روسيا في الشرق الأوسط لوقف الحرب لا للمشاركة بالصراع بين إيران وإسرائيل

18-05-2018

روسيا في الشرق الأوسط لوقف الحرب لا للمشاركة بالصراع بين إيران وإسرائيل

ثمة مفاهيم خاطئة متكرّرة تحوط بدور روسيا في الشرق الأوسط، ولا سيما في سورية. ويزْعم العديد من السوريين أنهم يرون روسيا تهاجم اسرائيل او تقدّم للحكومة السورية كل أسلحتها المتقدمة وتقنياتها وطائراتها الحديثة ليصار الى استخدامها ضد اسرائيل وانتهاكها المستمرّ للمجال الجوي لسورية وغزوها لسيادتها.

في الواقع، يودّ السوريون أن يروا روسيا تقصف اسرائيل أو تحارب الى جانب إيران وحلفائها وتكون جزءاً من الصراع الإيراني - الاسرائيلي وتسلّم الصواريخ المضادة للطائرات مثل الـ S-300 او S-400 الى سورية.

وحتى يومنا هذا، كل مَن يكنّ العداء لاسرائيل يجد صعوبة كبيرة في فهْم دور روسيا (في الشرق الأوسط بشكل عام وفي سورية بشكل خاص)، وكذلك علاقة موسكو مع تل ابيب وواشنطن، حتى ان اتهامات بالـ «خيانة» تُشن ضد روسيا وكذلك شخص الرئيس فلاديمير بوتين.لقد حان الوقت لإلقاء بعض الضوء المفيد على التموْضع الروسي في الشرق الأوسط والنظر الى التاريخ الحديث لدور موسكو في بلاد الشام والمشرق العربي.

كيف دخلت روسيا الى سورية؟

حتى تاريخ يوليو 2015، كانت روسيا تقدّم الأسلحة وقطع الغيار للجيش السوري، وقد رست العديد من السفن في البحر المتوسط وعلى الشاطئ السوري محمَّلةً بالعتاد الحربي في ميناء طرطوس الذي تملك فيه موسكو قاعدةً بحرية منذ السبعينات.وقد ساهمت إيران بسخاء في دفْع ثمن هذه الشحنات التي قدّمتْها روسيا بأسعار مخفضة جداً (نصفها مجاني والنصف الآخر مدفوع)، وهي مدركة لاحتياجات حليفها السوري الذي يواجه تنظيمات تكفيرية في بلاد الشام.

واقعاً، اعتقدتْ روسيا انه إذا ساءت الأمور كثيراً، فإن تنظيم «القاعدة» و«داعش» لن يتمكنوا من السيطرة على اللاذقية حيث القاعدة الروسية البحرية، وان الحكومة المركزية ستتمكّن من تأمين سلامة العاصمة دمشق ومحافظات حمص وحماه والزبداني واللاذقية ولا سيما ان «محور المقاومة» دخل المعركة.وفي يوليو 2015، قررتْ إيران وحلفاؤها التراجع من جميع المناطق الريفية الى المدن السورية الرئيسية بسبب استحالة حماية المساحات الهائلة التي يسيطر عليها التكفيريون.

وفي ذلك التاريخ أرسلتْ إيران مبعوثها الخاص الى سورية، قائد «لواء القدس» في الحرس الثوري الجنرال قاسم سليماني الى موسكو، وتلاه الادميرال علي شمخاني، لوضع النقاط على الحروف وتوضيح الصعوبات التي تواجهها القوات على أرض المعركة.والتقى سليماني أكثر من مرة مع أعلى السلطات الروسية ليدقّ جرس الإنذار ويشرح أن من الممكن أن يكون الأوان فات لحماية كل اللاذقية من صواريخ التكفيريين، وان القاعدة الروسية ونافذة موسكو البحرية على المياه الدافئة في خطرٍ أكيد.في هذا الوقت أخذت إيران وحلفاؤها على عاتقها حماية العاصمة دمشق وطريق المطار ومنطقة السيدة زينب وحدود لبنان - سورية من تلكلخ الى الزبداني وحتى طرطوس، وهذا كان كافياً ليُبقي الرئيس الأسد في موقعه ويُحافِظ على تدفّق الدعم العسكري من المطار والمرفأ السوري الى لبنان.


