وثائق سورية:ملحق تقرير رئيس الحكومةالفرنسي إلى سفير بلاده في لندن

02-04-2010

وثائق سورية:ملحق تقرير رئيس الحكومةالفرنسي إلى سفير بلاده في لندن

                             المحادثات مع الإنكليز المتعلقة بحدود سورية
     إذ تلقينا اقتراح الحكومة البريطانية الهادف إلى تحديد حدود سورية، وقع اختيارنا عليكم من أجل القيام بالمفاوضات، فقد أرادت حكومة الجمهورية المبادرة دون إبطاء إلى تسجيل مسعى حكومة سان جيمس الذي يسجل من طرفه الاعتراف الرسمي والشكلي الأول بحقوقنا على السواحل الشرقية للمتوسط.
     إن مثل هذا القرار يحمل بالتأكيد قبولاً مبدئياً لمشروع تشكيل ملكية عربية لصالح شريف مكة كما كانت قد صيغت على يد السير إد. غري إلى السيد كامبون، في 21 من تشرين الأول الماضي. ولا يمكننا إلا أن نعترف بالرغبة بالحصول على حل مناسب حول هذه النقطة التي قررت وزارة الخارجية وحدها القيام بالمسعى الحالي فيها. ومن جهة أخرى، فإن الاقتراح المطروح على السفير في لندن موافق للإعلان الصادر في 2 من أيلول 1914 عن قوى التحالف بقصد ترك شبه الجزيرة العربية والأماكن الإسلامية المقدسة في شبه الجزيرة العربية تحت قيادة سلطة إسلامية مستقلة، وهو إعلان انضمت له إيطاليا من خلال البند 12 في تسوية 26 من نيسان الماضي. وهو لا يشكل اقتراحاً جديداً.
     ولا يمكننا بالتأكيد إخفاء أن خلق إمارة عربية يجازف بإثارة مسألة الخلافة مع الانعكاسات كافة التي يمكن أن تكون لها على العالم العربي، وذلك بسبب الروابط الوثيقة نفسها التي تجمع في الشريعة الإسلامية الشؤون الدنيوية والروحية معاً. فمن الموافق إذن عمل كل شئ لتجنب هذه النتيجة. ومن جهة أخرى، فإن الحكومة البريطانية مهتمة من جانبها بالمسألة نفسها، كما يظهر من المذكرة، المقدمة في 30 من تشرين الأول الماضي من قبل اللورد برتي إلى الوزارة، من أجل التأكيد على أن أي عمل متسرع يجازف بإلقاء العرب بين أيدي الأتراك مما يضر كثيراً بالحلفاء، ومن أجل الإشارة " إلى أن حكومة الملك تعتبر أنه من الأهمية الفائقة عدم القيام بأية إشارة إلى الخلافة، حيث أن أية محاولة أو أبسط تدخل لقوة غير إسلامية في مسألة من هذا النوع ستحرض بالضرورة حقداً قوياً بين أتباع محمد".
     عليكم إذن تجنب طرح هذه المسألة بنفسكم، فتقيداً بدقة بالتفويض الخاص الذي كان قد أسند لكم فيما يتعلق بحدود سورية وبترك مسألة معالجة المسألة الأشمل لملكية العرب إلى ممثل الجمهورية في لندن.
    وبالتقيد ببساطة بحدود الحوار مع السيد كامبون، فإن الأمر يتعلق في الحالة الراهنة بصياغة برنامج مطالبنا المستقبلية والملكية العربية الجديدة. ومع ذلك، فلن يغيب عنكم أنها فرصة بالنسبة لنا من أجل التعريف برغبتنا ومن الموافق ألا ندعها تفلت منا.
