الجيش اللبناني هل يصبح الهدف التالي للقوى الساعية الى الخراب

27-01-2007

الجيش اللبناني هل يصبح الهدف التالي للقوى الساعية الى الخراب

هل يتجه لبنان الى حالة طوارئ تعلن لاحقاً اذا استنفدت فعلاً حالة منع التجول مفاعيلها ولم يرتدع اللاعبون بالنار الاهلية؟. التساؤل مطروح على مستوى الشارع اللبناني بعد الاحداث المتكررة ولا سيما تلك التي رافقت يوم الاضراب الذي دعت اليه المعارضة اللبنانية وسقط فيه نحو 5 قتلى و مئتي جريح نسبة كبيرة منهم بالرصاص.
اذا كان يوم الاضراب انتهى على المستوى الشارعي بهذا العدد الكبير من الضحايا فإن ما رافقه من انتقاد خطير وللمرة الاولى لاداء الجيش اللبناني من اطراف محددة ولا سيما تلك المشاركة في السلطة, فتح العيون على هواجس واسئلة اذا ما كان الجيش الذي قام باداء شهد الجميع بوطنيته وحياديته, قد بات هو الهدف التالي وربما الاخير للقوى الساعية الى تقويض المؤسسات الوطنية خصوصاً ان الجيش تعرض في اليوم التالي لعمليات اطلاق نار في منطقة التعمير­ صيدا اثناء تنفيذه خطة انتشار معدة سلفاً ومتفقاً عليها. واذا كانت الجهة التي بادرت الى اطلاق النار على الجيش €جند الشام€ غالبية عناصرها مطلوبون للعدالة في قضايا مختلفة من بينها القتل والسطو فضلا عن لطخة «التطرف», فإن السؤال الذي طرح بشدة عن الدور الذي وعدت الجهة السياسية التي ضمنت هؤلاء بلعبه في انتشار هادئ للجيش المصر على تنفيذ برنامج الانتشار, ولم تنجح في ثني هذه الجهة عن اللعب بالنار. الا ان الحسم السريع الذي قامت به وحدات الجيش عبر الاصرار على تنفيذ الانتشار المؤجل تكراراً, ادى الى انكفاء «جند الشام» الى داخل مخيم عين الحلوة فنجح الجيش المثقل بهموم الداخل اللبناني والانتشار على الحدود في اختبار ميداني يمكن ان يكون صعباً لكنه ليس الأصعب.
وقبل ان تنهي وحدات الجيش انتشارها في حي التعمير كانت فتنة تعد ايضاً لتوريطه بعدما فشلت الفتن الأخرى المتنقلة في حرفه عن مهامه رغم الاتهامات التي طاولته. فبعض الجهات اللبنانية التي طالما هاجمت الجيش على مدى سنين وامتدحته لايام قلائل, حاولت عبر وسائل مختلفة ان يكون الجيش في خدمتها وإلا يصبح متواطئاً او متآمراً لانه يرفض رعاية طرف على حساب آخر هدفه منع الصدامات بين ابناء الوطن الواحد.
وهو في كل الاحوال €الجيش€ عاش تجارب مختلفة منذ اعادة توحيده في العام 1990 في حفظ الأمن والاستقرار على قاعدة وطنية واحدة, وليس اداة لنزاعات السياسيين ومصالحهم. مع التأكيد على ضمان ممارسة حرية التعبير لجميع اللبنانيين سواسية, وقد ظهر اكثر من مرة ديمقراطياً وقادراً على ان يحل الاشكالات بالحسنى بين الاطراف, اكثر بكثير من الذين يستظلون الحرية والديمقراطية كشعارات, رغم التضحيات التي قدمها ويقدمها, تكراراً وهي تثبت حمايته لمدنية الدولة بغض النظر عن طوائفية اركانها الذين يسعى كل منهم لأن «يدكتر» السلطة تحت الشعارات الديمقراطية.
لقد جاء الهجوم على تعاطي الجيش قبل يوم واحد من احداث جامعة بيروت العربية مع فض الاشكالات بين المعتصمين والقوى المناوئة لهم ولا سيما من قائد القوات اللبنانية سمير جعجع وبعض اركان الحزب التقدمي الاشتراكي, والتهديد بفتح الطرق عبر عناصرهم اذا لم يقم الجيش بذلك واعتباره متواطئاً في حال العكس, جاء ايذاناً بفتح البلاد على مشكلة اكبر. ردت القيادة بتعميم الى العسكريين اشارت فيه الى ان وحدات الجيش «كانت حازمة في التصدي للمخلين بالأمن, واعلنت انها أوقفت العشرات منهم وسلمتهم الى القضاء المختص وصادرت كميات كبيرة من الاسلحة كانت بحوزتهم ولا تزال تلاحق مشبوهين آخرين». وقد وجهت قيادة الجيش­ مديرية التوجيه تعميماً الى العسكريين حول مجريات يوم الاضراب, جاء فيه: «شهد لبنان يوم أمس €الثلاثاء 23 كانون الثاني€, اضرابا واسعا اتخذ اشكال تجمعات واحراق اطارات وقطع للطرقات العامة بالعوائق والسواتر الترابية, وعلى الرغم مما حصل من احداث مؤسفة, فإن جهودكم المضنية وتضحياتكم الجسام قد حالت دون تفاقم الوضع الى الاسوأ, واسهمت في تهدئة النفوس وافساح المجال امام ابناء الوطن الواحد للعودة مجدداً الى جادة الحوار والتلاقي, ودفعتهم الى التأمل بعمق بمجريات هذا اليوم الذي نستخلص منه الحقائق التالية:
1­ لقد قام الجيش باداء مهامه في ظل ظروف دقيقة وحرة يعرفها الجميع, وكان هدفه الاساس الحفاظ على سلامة المواطنين وامنهم والممتلكات العامة والخاصة, شملت اقامة حواجز ثابتة ومتحركة وتسيير دوريات متواصلة لمنع الاحتكاك بين المواطنين, واعادة فتح الطرقات التي اقفلت, الا ان اتساع حجم التحرك من جهة, وتبدد انتشار الوحدات العسكرية على مساحة الوطن والنقص الحاصل في عديدها من جهة ثانية, دفع البعض الى استغلال هذا الواقع والقيام باستعمال وسائل عنف مختلفة واسلحة فردية, مما ادى الى سقوط عدد من الشهداء والجرحى في صفوف المدنيين والعسكريين, رغم ان وحدات الجيش كانت حازمة في التصدي للمخلين بالامن, حيث اوقفت العشرات منهم وسلمتهم الى القضاء المختص, وصادرت كمية كبيرة من الاسلحة كانت بحوزتهم, ولا تزال تلاحق مشبوهين آخرين.
2­ ان التزامكم الواجب الوطني ووقوفكم على مسافة واحدة من جميع الاطراف, وبذلكم اقصى الجهود والطاقات بكل ما لديكم من عزيمة وصبر في سبيل انجاح المهام الموكلة اليكم, قد جنب البلاد مخاطر جمة, وشكل ضمانة اكيدة للحفاظ على الانجازات الكبري التي تحققت, بدءاً من الحفاظ على الوحدة الوطنية اثر جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وما تلاها من حوادث, وصولا الى انتشار الجيش في الجنوب وعلى امتداد المعابر الحدودية, البرية منها والبحرية.
3­ ان ما اوحي به حول تقاعسكم او تواطئكم خلال يوم امس €الثلاثاء€, في حين كنتم تتحملون العبء وحدكم, هو اتهام لا ضير فيه, اذا كان يساوي في الحقيقة خلاص الشعب من محنته, لذلك نأمل من الجميع الحذو حذوكم للحفاظ على وحدة الوطن ومستقبل اجياله, ونرجو في الوقت عينه ان تكون الدروس والعبر المستقاة مما جرى, حافزاً لكل المواطنين لرص الصفوف والتمسك بالوحدة الوطنية, ولكل المسؤولين للجوء الى الحوار الجاد والمسؤول, بغية ايجاد الحلول السياسية التي تضمن وحدة القرار السياسي المرتكز اولا واخيرا على الارادة الوطنية الجامعة التي بدورها تدعم موقفكم وتسهل مهامكم, وتكفل حماية الوطن من الاخطار والتحديات المحدقة به.
ادعوكم مجدداً الى مزيد من الجهوزية والاستعداد الدائم للبذل والتضحية, والمواظبة على ما دأبتم عليه».
واذا كان الجيش اللبناني تعاطى بهذه الروحية التي تنم عن قدرة فائقة على تحمل المسؤوليات الوطنية, الداخلية الى جانب تحمل مسؤولياته على الحدود مع اسرائيل حيث ينتشر نحو 15 الف جندي يشكلون تقريبا ثلث الجيش, بأسلحة متواضعة وامكانات محدودة قياسا الى المهام الملقاة عليه, فإن ما جرى يوم الخميس الماضي في جامعة بيروت العربية دق ناقوس الخطر الاخطر, ما جعل الجيش اللبناني يبادر الى اعلان حظر التجوال ليلاً لادراكه مدى الخطورة التي وصلت اليها الاوضاع سيما مع انتشار عناصر مسلحة واطلاق نار عشوائي اسقط 4 شهداء ونحو 250 جريحا بينهم عشرات العسكريين من ضمنهم اربعة ضباط. ورغم ذلك فإن تعاطي الجيش بقي متوازناً وموزوناً الى اقصى الحدود في تعاطيه مع الموجودين في مسرح الشغب, وركز على رصد المواقع التي تطلق منها النار لا سيما القناصة الذين انتشروا على الاسطح وداخل بعض المنازل. على أن هذه التجربة المرةوضعت الجيش ايضاً امام اختيار صعب فهو يتعرض لاطلاق نار في الوقت الذي يعمل على اعادة الاستقرار, فبقي الجنود على انضباطيتهم العالية رغم المشاعر الشخصية التي تنتاب اي جندي عندما يرى رفيق سلاحه يسقط امامه مضرجاً بالدماء. اثبت الجيش اللبناني انه رسالة وطنية جامعة, يتميز بالولاء المطلق للوطن, وهو الاداة الصالحة لحماية الشعب والحفاظ على السيادة الوطنية منطلقا من مسيرته الجديدة التي بدأت عام 1990 القائمة على ترسيخ الوحدة الداخلية وضبط علاقة الجيش بالمؤسسات الدستورية وفقا للقوانين. واذا كان الجيش واجه تلكؤ القيادات السياسية في تأمين مستلزمات اعادة دمج الألوية في تلك المرحلة, وقد نجح في عمله رغم العوائق الكبيرة. والمهام الملقاة على عاتق الجيش والتي توسعت وتعددت من الانتشار على الحدود الى الامن في الداخل تواجهها مصاعب جمة ايضا تتمثل في النواقص الكبيرة في العتاد التي هي دائماً هاجس قيادته والتي طالما رفعت قوائم بالحاجات الى السلطة السياسية مطالبة بتحسين الواقع التسليحي كي يتمكن الجيش من اداء دوره الوطني وهو ما كانت تتجاهله السلطات السياسية المتعاقبة. بل ان بعض القيادات اراد خفض عديد الجيش ورفض تطوير اسلحته لغايات لم يعلنها احد. ولقد اثبتت التجارب المرة الاخيرة ان الجيش اللبناني هو الحاضن للوحدة الوطنية انطلاقا من ايمان راسخ بضرورة صون الحريات, وعدم امكان حل الخلافات السياسية في المجتمع اللبناني بالقوة العسكرية, انما بالتفاهم السياسي بين جميع الفئات اللبنانية. ولكن يبدو ان الفئات السياسية ليست في وارد حل مشاكلها, لان اهداف كل فريق تتلخص في السيطرة على السلطة ولو عبر إحداث فتن يدفع ثمنها الشعب اللبناني. وانطلاقاً من ذلك يصبح السؤال الاكثر الحاحاً, هل ان الجيش الذي اثبت انه اكثر ديمقراطية من كل الفئات هو الذي يسير بالحل الذي ينقذ لبنان بداية في تطوير اعلان منع التجوال الى حالة طوارئ وطنية يعلق خلالها العمل بالدستور والقوانين الى حين اجتراح حل سياسي متكامل ما دام جميع اللبنانيين, بمن فيهم الاطراف السياسية التي اعلنت جميعا ان الجيش هو الضمانة الوطنية الباقية؟ ان الجيش اللبناني ورغم المهام الكبيرة قادر على القيام بها مهما كانت, فالكفاءة التي يتمتع بها ضباطه وجنوده مشهود لها من كل القوات المسلحة في العالم وهو ما يعكسه الملحقون العسكريون الذين يحضرون احيانا نماذج تدريبية وحتى ميدانية, انما دوما هناك نقص في العتاد تسليحا ونوعاً, فهل تسمح السلطات السياسية بذلك دون ان تملي على الجيش ارادة بعيدة عن مصالح خاصة ترفضها القيادة. سؤال آخر لا بد من ان يكون له رابط بما سبقه.


يونس عودة
المصدر: الكفاح العربي 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...