الأزمة الاقتصادية تصيب إسرائيل في العمق..وحاخامان يدعوان للصلاة
لم تعد الأزمة الاقتصادية في إسرائيل مجرد تكهنات أو مخاوف بل غدت حقيقة قائمة. وقد سارعت الحكومة الإسرائيلية إلى إعلان شروعها ببضعة إجراءات لتقليص أضرار الأزمة، بينها توفير ضمانات مصرفية للبنوك بحوالي ثلاثة مليارات دولار ومناقشة أمر نشر شبكة أمان لصناديق ضمان التقاعد.
غير أن الأجواء في إسرائيل تشير إلى أن هذه الإجراءات أبعد ما تكون عن معالجة الأزمة التي يبدو أيضا أن دعوة الحاخامات من أجل الصلاة بإبعاد أثرها عن إسرائيل لن تجدي نفعا.
والواقع أن مظاهر الأزمة في إسرائيل باتت تتجلى في أرقام، ولم تعد تقتصر على أحاسيس ومشاعر، فشركات التكنولوجيا العالية تنوي إقالة ٣٥ ألف موظف خلال الشــهور القــليلة المقــبلة ووزارة العمل تتوقع أن تطرد القـطاعات الإنــتاجية في العام ٢٠٠٩ ما لا يقل عن ٩٠ ألف عامل، كــما أن نسبة النمو في الربع الأخير من الـعام الحــالي لم تزد عن ٢,٥ في المئة ما يشــير إلى تراجع كبــير مقارنة بالعام الماضي.
وقد اضطرت وزارة المالية الإسرائيلية لتخفيض نسبة النمو المتوقعة للعام المقبل إلى ١,٨ في المئة، وهي نسبة تساوي فعليا صفر نمو إن لم يكن نموا سلبيا، بل إن بنك إسرائيل خفض نسبة النمو المتوقع إلى ١,٥ في المئة. ومن مظاهر الأزمة أن البنك المركزي الإسرائيلي قرر أمس الأول تخفيض نسبة الفائدة في البنوك إلى ٢,٥ في المئة، وهي أقل نسبة فائدة في تاريخ العمل المصرفي في إسرائيل.
ومن استطلاع رأي أجري لمصلحة »مؤتمر سديروت« الذي افتتح أمس تبين أن القلق ازداد في صفوف الإسرائيليين من سن ٢٤ إلى ٤٥ عاما حول مستقبل معيشتهم. ويشعر ما لا يقل عن ٥٧ في المئة من هؤلاء بالقلق حيال شيخوختهم، فيما يعتقد ٦١ في المئة أنهم لن يستطــيعوا ادخار أي شيء للمستقبل. وفي العموم فإن ٤١ في المئــة من الأجــراء في إسرائيل يشعرون بأن مستوى الأمان في أماكن عـملهم هو متوسط وما دون.
ويدفع عدم الاستقرار المعيشي إلى اضطراب في علاقة الأفراد الإسرائيليين بالمؤسسة السياسية أو الاجتماعية ـ الاقتصادية، فـ٤٩ في المئة من الإسرائيليين لا يثقون في أن الدولة ستقدم لهم يد العون في حال حدوث أزمة، ولا يؤمن ٤٠ في المئــة بقــدرة الأطر المحلية، فيــما أن من لا يؤمن إلا قليلا بقدرة الجيش الإسرائيلي يبلغ ٣٥ في المئة. تجدر الإشــارة إلى أن »مقياس الفساد« الذي يقدم أيضا لمؤتمر ســديروت أشار إلى أن ٧٢ في المئة من الإسرائيليين يعتقدون أن السلــطة فاسدة. وتبين أن جميع السلطات في إسرائيل فاسدة بدرجات مختلفة، غير أن أقلها فسادا في نظر الجمهور هو الجيش الإسرائيلي الذي رأى ١١ في المئة فقط أنه فاسد.