     إن الأحداث كافة التي وقعت منذ بداية الحرب، وبشكل أخص منذ هجوم الدردنيل، والطلب الروسي المتعلق بالقسطنطينية، والعمليات الإنكليزية في جنوب بلاد الرافدين، ودخول إيطاليا في الصراع والتعويضات الآسيوية التي تطلبها، تبرهن أنه من المهم في الساعة الحاضرة، مهما كان الأسف الذي يمكن أن نشعر به، أن نواجه منذ الآن احتمال تقسيم الإمبراطورية العثمانية والحصول على حصة منها لفائدة المصالح الفرنسية.
     إن اختفاء تركيا، مع الوضع المتميز الذي كان يؤمنه لمواطنينا ولبلدنا من إرث طويل ومعاهدات صريحة، سيؤدي بالنتيجة إلى المساس بشكل خطير بوضع فرنسا في هذا الجزء من العالم. إن هذه الدولة الضعيفة التي كانت تحت غطاء الامتيازات الأجنبية تضاعف سنة بعد سنة مداسنا ومشافينا ومؤسساتنا من المستويات كافة مع عملائها اللامعدودين، كانت تقدم لنا حقلاً لا محدوداً للعمل حيث كان يزداد دورنا الاقتصادي مع تأثيرنا الأخلاقي. ولم تكن لغتنا وفكرنا وثقافتنا كل ما نشرته إبداعات كثيرة عبر الإمبراطورية، بل إن كل من ينتمي إلى مختلف " الأمم" المسيحية كان يتجمع شيئاً فشيئاً حولنا للإفلات من اضطهاد الموظفين العثمانيين ملتمساً العمل كترجمان لهذه المؤسسات فيصبح مذ ذاك واحداً من رعايانا.
     ومن هذا الصرح كله الذي بني بجد وعناء، فإن القليل من الأشياء سيبقى في المقاطعات المفصولة عن الإمبراطورية، وهكذا سيختفي عمل اعتاد الرأي العام الفرنسي على إيلائه قيمة كبيرة، وهو محق في ذلك. وسيكون من الغريب حقاً بقدر ما هو غير مقبول، ويجب الاعتراف بذلك، أي أن تكون إحدى نتائج التضحيات المقدمة دون حساب من بلدنا منذ سنة، وبخاصة في الشرق، هي الوصول إلى مثل هذا التراجع في التأثير.
     فمن الموافق إذن أن نحصَّل له التعويض الذي يستحقه، إما من خلال تعديل مجحف جداً بمصالحه أو للجهود التي بذلها  خلال هذه الحرب. إن تقليداً طويلاً، وتطلعات الجماهير، كما ورغبات الرأي العام في فرنسا، ذلك كله يجعل من سورية الأكثر موافقة لأن تكون بالنسبة لنا التعويض الضروري.
     لكنَّ سورية هذه ليست بلداً ضيقاً، ذات حدود معلنة، تتابع وجودها الوقتي وسط احتلالات أجنبية هائلة وتبقى حملاً ثقيلاً بالنسبة لبلدنا. ولهذا تلزمها حدود واسعة تجعل منها منطقة مستقلة يمكنها كفاية نفسها وعندها ستصبح بإمكانياتها ومختلف منشآتها التعليمية المركز الحقيقي لإشعاع حضارة هذا الجزء من حوض البحر المتوسط. وبذلك يُحفظ للغتنا وضعها المميز لها في المشرق. فإذا لم تحصل سورية الجديدة على الحدود الضرورية بالنسبة لها فإنها ستجازف على العكس بأن تشكل إخفاقاً، ليس فقط لفرنسا، بل وبالنسبة للسوريين أنفسهم أيضاً. إن خيالهم، الذي يذهب بعيداً دائماً، ويرضى بالأحلام أكثر مما يقنع بالوقائع، لن يتأخر في أن يجد نفسه آسفاً جزءاً من بلد ذي مستقبل محدود. وسرعان ما سيبادر أكثر أنصارنا حماسة عندما يرون المستعمرات المجاورة إلى لومنا لأننا منعنا عنهم الإمكانات والآفاق البعيدة.
     ولا يسعني إلا أن أترك لكم أمر التوسع بهذه الاعتبارات، بالاعتماد على أكثر الحجج جدارة بإصابة ممثلي الحكومة البريطانية.
     وينتج بوضوح من تبادلات وجهات النظر التي حصلت بين حكومات الحلفاء، ومن التصريحات الرسمية التي أطلقت من منبر الحكومة الفرنسية دون أن تثير المعارضة، أن حكومة لندن على اطلاع تقبل بمطالبنا المتعلقة بسورية وكيليكيا. إنما لم يُحدد أبداً بشكل دقيق إلى أين ستمتد جنوباً. وسيكون عليكم حسم التردد حول هذا الأمر.
     كانت تسمية سورية معروفة دائماً في فرنسا بمعناها  الواسع. ولم تعبر اتفاقية عام 1840 إلا عن الرأي العام، بإعطاء اسم سورية الجنوبية إلى فلسطين. فلن نفهم إذن معنى أن نترك أي جزء كان من الساحل السوري. وعليكم التشديد على ألا تنتهي ملكيتنا إلا عند الحدود المصرية.
     إضافة إلى ذلك، يكفي النظر إلى خارطة للتعرف على طبيعة الأماكن نفسها التي تفرض هذا الحل. فبين سورية الشمالية وسورية الجنوبية ليس ثمة أي حد طبيعي يمكن أن يشكل حاجزاً ويرسم الحدود. وعلى العكس، فهناك بين مصر وفلسطين منطقة صحراوية واسعة تفصل البلدين أكثر من نهر أو من سلسلة جبلية، الأمر الذي يجنب حدوث أية مشاكل مستقبلية مع الأشقاء.
     ولا شك أنه سيتم الاعتراض بأن انكلترا لا تستطيع القبول بأن تصبح الأماكن المسيحية المقدسة ملكاً لسلطة واحدة دون مراقبة. ولكن سيكون من السهل عليكم الرد بأن الاعتراض، المشروع لدى فرنسا، سيكون أيضاً ضد أي مالك محتمل لسورية الجنوبية، وأنه بين البلاد كافة إجمالاً التي سيكون لديها حقوق تطالب بها، فإن حقوق الحماية التقليدية لمسيحيي الشرق ليست أقلها. فضلاً عن ذلك يمكننا تشكيل مثل هذا النظام، مع الضمانة الدولية، وهذا سيعطي شعوراً كاملاً بالرضا لممثلي مختلف المذاهب المسيحية واليهودية والإسلامية، بتأمين حرية العبادة الكاملة لهم.
     وربما يكون الحل الأمثل الحفاظ النقي والبسيط على الوضع القائم الراهن، وذلك عن طريق معاهدة تنظيم حقوق كل جماعة كما هي موجودة حالياً، بحيث تحل فرنسا ببساطة محل تركيا في ممارسة دور الشرطة، وهكذا يتم تفادي صعوبات كثيرة. ولكن، إذ بدا هذا التنظيم غير قابل للتطبيق، وإذا رفضت إنكلترا بشكل قاطع بأن تكون الأراضي المعنية جزءاً من ملكيتنا الجديدة، فإن تحييد القدس وبيت لحم يمكن التفكير به من جانبكم، مع التأكيد أنه سيبقى محصوراً بالأراضي الضرورية حصراً حول المدينتين. إن أيّاً من الحجج التي يمكننا إبرازها لصالح هذا الترتيب ليس صالحاً في الواقع لأي من المناطق المجاورة.
     بعد تقديم هذا التحفظ، فإنه يبدو أن الحل الأبسط يمكن في تثبيت الحدود الإدارية الحالية لسورية. وهكذا، فستشمل أرضها على ولايات أو متصرفيات القدس وبيروت ولبنان ودمشق وحلب، وفي الشمال الغربي على الجزء الكامل من ولاية أضنة الواقع جنوب طوروس. إن المناطق الخصبة بشكل خاص، حيث أضنة،وهي ملتقى طرق آسيا الصغرى، تكون هكذا من حصتنا وتعطي ملكيتنا الجديدة قيمتها كاملة.
    ستتبع الحدود شرق هذه المنطقة ذروة جبال طوروس في ولايات أو متصرفيات مأمورة العزيز وديار بكر وفان لتعود فتنزل إلى الجنوب تابعة الجبال التي تحد حوض دجلة، وتقطع هذا النهر جنوب الموصل حيث لدينا المنشآت الفرنسية الأكثر ازدهاراً التي رسخت بجدية تأثيرنا في المنطقة وتصل إلى الفرات عند حدود مقاطعة دير الزور التي ستبقى ضمن حصتنا.
     وهكذا، فإن مرش وماردو- كابو ومناجمها الغنية في جبل مرغانة التي كان يأتي منها الجزء الأكبر من مواد الإمبراطورية من النحاس، وأرغانة ومناجمها من الرصاص المفضض، وديار بكر، ستكون موجودة في سورية وتزيد من ثرواتها. وسيكون من المفضل أيضاً أن تكون مناطق مناجم كركوك متضمنة في منطقتنا. ولكن يُخشى ألا يوافق الإنكليز حول هذه النقطة على وجهة نظرنا.
     وستكون حدود المملكة العربية الجديدة هي سورية كما رُسمت. وإذا أبدى حلفاؤنا معارضة لرؤياتنا نحو الموصل وأظهروا بعض المطالبة بهذه المنطقة، فسيكون علينا أن نذكرهم بالانفعال الذي سيحرضه حتماً في روسيا ضم الإمبراطورية البريطانية لمقاطعة نقع على نحو ظاهر جداً شمال المنطقة الفارسية التي تركتها لها حكومة القيصر. وأمام مثل هذه الحجة لا تعتقد أنهم سيتشددون حول هذه النقطة.
     وضمن هذه الشروط، ستشكل سورية بالنسبة لفرنسا تعويضاً جدياً عن خسارة الحظوة والقوة التي ستعاني منها بسبب تقسيم الإمبراطورية العثمانية. وفضلاً عن ذلك، لن تتجاوز حصتها حصة الحلفاء الروس في أرمينيا وشمال فارس، والحلفاء الإنكليز في بغداد في العراق وجنوب فارس. إذ لن يفاجأ هؤلاء إذا وجدوا أننا نقدم من وجهتنا مطالبنا ونجاهد في استخلاص مميزات مساوية من حرب تحملنا فيها الثقل الرئيس.
     ومع عرض هذه الحجج المختلفة، سيقع على عاتقكم إضافة إلى ذلك الإشارة بوضوح إلى أننا إذ كنا نأمل بالحصول على سورية كدولة تبدو قابلة للحياة وقابلة للنمو الذي يمكن أن تأمل به، فإننا لا نرفض أن نأخذ بعين الاعتبار، ضمن كامل النطاق الموافق لسيادتنا، مصالح جيراننا والبحث عن الترتيبات التي يمكن أن ترضيهم. وسيكون هناك ثمة مجال بشكل خاص، إذا ما طالبت الحكومة البريطانية بمنفذ لمنتجاتها على البحر المتوسط، للبحث عن الوسيلة التي يمكن بها أن نؤمن لها ذلك.
     إن حكومة الجمهورية تثق بأنكم ستعرفون، ضمن تحديد المصالح الذي عهد به إليكم هكذا، كيف تظهرون كامل حماسكم وتفيدون في الوقت نفسه من الحصافة الضرورية لبلوغ النتيجة التي نهدف إليها، دون المجازفة من غير جدوى بإثارة حساسيات حلفائنا والاصطدام بنهاية عدم القبول من طرفهم.

باريس 9 تشرين الثاني 1915م.

المصدر: أرشيف الشؤون الخارجية الفرنسية، حرب 1914-1918، جزء 871 تركيا- سورية- لبنان. جزءV،  ص32-36، نقلاً عن سورية –بلاد الشام- تجزئة وطن، جوزيف حجار، دار طلاس،1999 ص80.

الجمل- إعداد: د. سليمان عبد النبي

    
 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...