المسرح تألق في الرقة رغم الإمكانيات المتواضعة

04-12-2006

المسرح تألق في الرقة رغم الإمكانيات المتواضعة

الجمل- الرقة- أحمد الخليل :انتهت مساء الاثنين الماضي (27- 11- 2006 ) فعاليات مهرجان الرقة المسرحي الثاني وأعلنت نتائج المهرجان ضمن حفل الختام وكانت على الشكل التالي:
- أفضل عرض (السيدة الفاضلة) فرقة العاصي المسرحية (حماة)
- أفضل ممثلة (يارا بشور) عرض السيدة الفاضلة
- أفضل ثاني عرض (نهدا ساطور) شبيبة ريف دمشق
- أفضل ثاني ممثلة (عتاب نعيم ) نهدا ساطور
- أفضل مخرج (كميل أبو صعب) نهدا ساطور، وأفضل ثاني مخرج مولود داؤد (العاري والانيق) وأفضل ثالث ممثلة (ندى قطريب) عن عرض العاري والانيق (نقابة فناني حماة)
- أفضل ممثل عبد الناصر مرقبي (أنت لست غارا) فرقة قومي اللاذقية، وأفضل ثاني ممثل أسامة جنيد (نهدا ساطور)
- أفضل ديكور محمد قاسم (مرحبا أيها الموت ) العراق.
- جائزة لجنة التحكيم الخاصة لعرض (رجال محترمون ) قصي قدسية ونضال صواف.
وكانت لجنة التحكيم قد تشكلت من : فايز قزق- غسان جباعي- يوسف المقبل- عبد الفتاح قلعه جي- جوان جان
بينما انشغل الفنان أسعد فضة الذي (خطف رجله) الى الرقة والتقط له بعض المصورين مجموعة من الصور التذكارية وغادر بعد بقاءه في الرقة ساعة كاملة!!
وحيت الفنانة منى واصف جمهور الرقة المحتشد في المسرح أثناء تكريمها لدقائق ثم غادرت الرقة.
أما الدكتور المسرحي عجاج سليم (الحفيري) فانشغل مع ماهر الخولي في مهرجان حلب الجامعي، لذلك تم تعديل لجنة التحكيم على الشكل الذي جاء آنفا.
أصدر المهرجان نشرة يومية بعنوان (فضاءات مسرحية) متواضعة شكلا دسمة مضمونا، قدمت مجموعة قراءات للعروض، وحوارات مع الضيوف ومقالات مهمة عن المسرح، واعتبر ضيوف المهرجان أن فضاءات مسرحية تتفوق كثيرا على مهزلة المنصة الطلائعية، وقاد عملية التحرير في الفضاءات كل من الزميلين لؤي عيادة ومحمد جاسم الحميدي ، في العدد الرابع نقل الحميدي الى المشفى من شدة الارهاق ولم يغادرها الا مع نهاية المهرجان، بينما نقل الزميل عيادة الى المشفى في العدد السابع وبقي فيها ثلاث ساعات، غادر اثرها ليكمل سكرته في فندق اللازاورد؛ فالزميل عيادة يعمل بمبدأ و(داويها بالتي كانت هي الداء)!!
قدم محافظ الرقة المحامي أحمد شحادة خليل نصف مليون ليرة سورية للمهرجان، ومع مساهمات أهل الخير انتهى المهرجان وجيوب ادارته فارغة الا من مجموعة ديون وزوجات غاضبات من الثقافة وساعتها!
بينما وقفت وزارة الثقافة وأسطولها من الموظفين فرحين بالاصداء التي تتركها ثقافة الرقة، رغم شح الميزانيات والجيوب.
أما بالنسبة لصالة دار الاسد فقد غصت بالجمهور على مدى عشرة أيام وحتى (البلكون كومبليه)، والطريف أن قاعة مناقشات العروض شهدت نقاشات حارة من جمهور مثقف ومتعطش للفن والمسرح، حيث كان الحضور من الواقفين أكثر من الجلوس، وكل يوم عقب انتهاء العروض كان الجمهور يشحذ همته ويشارك بفعالية في نقاش العروض فاقت النقاد الاكاديميين، الامر الذي أدهش لجنة التحكيم وحملها مسؤولية كبيرة في تقييم العروض التي ناقشها الجمهور بدقة وبتفصيل ملفت، لدرجة أن الكاتب والمخرج فرحان بلبل قال بعد عرضه الغيمة السوداء (لم يخفق قلبي منذ عام 1969 كما خفق اليوم في الرقة).
ادارة مهرجان الرقة تشكلت من : حمود الموسى مدير الثقافة- محمد السراج- حمدي موصللي- أنس العلي- عبد الحميد خلف- عبدو محي الدين- حسان محيسن- ومجموعة من موظفي مديرية الثقافة.


