القاعدة .. الغوريللا الأخطر على المسرح السوري

16-05-2012

القاعدة .. الغوريللا الأخطر على المسرح السوري

الجمل- ترجمة رنده القاسم: في ضوء تفجيري دمشق الأخيرين و التجاوب الضعيف من قبل بعثة الأمم المتحدة، يجب أن يقوم مجلس الأمن بإغلاق المنفذ الخطير في بروتوكول سورية و الذي يمنح الجهاديين حاليا حرية مطلقة للتفجير و الاغتيال و الترهيب.
لقد وصلنا إلى لحظة حاسمة في الأزمة السورية. و الخيارات بسيطة بشكل مروع:
1-تحرك حذر و متزايد نحو تسوية و إصلاح سياسي تقوده الحكومة السورية بمراقبة بعثة كوفي أنان و موسكو و طهران و بكين.
2- تصعيد خطير للعنف و العسكرة، و سيتضمن المزيد من الجهاديين الأجانب الأمر الذي قد يمتد إلى الشرق الأوسط برمته.سوريون يحملون جثة أحد قتلى التفجيرين الانتحاريين في دمشق أمس (أ ف ب)
بعد أسبوع واحد فقط من مراقبة الأحداث في سورية قام الجنرال روبيرت مود رئيس بعثة مراقبة الأمم المتحدة في سورية(UNSMIS) بمضاءلة الخيارات قائلا: ( أستطيع القول بأن كل من التقيتهم أخبروني بأنهم يريدون التحرك وفقا لخطة كوفي أنان ذات البنود الستة، و هذا يشمل الجيش السوري الحر و لجان تعاون محلية. و أنا مدرك تماما بأن هناك آخرين بأجندات مختلفة و أفكار أخرى ، و لكن لم ار بعد بديلا معقولا لخطة كوفي أنان.  إذن، حتى الآن هذه هي "اللعبة الوحيدة في المدينة").
ربما كان يقصد اللعبة الوحيدة "العاقلة" في المدينة. لأن هناك لعبة أخرى، و هي التي تسعى إلى تغيير حكومي بالقوة وبأي ثمن، و لو كان هذا يعني وجود ميليشيات سلفية تقاتل في معركة لم يستطع الناتو القيام بها.
أولئك ذوو "الأجندات المختلفة" و "الأفكار الأخرى" عبارة عن جماعات متنوعة بأهداف تتعارض بلا ريب مع إزالة العسكرة و التسوية و الإصلاح وفقا للمسار السوري/الروسي/ أنان.
و حتى الآن، نعلم أن هذه المجموعات تضم بلدانا و منظمات لا تزال مصممة على تقديم الدعم المادي و تسليح المعارضة المسلحة بما يتناقض مع روح قرار مجلس الأمن 2043. و بعد أيام فقط من موافقة سورية على خطة أنان، قامت الدول الأعضاء من أصدقاء سورية بدفع ملايين الدولارات كمساعدة للمتمردين. و  تعهد الأعضاء السعوديون و القطريون بتوفير رواتب للمقاتلين و مكافآت مالية للمنشقين من الجيش السوري النظامي، بينما قام المجلس الوطني السوري، المدعوم من تركيا و مجلس التعاون الخليجي و الغرب، بالسعي علنا للحصول على موارد مالية لأجل زيادة الأسلحة من أجل تسليح المجموعات داخل سورية.  و إذا قام أنان بالتصرف بشكل صحيح، فان تلك الدول و المجموعات ستجبر على الإذعان عبر بروتوكولات أخرى أكثر قوة و ستدفع إلى تغيير سلوكها.
كلا، فالغوريللا الضخمة ذات "الأجندات المختلفة" و "الأفكار الأخرى" ليست الميليشيات المسلحة المدعومة من الناتو و مجلس التعاون الخليجي و المنتشرة في معاقل المعارضة، بل هي الوجود المتنامي للقاعدة و جهاديين آخرين يعملون داخل المسرح السوري.
ميليشيات الجهاديين : نقطة تحول في سورية:
مع بداية شباط ، قال مسؤول أميركي،لم يذكر اسمه، بأن القاعدة تقف وراء تفجيرات 23 كانون الأول و 6 كانون الثاني في دمشق، و على الأرجح هي خلف الانفجارين الانتحاريين في حلب في العاشر من شباط. و هذا التصريح غير المتوقع من واشنطن كان بمثابة قرع أجراس الخطر.و لكنه لم يكن كافيا للتقليل من جهود الناتو و مجلس التعاون الخليجي في دعمهما الغافل لتغيير النظام في سورية.
