هذا دليل وزير الدفاع اللبناني على تسلل "القاعدة" إلى سورية
بضع كلمات نطق بها وزير الدفاع اللبناني فايز غصن قبل أيام كانت كفيلة بإطلاق العنان لعاصفة داخلية، لم تضع أوزارها بعد، بعدما تداخلت الحسابات السياسية بالجوانب الأمنية، فاختلط الحابل بالنابل، وتحول الجميع في لبنان إلى خبراء في شؤون الأمن القومي ومتخصصين بأمور تنظيم «القاعدة» وبالنقاط التي يتواجد أو لا يتواجد فيها.
وللتذكير فإن غصن تحدث عن عمليات تحصل على بعض المعابر غير الشرعية لاسيما في عرسال، «حيث يتم تهريب أسلحة ودخول بعض العناصر الإرهابية التابعة لتنظيم «القاعدة» تحت ستار أنهم من المعارضة السورية»، مشيراً إلى أن «ضبط هذه العمليات ومنعها هو من مسؤولية الجيش والقوى الأمنية بالدرجة الأولى، لكنها في الوقت عينه مسؤولية وطنية تقع على عاتق جميع الأفرقاء اللبنانيين».
بسرعة، تلقفت قوى 14 آذار هذا الكلام، واضعة إياه في خانة التواطؤ مع النظام السوري والتغطية عليه، ومتهمة وزير الدفاع بإسداء الخدمات إلى دمشق، على حساب مصالح لبنان وكرامة عرسال، ووصلت بعض الردود في حدتها إلى درجة مطالبته بالاستقالة ودعوة أهالي عرسال إلى رفع دعوى قضائية ضده بتهمة أنه تعمد الإساءة إليهم وتشويه سمعتهم.
ومع تصاعد السجال، بدا أن البلد الذي يكفيه أصلا ما يعانيه ولا يحتاج إلى صراعات إضافية، قد انقسم هذه المرة حول «القاعدة»، بعدما توزعت قواه بين مصدق لما أفصح عنه غصن وبين جازم بعدم صحته، لتتحول الحقيقة المفترضة في أحد أكثر الملفات الأمنية حساسية إلى «وجهة نظر»، انضمت إلى لائحة «وجهات النظر» الأخرى التي حلت مكان الحقائق في لبنان.
وقد جاء موقف رئيس الجمهورية، «حمّال الأوجه»، في بكركي، ليفسح المجال أمام التأويل في قراءته وتفسيره، من دون أن يتيح حسم النقاش في هذا الاتجاه أو ذاك، بما أبقى على مساحة واسعة للالتباس في التعامل مع فرضية تسلل «القاعدة» إلى سورية عبر الحدود اللبنانية.
وبمعزل عن التجاذب السياسي حول ما أورده غصن، فإنه من المشروع التساؤل: من أين يأتي عادة أي وزير دفاع بمعلوماته.. أليست مخابرات الجيش هي من حيث المبدأ مصدره الأساسي.. ولماذا الافتراض أن هذه المعادلة البديهية قد توقف العمل بها الآن ولـ«مرة واحدة».. ثم ما الذي يمنع غصن في المقابل من أن يكشف مصدر معلوماته، حسما للسجال، إذا كان يثق فيه؟
يؤكد العارفون أن المعطيات التي أعلن عنها غصن إنما تبلغها من الأجهزة المختصة في المؤسسة العسكرية، وليست نتاج اجتهاد شخصي، فيما يشير المحيطون به إلى انه ارتضى أن يتحمل عبء هذه المعلومات ويأخذها بصدره، لحماية الجيش ومنعا لاستهدافه بسهام قوى 14 آذار، لان هناك مصلحة في تحييده عن هذا النوع من الاشتباك الداخلي وتداعياته.
وفي معلومات العارفين، أن هناك حالات عدة بحوزة وزير الدفاع تثبت تسلل عناصر من «القاعدة» إلى سورية عبر الأراضي اللبنانية، ومن بينها أن الجيش اللبناني ألقى القبض على شخص سوري كان يحاول اختراق الحدود نحو سورية، ليتبين بموجب نشرة «الأنتربول» أنه مطلوب دوليا، وينتمي إلى «القاعدة».