وتشير معطيات دائرة الإحصاء المركزي الإسرائيلي إلى أن نتائج الربع الثالث من هذا العام أشارت إلى نمو بنسبة ٢,٣ في المئة، ما يؤكد أن الركود بدأ في إسرائيل. يشــار إلى أن نســبة النمو في الربع الثاني كانت ٤,١ في المئة و٥,٢ في الربع الأول ما يدل على أن نسبة النمو في الربع الأخير ستكون أقل بكثير.
وتثير المعطيات حول الإنتاج الصناعي قلقا في إسرائيل، حيث أن النمو في الربع الثالث كان بنسبة ١,٩ في المئة، فيما كان بحساب سنوي بنسبة ٥ في المئة في الربع الثاني و٥,٨ في المئة في الربع الأول، وثمة معطيات تفيد بتراجع الصادرات الصناعية في الربع الثالث بحوالي عشرة في المئة.
ولاحظت دراسة نشرها اتحاد الصناعة الالكترونية والبرمجية في إسرائيل أن ٧٣ في المئة من شركات التكنولوجيا في إسرائيل تخطط لتقليص ما بين ١٠ إلى ١٥ في المئة من قوة العمل لديها في العام المقبل. وتتوقع هذه الدراسة أن يتراجع مبيع هذه الشركات الإسرائيلية بنسبة حوالي ١١ في المئة.
وتشير المعطيات الإسرائيلية إلى انخفاض الصادرات الإسرائيلية عموما في الشهور الثلاثة الأخيرة بنسبة ٧ في المئة. غير أن خبراء الاقتصاد يؤكدون أن الأسوأ في انتظار الاقتصاد الإسرائيلي بعد موجة البطالة التي ستصيبه والتي ستخفض الإنتاج وتزيد أعباء الدولة التي ستتقلص وارداتها.
وكان إعلان وزارة المالية الإسرائيلية عن بدء التدابير لمعالجة الأزمة الاقتصــادية قد أثر إيجابا على البورصة الإسرائيلية، ولكن أحد المعلقين البارزين في إسرائيل كتب أن الأزمة الاقتصــادية في إسرائيل تتعاظم والجمهور مرتبك وخائف لكن رئيس حكومته ايهود اولمرت في أميركا. وأشار عوفر شيلح، في »معاريف«، إلى أن رجال أولمرت يقولون أن زيارته لأميركا »مهمة من أجل نيل المصادقة على بيع طائرات ف٢٢ لإسرائيل«. ويرى أن هذا تفصيل سخيف يذكر الجميع بـ»سلة مشتريات« غولدا مئير في زياراتها لواشنطن.
ويعتقد شيلح أنه »غير مهم أن »ف ٢٢« هي لعبة باهظة الثمن، وليس من الواضح لجهات عليا جدا في الجيش إذا كانت أميركا ستبيعها أم لا وإذا كنا نحن بحاجة إلى شرائها أم لا، وبأي ثمن«، والمهم في نظره أن »إسرائيل تعيش أزمة اقتصادية ستؤثر على حياتنا بشكل عميق ولزمن طويل. فإسرائيل، كما هو معلوم، دولة صغيرة نسبيا، تتخذ فيها الحكومة قرارات صغيرة مقارنة بالدول العظمى في العالم، كما أن للنشاط الحكومي فيها أثرا حاسما في جميع القطاعات«.
وهذا ما حاول عضو الكنيست عن حزب »العمل« البروفيسور الاقتصادي أفيشاي برفيرمان قوله بعبارة واحدة: »نحن في حالة طوارئ«. وقال الرجل الذي عمل في البنك الدولي وكان رئيسا لجامعة بئر السبع »إننا نعيش أزمة عميقة لم يشهد العالم مثيلا لها منــذ الثلاثينات. وكل من يعتقد أن إسرائيل جزيرة معزولة، وأن الأزمة لن تؤثر علينا مخطئ ومضلل«.
عموما قرر الحاخامان الأكبران في إسرائيل أنه إذا لم تجد خطة المساعدة الاقتصادية التي أقرتها وزارة المالية نفعا فإنه لن يكون هناك مفر من الصلاة. وقد أعلن الحاخامان الأكبران أمس الأول عن يوم صرخة صلاة، بل ويوم صوم ضد الأزمة الاقتصادية.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد