التعايش بين المادة الثامنة وقانون الأحزاب
الجمل ـ عبد الله علي: يطرح الحديث عن قرب تشكيل لجنة لإعداد مشروع قانون الأحزاب في سوريا بشكل متزامن مع تصريح الأمين العام المساعد لحزب البعث العربي الاشتراكي محمد سعيد بخيتان باستبعاد إلغاء المادة الثامنة من الدستور، سؤالاً جدياً عن الإمكانية الدستورية والقانونية، ناهيك عن السياسية، لإصدار قانون الأحزاب في ظل وجود المادة الثامنة؟؟.
فمن البديهي أن إصدار قانون للأحزاب يعني أن ثمة أحزاباً جديدة سوف تدخل إلى ميدان العمل السياسي وتشارك في صناعة القرار وتسهم في تعزيز المناخ الديمقراطي، والأهم سوف تتنافس عبر الانتخابات للمشاركة في مسؤوليات الحكم وتداول السلطة (حسب تعريف الحزب في المسودة التي طرحت منذ سنوات).
بينما تنص المادة الثامنة من الدستور على أن حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب القائد في الدولة والمجتمع ويقود جبهة وطنية تقدمية تعمل على توحيد طاقات جماهير الشعب ووضعها في خدمة أهداف الأمة العربية)). وبناء على هذه المادة فقد صنع حزب البعث تاريخه في القيادة والحكم، له ما له وعليه ما عليه، مستنداً على المشروعية التي وفرتها له القاعدة الشعبية لأحزاب الجبهة. فتولى منصب الرئاسة ومنصب رئاسة مجلسي الوزراء والشعب بالإضافة إلى أهم مفاصل الإدارة طوال العقود الأربعة الماضية بعيداً عن التنافس في إطار تداول السلطة، وأصبحت المادة الثامنة تجسيداً لمفهوم الأحادية في الحكم.
إذاً، هل من الممكن في ظل مادة دستورية تجسد الأحادية (أو التعددية الصورية) أن يصدر قانون أحزاب يجسد التعددية (التعددية الفعلية)؟
يبدو لنا، في ظل تصريحات الأمين القطري المساعد، أن التعايش بين قانون الأحزاب وبين المادة الثامنة من الدستور سوف يكون هو الاحتمال الأرجح لمجرى الأمور في الفترة المقبلة رغم ما سوف يشوب هذا التعايش من صعوبات وتحديات ولا سيما في ظل قواعد الدستور المتعلقة بتعيين رئيس مجلس الوزراء والوزراء ونوابهم.
حيث أن التنافس الحقيقي بين الأحزاب سوف يكون على تقاسم كعكة مجلس الشعب ومحاولة كل حزب أو ائتلاف من مجموعة أحزاب الحصول على أكبر عدد من المقاعد. والسؤال الذي تطرحه فكرة التعايش: ما هو تأثير تقاسم كعكة مجلس الشعب على تقاسم كعكة مجلس الوزراء؟ بمعنى هل سيكون للأغلبية النيابية دور في تسمية رئيس مجلس الوزراء؟ وهل سينال كل حزب حصة في الوزارة تتناسب مع عدد المقاعد التي حصل عليها؟ علماً أنه ليس في الدستور ما يوجب الأخذ بهذه الاعتبارات.
إن فكرة التعايش التي قد يسارع البعض إلى رفضها انطلاقاً من اعتبارات سياسية، يمكن إذا جرى تطبيقها على نحو مرن، أن تكون خطوة هامة على صعيد المشاركة في الحكم وتعزيز الديمقراطية وتوسيع قاعدة المساهمة في اتخاذ القرار. لكن هذه الخطوة تستلزم أموراً لا بد منها لإنجاحها مثل إعادة النظر في مفهوم الحزب القائد والتمييز بين الحزب القائد الثابت والحزب الحاكم المتغير بحسب نتائج الانتخابات. ونعتقد أن نص المادة الثامنة من الدستور يساعد على مثل هذه المراجعة بحيث ننقل الحزب القائد من كونه أسلوباً في الحكم إلى كونه قيمةً تمثل مجموعة الثوابت القومية والوطنية المتعلقة بالوحدة الوطنية والصراع مع الكيان الصهيوني ودعم المقاومة وعقيدة الجيش والتي يفترض أن جميع الأحزاب تعمل تحت سقفها. ومن يتمعن في المادة الثامنة يدرك أنها تحدثت عن حشد طاقات الشعب وتوحيدها في خدمة الأمة العربية. فما الذي يمنعنا أن نعيد قراءتها من جديد على أساس نصها الحرفي ونعطيها مفهوماً مغايراً لما جرى عليه العمل طوال السنوات الماضية. تماماً كما فعلنا مع مصطلح الاشتراكية عندما حولناه إلى مفهوم اقتصاد السوق الاجتماعي.
وللتذكير فإن ما نطرحه هنا هو تصور استباقي لمرحلة التعايش التي سيفرضها علينا صدور قانون الأحزاب في ظل المادة الثامنة من الدستور. ونحن نحاول أن نفسر النصوص الدستورية على ضوء التغييرات التي نتوقع حصولها بسبب هذا التعايش، وبالتالي فإنها لا تمثل الرؤية التي نؤمن بها أو نتبناها.
التعليقات
حوار بدون شروط
تعليق على المادة الثامنه
إضافة تعليق جديد