إرسال قوات روسية

وبعد تَردُّد طويل اتخذت روسيا قراراً بإرسال قواتها الجوية (وبعض القوات الخاصة) الى سورية في سبتمبر 2015. ولم يكن بوتين متحمساً لإعلان العداء للولايات المتحدة في ملعبها الخاص الشرق أوسطي، حيث استثمرتْ أميركا ومعها حلفاؤها الغربيون والعرب مليارات الدولارات لتغيير النظام في سورية.

وكانت القوات الخاصة الأميركية ووكالة الاستخبارات المركزية (CIA) تدير برامج تدريبية في الأردن وقطر وتركيا للغرض نفسه. واستثمرت المملكة المتحدة - الى جانب أميركا - عشرات الملايين لتدريب جهاديين في مجال الدعاية المزيفة بذكاء وعلى مواقع التواصل الاجتماعي لجذب الرأي العام لمصلحة سياسة «تغيير النظام». حتى وصل الأمر الى ترسيخ مفهومٍ مفاده: «حتى ولو قدّمنا المساعدة للقاعدة وحلفائها فهو أهون الشر وتجب إزالة الأسد أولاً». لم تكن لهؤلاء خطة معينة او استراتيجية واضحة للتعامل مع احتمال تحول سورية الى دولة فاشلة.

وسارَ العالم خلْف هذه النظرية وأخذ الإعلام الغربي حصته مبْتعداً عن جوهر وظيفته الإعلامية بإخبار الناس ونقل الحقيقة كما هي، بدل المشاركة في النزاع القائم. وَوَقَع العالم ضحية التغطية الإعلامية المتحيّزة القائمة على أجندة معيّنة وبعيدة عن المصادر الموثوق بها. ومن الواضح ان العقيدة والاستراتيجية الأميركية القائمة على مبدأ «تغيير النظام» في سبيل «تعزيز السلام» تؤدي الى نتائج عكسية، وفي واقع الأمر تعزّز شيئاً واحداً فقط: الهيمنة الأميركية.

لم يكن بوتين مستعدّاً للغوص في المستنقع السوري حيث تتواجد وتتداخل مصالح دول عدة. وكان ظِلُّ حرب أفغانستان (1979) يطارد القيادة الروسية. ومع ذلك فإن «العواقب غير المقصودة» لسياسة الولايات المتحدة في أوكرانيا ومحاولتها - الى جانب حلفائها الأوروبيين - طرْد روسيا من البلاد وتعطيل دخلها الاقتصادي الضخم من بيع الغاز في اوروبا، كان كافياً «لدفْع الدبّ الروسي لتعميق دوره في بلاد الشام».


اللعب في الحديقة والغابة وقد خصص بوتين نفس ميزانية الدفاع السنوية للتدريب وتطوير الأسلحة التي سيتمّ استثمارها في سورية. واستغلّ هذه الفرصة لإفهام أميركا أن روسيا لم تعد ضعيفة وأنها قادرة على حماية مصالحها خارج أراضيها. وكانت الرسالة الروسية واضحة: إذا أرادتْ أميركا اللعب في حديقتنا الأوكرانية فستلعب موسكو في غابة أميركا الشرق أوسطية.