قراءة في العروض

(الغيمة السوداء) دعوة للحب

يبتعد الكاتب والمخرج المسرحي فرحان بلبل بعرضه المسرحي (الغيمة  السوداء) عن التزويقات الفنية والحذلقات الاخراجية فيقدم لنا عرضا تقليديا يستوحي المنجز في فن المسرح قالبا لحكايته، فديكوره بسيط واضاءته مقتصدة  فيما ممثليه يكتفون بالحركة في وسط الخشبة وعمقها معتمدين التصعيد الحسي والتعابير الداخلية التي تبرز من خلال الحوار المتعدد الطبقات
العرض يركز على عنصر الحكاية التي هجرها المسرح مؤخرا وأصبح يعتمد اللوحات أو التقنيات الحركية بدون حكاية أو ربما حكايات متنوعة ينظمها هم عام.
المحامي جابر (هشام هديب) يطلق زوجته التي أحبها بعد الاستيلاء على مالها فيتركها نهبا للفقر والتشرد ثم يتزوج من امرأة ثرية تدخله عالم الاثرياء والمال و(البرستيج) الاجتماعي فيصبح محاميا مشهورا وأحد حواة القوانين ولاعبيها الاساسيين.
المحامي جابر رمز لفئة اجتماعية منافقة مزيفة تقول عكس ما تعمل فهو مدافع عن حقوق الانسان والمرأة وحقوق العمال والفلاحين الوفي لزوجته وأولاده يتحدث عن نفسه كثيرا كرجل مباديء وأخلاق فاضلة.
الكاتب والمخرج بلبل يدخلنا في لعبة مسرحية تكشف زيف هذا الرجل وتفضح تاريخه، يتواعد المحامي  الشهير مع زبون اسمه حسن من أجل اجراء عقد بيع منزل بين حسن وأحد الاثرياء يتأخر الثري البائع فيبدأ حسن باماطة اللثام عن هذا الرجل من خلال تركه يتذكر تاريخه ومغامراته ونساءه فالويسكي تفعل فعلها وتطلق كوامن المحامي الذي تنكر لحبه الاول، يحضر حسن حين تتأجج مشاعر وأحاسيس المحامي امرأة محجبة لقضاء ليلة حمراء معها فتدخل المرأة في حوار مع المحامي ترجعه الى زواجه الاول وتآمره وطلاق زوجته وتركها مع الفقر ثم تميط اللثام عن وجهها ليكتشف أنها زوجته الاولى، لقد تعرض لخدعة هدفها انتقام الزوجة الاولى من زوجها الخائن هذه الزوجة التي انتقمت من فقرها وهي الجاهلة بالدراسة حتى أصبحت استاذة في القانون وهنا هي تنتقم أيضا من زوجها بجعله ينظر في عينيها جيدا فيقع الزوج مغمى عليه.
حسن الابن الحقيقي للمحامي يعترض على فكرة الانتقام من والده رافضا حقد أمه على الزوج الهارب بأموالها رغم أنه شاركها الخطة للايقاع بالزوج والانتقام منه رغبة من الابن بتخليص أمه من حقدها واراحتها من حملها الثقيل.
ولكن هل أراحها الانتقام تقول سراب الام : (ان انتقامي من أبيك وهم سخيف أمضيت حياتي بانتظاره..)
رغم ذلك يستمر المحامي بحياته الجديدة فمن داس على قلب من أحب يستطيع الدوس على كل القلوب لتحقيق مصالحه.
العرض دعوة للحب فما الفائدة ان ربحنا المال وخسرنا الحب ؟
اضافة الى رفض أن يكون العلم مطية للحقد ولأسوأ مافي الانسان.
في الغيمة السوداء يتألق أداء الممثلين الثلاثة لكن يتفوق أداء هشام هديب نظرا لكونه الشخصية الفاعلة دراميا فطريقة تصعيده لاحاسيسه تتناسب مع الحوار وتطوره وتصاعده من خلال قدرته على التعبير بوجهه وحركاته عما يعتمل في داخله فكان ممثلا امتلك قدرة كبيرة على ايصال مقولات العرض وأفكاره وهذا لايقلل أبدا من أداء الممثلين الاخرين الذين حاولوا التوازن معه. 
فرحان بلبل في الغيمة السوداء رجل مسرح وفي لتاريخه الفني ولفكره ولفرقته الحمصية

