المنهج المتجدد لصفحة عقائد، وأولوية الدور الوطني للدين
الجمل: مع مطلع شهر أيلول نبدأ رحلتنا اليومية مع متصفحي صفحة عقائد، في جريدة الجمل وفق المنهج المعتمد لهذه الصفحة، والذي بيناه في حزيران 2006 تحت عنوان منهج صفحة عقائد في جريدة الجمل الإلكترونية، وذلك بعد أن تم تحضير وإعداد الدراسات والمشاركات التي تتصل بهذه الصفحة، في محاولة لمقاربة الموضوعات الهامة في مجال العقائد، بشكل منهجي وموضوعي متوازن، منفتح على كل الاتجاهات العقائدية، وعلى مسافة واحدة من كل منها، دون أدنى تحيز مع أو ضد أحد هذه الاتجاهات أو إغفال لأي منها. وسنُعنى بكل ألوان طيف العقائد في مجتمعنا العربي عامة، وفي مجتمعنا العربي السوري خاصة، إضافة للعقائد في المجتمع الإنساني كله، رغبة منا في تعزيز الوعي بكل هذه التنوعات وإتاحة الفرصة لمن يرغب بالتعرف على مكونات هذا الموزاييك النادر، من العقائد والمذاهب والتوجهات الدينية والفكرية، التي تتميز به منطقتنا خاصة في ما كان يدعى بلاد الشام، وسنُعنى بشكل خاص بأن يتولى التعريف عن كل توجه من يمثلونه على اختلاف ألوان وأشكال الموازييك الداخلي ضمن هذا التوجه، وسيكون المجال مفتوحاً لكل مشاركة أو مداخلة أو تساؤل. يغني البحث ويُجَلِّي الصورة في أجواء من الاحترام التام لكل الآراء والتوجهات، طالما أن الطروحات تلتزم معايير وضوابط البحث العلمي الموضوعي المتجرد، والخطاب المتزن الراقي والهادف لمقاربة الحقيقة من كل الاتجاهات، بغية تبديد كل جهل بعقائد الآخرين، وتصحيح ما قد يكون لدينا من أفكار أو آراء أو تصورات مجانِبَةٍ للصواب، ودون إطلاق أيَّةِ أحكامِ قيمةٍ على أي منها، لأن مثل هذه الأحكام تخضع لنسبية إنسانية، لا تتيح لأيٍ كان مهما بلغت نظرته من الشمول والعمق والموضوعية، أن يصدر حكماً مطلقاً يحظى بالقبول والتأييد من المنتمين إلى مختلف هذه العقائد.
إن التعرف على عقائد الآخرين مقدَّمةً بأمانة وموضوعية هو خطوة أساسية لتَفَهُّمِ منطلقاتهم ومرجعياتهم التي يَصدُرونَ عنها، في كل قول أو موقف أو تحرك أو فعل يتخذونه، وهذا يعزز التفاهم المتبادل بين كل أبناء الوطن في أجواء الاحترام لما يتبناه الآخرون من عقائد وأفكار وسلوكيات، دون أن يشوب ذلك أي درجة من نفي الآخر أو إقصائه أو غبنه في حق من حقوق المواطنة، التي يجب أن لا يتميز فيها أي منا عن الآخرين، ودون أن يسمح أي منا لنفسه أن يغمز أو يلمز من خصوصية ما لدى الآخر، أو يهوّن منها أو يتعاطى معها بطرائق غير لائقة.
إن كثيراً من الكتب والمقالات والبرامج المسموعة والمرئية في عالمنا العربي خصوصاً والعالم أجمع عموماً، تزخر بتجاوزات وخروقات لقواعد الحوار الموضوعي والمثمر، بل إن كثيراً منها يعتمد المغالطات والتهويل أو التهوين، وينطلق من أفكار عن الآخر يتعامل معها على أنها مسلمات لا يرتقي إليها الشك، إضافة إلى تبني أسلوب بالخطاب مثير واستفزازي، لا يتحرج فيه المخاطِب من تجريح من يخالفه الرأي أو السخرية منه أو تسخيفه لمجرد كونه على اقتناع تام - متوهماً- أنه يحتكر الحقيقة، وأن أيدي الآخرين خالية الوفاض منها وأن من مسؤولياته نزع قناعات الآخرين لإلباسهم قناعاته الخاصة.
لعل مجتمعاتنا العربية اليوم أحوج ما تكون فيه من أي وقت مضى إلى تبني خطاب موضوعي راقٍ، وإدارة حوار مثمر بنّاء يتسم بالمصداقية بين مختلف مكونات هذه المجتمعات في الأمة، من أجل تعزيز وحدة ومتعة جبهتنا الداخلية بمواجهة كل المحاولات الخارجية والداخلية لتوهين هذه الجبهة وإضعاف لحمتها وتفكيك مكوناتها، ومن ثم عزلها ليسهل فرض مشاريع ضد مصلحة الأمة ووحدتها منها مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي اعتمد طرائق غير مسبوقة بعد أن أُكسبت مشروعية لا أساس لها، مثل الفوضى البناءة وحق الاعتداء الاستباقي على الآخر بمجرد الإدعاء أن خطراً ما سيصدر عنه، وقلب الحقائق رأساً على عقب بحيث تُتهم الضحية بالإرهاب، ويعتبر العدوان عملاً مشروعاً بذريعة الدفاع عن النفس.
إن الجهود المحمومة التي تُبذل من الإدارة الأمريكية وحلفائها وعلى رأسهم الكيان الصهيوني العنصري المغتصب، لإثارة الفتن الطائفية بين المسلمين والمسيحيين وبين السنة والشيعة والتي باءت بالفشل الذريع في العراق ولبنان، هذه الجهود الإبليسية ما كان لها أن تبوء بالفشل لولا جهود الواعين والمخلصين من أبناء هذه الأمة إضافة إلى أصالة الإنسان العربي مسلماً كان أم مسيحياً أم لا إيمانياً، والذي يرتد إلى جوهره وكامل وعيه في الملمات نافضاً عنه كل الرواسب التعصبية وكل الحساسيات الطائفية، ومقزماً لكل الحواجز بين أبناء الأمة أمام تحديات مصيرية تمس وجودها حاضراً ومستقبلاًً، وليس أدل على ذلك من ارتقاء كل أبناء الأمة العربية بكل انتماءاتهم الدينية والطائفية على الأسوار والحواجز، وتعملقهم إلى المستوى الذي يرون فيه أعلى هذه الأسوار ضئيلة مقزمةً قابلة للتجاوز وقد تجلى ذلك في فترة العدوان الصهيوني على لبنان العربي حيث تلاحمت مكونات المجتمع كافة الإسلامية والمسيحية وغيرها وبكل تنوعات مذاهبها وطوائفها مجهضة كل جهود العدو الأمريكي الصهيوني وحلفائه في رهانهم على الفتن الطائفية، ودون أن يقلل من ذلك وجود فئات وجماعات محدودة إضافة لقيادات عربية كانت عوناً بشكل أو بآخر للعدوان الصهيوني وحلفائه تبعيةً أم جهلاً. فقد تراجع بعضهم بعد صمود المقاومة الإسلامية في لبنان المشهود والمشرف لكل الأمة، أما الذين لا يزالون سادرين في غيهم تحت وطأة رؤى تعصبية ضيقة وقاصرة أو بدافع مصالح ذاتية وآنية، فإننا سنبقى أمناء لحقوقهم علينا كونهم من أبناء هذه الأمة أن نعينهم بكل الوسائل الممكنة. كيما يصحوا من غفلتهم ويستردوا وعيهم، وأن يرتدُّوا إلى جوهرهم وأصالتهم إن كان لديهم بقية منها. وإن تعذر ذلك فسيكون مآلهم تماماً كمآل نظرائهم الذين لم تخلُ منهم فترة تاريخية من حياة هذه الأمة، تلك هي سنة التاريخ الإنساني ولن تجد لهذه السنن الثابتة تحويلاً ولا تبديلاً.
لذا فإننا سنحاول في صفحة عقائد، أن نعالج جذور المواقف الفكرية والسياسية والاجتماعية ذات المنشأ العقائدي، وأن ندير حوارات حولها، كيما تسهم أسهاما جاداً في وقاية امتنا من انقسامات وتشكيلات، تشكل نقاط ضعف تركز على استغلالها القوى المعادية لهذه الأمة.
إننا نتوجه إلى الأعزاء من متصفحي صفحة عقائد في (جريدة الجمل الإلكترونية) بدعوة جادة للإسهام بالحوارات حول كل ما ينشر فيها خاصة ما يرد تحت عنوان " بحوث ودراسات " من أجل إنجاز حوارات مثمرة تعزز التفاهم المتبادل بين مختلف مكونات الوطن ومن جميع الانتماءات الفكرية والدينية والسياسية والاجتماعية وذلك عن طريق المشاركات بالتعليق على الموضوعات تأييداً أو مخالفة ونقداً أو توجيه التساؤلات أو الكتابة في ذات الموضوعات المنشورة من وجهات نظر مغايرة، حيث ستكون موضع عنايتنا سواء بنشر أهمها أو توجيه الردود لأصحابها إن تطلب الأمر ذلك، لنكون جميعاً شركاء حقيقيين فاعلين في رفد جهود التحديث والتطوير في سورية العربية التي ندين لها جميعاً بالحب والولاء.
وسنقدم شهرياً لأصحاب أفضل المشاركات مجموعة من الكتب القيمة التي تتوافق واهتمامات الفائز آملين أن نلقى كل استجابة وتعاون.
محمد صفوح مرتضى
إضافة تعليق جديد