وانتقلتْ روسيا الى سورية، لا لتربح الحرب بل لتوقفها وتمْنع التكفيريين من ان تكون لهم اليد العليا، ولحماية مصالح موسكو ومصالح حلفائها. لقد أرادت روسيا القضاء على جهاديي القوقاز الذين انضمّوا الى «داعش» و«القاعدة» لمنْع هؤلاء من العودة الى ديارهم (او تجنيد المزيد منهم)، كما أراد بوتين ثلاثة أشياء أخرى: ضمان وجودٍ طويل الأمد لقاعدته البحرية في طرطوس، وصول جميع الأطراف الى طاولة المفاوضات، منْع «تغيير النظام». وقد استفادت روسيا من النفط والغاز السوري الغني جداً وحمَتْ خط إمدادات الغاز الى أوروبا (لمنع منافسات اخرى تمر عبر سورية).وبالنسبة لروسيا - على عكس ايران

- لم يكن للأسد خاصية أساسية لإبقائه والتمسك به شخصياً: لقد كان استقرار وتثبيت الحكومة السورية هو الهدف الروسي الأهمّ. وكانت موسكو مستعدة للتفاوض والتسوية (على الرغم من ان إيران كانت ولا تزال تعارض كلياً إزالة الأسد وقد رفضت أي حل يتعلق بهذه النقطة). وعرضت روسيا ان يتم اختيار اي شخص علوي يوافق عليه الأسد إذا كان ذلك هو ثمن وقف الحرب. لكن إيران رفضت ذلك كلياً. ولم يكن هدف موسكو هزيمة واشنطن في سورية بل هي أبقت الباب مفتوحاً للتسوية، وقد ظهر بوتين وكأنه يحاول تقليد ما قاله الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات: فقد أمْسك غصن الزيتون بيد والكلاشنيكوف بيد أخرى.


اسقاط «السوخوي»

وأَبْقتْ موسكو قنوات الاتصال العسكرية والسياسية مفتوحة مع أميركا وأَظهرتْ استعدادها للعب «لعبة القوة الناعمة»، إلا أن الوضع تغيّر عندما أَسقطتْ تركيا طائرة «سوخوي» نهاية العام 2015 لتُدْرِك روسيا مدى استعداد أميركا لاستفزازها ومواجهتها. ورفض بوتين الوقوع في نفس المصيدة الأميركية التي سقط فيها ليونيد بريجنيف عندما أرسل الجيش السوفياتي الى أفغانستان العام 1979.

وعندها أَمَر بوتين بعقوبات مالية واقتصادية قاسية على أنقرة، العضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو) اذ اعتبر ان اردوغان لم يكن وحده في التحدي. وما حدَث ذلك اليوم كان واضحاً. فقد استغرق الدفاع التركي الجوي 16 ثانية فقط لإطلاق الصاروخ وإسقاط «السوخوي» عندما اقترب الطيار من الحدود الافتراضية التركية - السورية لقصف مواقع الجهاديين الموالين لتركيا. 

واقعاً، هذا يُعتبر وقتاً قصيراً جداً - بل مستحيلاً - للقاعدة العسكرية الحدويدة للاتصال بقيادتها ومنها الى القيادة الجوية، الى العمليات المركزية، الى وزير الدفاع ومنها الى الرئيس اردوغان لأخذ الموافقة على ضرب طائرة تابعة لقوة عظمى مثل روسيا والضغط على الزناد. علماً ان روسيا تبلغ أميركا بخط سير طائراتها اليومي لمنع التصادم في الأجواء السورية، وقد كانت تركيا بالانتظار واليد على الزناد.

وعاودتْ موسكو تأسيس علاقتها التجارية من جديد مع تركيا بعد توقف طويل وأليم لأنقرة، وذلك عندما حان الوقت المناسب لروسيا، وخصوصاً بعدما شعر اردوغان بدور الولايات المتحدة بمحاولة الانقلاب التي حصلت ضدّه. وهنا تحرّكت الديبلوماسية الأميركية بسرعة على خط آخر، وبعد مفاوضاتٍ طويلة تمكّن وزير الخارجية الأميركي حينها جون كيري من إبرام صفقة مع نظيره الروسي سيرغي لافروف من أجل رسم خطوط تماس بين المدن السورية، والمحافظة على الوضع العسكري الحالي على كل الجبهات وعدم السماح للطيران السوري بالعمل. وهكذا يحتفظ جميع المقاتلين بالأراضي التي يسيطرون عليها والأمر نفسه للجيش السوري. ورضيت روسيا عن وقف الحرب.