السيدة الفاضلة : جريئة في التمثيل والطرح

يختار المخرج الحموي يوسف شموط نصا إشكاليا ليمسرحه حيث تتعدد قراءات نص جان بول سارتر الذي كتبه في منتصف القرن العشرين ويحتمل رؤى وقراءات مختلفة إن كان في المسرح أو الفنون الأخرى.
يبدأ المخرج شموط بعمله على النص من العنوان فيحوله من (المومس الفاضلة) إلى السيدة الفاضلة، وذلك بقصد فني ناسبه مضمون العرض والشكل الفني للنص الذي يوافق رؤية المخرج.
العرض إدانة للمجتمع الأمريكي الذي يقوم على الزيف والجريمة والظلم.
المومس ليزي التي تبيع جسدها يوميا للزبائن العابرين لتعيش، تشهد جريمة قتل بين أبيض وأسود خلال سفرها فيأتيها كزبون قريب القاتل لكي يقنعها بتقديم شهادة زور أمام المحكمة لتبرئة القاتل الأبيض واتهام آخر أسود، لكن العاهرة ترفض ذلك فهي لا تخون ضميرها، يحاول فريد إقناعها بتقديم شهادة بأن الأبيض دافع عنها وقتل الأسود لأنه يريد اغتصابها، ترفض المومس قلب الحقائق فيصر فريد على أن الحقيقة هي الرجل الأبيض وليس الأسود فتوماس ابن عمته (القاتل) رجل شهم، والرجل الأسود ولكونه أسودا فهو مذنب ويقترف الذنوب، يحاول رشوتها بالمال فتجدد رفضها  (لا لن أدلي بشهادة زور) فابن عمتك كان يحاول طوال الوقت الالتصاق بي ورفع تنورتي)..
يحتدم الحوار بين ليزي وفريد فيقطعه دخول الشرطي الذي يحاول أخذ شهادة من ليزي ببراءة القاتل من خلال ابتزازها وتهديدها بأن البغاء ممنوع وأيضا ترفض.
هنا يتدخل السيناتور بصيغة جديدة تعطي صورة غنية على طريقة التفكير الأمريكية وأيديولوجيتها في إقناع الآخرين بعدالتها وبصحة كل ما تفعله .
يسرد السيناتور على ليزي قصة الأم الأمريكية (أم توماس) التي ربما تموت لو سجن ابنها وبأنها ستكون ممتنة لها جدا لو أنقذت ابنها من السجن ولكن تحتج ليزي هل ستغير الحقيقة من أجل الأم الأمريكية
فيقول السيناتور هناك عدة أشكال للحقيقة فلكل شخص حقيقة تناسب وجهة نظره فأيهما الأفضل الابن الأبيض أم ذلك الأسمر الذي لا فائدة له بينما الأبيض هو أمريكي مائة بالمائة فهو ضابط والأمة الأمريكية بحاجة لضباط لأنه حصن حصين ضد التطرف ومن واجبنا الحفاظ عليه، فاختاري الآن).
