ظاهرة الانحباس المطري وتأثر الزراعات المحلية بالمرتفع السيبيري

أصبح انحباس الأمطار ظاهرة عامة تتكرر سنوياً ولكنها تغير مواقعها من شهر الى آخر من أشهر الشتاء أو تزيد كمياتها أو تتراجع حسب المنخفضات والظواهر المناخية الاخرى في هذا الفصل الذي من المفروض ان يكون ماطراً أو مثلجاً ورطباً بارداً كما عهدناه أو كما نعرف أنه يجب ان يكون في معظمه. ففي بعض السنوات ينحبس المطر في أوله وفي البعض الآخر في وسطه وفي سنوات اخرى في نهاياته والعكس صحيح وكذلك الأمر بالنسبة للثلوج ففي بعض السنوات نلمح الثلج فيها لمحاً وفي بعضها الآخر يتراكم الى حد كثيف يضفي على شتاءاتنا تميزاً وجمالاً وخيراً ..هذا الوضع ينعكس سلباً على الوضع الاجتماعي والاقتصادي والغذائي واحياناً السياحي كما يشكل ازمة تجاه المخزون الغذائي والمائي فالمناخ يعتبر بمثابة مورد طبيعي يستدعي فهمه والاهتمام الخاص به ليخفف من معاناة البشرية من جراء هذا التذبذب والاختلاف في المناخ وصولاً الى ايجاد الحلول للتأقلم مع هذا المناخ والتناغم معه والتخفيف من أضراره على الناس.

- ‏ كلنا شعر وأحس وبعضنا من المزارعين لمس السلبيات التي نجمت عن الانحباس المطري لفترة فاقت الشهر ونصف الشهر في هذا الوقت بالذات من السنة لذلك توجهنا بالسؤال لاولي الأمر في الارصاد الجوية لنستكشف أسباب هذا الانحباس وتأثيراته وهل هو عام في العالم أم هو عندنا في بلادنا فقط فأفادونا مايلي: ‏

كانت بداية العام المطري جيدة جداً حيث هطلت كميات غير معهودة من المطر في معظم المناطق كان آخرها في 5/11/ 2006 بعد هذه الهطولات تأثرت المنطقة بامتداد المرتفع السيبيري أي يدعى مرتفع جوي سطحي هذا المرتفع يدفع بالرياح الشرقية باردة وجافة، ومن الطبيعي أن يمتد هذا المرتفع على المنطقة خلال فصل الشتاء ولكن من غير الطبيعي ان يستمر حتى هذا التاريخ فحتى الآن هناك انقطاع بالأمطار لمدة 52 يوماً ولايزال هذا المرتفع الجوي مسيطراً على المنطقة ويقوم بتشكيل حاجز صد لكل المنخفضات التي تحاول دخول المنطقة.. هناك منخفضات جنوبية سطحية تتشكل جنوب سورية ولكن وجود هذا المرتفع يمنعها من التقدم باتجاه الشمال وبذلك يبقى تأثيرها محصوراً على شمال وشمال شرق وشرق المملكة العربية السعودية... مناخياً هذا الوضع لم تشهده سورية منذ أكثر من نصف قرن وأكثر . ‏

- كذلك خضعت أوروبا لامتداد مرتفع جوي تزامن مع امتداد المرتفع الجوي السيبيري ما ادى بدوره الى انحباس المطر فوق أوروبا كذلك والى ارتفاع درجات الحرارة فوق معدلاتها ببادرة لم تشهدها أوروبا منذ أكثر من 120عاماً حسب الارصاد الجوية الروسية حيث ارتفعت درجات الحرارة في موسكو تسع درجات مئوية فوق الصفر وهذا يعتبر غير طبيعي في مثل هذا الوقت من العام في موسكو لأنه يزيد عن معدل درجات الحرارة في تلك المنطقة 12 درجة مئوية وكذلك الأمر في فرنسا وسويسرا فقد كان هناك انحباس مطري لفترات طويلة تجاوزت الشهرين لم تعهدها في مثل هذا الوقت منذ عهد طويل وقد ساهم هذا الانحباس مع ارتفاع درجات الحرارة فوق معدلاتها المعهودة وعدم هطول الثلج بكثافته المعروفة بضرب موسم التزلج في هذه الدول فهذا الموسم له أهميته السياحية وقد اعتاد عليه الناس والسياح في كل عام كما أن حيوان « الكنغر» في أمريكا يحفر عادة في الارض ليؤمن مأوى له يقيه من البرد أيضاً في هذا العام لم يحفر وهذا يدل على أن الموسم سيبقى بعيداً عن البرد المعهود. ‏

- هذا النوع من المناخ يلحق الضرر البالغ بالمواسم الزراعية فالحبوب التي بذرت ماتت خلال هذه الفترة التي تنزل فيها الأمطار وأصبح من الواجب بذر حبوب جديدة بعد خمسين يوماً بعد قلب الارض من جديد لتدارك الموسم كما أن الخضراوات يتأثر انتاجها في هذا الوقت وتسوء نوعيتها ويتراجع انتاجها وخصوصاً الخضار الباكوريةمثل الفول وغيرها فهي تتضرر بالطقس البارد الصقيعي الذي يرافق هذا النوع من المناخ كما في تل شهاب ومزيريب وغيرها وهناك تأثيرات صحية كثيرة على الناس من خلال هذه الظواهر المناخية فالفيروسات الضارة ترى في هذا الجوبيئة مناسبة وجيدة للتكاثر والنمو بدليل موجة« الكريب» الحادة التي تصيب الناس في هذه الأيام. ‏

كما يمكن القول أن هناك ضرراً كبيراً وبالغاً في المخزون المائي بدليل أن مؤسسة المياه مازالت تتبع التقنين حتى الآن علماً أنها كانت تتوقف عادة عن هذا التقنين في شهر تشرين الأول وأحياناً منذ أيلول. ‏

ما نأمله خلال الأيام القليلة القادمة تراجع هذا المرتفع الجوي ما يسمح للمنخفضات الجوية المتوسطية للتقدم باتجاه المنطقة وتعويض الموسم المطري الذي فقدناه.

فاديا شحيبر

المصدر: تشرين