إلا أن أهداف إيران لم تتطابق مع أهداف روسيا على الرغم من التقائها في نقاط متعددة. لقد استفادت سورية وإيران من وجود قوة عظمى - روسيا - وتدخلها في بلاد الشام خصوصاً انها تواجه قوة عظمى أخرى، أميركا.وكان من الواضح ان سورية وإيران لم تستطيعا التعامل مع الوضع السوري على أرض المعركة من دون روسيا. فالدعم المالي والتدريب العسكري وعدد التكفيريين الذين تلقوا الدعم التدريبي والإعلامي للتأثير على الرأي العام، كل ذلك كان يفرض حلاً واحداً - من دون روسيا - ألا وهو تدخل الجيش الإيراني. وهذا الاحتمال كان وارداً فقط لو رفضتْ روسيا التدخل في المستنقع السوري. لكن هذا الاحتمال كان مكْلفاً جداً، وأسوأ من الحرب الإيرانية - العراقية. في حالة كهذه، كانت دول الشرق الأوسط سترسل قوات الى سورية ومن الممكن جداً ان تسبب هذه الخطوة حرباً أكبر في المنطقة حيث مشاركة اسرائيل وأميركا كانت ايضاً ممكنة ضدّ إيران وسورية.


تحرك إيراني

فبالنسبة لإيران، ان سقوط الأسد كان (ولا يزال) يعني سقوط إيران نفسها ومعها حليفها الاستراتيجي «حزب الله» ويلحقها العراق. ولذلك استعدّت طهران للمغامرة بكل ما تملك وبأي شيء لإنقاذ النظام السوري. إلا ان هذه لم تكن قضية تبنّتْها روسيا. فقد أرادت موسكو إبقاء حكومة مركزية في سورية ووقف تقدم التكفيريين ومنْعهم من ان تكون لهم اليد العليا بأي ثمن.وعندما اختلف البنتاغون مع كيري، قررت روسيا مواصلة القتال لتحرير حلب مع حلفائها. وتعلم روسيا ان سلاحها الجوي يمكن ان يفعل القليل جداً من دون وجود قوة برية قوية ومدَّربة وايديولوجية لتستعيد الأراضي المحتلة. وقد تَعلّم الجهاديون حماية أنفسهم من القصف الجوي في المدن. وهنا كان دور «قوات النمر» السورية الخاصة وقوات «حزب الله» الى جانب قوات أخرى حليفة. لقد أدركت روسيا أنها لم تكن وحدها التي تستطيع تغيير الجغرافيا وتبعا لذلك فإن القرار لم يكن لها وحدها بل لها ولحلفائها.

مثلاً، تحرّكتْ إيران، من دون دعم روسي جوي، نحو مدينة البوكمال والبادية السورية، واتجهت نحو التنف ايضاً قوةٌ أخرى وانتظرتْ القوات الإيرانية وحلفائها من قوات النخبة لمدة 3 أسابيع على أبواب البوكمال لدخول المدينة. وعندما تأخرت «قوات النمر» والقوات الروسية، أَمَرَ قاسم سليماني بالدخول وبدأ الهجوم.وفقط بعد مرور أكثر من أسبوع على المعركة، حضرت القوات الروسية ومعها «قوات النمر» الى البوكمال بعدما أنهت «داعش» في دير الزور.
صفقة رباعية

وفي معرض آخر، لم توافق روسيا على الهجوم الذي قامت به القوات السورية والإيرانية وحلفائها على مدينة ومزرعة بيت جن الواقعة على حدود خط وقف اطلاق النار 1974 بين سورية واسرائيل، والأمر نفسه بالنسبة الى درعا والقنيطرة.وعقدتْ روسيا صفقة مع أميركا والأردن واسرائيل لوقف العمليات العسكرية في درعا والابتعاد عن المناطق الحدودية لمنْع ضرب اسرائيل. اذ ان إنهاء وجود التكفيريين على الحدود كان يضر بأمن اسرائيل التي قدّمت المساعدة اللوجستية والطبية والاستخباراتية والدعم الجوي والمدفعي بشكل فاضح لمصلحة «القاعدة» و«داعش» (جيش خالد بن الوليد) على الحدود مع سورية. إلا ان هذه الصفقة كانت أيضاً لمصلحة سورية لانها أراحت الجيش السوري على هذه الجبهة ليتوجه الى جبهات أخرى شمالية.

في الواقع، تتمتّع روسيا واسرائيل بعلاقات جيدة بغض النظر عن اختلافاتهما في سورية. فاسرائيل بحاجة ماسة الى روسيا لضبْط الإيقاع في سورية. وتستطيع موسكو كبْح جماح أهداف طهران ودمشق والتي تقضي بتحرير الجنوب والتواجد على الحدود الإسرائيلية - السورية، وأي غياب لروسيا في بلاد الشام يعني أن عشرات الآلاف من حلفاء إيران سيتمركزون على الحدود مع اسرائيل. ومع ذلك فان روسيا تقدّم أسلحة حديثة لسورية على الرغم من عدم رضى اسرائيل، مثل صواريخ «ياخونت» المضادّة للسفن. وتدرك اسرائيل ان سورية فتحت مخازنها العام 2006 لـ «حزب الله» وسلّمتْه الصواريخ المضادة للدبابات بالتوجيه اللايزري والذي دمّر وأَلْحَقَ الضرر بأكثر من 55 دبابة «ميركافا»، فخْر الصناعة الاسرائيلية. ويُعتقد ان الياخونت قد وجد طريقه الى «حزب الله» في لبنان.

ولا تمانع روسيا المحافظة على أمن إسرائيل بما لا يضرّ بمصالح موسكو على الرغم من مساعدتها لعدوّة تل أبيب اي سورية. إلا أن الحرص الروسي مشروط: اذا لعبت إسرائيل بالنار في سورية واستمرت بإطلاق الصواريخ قرب مراكز تواجد الضباط الروس في سورية والموزّعين على كل المواقع السورية المهمة فإن موسكو قد تقْلب الطاولة على رأس اسرائيل، التي تعي ذلك تماماً.


لم تتفق طهران ودمشق على كل الخطط العسكرية الروسية ولا حتى السياسية بأجمعها، إلا أنهما أَدْركتا ان موسكو تملك الثقل الدولي لوقف الحرب للقضاء على «القاعدة» و«داعش». وكان الدعم الدولي الذي تتلقاه «القاعدة» والتغاضي عن «داعش» (الى يومنا هذا تتواجد قوات لـ «داعش» في منطقة سيطرة ونفوذ أميركا في الشمال الشرقي السوري) معضلة حقيقية. لكن الاولوية اتجهتْ لضرب «القاعدة» التي تحصل على الدعم الأكبر الدولي والشرق أوسطي. واتفقت روسيا وإيران على ترْك المسلحين الموجودين شمالاً تحت سيطرة تركيا الى حين الوفاق السياسي الدولي.ويُظْهِر سلوك روسيا أنها لم تأت الى سورية لبدء حربٍ عالمية ثالثة. لقد مارس بوتين ضبْط النفس عندما أُسْقِطَتْ الطائرة الروسية وكذلك عندما قتلتْ أميركا مئات المتعاقدين الروس في دير الزور وحين أطلقت الولايات المتحدة اول موجة صواريخ كروز (59 صاروخاً) فوق رأس روسيا ضد مطار الشعيرات العسكري. وكذلك ايضاً عندما أطلق ترامب 100 صاروخ ضد أهداف سورية فارغة بعدما أُبلغت روسيا بالوقت المحدد وبنك الأهداف.وليس لدى روسيا أي نية للمشاركة في أي حرب بين اسرائيل و«حزب الله» وإيران. وهدفتْ روسيا لتهدئة التوتر في سورية حتى تصل الى نهاية الحرب. وروسيا ليست جزءاً من الصراع الإيراني - الاسرائيلي، لأن العداوة بين المسلمين واسرائيل تقلّصت اليوم الى إيران وحلفائها. إلا انه ليس من الصحيح القول إن بوتين دعا بنيامين نتنياهو الى موسكو في «يوم النصر» (على النازية) لتوجيه رسالة الى سورية... فلا علاقة لهذه الزيارة بسورية.ولن تقبل إيران ولا سورية بأي «إنذار روسي او اسرائيلي». فلم تكن روسيا لتحقق اي نصر في سورية من دون حليفيها السوري والإيراني وحلفائهما الذين عرفوا كيف يستثمرون على الارض الضربات الجوية، والعكس صحيح ايضاً. وتتفهّم إيران وسورية العلاقة الروسية - الاسرائيلية كما تدرك روسيا العلاقة الإيرانية - السورية ولم يحاول أي طرف تغيير هذه العلاقات. فكما تحتاج روسيا الى كل من سورية وإيران في أرض المعركة في سورية، فهي تحتاج اليهما ضدّ الهيمنة الأميركية العالمية الأحادية وكذلك تحتاج إليهما كشركاء في التجارة والطاقة.


انتخابات رئاسية حرة 

لم تعد اليوم روسيا تتمسك بإزاحة الرئيس السوري بل تؤيد انتخابات رئاسية حرة مع مراقبة للامم المتحدة العام 2019. كما تدرك عمق العلاقة الإيرانية - السورية وصلابتها بعد سبع سنوات من الحرب. واندمج الحلفاء (مع حزب الله) الاستراتيجيين في أهداف مشتركة: حماية النظام. وكما فتحت سورية مخازنها لـ «حزب الله» العام 2006، فتح «حزب الله» لسورية الباب أمام كل طاقاته وسخّر الآلاف من الرجال لنصرة سورية.وكما ان الحرس الثوري الايراني موجود في سورية منذ 1982 ولن يغادر إلا بطلب الحكومة السورية، أتى حلفاء إيران الى بلاد الشام لمساندة الأسد قبل ان تحضر روسيا. وقدمت إيران الرجال والمال والنفط من دون اي رؤية مستقبلية لما سيحصل لسورية وهل سيتم القضاء على التكفيريين أم لا. وعندما حضرت روسيا، كانت تعلم أهداف إيران التي تلتقي معها وتتعارض معها في نقاط معينة.

ومن الطبيعي ان تحاول روسيا ايجاد التوازن في علاقتها مع اسرائيل وسورية وإيران وتركيا وأميركا. وفي الوقت نفسه لن تحاول روسيا مهاجمة أميركا وهي حتى مستعدّة للتعايش مع قوات أميركية في نفس المساحة (شمال - شرق سورية) وهذا ما يتنافى مع تطلعات إيران وسورية.ما قدمتْه روسيا لسورية أكثر بكثير مما يمكن ان يُكتب في صفحات. ومع ذلك فإن المعركة لم تنته ولا يزال هناك طريق طويل يتعيّن قطْعه.وما ينساه الكثيرون ان روسيا ليست ملحقة بالجيش السوري أو الإيراني وليست جزءاً من «محور المقاومة» حتى ولو لم تكن بعيدة عن بعض أهدافه. ومع ذلك، في سورية، لا تستطيع روسيا ان تذهب بعيداً من دون «محور المقاومة».

ومن دون روسيا، من المحتمل ان تكون هناك حالة تتطاير فيها الصواريخ فوق الشرق الأوسط بين اسرائيل وإيران و«حزب الله» واسرائيل وسورية والعراق وربما على الأرجح بعض الدول العربية التي ستشتعل النار فيها، ولا سيما مع رئيسٍ أميركي (دونالد ترامب) يتّخذ قرارات الحرب على قطعة من كعكة الشوكولاته ولا يمكنه معرفة الفارق بين العراق وسورية عندما يقرّر قصف بلاد الشام.

 إنجازات روسية


ما الذي تمكّنتْ موسكو من فعْله في سورية؟...