وفي سياق الهجوم العاطفي السلس للسيناتور توقع ليزي وهي كالمخدرة على شهادة البراءة للقاتل !!
ثم يلقي لها ظرفا فيه عشرة دولارات إنها الطريقة الأمريكية في مكافأة من يقدم خدماته لها!
لقد شوش السيناتور أفكار وضمير ليزي بكلامه المعسول ...
وفي مشهد أخير تهدد ليزي بمسدسها ابن السيناتور فريد فيسرد عليها تاريخ المجد الأمريكي من جده حتى أبوه ويقول لها نحن أمريكا فهل ستطلقين النار على أمريكا!
السيدة الفاضلة عرض اختار له المخرج يوسف شموط عناصره المسرحية بعناية لتشكل رؤيته الخاصة للنص بشكل يحاول فيه محاكاة ما يحدث الآن عبر نص سارتر العميق والإشكالي بآن، فهو يختار غرفة النوم كساحة لأحداث العرض كون الشخصية المحورية مومس هذه الغرفة مرآة صافية تعكس ما يعتمل داخل المجتمع الأمريكي من صراعات وأفكار بينما أعطت الإضاءة المتقنة رغم شروط الخشبة السيئة الإيحاء الصحيح بالمكان الخاص بالمومس وخاصة التركيز على اللون الأحمر والبرتقالي والذي يكشف أثاث الغرفة المعد للجنس ورغم اختيار المقاطع الموسيقية المعبرة عن الروح الأمريكية الصاخبة إلا أن تداخل الحوار والموسيقا أحيانا لم يكن موفقا الأمر الذي شوه الحوار قليلا وشوش على متابعة العرض ..
أما البطولة فكانت للتمثيل المتقن والذي اشتغل عليه المخرج إن كان على أجساد الممثلين أو على حوارهم وتعابيرهم الحسية ويسجل للمخرج الجرأة التي تميز بها أداء الممثلين وخاصة الإيحاءات الجنسية والتي قد يعترض عليها بعض الجمهور (المهذب ظاهرا)
فالممثلة الشابة يارا بشور أدت دورا مميزا جريئا يؤهلها مستقبلا بأن تكون إحدى نجماتنا التي سنشير إليها كممثلة مبدعة تأسست في المسرح وانطلقت إلى الفنون الأخرى.
قدم لنا عرض السيدة الفاضلة كل من : المخرج يوسف شموط معدا ومخرجا لنص سارتر- وأداء كل من يارا بشور وعلي علواني وعامر مغمومة ومحمد عرواني ويوسف شموط
الإضاءة : جورج صليبي- الموسيقا: الياس هزيم- المكياج والملامس: لويس اسحق- الإشراف العام: حيان عامة

مقام إبراهيم وصفية:على طريقة القباني

يحاول مخرج عرض مقام إبراهيم وصفية محمد طيلون الغزل على منوال أبي خليل القباني في صنع فرجة مسرحية تتداخل فيها الحكاية مع الغناء والموسيقى والطرب وبالتالي يتراجع دور الدراما ليصبح هامشيا، أي أن العرض يحتفي بالصيغة الحكواتية للمسرح الذي كان فنا وليدا يوما ما حاول الرواد تقريبه إلى العامة والجمهور من خلال الغناء والطرب وأسلوب الحكواتي.
إذا يعود المخرج طيلون بعرضه إلى المنجز من البدايات المسرحية أو قل إلى بداية فن تغلغل في المجتمع بوجل، ومما ساعد المخرج على تقديم شكل الفرجة هذا نص الكاتب وليد إخلاصي المكتوب في سبعينيات القرن العشرين فإخلاصي يناقش قضية الحب (هذه القضية الأبدية) ضمن مجتمع محافظ لا يرى الحياة وتفاصيلها الإنسانية إلا من خلال المفاهيم الدينية التي يسيطر على تفسيرها رجال الدين المتنفذين في المجتمع بالتعاون مع الفئات الاقتصادية المجيرة للدين خدمة لأهدافها السياسية والاقتصادية.
لذلك صمم المخرج عرضه ومن بداية المشهد الأول بناء على تفاصيل الحي المحافظ وعاداته، فالديكور جسد لنا مقاما مقدسا لدى أهل الحي وبيوت شبيهة بالبيوت الحلبية القديمة إضافة لأزياء رجال الحي التقليدية مع موسيقى حية تنبعث من يمين المسرح كعنصر أساسي وفعال على الخشبة، فالقدود الحلبية والطرب والأناشيد الدينية هي شكل تجلي لأرواح ولانفعالات الشخصيات في العرض مع ملمح صوفي فرضه موضوع العرض (الحب العذري بين إبراهيم وصفية)
وهذا الشكل من الفرجة المسرحية يحتاج لعدد كبير من الممثلين والراقصين والعازفين لكثرة مشاهد العراضة والغناء والرقص، وهذا الأمر هو من ساهم بتطويل العرض غير المبرر فالجمهور لايتابع عادة العروض الطويلة كونه جمهور تلفزيوني اعتاد المشاهدة المريحة، بينما المسرح يحتاج لجهد تشاركي كبير من جمهوره رغم أن المخرج وفي أكثر من مشهد حاول إدخال الممثلين والفرقة من بين الجمهور إلى الخشبة لكسر الحدود بين الجمهور والعرض (الجدار الرابع) سعيا للتواشج بين ما يجري على الخشبة وبين الجمهور المعني أساسا بالعرض.
مقام إبراهيم وصفية يركز على عنصر الحكاية كحدوتة جذابة موضوعها الحب شبيهة بروايات القباني المسرحية مما يجعل المشاهد أسير السرد متأمل لنهاية مشتهاة تدغدغ رغباته (المسكوت عنها) لذلك ينتفض البعض ليتريث الشيخ صالح حين هم بقتل ابنته كونها تعشق إبراهيم...كمحاكاة لتفاعل الجمهور أيام زمان مع الحكواتي الذي يسرد سيرة بني هلال أو قصة الزير..
وفي حين يتألق الممثل ياسين عدس في دور الشيخ صالح وقدرته الكبيرة على التصعيد الحسي وخاصة في المشهد حين عرف بقصة ابنته مع إبراهيم حيث رأيناه يبكي كونه التقي الورع الذي صدم بقصة ابنته (الفضيحة) وتأليب أهل الحارة له ليقتلها ..بينما راوح بقية الممثلين ضمن دائرة الأداء العادي غير المقنع أحيانا (ديانا فلاحة) أما هبلة (باسل دهان) فلا أدري لماذا تم اختيار ممثل ذو مواصفات جسدية وفيزيولوجية معينة وكأني بالمخرج أحب رش بعض المنكهات الكوميدية على عرضه لكي لا يشعر المشاهد بالملل.
العرض رغم ملاحظاتنا قدم فرجه مسرحية ترضي الجمهور مستفيدا من التراث ومفاهيمه لتمرير فكره وفكر الكاتب المؤكد لأهمية الحب في حياتنا ودور الدين الصحيح بحماية المشاعر الإنسانية التي احترمها هذا الدين وأعلى من شأنها، كما يدين  العرض من خلال حكايته وشخوصه  التحالف بين السلطة الممثلة برجال الدرك (المساعد أكرم) والتجار (أبو الروس وأبو الكيف) وفئات المتزلفين من المستفيدين من التحالف هذا، بينما حمّل المخرج شخصية الشيخ صالح الصفات الايجابية لرجل الدين التقي والورع فرغم دخول الشيخ صالح في صراع مع نفسه إلا أنه عاد إلى رشده مشبها نفسه بالنبي إبراهيم الذي كاد يذبح ابنه اسماعيل فافتداه الإله بالحمل، هنا يتم تفسير الدين لصالح الإنسان الذي هو غاية كل الأفكار الإصلاحية وكل الأديان.