و تغير الأمر قليلا بعد عدة أيام ، مع خطاب عبر الانترنيت لمسؤول القاعدة أيمن الظواهري   مدته ثمان دقائق بعنوان: (إلى الأمام يا أسود سورية)، و فيه يحث رفاقه الجهاديين من الدول المسلمة المجاورة للانضمام إلى  المعركة في سورية. و كشفت غرف المحادثة في مواقع الجهاديين بأن ميليشيات من العراق و ليبيا و لبنان و أماكن أخرى كانت بالفعل في سورية. و انتشرت على الشبكة مقاطع فيديو تظهر جرائم عنيفة رهيبة من قبل الميليشيات الإسلامية ضد كل من قوات الأمن السورية و إسلاميين آخرين ، و ظهر على شاشات التلفزة شيوخ متطرفين   يأمرون بمعاقبة مدنيين من الطائفة العلوية.
و على الحدود السورية اللبنانية زادت نشاطات الجهاديين بشكل كبير و سريع، و حادثة سفينة الأسلحة ذات الأصل الليبي، التي كانت متوجهة إلى سورية قبل أسبوعين و اعترض طريقها الجيش اللبناني، لم تكن الأولى من نوعها  بل هي الرابعة. و قبل عشرة أيام التقط صحفي في فيلم جهاديين ينقلون أسلحة ثقيلة إلى الأراضي السورية.
و في لقاء حديث مع محطة BBC العربية، قام المسؤول عن لجنة التنسيق الوطنية هيثم مناع، و هو شخصية معارضة بارزة، بمفاجأة الكثيرين مع اعترافه بدور "غير السوريين" في المجموعات المسلحة: (مجموعات جهادية قاتلت من أفغانستان إلى البوسنة، و بذلك هذه المجموعة الثالثة تشكل خطرا مهلكا. و لمعلوماتكم، أستطيع ذكر أسماء ثلاثة أعضاء من الجيش السوري الحر قتلوا على يد مقاتلين عرب غير سوريين. و مشكلتنا اليوم هو أننا لا نملك سيطرة على من يحمل السلاح).
و الآن يبدو أن عنصر الجهاديين في سورية سوف يضع المجتمع الدولي أمام امتحان.
و وقف إطلاق النار، الذي طبق في الثاني عشر من نيسان وفقا لخطة عنان، قد تقوض بعد سلسلة من التفجيرات و الاغتيالات المستهدفة ، مع قيام الطرفين باتهام الآخرين بالخروقات.
و في الواقع، حتى و لو قامت الحكومة السورية بسحب كل جنودها من المناطق المأهولة، و وافق الأشخاص الذين يتصل بهم الجنرال مود ضمن مجموعات المعارضة المسلحة الرئيسية على وضع السلاح، يبقى هناك أطراف على الأرض السورية تعمل خارج متناول الأمم المتحدة.
و مسودة بروتوكول الأمم المتحدة، التي وضعت الشروط ل "إيقاف العنف المسلح" بين الطرفين، أشارت بشكل مبهم إلى الطرف غير الحكومي بعبارة " مجموعات معارضة مسلحة و عناصر وثيقة الصلة بالموضوع". و هذا ليس كافيا. فلن يكون هناك وقف للأعمال العدائية في سورية قبل أن تتوقف كل المجموعات عن القتال. و ما من ضمان لهذا من دون توضيح من هو الذي يقاتل. و هذا لا يعني بالضرورة إنهاء جهود أنان، و لكن يعني أن الوثيقة النهائية لبروتوكول الأمم المتحدة تحتاج تنقيحا لتحديد الأطراف العديدة المسؤولة عن جانب "المعارضة المسلحة". و إذا كانت هناك جماعات لا تتعاون مع البعثة و تستمر بخوض عمليات مسلحة، عندها يجب أن توجد بنود  واضحة و دقيقة حول كيف و متى يمكن لقوات الأمن السورية التعامل مع هذه الكيانات المسلحة.
زود ممثل سورية للأمم المتحدة بشار الجعفري مجلس الأمن بقرص مضغوط يضم اعترافات أكثر من أربعة و عشرين جهاديا ، و أكد مصدر استخبارات ذو شأن بأنه من بين الوثائق المجموعة حول المقاتلين الأجانب (بعضهم قتل و بعضهم أسر) تبين أن هناك من  ينتمي لدولتين أوربيتين على الأقل.
و غضب الروس كثيرا من حقيقة أن بروتوكول الأمم المتحدة "يقيد يد النظام" في تعامله مع العناصر الجهادية في سورية. و في تصريح له حمل وزير الخارجية الروسي "الهجمات الإرهابية مسؤولية تصعيد العنف في الدولة لإعاقة تطبيق خطة السلام". و جاءت هذه الهجمات في  وقت تتفاوض فيه موسكو مع المعارضة المحلية  من أجل مشاركة السلطة في بيئة سياسية سورية جديدة .
و لكن واشنطن أيضا تملك دورا كبيرا للعبه في سوريه خلال الأسابيع القليلة المقبلة، و تحتاج التحرك بسرعة.و أشار جيفري آرونسون ، مدير الأبحاث في "مؤسسة سلام الشرق الأوسط"، إلى أن إدارة أوباما حائرة من سورية و غير قادرة على دعم حل مع النظام و حلفائه، لقد أطلقوا النار على مهمة أنان من الجانب بدون أن يملكوا في ذهنهم خطة حقيقية.
و مع افتقادها للبوصلة الإستراتيجية، وجدت واشنطن نفسها عوضا عن أن تقود من الخلف، يتم جرها من الخلف دعما لسياسات و أجندات الآخرين التي تعد في أحسن الأحوال باستمرار نزيف النظام و خصومه و المعاناة الطويلة للشعب السوري، و هذا يهدد سلامة مؤسسات و أراضي الدولة السورية.
و ما عادت القاعدة مجموعة دينية صغيرة، فهي اليوم "فكرة" و "عضويتها" غير الرسمية تتألف من خلايا فردية من الصعوبة بمكان وضع حد لها. إنها إيديولوجية انتهازية و توسعية ترتبط جذورها الفعلية مع الولايات المتحدة و إسرائيل و حكام السعودية الدولة التي هي أكبر مصدر تمويل لهذا الصنف من ميليشيات الجهاديين في العالم.
وإذا استمرت المجموعات  "المفسدة" داخل سورية بالحصول على التمويل و الدعم من أطراف خارجية (الأمر الذي لا يناقشه مجلس الأمن و يتجاهله)، و إذا هدد العنف المتطور بصرف النظر عن الإصلاحات السياسية و التسوية، فعلى الأرجح سيكون هناك ارتداد ضد دول المنطقة المشاركة في هذا التحريض.
الأطراف الرافضة للسيطرة الغربية على الشرق الأوسط تعتبر ما يحدث في سورية معركة وجود، و تقول المصادر أنه في حال استهلاك جميع الأوراق، فان القتال سينقل بشكل انتهازي إلى دول متاخمة غير حصينة، بل و حتى إلى الخليج الفارسي حيث يذعن الجهاديون الى الحكام المؤيدين للولايات المتحدة و إسرائيل. و تفجير واحد هام في الرياض أو الدوحة، التي تستقبل كأس العالم، يمكنه بشكل أساسي زعزعة الديناميكا الداخلية و المشهد الخارجي لتلك الدول.
و في رسالته إلى مجلس الأمن حول خططته قال كوفي أنان: (اذا فشلت ، كما حذر السكرتير العام، فانها ستؤثر على المنطقة كلها) . و أشار بأنه لا يتحدث فقط عن الحكومة السورية أو المجموعات المسلحة، و لكن أيضا الحكومات التي تملك تأثيرا على المعارضة.
الزمن طاحن في سورية. اسمحوا لمعركة الجهاديين بالانطلاق و عندها لا يمكن التنبؤ بالمدى الذي ستنتشر به. إن خطة أنان هي "اللعبة الوحيدة في المدينة"، و الجيش السوري هو وحده القوة العسكرية التي يمكنها اتخاذ إجراءات ضد هذه الميليشيات.و تحديد العدو في بروتوكول الأمم المتحدة المعدل  سيمكن الخطة من استهداف أولئك المقاتلين الأجانب. و إلا توقفوا عن الشكوى من مفجري القاعدة المتسربين عبر رحلات طائرة إلى الولايات المتحدة و ما وراءها.


بقلم *شارماين نارواني صحفية و محللة سياسية معنية بشؤون الشرق الأوسط، زميلة مساعدة في كلية سانت أنطوني بجامعة أوكسفورد،تحمل شهادة الماجستير في الشؤون الدولية من جامعة كولومبيا للشؤون الدولية و العامة في كل من الصحافة و دراسات الشرق الأوسط

عن موقع Mideast Shuffle

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...