وتستهجن الأوساط المقربة من وزير الدفاع «حملة المعارضة عليه، وهو المعروف بحرصه على علاقات جيدة مع 8 و14 آذار وعدم التأثر في سلوكه الوزاري بهويته السياسية»، لافتة الانتباه إلى أن الذين يهاجمونه يعلمون ضمناً أن هناك خلايا لتنظيم القاعدة في لبنان، تمكنت من التغلغل في بعض المناطق والمخيمات، مشددة على أن «المعطيات المعلنة لا تستهدف أهالي بلدة عرسال، ولا شيء مسبقا ضدهم، ولكن ذلك لا ينفي أن بعضهم متعاطف مع «القاعدة» ولديه علاقات تربطه بها، وهذا أمر معروف وليس جديداً».
وترى الأوساط أن السبب الرئيسي للهجوم على غصن ينطلق من خصوصية بلدة عرسال، في محاولة لاستثمار انتمائها المذهبي والسياسي من أجل استثارة المشاعر وتحقيق مكاسب ظرفية، «ولو أن أي بلدة أخرى كانت معنية بهذه القضية لمر الأمر مرور الكرام».
وتضيف الأوساط في معرض ردها على المشككين في وجود «القاعدة» وتسلل العناصر المسلحة إلى سورية: من قاتل الجيش اللبناني في مخيم نهر البارد، أليس فكر القاعدة وأتباعها، ثم ألم يشاهد الجميع عبر شاشة التلفزة مؤخراً كيف أن مسلحين تولوا تهريب مراسل «بي بي سي» إلى مدينة حمص عبر أحد المعابر غير الشرعية بين لبنان وسورية؟
وتعتبر الأوساط المقربة من غصن أن من بين أهداف الحملة العنيفة عليه التصويب السياسي على الحكومة وحلفاء دمشق، لافتة الانتباه إلى أن المفارقة تتمثل في أن بعض المشاركين في هذا الهجوم يروجون لسيناريو خيالي - هوليوودي من نوع أن النظام السوري فجّر نفسه في دمشق توطئة لاتهام «القاعدة»، وأن وزير الدفاع الذي كان يعلم بهذا المخطط أراد أن يمهد له الطريق عبر نشر معلومات مفبركة حول تسلل عناصر من هذا التنظيم إلى سورية، كي تستند إليها أجهزة النظام عند توجيه الاتهام.
وترى الأوساط أن هذا السيناريو هش وهزيل، مؤكدة أن غصن وانطلاقا من موقعه كوزير للدفاع يمثل المرجعية السياسية للجيش، إنما قام بواجبه في الإضاءة على الوقائع المتوافرة بحوزته، بمعزل عن أي دوافع أو غايات سياسية، وإذا كان هناك من لم يعجبه كلامه فإن الرد عليه لا يكون بالإمعان في استغباء الناس ودفن الرؤوس في الرمال.
وتتوقف الأوساط باستهجان عند قول وزير الداخلية مروان شربل بأن لا معلومات لديه حول انتقال عناصر من «القاعدة» إلى سورية عن طريق الحدود اللبنانية، لافتة الانتباه إلى أن شربل لم يسبق له أن شاطر وزير الدفاع في أي من المعلومات التي يزوده بها «فرع المعلومات»، فلماذا يحق له ما لا يحق لغيره، ولماذا مطلوب من غصن أن يشاركه بما يملك من معطيات؟
وتنبه الأوساط المقربة من غصن إلى أن ما كشفه الأخير هو قليل من كثير، مشيرة إلى أن لدى الفريق السياسي الذي ينتمي إليه معلومات مؤكدة حول كيفية تهريب السلاح إلى سورية ومن يقوم بذلك ولأي جهة ينتمي وإلى أين تصل الخطوط الهاتفية التي لا تبرد الحرارة في أسلاكها، وقد يكون من الضروري كشف هذه الأوراق أو بعضها إذا استمر الهجوم على وزير الدفاع.
عماد مرمل ـ السفير
إضافة تعليق جديد