشرات آلاف الضحايا الأبرياء)؛ لكن، في 4 تشرين الثاني 2011، موسكو وبكين كانتا بالمرصاد؛ أفشلتا القرار العدائي بالفيتو. وفي 4 شباط 2012، كانت الآمال بالظفر، لدى داعمي الإرهاب في سوريا، أقلّ؛ إلا أن الفيتو الروسي ــــ الصيني، شكّل، مع ذلك، صدمة للتحالف الغربي ــــ الرجعي العربي، المصمم على خلق المناخ الدولي الملائم لإسقاط الدولة السورية. كانت الصدمة ما عناه الفيتو الثاني من ولادة حركة اعتراض استراتيجي على القطبية الواحدة، أكدت حضورها في فيتو ثالث كان متوقعا في 19 تموز 2012. هنا، بدأت التحركات الأطلسية تتخذ مسارات خارج مجلس الأمن الدولي، بتكثيف الضغوط على روسيا والعدوان على سوريا؛ زوّد الأتراك، صيف العام 2013، عصابات المجرمين التابعة لهم، بأسلحة كيميائية، جرى استخدامها بالفعل، والشروع، تالياً، في حملة ضد دمشق لتبرير هجوم عسكري عليها خارج الشرعية الدولية؛ حملة تم احباطها بالتدخل الروسي لعقد صفقة الكيماوي من جهة، وبإعلان الإيرانيين أن الرد على أي عدوان على سوريا، سيكون شاملاً، وعلى مستوى المنطقة كلها. مذ ذاك، وُضعَتْ مشاريع الحرب الغربية النظامية السافرة على الرفّ، لكن يبدو أن الأطلسي لم ييأس، حتى الآن، من مواجهة الحسم السوري العسكري والسياسي (بالمصالحات والانتخابات) بالحسم العسكري؛ بدأته تركيا في كَسب، ثم تفتقت العقلية الاستعمارية الفرنسية عن اقتراح يخربط اللوحة كلها: تحويل الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية بقرار دولي، لو جرى تمريره، لكان إجازة للقوى الإمبريالية لشن حرب على سوريا تحت ذريعة مزدوجة: التخلّص من «نظام استبدادي» ومن التنظيمات «الجهادية» معاً. وهو حل المفروض أنه يرضي جميع الأطراف. مشروع القرار، في وقاحته، اقتصر على محاكمة السوريين. ولا يعني ذلك فقط منح الجنود الأميركيين في حرب ممكنة على سوريا عفواً من الملاحقة الجنائية، ولكنه يعني، كذلك، تحصين المتدخلين فعلا في الحرب المستمرة على سوريا من أكثر من ثلاث سنوات؛ بما في ذلك تحصين المسؤولين الأميركيين والفرنسيين والإسرائيليين والأتراك والسعوديين والقطريين والأردنيين وقوى 14 آذار في لبنان، وحتى الإرهابيين الأجانب!
مشروع القرار الفرنسي،
في وقاحته، اقتصر على
محاكمة السوريين
«العبقرية» البلطجية الفرنسية لا يوازيها في الانحطاط سوى انحطاط تلك الحكومات الـ13 التي أيّد ممثلوها في مجلس الأمن الدولي مشروع قرار مفصل لشنّ الحرب باسم العدالة وتبرئة القوى التي تشنها بالوكالة أو ستشنها بالأصالة لاحقا على الشعب السوري. المندوب الروسي، فيتالي تشوركين، رأى في مشروع القرار الفرنسي «محاولة لتأجيج العواطف السياسية والتحضير للتدخل العسكري ضد سوريا»، ولاحظ أن الغرب يطيل أمد الأزمة السورية، قصداً، بهدف إسقاط النظام السوري بالقوة.
معركة السوريين ضد الأطلسي ــــ وحلفائه العثمانيين والعرب ــــ لا تزال، إذاً، طويلة وشاقة، لكن درب الآلام السوري يفتح أبواب المستقبل لسوريا وآسيا والعالم؛ في شنغهاي، وقع الطرفان الروسي والصيني، 49 اتفاقية جديدة، من بينها اتفاقية في مجال الطاقة، إحداها بقيمة 400 مليار دولار لتوريد الغاز الروسي إلى الصين على مدار 30 عاما؛ وجدت الصين مصدرا موثوقا للنفط والغاز لصناعاتها، بينما وجدت روسيا، بديلا استراتيجيا لصادراتها من الطاقة، يجعلها أكثر قدرة على المناورة والضغط حيال أوروبا. لكن مجالات التعاون الروسي ــــ الصيني الأخرى، عديدة، وربما أهمّ، منها مشاريع عملاقة في البنى التحتية (واحد من أضخم الجسور في العالم يربط البلدين بخطوط السكك الحديد) وفي صناعة الطائرات المدنية؛ فأخيرا، جرى التزاوج بين التقدم التكنولوجي الروسي في حقل الطيران والتقدم الصناعي الصيني في شراكة ستنافس الشركتين الغربيتين الكبريين لصناعة الطائرات المدنية، بوينغ وإيرباص.
وفي الطيران الحربي، لن تكتفي روسيا بتزويد الصين بمقاتلات «سو 35» المزودة بمحركات الجيل الخامس، بل ستمنح الأولى للثانية، رخصة تصنيعها. ويبحث البلدان، أيضا، في انتاج مروحيات عسكرية جبارة. وهناك المزيد والمزيد؛ الجوهري هو أن اتحاد روسيا والصين ليس مجرد تحالف سياسي حول موضوعات مشتركة، بل هو اكتشاف لما يمكن أن ينتج عنه الاندماج الاقتصادي بين بلدين، يملكان التكنولوجيا والعمالة ورأس المال والطاقة وقدرات التصنيع الفائقة والفوائض المالية القادرة على تدوير عجلة انتاج ربما غير مسبوقة في التاريخ. وفي الدفاع، علينا أن نتصور ما الذي يمكن أن ينتج عن اتحاد الصناعة الحربية الروسية بخطوط الانتاج الصينية!
على هذه الخلفية، لا يمكن النظر إلى الفيتو الروسي الصيني رقم 4 باعتباره، فقط، وقفة مع سوريا ضد البلطجة الغربية؛ إنه فيتو ثنائي ضد الانحطاط الغربي، دفاعا عن مرحلة جديدة في تاريخ العالم، تعبر عن ذاتها، سياسيا، على الجبهتين السورية والأوكرانية، وتمنح للسوريين الثقة، ليس، فقط، بالدعم العسكري والسياسي غير المحدود، وإنما، أيضا، بأن الطريق إلى إعادة الإعمار وتخطي المنجز السابق، من دون الوقوع في براثن الغرب والخليج، مفتوحة.
على الخط تدخل إيران بقوة؛ فروسيا الآن ليست حتى روسيا 2013؛ موسكو ستتعاون مع الإيرانيين في كل المجالات، وستبني لهم المزيد من المفاعلات الذرية، بغض النظر عن مآل العقوبات الغربية. هنا؛ فلنقرأ معا ما قاله سيد الكرملين للرئيس الإيراني، حسن روحاني، في قمة بناء الثقة في آسيا (سيكا)، لكي نكتشف الروح الروسية الجديدة، المتجهة شرقا؛ قال: «لسنا جارين فحسب، نحن شريكان أمينان قديمان. أنجزنا مشاريع كبيرة، ولدينا امكانيات كبرى لسواها». وفي المسار نفسه، أشاد الرئيس الصيني بينغ، لدى لقائه روحاني «بالعلاقات الاقتصادية بين البلدين التي تنمو في الأعوام الأخيرة، بصورة كبيرة، وكذلك بالتنسيق الطيب بين بكين وطهران حول القضايا الإقليمية والدولية المهمة». وبكلمة، كان روحاني، مركز اهتمام العملاقين في مؤتمر شنغهاي؛ يدرك بوتين وبينغ، قوة إيران وموقعها الجيوسياسي الخطير بالنسبة لتكوين الحلف الآتي الممتد من بكين إلى جنوب لبنان، مرورا بموسكو وبغداد ودمشق... ودائما دمشق، رابطة الحلف وجوهرته، وميدان ولادته وانتصاره.
ناهض حتر
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد