البرزاني يجهض الـ«لا» العراقية ضد أنقرة
فعلها مسعود البرزاني. فتح الأبواب التي أوصدها العراقيون في وجه الغازي رجب طيب اردوغان. تجاهل مسعود البرزاني الرفض العراقي للتدخل العسكري التركي في معركة الموصل، وهو رفض تجدد بوضوح بعد زيارة وزير الدفاع الأميركي اشتون كارتر الذي حاول على ما يبدو ـ وفشل ـ في ترتيب تسوية ما بين بغداد وأنقرة تتيح لأردوغان التنكر بزي المحاربين ضد الإرهاب، لكنها في الواقع، تسمح للأتراك باقتحام المشهد في الشمال العراقي اقتحاماً أكثر فظاظة.
مسعود البرزاني خارج سياق التحالفات الوطنية في ميداني الشمال العراق والسوري على السواء، ويتناغم مع الأجندة التركية في الساحتين، في لحظة إقليمية بالغة الخطورة. مسعود البرزاني الذي سارعت طهران الى نجدته من «الغزو الداعشي» لأبواب اربيل قبل نحو عامين، يمعن للمرة الألف، في إضعاف بغداد كلما واتته الفرصة، بعد أقل من شهر على زيارته الى العاصمة العراقية، لا استعدادا لمعركة الموصل فحسب، بل لمحاولة طي صفحات الريبة المطولة التي فتحها مع الحكومة المركزية التي استقبلته بحفاوة، بما في ذلك تعقيدات الغنيمة النفطية الكبرى التي يستفيد منها، منذ أن صار «رئيساً» لإقليم يسعى الى سلخه تماماً عن العراق.
قالت بغداد «لا» واضحة، للأميركيين والأتراك على السواء في ما يتعلق بالسماح للأتراك بالتدخل في معركة الموصل. أمس، أجاز البرزاني، «رئيس اقليم كردستان»، لحلفائه الاتراك التدخل في معركة تحرير بعشيقة التي يحتلها «داعش»، بشكل مريب منذ نحو عامين، على مقربة من «قاعدة زليكان» العسكرية التي تحتلها قوة تركية. الأتراك، بطبيعة الحال، لم يضيّعوا الفرصة، ووجهوا فوهات مدافعهم لدعم تقدم قوات البشمركة التابعة للبرزاني، نحو بعشيقة، واستعادتها.
ولم تمض ساعات على جملة رئيس الحكومة العراقية «شكراً تركيا» رافضاً الاقتراح الأميركي الذي حمله كارتر الى بغداد لإقناعها بإشراك الجيش التركي في معارك الشمال العراقي، حتى أعطى البرزاني الضوء الأخضر لأردوغان، ليتباهى بأنه شريك في الحرب سواء شاء العراق أو رفض.
البرزاني يسمح لأردوغان بممارسة التعنت التركي المستمر بكل الأحوال. فبعد سلسلة تصريحات تركية استفزازية للعراقيين وتشكيك بوطنية معركتهم ضد الإرهاب في الموصل وسواها، ومحاولة إثارة النعرات المذهبية والعرقية، والتبجح بمشاركتهم في الحرب، مهما كان موقف العبادي منها، بدأت أنقرة الحديث عن إقامة منطقة عازلة «خالية من الإرهابيين» في الشمال العراقي، بموافقة من البرزاني نفسه، أسوة بما تدّعي محاولة القيام به في الشمال السوري ايضا، حيث تهاجم «إخوة» البرزاني الأكراد في سوريا!
مرة اخرى، يغرّد البرزاني بما يمثله من مشروع في الساحة العراقية، خارج المفاهيم الكردية العابرة للدول والحنين لوحدتهم، ويبرهن على أنه النتوء النافر كما كانت الحال أيام أبيه الملا مصطفى، بالارتباط بأجندات الاستخبارات الخارجية، أكثر مما يعبّر حقيقة عن مصالح الأكراد وطموحاتهم التاريخية.
ويتناغم البرزاني الآن مع الطموح التركي ايضا في الشمال السوري الذي لا يزال الاختبار الصعب لمشروعه «درع الفرات»، ممتحناً أمام مدينة الباب التي تشكل معركتها القادمة أول امتحان كبير لإمكانية تضارب مصالح بين مجموعة من الجيوش والمشاريع الكبرى والذي ليس مضمونا أن يخرج منه التركي رابحا. «درع الفرات» يفتك بـ «قسد» (قوات سوريا الديموقراطية) والغارات التركية تضرب على مدار الساعة القوات الكردية في سوريا، وهو ما يبرهن على أن قاعدة البرزاني في العمل تستند أساسا الى مصالحه الاقتصادية والمالية الضخمة مع الأتراك، لا الى الأولويات الكردية والوطنية في عموم المنطقة.
وفي هذا السياق، أعلن رئيس الحكومة التركية بن علي يلديريم، مشاركة قوات بلاده الموجودة في معسكر بعشيقة بعمليات قصف مدفعي ضد مسلحي «داعش»، دعماً لقوات «البشمركة» التي أعلنت تحرير بلدة بعشيقة. ونقلت شبكة «سي إن إن ترك» عن يلديريم قوله إن المدفعية التركية المتمركزة في معسكر بعشيقة، ساعدت مقاتلي «البشمركة» ضد «داعش» لتطهير البلدة، موضحاً أن المسلحين الأكراد «طلبوا من قواتنا المساعدة».
وقال البرزاني من جهته، إن البشمركة «حررت» بعشيقة، فيما قال قائد القوات الأميركية في العراق ستيفن تاونسند إن بعشيقة واحدة من القرى خارج الموصل، أخلاها «داعش» من السكان وحوّلها إلى حصن خلال العامين الماضيين. وأشار مصدر عسكري الى أن البشمركة باتت على بعد سبعة كيلومترات من مدينة الموصل.
وكان يلديريم قد أعلن ايضا رغبة بلاده في إقامة منطقة خالية من الإرهابيين داخل العراق بالتعاون مع حكومة إقليم كردستان العراق، على غرار ما تقوم به في الأراضي السورية المتاخمة للحدود التركية.
وقال في تصريحات أدلى بها خلال لقاء مشترك مع ست محطات تلفزيونية محلية، أمس الأول، إن الإقليم الكردي «يدرك أهمية التعاون مع تركيا في شأن إقامة منطقة خالية من الإرهابيين، وأكّد استعداده لذلك في مناسبات عدة»، مضيفاً «لدينا رغبة مشتركة مع الحزب الديموقراطي الكردستاني (بزعامة البرزاني) من حيث المبدأ لإقامة المناطق الآمنة في كل مكان يتطلب ذلك، لأن الخطر مشترك بالنسبة للجانبين وهو مسلحو حزب العمال الكردستاني».
وأشار يلديريم إلى «وجود قوات خاصة تركية متمركزة على المنطقة الحدودية في الجانب العراقي بالقرب من أربيل، لذلك تبدي حكومة الإقليم رغبتها في التعاون معنا تعاوناً وثيقاً»، مضيفاً أن حكومة أربيل تدرك خطر مسلحي «الكردستاني» وبالتالي «يشكّل تعاونها مع تركيا أهمية بالغة لكل منا، وسنعمل على تحقيق الأمن وتأسيس مساحة آمنة مشتركة».
بدوره، قال أردوغان أمام حشود من مناصريه في مدينة بورصة، إن مدينتي الموصل وكركوك كانتا تابعتين لتركيا. وأوضح أنه «يجب فهم أن كركوك كانت لنا، وأن الموصل كانت لنا»، مضيفاً «لماذا هذا الكلام لا يعجبهم؟ أنا فقط قدّمت درساً في التاريخ، يجب فهم هذا». وأضاف «بعض الجهلة يأتون ويقولون، ما هي الصلة التي يمكن أن تكون لنا بالعراق، هذه الجغرافيا التي نتحدث عنها الآن جزء من روحنا، حتى إذا كانت ثقيلة على قلوبنا نحن نحترم الحدود الجغرافية لكل دولة».
كارتر
وزير الدفاع الأميركي اشتون كارتر اجتمع، أمس، بمسعود البرزاني في إطار زيارته غير المقررة إلى العراق، والتي بدأها امس الأول بلقاء العبادي.
وكان كارتر قد أكد بعد لقائه العبادي أن «كل الدول التي تساعد العراق تحترم سيادته»، مجدداً التزام بلاده بمساعدة العراق ودعمه بـ «القدر الذي يطلبه».
وأوضح أنه أجرى مناقشات مع العبادي تمحورت حول مستقبل الدعم الأميركي للعراق فور استعادة الموصل.
ونفى العبادي، بُعيد لقائه كارتر، التصريحات التي تحدثت عن اتفاق بين العراق وتركيا يقضي بمشاركة الأخيرة في معركة الموصل، وأكد أن العراقيين سيحررون المدينة «قريبا ولا يسمحون لأي قوة بأن تتدخل فيها». وتابع أنه يعرف أن الأتراك يريدون المشاركة لكنه يقول لهم «شكراً»، مضيفاً أن هذا أمر «سيتعامل معه العراقيون وإذا كانت هناك حاجة للمساعدة فالعراق سيطلبها من تركيا أو دول أخرى في المنطقة».
ميدانياً
في مسعى لعرقلة تقدم القوات العراقية باتجاه الموصل، وبعد الهجوم الذي نفذه «داعش» على مدينة كركوك، شن الإرهابيون هجوماً على مركز قضاء الرطبة في محافظة الأنبار من ثلاثة محاور مستخدمين كل أصناف الأسلحة. وقال رئيس بلدية الرطبة عماد الدليمي إن الإرهابيين دخلوا المدينة عن طريق التنسيق مع خلايا نائمة هناك، حيث اشتبكوا مع مقاتلي العشائر وقوات الأمن قبل اختفائهم.
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد