الامهات المثقفات يربين أبنائهن بالفصحى

23-03-2007

الامهات المثقفات يربين أبنائهن بالفصحى

كيف تعد الأمهات المثقفات ثقافة ابنائهن؟ وهل ثمة خطة منهجية يتبعنها لصياغة البناء المعرفي للأبناء؟ لا شك في ان مسؤولية الأم المثقفة تتضاعف عن مسؤولية الأم العادية, فالشاعرات والروائيات والباحثات والفنانات يتمتعن بمميزات معرفية, وبأعمال ابداعية تأخذ حيزاً واسعاً لذلك يبدو ضرورياً في تكريم الأم والاحتفاء بها اطلاق السؤال الآتي: ما هي المبادئ التي زودت وتزود بها الامهات المثقفات فلذات كبدهن؟
نقرأ في هذا التحقيق شهادات لكل من الاعلامية الكاتبة مي منسى, والشاعرة الدكتورة سلوى الخليل الأمين, والباحثة في علم الاجتماع الدكتورة فاطمة بدوي, والمخرجة المسرحية لينا أبيض, والروائية كارول عجمي, والفنانة فاديا طنب الحاج:

مي منسى:­ رزقت بابن وحيد, وكانت كل اهتماماتي منصبة عليه, وكأنه عائلة كبيرة. كان هو المخلوق الذي وهبه الخالق لي, لذا, كان ينبغي ان افرح به, وان اراهن على تنشئته تنشئة طيبة ومفرحة. نعم ان دافعاً قويا جعلني اراهن على الزمن وعلى المال القليل الذي كان متوافرا بين يدي, لأزوده بالكتب, ولأوفر له الانشطة التي تفيده في كل المجالات.
لم اعتمد خطة منهجية في الاعداد لثقافة ابني, فكل خطة معدة سلفاً تتطلب قولبة محددة, لذلك آثرت وضعه خارج القالب, وواكبت تربيته بتلقائية. لم أكن فقط الأم التي تطعم ولدها وتحممه وتقص له اظفاره وترافقه الى الحلاق, وانما كنت ايضاً الصديقة التي تسمعه وتعطيه الوقت والاهتمام الكافيين للاستماع الى تساؤلاته. فمنذ صغره كانت لابني اسئلة مصحوبة بالهواجس الوجودية. وكان كلما ازداد وعياً بالوجود, ازدادت تساؤلاته العميقة, من قبيل: من الخالق؟ ولماذا نتعلم ما دمنا سنموت؟ وهل اذا ماتت الأم يمكننا ان نحظى بأم اخرى؟ كل هذه الأسئلة كنت اجيب عنها من غير ان اضعها في اطار المناهج المدرسية. كنت اقول له ينبغي ان نفرح بالكون لأن الله يريدنا ان نفرح, وأن يكون لدينا اخلاق. فمن دون الاخلاق لا تستطيع ان تقرأ القصيدة, القصيدة تحتاج الى خلق راق. ولا تستطيع ان تستمع الى الموسيقى, ولا تستطيع ان تقرأ الكتاب. كل هذه الفنون لا تستوي مقاربتها الا بالاخلاق... فإن لم يكن لديك هذه المميزات الخلقية, تصبح صبياً من صبيان الشوارع. وكنت اقول له: انت يا وليد تعيش على ارض بلدك فاحترم قوانينه, لأنك ان لم تحترمها فقد تقود السيارة وتصدم كل السيارات التي امامك. فكان يقول لي ان الدولة­ حسب رأى ابي­ لا تطبق القوانين. فأسارع الى القول: نحن نعيش وفقاً للقوانين التي تسنها الدولة, وهذه القوانين جيدة. في المدرسة يوجد قانون, وفي البيت كذلك, حتى في السينما تبقى معنياً بأن تحترم الجمهور وأن تلتزم عدم تناول الـ«بوب كورن» لكي لا تزعج الآخرين وهم يشاهدون الفيلم وينصتون لاحداثه.
كل هذه الامور لقنتها اياه, من غير ان اثقل عليه, ومن غير ان اهدده, او ان اخوفه من الخالق, ومن القوانين, ومن الشرطة. لذلك شب وأصبح أباً لابنتين يربيهما بالطريقة ذاتها. اذكر عندما نشبت حرب تموز €يوليو€ انني جلبت عائلته الى بيتي لأن منطقتي كانت آمنة, فكان يوصيني بأن لا تشاهد ابنتاه الاخبار, وأن اقول لهما عند دوي الانفجارات ان ما تسمعانه هو أسهم نارية بمناسبة الأعراس. قال لي دعيهما تفرحان بالحياة, بعيداً عن فكرة الموت والدمار والشر, سيأتي يوم وتعرفان فيه ان الشيطان متغلغل في الانسان المجرم والقاتل, دعيهما في براءتهما التي نشأتا عليها, فهذه البراءة تكفي لأن تكونا مع الحياة, وليس ضد الحياة.

سلوى الخليل الأمين: ­ عندما منح الخالق نعمة الامومة للمرأة, احاطها بالرعاية المطلقة التي لا تعرف الحدود.
وحين تصبح المرأة اماً, فهي بالطبع تكون مسؤولة امام الله اولاً, وقبل كل شيء عن مسيرة ابنائها ومستقبلهم, بحيث عليها ان تدفع بهم الى الحياة والمجتمع اصحاء الابدان والعقول فكرياً واجتماعياً كي يكونوا مؤهلين لجس مواطن الخلل بصحوة متعافية تجنبهم الزلل الذي قد يصيب كيان الاسرة والمجتمع. لذا فإن مسؤولية الاهتمام بتربية الابناء وفق قواعد سلوكية, وثقافة معرفية متينة, هو من البديهيات التي على الأم المثقفة, حكماً, ان تتقنها شكلاً ومضموناً. فالمدرسة وحدها ليست الهدف, ان لم يتم التعاون بينها وبين البيت, وخصوصا مع الأم. فالأم هي المحرك الاساسي, وهي البوصلة التي تستطيع ضبط الايقاع, وبالتالي فبجهودها تأتي عملية التنسيق ضرورية لناحية الارشاد والتوجيه, اذ ان الدروس اليومية ما هي الا واجب, وعلى الابناء ان يتجاوزوه بنجاح لنيل شهادة تمكنهم مستقبلاً من رصد موقع ما لهم داخل المجتمع. اما الثقافة, فهي حالة مختلفة تماماً, لا تدرس ولا تكتب ولا تكتسب. من هنا حرصت كامرأة ناشطة في الحقل الثقافي على الاهتمام باعداد ابنائي لمرحلة مختلفة تماماً عما تلقوه في مدارسهم. بدأت اولاً بتشجيعهم على المطالعة والقراءة المتقنة. اي تعليمهم معنى الاستيعاب, لا حشو المعلومات. وبتعبير اصح, الرقابة €لناحية ما يقرأونه€, كذلك شجعتهم على مواكبة الحركة الثقافية, والانشطة الفنية التي تخمّر عقولهم بما هو مفيد. علمتهم معنى الاحساس بالفن الاصيل, من رسم ونحت وطرب ومسرح, وزيارة معارض الكتب والمتاحف وخلافه. زرت معهم المتاحف والمعارض والمسارح الهادفة, وعلمتهم كيف يطربون لسماع فيروز وفن الرحابنة الاصيل. دربتهم على حب الموسيقى فاتقنوا العزف على البيانو. منحتهم الفرصة للمناقشة في مختلف المواضيع التي تغني ذاكرتهم بما هو مفيد. دربتهم صغاراً على اختيار ما يرغبون من كتب للمطالعة. هكذا استطعت ان انمي لديهم حب الاستماع والاطلاع, والاستكشاف. فبهذه الطريقة دربت الحواس لديهم, ولم اتركها معطلة, مما مكنهم من امتلاك ثقافة اظنها ليست هابطة, وانما مستقيمة بفضل الرعاية والرقابة الحانية التي يجب على الأم ان تمارسها تجاه الابناء.

فاطمة بدوي: ­ حيث ان مفهوم الثقافة مفهوم واسع ومجرد, لا بد من تعريف سريع به منعاً للالتباس.
أشهر تعريف للثقافة هو ذلك الذي وضعه العلامة تايلور وفيه يقول «ان الثقافة هي ذلك الكل المركب الذي يشتمل على المعرفة والعقائد والفن والاخلاق والقانون والعادات وغيرها من القدرات المكتسبة التي يكتسبها الانسان بوصفه عضواً في مجتمع.
واقعياً, الثقافة هي كل يتكون من اشكال السلوك المكتسب الخاص بمجتمع او بجماعة معينة من البشر. فالثقافة لا يمكن رؤيتها او لمسها ولكن يمكن ملاحظة تجلياتها التي تتمثل في الاشياء والافعال والسلوكيات والافكار التي هي من صنع الانسان والذي يضفي عليها معان معينة.
والثقافة ليست فطرية في الانسان اي انها لا تنتقل عبر الجينات الوراثية بل هي مكتسبة, يكتسب الانسان الثقافة منذ مولده ومن مجتمعه الذي يعيش فيه منذ الصغر. ولكن هذا لا يمنع من ان تكون جميع النظم الثقافية قد اخترعها ويخترعها الانسان لاشباع حاجاته الفطرية.
وحيث ان الانسان يكتسب ثقافته منذ مولده, فإن الام هي الراعي الاول والمعلم الاول اي الناقل الاول للعناصر الثقافية, هي المثقف الاول والمستمر. وهنا تكمن اهمية العلم والوعي الذي تتميز به الام المثقفة عن غيرها من الامهات. فالأم المثقفة تلعب دورا اساسيا في اعداد ثقافة الابناء على مستويين: مستوى النقد ومستوى النقل.
على المستوى الاول: تستطيع الام المثقفة ان تميز بين العناصر الثقافية التي يجب اكسابها للولد وتلك التي يجب تركها او حمايته منها. فالثقافة ليست هي ذاتها عبر العصور والعقود بل هي متغيرة عبر الزمان والمكان. اذا فإن مسؤولية الام هي اعداد الابناء لظروف متحولة مستقبلاً. من هنا فإن الأم المثقفة هي تلك التي تتمسك بالعناصر الثقافية الايجابية البناءة وتعمل على اكسابها للابناء, وهي التي تدرك وتقدر ان ما لم يعد يتلاءم مع العصر الذي يشهد تغييرات سريعة على كافة الاصعدة, او ما هو عادات او تقاليد او افكار بالية تشد المجتمع الى الوراء يجب ان نتخلى عنه ولا نورثه للابناء. اذاً, فإن عملية الاختيار الثقافية تكون عملية واعية ورزينة تقوم بها الام المثقفة بكفاءة وبعد نظر. وهذا بخلاف الام الجاهلة او الامية التي تنسخ ما هو موجود حالياً او ما تعلمته من جدتها ومجتمعها الماضي وتلقنه للولد فتعده للماضي لا للمستقبل, غافلة عن التطور الطبيعي للامور.
اما المستوى الثاني فهو طريقة نقل الثقافة أي تثقيف الابناء. فالأم المثقفة تستطيع ان تستخدم طرقاً واساليب متنوعة اهمها اعتماد اسلوباً الحوار والاقناع, واسلوب النموذج والقدوة, واسلوب التوجيه والارشاد, وزرع العادات الثقافية الحسنة منذ الصغر كعادة المطالعة, وتذوق الفن والجمال, والاسترشاد بالقيم الاخلاقية المرغوبة كناظمة وموجهة للسلوك, والاستخدام المفيد لتقنيات الاتصال الحديثة الخ... متجنبة الاكراه والعقاب من غير ان تهمل اعتماد الحزم عند اللزوم.
ومما لا شك فيه انه قد اصبح هناك تحديات كبيرة تواجه الاهل والمؤسسات التربوية والثقافية في الاعداد الثقافي للفرد في زمن سيطرت فيه الفضائيات والانترنت على عقول الناس, لكن هذا لا يعفي الاهل بصورة عامة والأم بصورة خاصة من مراقبة المعارف والمعلومات والعادات والنماذج السلوكية التي يطلع عليها الابناء عبر هذه الوسائل, والأم هي دوماً من يجب ان يلعب دور المصفاة الثقافية.

لينا ابيض: ­ امارس الثقافة يومياً, اقرأ وأستمع الى الموسيقى واشاهد المعارض وخصوصا المسرح. هذه الممارسة نقلتها الى اولادي, فكنت آخذهم لحضور العروض المسرحية بكل انواعها. اما المعارض التشكيلية فأذكر عندما اخذتهم اول مرة لمشاهدة معرض رسم ركضوا في القاعة الفسيحة فتركتهم على سجيتهم... وسرعان ما ألِفوا اللوحة مرة تلو المرة, واصبحوا يهتمون, بدل الركض, بالتمعن في الرسومات. كما ألفوا السينما والاعمال المسرحية ومختلف الانشطة الفنية والثقافية التي تستهويهم... باستثناء مطالعة الكتب.. اذ بقيت هذه المسألة من اصعب المسائل بالنسبة اليّ... لا ادري ما اذا كانت هناك ضرورة لضبط اختيارات الكتب لأولادي, خصوصا وان لدي مكتبة مهمة في المنزل تتضمن حوالى €700 كتاب€ الا ان الاولاد في الوقت الراهن بعيدون عن الكتاب, ربما لأنهم منشغلون بأمور اخرى كالانترنت وسوى ذلك. عموما اجد ان المطالعة نابعة من رغبة شخصية, وهذه الرغبة اما ان تكون او لا تكون. ولكنني آمل ان تتولد لديهم مقومات هذه الرغبة, وأن يحبوا هواية المطالعة, مثلما يحبون سائر الفنون التي ذكرتها.
ان المدرسة مهما كان دورها مهماً, لا تقدم ما تقدمه الأم, فالأم هي التي تعود اولادها على ارتياد الأماكن الثقافية والفنية. وقد وفرت لهم نمط حياة معرفية اساسية وليست ثانوية. حتى الازمة السياسية التي نشهدها اليوم واكبت احداثها وتحولاتها معهم وجعلتهم مع بدء انتفاضة الاستقلال يشاركون في التظاهرات ضد اغتيال سمير قصير وجبران تويني. كما ناقشتهم اثناء حدوث العدوان الاسرائيلي على لبنان في 12 تموز €يوليو€. فقد قالوا لي لماذا لا نغادر الى فرنسا فأنت ونحن لدينا الى جانب جنسيتنا اللبنانية, الجنسية الفرنسية. فقلت لهم: نحن فرنسيون, نعم, ولكننا لبنانيون ونعيش في لبنان, ويجب ان نكون في بلدنا لبنانيين وليس فرنسيين. لقد كان الموقف صعبا ومحرجا, وقد فسرت لهم ذلك من خلال مفهوم الانتماء الوطني والعربي. فمكثنا هنا في اصعب المواقف, وساعدوني ايضا على مد يد العون الى المهجرين من بلداتهم وبيوتهم من خلال توزيع الملابس وغيرها.
على صعيد آخر, افسح لهم المجال دائماً في الحديث عن مواضيع تشغل بالهم... مثل الحب والزواج فثمة تساؤلات مفاجئة تخطر في اذهانهم... وثمة انطباعات تتكون لديهم عن علاقة الرجل بالمرأة من خلال الجسد, وعن العلاقات الشاذة بين ابناء الجنس الواحد... فأشرح الامور بشكل متوازن حتى لا يحل الخوف مكان الطمأنينة. وأقول لهم ان للانسان حريته الشخصية وما من علاقة الا وتنشأ برضا الطرفين مهما كان شكلها.
يهمني جدا ان احاور الاولاد حول هذا الموضوع, خصوصا وان الجنس يعتبر من اهم المواضيع في الوطن العربي, وينبغي الاضاءة عليه, واخراجه من دائرة الظلام.
حتى عملي في المسرح, اترك لهم الفرصة لأن يناقشوني فيه... اذكر ان المسرحية التي انجزتها منذ عامين عن نص على هامش «كليلة ودمنة» ليوسف الخال, وكانت للصغار, سرت بها ابنتي كثيرا لأنها فهمتها على عكس اعمالي الاخرى التي يصعب عليها فهمها, بالنسبة الى سنها, وطلبت مني ان انجز عملا آخر للصغار فقلت لها لم افكر بعد بأي نص من هذا النوع... فبادرت الى السؤال لماذا لا تقدمين شخصية جحا؟ فتحمست للفكرة وغصْتُ في هذه الشخصية الظريفة التي كنت قد نسيتها تماماً. وعندما عرضت المسرحية كان جل همي ان اوضح لابنتي بأن الكتاب الذي تقرؤه يمكن ان نستفيد منه في الحياة... فهو ليس شيئاً مرتبطاً بزمان مضى, أو بمكان مقفل. وقد افادت هذه المسرحية اربعين شخصاً شاركوا فيها, وخمسة آلاف متلق حضروها كما افادتني على مستوى الغوص في الكتاب, وتحويل ما فيه الى فائدة من فوائد الحياة الفنية واليومية المعاصرة.

كارول عجمي: ­ ثمة خلفية ثقافية لكل عمل نقوم به. فالثقافة تدخل في طبيعة الحياة. وهذا ما نحاول تلقينه لأبنائنا بعيداً عن اكتظاظ المعلومات... في لبنان هناك تنمية تربوية مبنية على ثقافات متعددة, لكن الاساس يبقى في تربية الابناء على التمسك بالجذور والافتخار بالذات. حتى ولو اكتشفوا ما يبهرهم في الغرب, فنحن نحرص على ان يفخروا بابن خلدون وبابن رشد. كما نحرص على ان يعوا وجود مثقفين عرب كبار في الماضي والحاضر, وفقا لمستوياتهم العمرية.
الى ذلك, نفسر لهم ايضا ان اللبنانيين لديهم فرادة وخصوصية غير مصطنعة تتميز بالابداع في ميادين شتى. هذا على صعيد الهوية. اما على صعيد التربية, فأنا اجرب قدر الامكان ان افسر لابنائي ما هي المسؤولية, وأن اشرح لهم ما هي الحرية. فالحرية كما اقول لهم هي غير مطلقة, وعليهم ان يكونوا مسؤولين اثناء ممارستهم لها, لأن الحرية ليست لذة يستوفونها حتى آخر نقطة, فثمة ضوابط اجتماعية وخلقية يتطلبها السلوك الانساني المتمدن والراقي.
على خط آخر.. اعلم ابنائي معنى المواطنية, خصوصا ازاء هذه الازمة السياسية المستعصية والمقلقة التي نواجهها اليوم. فدور الام في هذا السياق يجب ان يكون مضاعفاً, لا سيما وان مجتمعنا المدني موجود في ضفة, وان السياسيين موجودون في ضفة اخرى, ويشدون الحبال باتجاه الانتماءات المذهبية والطائفية, وهذا ما احاذر منه, واجنب اولادي مخاطر الوقوع فيه, لذلك اسعى الى توعيتهم وتربيتهم على اسس الانتماء الوطني السليم, والمواطنية الصحيحة. الى ذلك, يهمني التركيز على مواقيت استخدام الكمبيوتر وضوابط استخدامه, فالانسان ليس عبداً للآلة, ولدي حرص شديد على ان يكتسب الاولاد مواقيت معينة لاستخدام الكمبيوتر عند الحاجة.
اما بالنسبة الى المطالعة واكتساب اللغات, فأولادي يعتبرون من الاوائل في اللغات, وخصوصا اللغة العربية الفصحى €علماً انني اكتب الرواية باللغة الفرنسية€, إلا أنني احفزهم على قراءة نماذج مفيدة­ حسب اعمارهم­ اما المواضيع التي تعتبر ممنوعة او تسبب الحرج, فأناقشها معهم بطريقة لائقة وصحيحة, خصوصا موضوع الجنس, شارحة لهم ان الخالق وهب لكل انسان منا طبيعة جسدية واحدة تتمتع عند اللقاء بالشريك, بالفرح واللذة. وهذه اللذة معطاة للجميع دون استثناء, للغني وللفقير, ومثل هذه النقاشات تبعد عن اذهان الابناء مركبات النقص ومؤثرات الخجل والكبت.

فاديا طنب الحاج: ­ ان اول بند في الاعداد لثقافة الابناء بالمفهوم المراد لمعنى الثقافة هو بالنسبة الي تربية الاولاد على الفكر اللاعنصري. خصوصا في اطار العلاقة مع الخدم في المنزل. فممنوع التصرف معهم الا كموظفين لديهم اعتباراتهم وكراماتهم, بل عليهم مسايرتهم زيادة, نظرا لبعدهم عن بلدهم واهاليهم, ونظرا لاختلاف لغتهم عن لغتنا. من هنا تبدأ النواة الاولى للثقافة الاصيلة, حيث يصار الى تعليم الولد الانفتاح على الاشخاص الآخرين, بغض النظر عن مستوياتهم المهنية والاجتماعية, واحترام الجنسيات الاخرى, في سياق احترام حقوق الانسان, حتى العدو ينبغي التحدث معه بموضوعية ضمن الشكل اللائق للاخلاق.
هناك مقومات تربوية اساسية ايضاً, حرصت وما زلت احرص على تزويد اولادي بها, منها المواطنية وتجنب العنصرية مع الاحتفاظ في الوقت عينه بمبادئ طائفتنا والالتزام بها. ومنها ايضا المطالعة, فنحن نركز في هدايانا المتبادلة على الكتب والموسوعات والديسكات. وابنائي يدرسون الموسيقى في «المعهد الموسيقي الوطني» وهم اليوم في مرحلة متقدمة. ومنها النقاش الموضوعي الذي نفسح له المجال, زوجي وانا, مع الاولاد حول كل المواضيع التي تدور في اذهانهم. اذ ما من تابو نضعه امامهم في هذا المضمار. نحن نناقش معهم كل شيء بانفتاح وموضوعية ورقي.
... في نطاق آخر, انا احرص على ان يشاهد اولادي نوعية معينة من البرامج التلفزيونية, وامارس رقابة على بعض البرامج التي اعارض مشاهدتها. كما احرص على ان يكونوا ماهرين في اللغات, وخصوصا اللغة العربية الفصحى, وهذا ما حدث بالفعل. اذكر اننا عندما عشنا في المانيا حوالى عشرة اعوام, كانت ابنتنا الكبرى تتعلم اللغات الالمانية والفرنسية والانكليزية, فكنا نمنعها من التحدث معنا في البيت الا باللغة العربية, وكنا نحادثها بلغة عامية لا تخلو من الكلام الفصيح, كنا نقول لها العبي بالدراجة, بدل قول «البيسكلات», فتمكنت اليوم من لغتها العربية واصبحت ضليعة بها تماماً, ولم يصعب عليها ان تتابع دراساتها ويومياتها في لبنان, وفي محيطها العربي.
 


غادة علي كلش

المصدر: الكفاح العربي


 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...