الإنسحاب الاميركي من العراق وسورية ايضا

10-12-2011

الإنسحاب الاميركي من العراق وسورية ايضا

بعيدا مما تحاول دول غربية وعربية ووسائل اعلام عديدة الباسه للوضع في سورية, واظهار نظام الحكم فيها وكانه يلفظ انفاسه الاخيرة ,ثمة وقائع دامغة تدحض هذه المحاولات وترسم مشهدا مغايراً يعكس استمرار تماسك النظام وسيطرته على البلاد وعلى كمّ كبير من عناصر القوة التي ظهر بعضها ولم يفرج عن بعضها الآخر حتى الآن.
ومن هذا المنطلق تاتي عودة السفيرين الاميركي والفرنسي في دمشق روبرت فورد واريك شوفاليه الى العاصمة السورية .
واذا كان البعض من خصوم النظام السوري يعتبرون ان السفيرين عادا لكي يشرفا على مراسم دفن هذا النظام ومواكبة ولادة سورية جديدة "حرة وعصرية وديمقراطية ..."فان الواقع هو غير ذلك من وجهة نظر محللين كثر .
ويرى هؤلاء المحللون أن صمود القيادة السورية في مواجهة العواصف التي هبت عليها من كل اتجاه هو ما حمل الإدارتين الأميركية والفرنسية على اتخاذ قرار إعادة إرسال سفيريهما الى دمشق.
ويؤكدون أن واشنطن وباريس اقتنعتا ,على ما يبدو, بعقم الرهان على سقوط النظام ولذلك يجب التواصل معه من جديد وحجز حيّز لبلديهما في المشهد السوري الذي يقبِل على انتعاش مؤكد في ظل جملة تطورات.
ويدرج المحللون في راس قائمة هذه التطورات ,الإنسحاب الأميركي من العراق والذي يفترض أن يكتمل بحلول نهاية هذا العام, مكرساً هزيمة استراتيجية للولايات المتحدة وانتصارا استراتيجيا لمحور المقاومة والممانعة, الممتد من طهران مروراً ببغداد ودمشق وصولاً إلى بيروت.
ومما لا شك فيه أن زوال الإحتلال الأميركي عن الخاصرة الشرقية لسورية سيزيل عن كاهلها أعباء ثقيلة، وينعكس تراجعاً في قدرة الأميركيين على التأثير(سلباً) في الحوادث الجارية بالبلاد منذ نحو تسعة أشهر.
ومع التراجع المتوقع للدور التخريبي الذي تلعبه واشنطن ,سيتقلص أيضا "العبث" الميداني والدبلوماسي الذي يمارسه بعض "عربانها" في سورية وفي طليعتهم قطر.
حتى أن هؤلاء بدا موقفهم مضعضعاً منذ الآن, ولا سيما من خلال أدائهم في الجامعة العربية حيث اصطدمت مشاريعهم المعادية لدمشق بدبلوماسية سورية صلبة دفعتهم للتراجع عن مهل وانذارات محددة بالأيام والساعات، وألقت بالكرة في ملعبهم ولا سيما في ما يتعلق بالبروتوكول القاضي بإرسال مراقبين الى سورية.
أما تركيا فتقف متهيبة أمام الحدث السوري. وكلام رجب طيب اردوغان وأحمد داوود أوغلو الذي ترتفع وتيرته تارة ويتلاشى كلياً تارة أخرى, إنما ينم عن حالة ضياع سياسي يغيب معه الموقف الحاسم بعد سلسلة إخفاقات في التعاطي مع هذا الملف.
فرغم إستضافة تركيا مؤتمرات ونشاطات عديدة لـ"مجلس أسطنبول "السوري المعارض, وإقامة مخيم للسوريين الفارين لإحراج النظام، تقف مرتبكة امام احتمالات اقامة منطقة عازلة على الحدود بين البلدين, لأنها تدري أن مثل هذه الخطوة لن تكون نزهة وستعتبرها دمشق اعتداء على أراضيها وسيادتها, وستتعامل معها على هذا الأساس.
وما يؤرق اردوغان أيضاً ,الأصوات التي باتت ترتفع في وجهه من معارضيه في الداخل مستنكرين سياساته السورية وقبوله بأن يكون ألعوبة في يد الأميركيين. كما باتت تحرجه صرخات الإقتصاديين والتجار الأتراك الذين ارتدّت سياساته عليهم سلباً ولا سيما بعدما تخلت دمشق عن اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا.
وفي الاردن ,ثمة صرخات مشابهة من اقتصاديين وتجار دفعت الحكومة لمطالبة الجامعة العربية باعفاء عمّان من قرارها فرض عقوبات اقتصادية على دمشق لانها ترتد سلبا على الاردنيين فحسب .
اما العراق فقد اعلنها في وقت مبكر :"لن نطبق قرارات الجامعة العربية الخاصة بفرض عقوبات اقتصادية على سورية", وهو موقف لبنان الرسمي سواء اعلنه صراحة ام لا .
هذه كلها عناصر قوة لسورية في مواجهة ما يحاك لها من مؤامرات ومكائد تضاف إليها عناصر أخرى داخلية وخارجية.
فعلى الصعيد الداخلي لا يزال النظام متماسكا, بحيث لم تسجل فيه حالات إستقالات وخصوصاً على مستوى الجسم الدبلوماسي في الخارج .كما ان الجيش ظلّ كالبنيان المرصوص ,ولم تشوه صورتَه حالاتُ فرار فردية لمجندين وعسكريين ذوي رتب منخفضة. وهو يسيطر على الوضع في طول البلاد وعرضها بعدما نجح في احتواء بؤر التوتر والقضاء على المجموعات المسلحة باستثناء اجزاء من حمص.
ويسجل للقيادة السورية وعيها المبكر لمخاطر إقامة "غيتوات" في بعض المناطق الحدودية على شكل "بنغازي سورية" يتخذ منها المسلحون قواعد لهم بدعم من خصوم واعداء النظام الخارجيين.
من جهة اخرى لم تكن حدثا عابرا, المناوراتُ التي أجراها الجيش السوري أخيراً بنجاح, وهو تطور توقف عنده المراقبون باهتمام ورصدوا ابعاده ومعانيه التي تنطوي على رسالة مؤداها ان الجيش المنشغل حالياً باحتواء الحوادث داخل سورية, إنما عينه الإستراتيجية هي على مواجهة العدو, وهو على استعداد لمواجهة أي حرب تشن على بلاده سواء من اسرائيل أو غيرها.
والى جانب نقاط القوة التي تمتلكها سورية داخلياً, ثمة مساندة دبلوماسية خارجية واضحة من دول مؤثرة مثل روسيا والصين ومجموعة "بريكس" ...
حتى أن بعضها(روسيا) أرسلت قطعاً بحرية الى البحر المتوسط ,وتحديداً الى السواحل السورية, في رسالة قوية الى من يعنيهم الأمر مؤداها أن دمشق ليست متروكة وحدها.
كما أن إيران لا تترك مناسبة إلا وتعلن فيها دعمها لسورية وقيادتها, ورفضها لما يحيكه لها الغرب تحت شعارات براقة واهية, ناهيك عن الموقف المماثل لقوى المقاومة في لبنان وفي مقدمها حزب الله.
في المحصلة, هذه عينات من نقاط القوة الداخلية والخارجية التي تمتلكها دمشق, فهل تصمد ثلاثة اسابيع أخرى ريثما يكتمل الإنسحاب الأميركي من العراق لتبدأ رحلة الخروج من الأزمة التي تعصف بها منذ آذار الماضي؟!.

رواد خنافر

المصدر: عربي برس

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...