المقولوية : شباب متروك في العراء
تعرض نص العرض المسرحي (المقولوية) لسلسلة من عمليات الإعداد فهو أولا نص للمسرحي الشهير بيتر فايس قام الراحل الكبير سعد الله ونوس باقتباسه ومسرحته ليصبح رحلة حنظله من الغفلة إلى اليقظة، ثم جاء الشاب دانيال الخطيب ليجري علية تشريحا جديدا حسب رؤيته الجديدة للنص في ضوء الظروف الراهنة وهذا الاجتهاد المسرحي هو مبرر في فن المسرح فمن الممكن أن يأخذ المخرج المسرحي الهيكل العظمي للنص ويكسيه بما يناسب رؤيته الفنية والفكرية الخاصة.
ولكن هل ما رأيناه على الخشبة عرض مسرحي متكامل ؟
صنع مخرج العرض من نص سعد الله ونوس مجموعة من الأفكار المتناثرة المرمية على الخشبة كأفكار الجاحظ دون أي شغل مسرحي فالرؤيا غائمة لدى المخرج غير محددة المعالم ولم يعرف ما يريد من نص ونوس اللهم النوايا الحسنة والاستناد على اسم كبير في الأدب المسرحي لم تنتج سوى تشويه كبير لفكر كاتب كبير كونوس والطريف أن ونوس يتعرض بعد وفاته لعملية استهتار في إعادة إخراج واقتباس بعض نصوصه المسرحية، فالمصريون مثلا في أحلام شقية  شوهوا النص وحولوه إلى عرض مصري شبيه بمسرح التلفزيون  (قدم العرض) في مهرجان دمشق الثالث عشر...
إذا نحن أمام نصوص مسرحية هي وجبة فكرية وفنية دسمة تحتاج لموهبة حقيقية لتجسيدها على خشبة المسرح وإطلاق كوامن نصوصه (ونوس) التي تحتمل من القراءات ما لايحصى..
المقولوية عرض تدريب لمجموعة من الطامحين وعشاق المسرح دون أي منهج أو تأهيل أو دعم ولكي لا نظلم هؤلاء الشباب فان المسرح في طرطوس يقف وحيدا دون دعم من مؤسسات الدولة أو المؤسسات الأهلية وكثيرا ما يتدرب هواة المسرح الطراطسة في بيوت مازالت على الهيكل أو في منازلهم فهم مشروع مسرحي مشرد لا راع له، واستمرار هذه الفرق الطرطوسية يكون بقوة الحب وعشق المسرح وبإمكانيات ذاتية فهم من يصنع الديكور وهم من يشتري الإكسسوارات ومن جيوب ذويهم يصرفون على عروضهم وبالتالي فان عرض مجموعة طرطوس المسرحية المحمول على نوايا مجموعة شباب طموحين وموهوبين لم يوفق لأنه باختصار عرض متروك في الهواء الطلق دون دعم أو موجه أو راع رغم الهواجس الفنية والفكرية التي تعتمل في دواخلهم كشباب مسكونين بهم بلدهم ومشاكلها بدءا من الفساد وسرقة الآثار وانتهاء بتدمير المنظومة الأخلاقية لمجتمع بأكمله

العاري والأنيق: العالم مجرداً داخل برميل قمامة
إن أهم مسألة في الإعداد المسرحي للنصوص العالمية هي (تبييء) النص أي إعادة صياغته وفقا لبيئة محددة إن كان من الناحية الاجتماعية أو السياسية أو الثقافية وتقديم قراءة مختلفة عن القراءات السابقة للنص.
المعد صدر ديب نجح في عرض العاري والأنيق بتقديم قراءة للنص تستوحي البيئة المحلية وإنبات أفكار داريوفو في تربتنا لاحتوائها على هم إنساني عام يعطي المسرحي مفاتيح لاكتشاف آفاق جديدة في نص العاري والأنيق
هذه القراءة جسدها المخرج مولود داؤد على الخشبة بحرفية فنية عالية تتوافق مع رؤيته للأشياء والعالم وتناقضات الظاهر والباطن في واقع يحتفي بمظاهر السطح المزيفة التي تخفي مايعتمل في العمق الإنساني من أوجاع وقهر وعذابات.
يتخذ المخرج من برميل الزبالة محورا لعمله المسرحي كدلالة على عالمين حقيقي ومزيف فما هو موجود داخل البرميل ليس هو إلا تكثيف فعلي لعالم متلاطم في خارجه، في البرميل نرى العالم كما هو عاريا من ألبسة الخداع.
هنا في برميل مولود وفرقه يتم تعرية الخارج من القشور المتراكمة عبر لعبة مسرحية خفيفة الظل تبتعد عن التثاقف والبهلوانيات المسرحية والفية معتمدة اللغة الدارجة البسيطة كموصل سهل لفكر مخرج العمل وفريقه يجذب الجمهور باستخدام شكل الفرجة التي يعتمدها مسرح القطاع الخاص دون تمحل الضحك واستدرار التصفيق من الجمهور أي الحفاظ على الدسم في قالب شاف سهل التناول.
قد يبدو للبعض أن العمل ينتمي إلى مسرح التهريج أو ما يسمى المسرح التجاري لكن بتمعن هاديء نرى أن كوميديا العرض هي من النوع الراقي غير المسف الموظف جيدا لخدمة الفكرة فحتى الإيحاءات الجنسية في محلها وغير مقحمة لجذب المشاهد لا بل هي إيحاءات سريعة لماحة رغم أن الشخصية النسائية الوحيدة في العرض هي شخصية فتاة ليل، رغم ذلك لم يركز العرض على مظهرها الجنسي إنما ركز على الجانب الإنساني في الشخصية التي تقتنص زبائنها بلجوئها إليهم عبر تمثيلها الهروب من شرطة الآداب (الأخلاقية)
وحتى شخصية العاري الذي هرب من زوج عشيقته جعلنا نتعاطف معه عبر شكل كوميدي يحترم الجمهور
المخرج في العاري والأنيق ولّف بذكاء بين عناصر عرضه وبشكل متوازن فلم يطغى عنصر على آخر فديكور العرض يوحي بالشارع تماما، أوساخ ملقاة على الأرض وعربة زبالة ومصباح إنارة على عمود كهربائي ومقعد ...وبالتناغم مع الديكور البسيط والمعبر نرى الأزياء  المناسبة لشخصيات العرض (كملابس عمال النظافة أو ملابس المومس..) بينما ظهر العمل الجاد والحقيقي على الممثل من قبل المخرج مولود فإيقاع العرض استمر حارا وحيويا من بداية المشهد الأول حتى مشاهد (الفوتو مونتاج) الأخيرة مما جعلنا كمشاهدين مشدودين للشخصيات والحوار المتقن الموشّى بمفردات كوميدية بدت كجزء أساسي من نص المسرحية، أما ممثلو العرض فقد التقطوا بحساسية ملفتة مواصفات ودواخل الشخصيات ومظاهرها الخارجية فأدوا أدوارهم بإتقان إن كان في الحركة أو الحوار أو التناغم بالأداء بين بعضهم البعض وشكل التعاطي مع الدخول والخروج من الكواليس والسرعة في الانتقال من مشهد لآخر
والخلل الأساسي برأي تجسد في شخصية الحارس فلهجته الساحلية جاءت مقحمة بعض الشيء وبشكل كوميدي للدلالة على أن أكثر الشخصيات السلبية هي من فئة معينة وهذا عيب جوهري في بعض الأعمال المسرحية والتلفزيونية وكان من الأفضل على فريق العمل توحيد اللهجة لكل الشخصيات لكن هذا لايقلل أبدا من أهمية العرض الذي تميز في عدة مهرجانات وانتزع الإعجاب من الجمهور.
قدم العرض فرقة نقابة الفنانين (فرع حماة)
التأليف : داريوفو- الإعداد صدر ديب- الإخراج : مولود داؤد
الممثلون: فؤاد كعيد- نضال جوهر- ندى قطريب- فادي صباغ- خلدون قاروط-...
الفنيون: الإشراف العام: كاميليا بطرس- الديكور: كنعان البني- الموسيقا: محمد السلوم- الإضاءة: ماجد أبو ربيعة- مساعد المخرج: فادي الياسين- تصميم البروشور: قصي عيزوق.

  

الجمل   

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...