- منعتْ روسيا الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما من قصف دمشق وأَقنعتْه بالقبول بتدمير السلاح الكيميائي السوري. أما بالنسبة لسورية فتجربة «حزب الله» العام 2006 رسخت معادلة ان صواريخ دقيقة كافية لإيجاد توازن مع اسرائيل وان استخدام الاسلحة الكيميائية يجلب غضب العالم ضد أيٍّ من مستخدميه.

- منعتْ روسيا (والصين)، الأمم المتحدة وأميركا وأوروبا من الحصول على قرار شرعي أممي باعتبار سورية دولة فاشلة مثل ليبيا العام 2011.

- واصلتْ تزويد الجيش السوري بقطع غيار عسكرية وحدّثت الطائرات السورية عندما انقسم الجيش - وكذلك المستودعات السورية المليئة بالأسلحة - بين مؤيّد ومُعارِض للنظام.

- تحرّكت روسيا بسلاحها الجوي لتوقف تَقدُّم الجهاديين وسط سخرية المحللين الذين انتقدوا تدخل موسكو في الأشهر الأولى من سنة 2015.

- منعتْ سقوط ريف اللاذقية والأرياف التي لم تتمكن سورية وإيران من المحافظة عليها. وحرّرت كسَب وأعادت «القاعدة» الى الداخل السوري بعدما وصلت قواتها الى البحر المتوسط.

- منعتْ تدمير البنية التحتية للجيش السوري أو هدم مبنى الرئاسة ومارست الضغط على أميركا للحدّ من ضربات صواريخ «الكروز» ضد مطار الشعيرات وأهداف أخرى.

- أبرمت موسكو مع أنقرة صفقة مغادرة قوات سوريّة تعمل تحت إمرتها مدينة حلب.

- أوقفت معركة ريف ادلب لتتوجه الى الغوطة وتمنع سقوط العاصمة دمشق وتضرب أكثر من 20 الى 30 الف مقاتل في الغوطة وتجبرهم على المغادرة الى الشمال وكذلك الحال نفسه في حمص وحماه.

- منعتْ روسيا من ضرب المراكز السورية والإيرانية والعائدة لحلفائهما، ما حال دون نشوب حرب كبرى ضد اسرائيل كان ممكن ان تضرب المنطقة كلها. واضطرت أميركا لتغيير خطتها مرتين وأبلغت روسيا بتفاصيل الأهداف التي أخليت بأكملها. وقامت روسيا بنشر الدفاعات الصاروخية لتضرب 70 في المئة من الصواريخ الأميركية وتفرغ الضربة من محتوياتها.

- سلّمت روسيا 40 منظومة «بانتسير» المعروفة بمدفع الصواريخ المضادّة للدفاع عن الجيش السوري ضد الضربات الأميركية والاسرائيلية.

- أَوجدتْ محادثات استانة كبديل لمحادثات جنيف لتكون لديها منصة سياسية خاصة بها. واليوم وبعد تحرير الغوطة وحماه وحمص (الأرياف) لم تبقَ هناك اي مجموعة سورية تملك قوة لتتفاوض مع الدولة السورية. وألغت روسيا الوكلاء لتصبح المفاوضات مع الأسياد: اميركا في التنف والشمال - الشرقي، وتركيا في الشمال الغربي وأميركا واسرائيل في الجنوب، وهذا كله من جانب واحد. وروسيا وسورية وإيران في الجانب الآخر.

- تحدثتْ بقسوة مع اسرائيل عندما قصفت طائراتها المطار العسكري الـT4. اذ أبلغ بوتين، نتنياهو، أن صواريخه كادت تصيب الضباط الروس وهدّد بتسليم سورية صواريخ S-300 اذا قامت اسرائيل بضربات غير منسّقة بعد اليوم.

- أبلغت اسرائيل الى روسيا بنياتها قصف سورية وتواجد 28 طائرة لديها لضرْب سورية قبل وقوع الهجوم ما سمح بإخلاء المراكز كلها. واقتصرت الخسائر على عدد قليل من الضباط السوريين من دون اي إصابة للقوات الإيرانية. وردّت سورية بإيجاد قاعدة اشتباك جديدة بضرْب الجولان المحتل.

 

الرأي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...