انطلاق مشاورات موسكو بلا أضواء والوفد الحكومي ينضم غداً
انطلقت أمس أعمال «منتدى موسكو» التشاوري التمهيدي في العاصمة الروسية بلقاء للشخصيات المعارضة، لينضم إليهم غدا الوفد الرسمي السوري، وذلك وسط تعتيم إعلامي، مع تأكيد روسي أن المنتدى يهدف إلى توفير ساحة للنقاش وأن جميع الأطراف المشاركة متفقة على ضرورة إحلال السلام ومحاربة الإرهاب في سورية.
وتجري اللقاءات في بيت الضيافة التابع لوزارة الخارجية الروسية، بعيداً عن أعين الصحفيين، وأوكلت الوزارة مهمة إدارة جلسات الحوار لرئيس معهد الاستشراق «فيتالي ناؤمكين» وهو شخصية مدنية يتقن اللغة العربية بشكل ممتاز ليبقى الحوار كما أرادت له الوزارة في بياناتها الرسمية، بعيداً عن أية تأثيرات حكومية روسية أو غير روسية.
ووصف أحد المعارضين المشاركين أجواء اللقاء بـ«المقبولة»، وقال في اتصال هاتفي من موسكو: إنه تم «بحث الأفكار الأولية بين المعارضة من أجل الوصول لحل سياسي واليوم سوف يتم تثبيت المشتركات بين أطراف المعارضة»، وأضاف: «حضر 32 عضواً من الداخل والخارج بغياب الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارض السورية»، مشيراً إلى أن «حضور هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي كان ضعيفاً حيث غاب المنسق العام للهيئة حسن عبد العظيم والقيادي البارز هيثم مناع، وحضر أيضاً أربعة من هيئة التنسيق وستة من جبهة التغيير والتحرير واثنان من هيئة العمل الوطني وعدد من شيوخ العشائر السورية».
وأشار المعارض إلى حصول مشادات بين هيئة التنسيق وهيئة العمل الوطني حول البيان الختامي الذي تمخض عنه لقاء المعارضة بالقاهرة، مشدداً على تأكيده عدم حضور أي أحد من الائتلاف المعارض.
وأشار المعارض السوري إلى أن «خبراء من معهد الاستشراق الروسي شاركوا في اللقاء».
وستجري المشاورات على مرحلتين الأولى في الفترة 26-27 الجاري، حيث تعقد فيها لقاءات بين ممثلي فصائل المعارضة ومنظمات المجتمع المدني، والثانية في الفترة 28-29 بمشاركة الوفد الرسمي السوري.
ويترأس الوفد الرسمي السوري مندوب سورية الدائم في الأمم المتحدة بشار الجعفري ويضم في عضويته مستشار وزير الخارجية والمغتربين أحمد عرنوس، والمحامي أحمد كزبري، والمحامي محمد خير عكام، وأسامة علي من مكتب الوزير، وأمجد عيسى وأضيف إليهم سفير سورية لدى روسيا رياض حداد.
مشاورات موسكو تنهي احتكار «الائتلاف» السوري
خاب أمل من انتظر أن تتكرر في موسكو مآثر جنيف الإعلامية، وتظاهرات الكاميرات التي رافقتها. لكن غيابها أتاح بطريقة متفاوتة التقليل من شأن الحدث، خصوصا لدى من غابوا عن موسكو، أو من لم تتم دعوتهم.
وكان ينبغي انتظار مساء موسكو السوري الأول، في فندق مجاور، كي ينجلي سيناريو الحوار الذي شغل 30 سورياً معارضاً، 12 منهم جاؤوا من الداخل، و18 قدموا من عواصم عربية وأوروبية، تحلقوا حول رئيس «معهد الاستشراق» المستعرب فيتالي ناومكين، مديراً للحوار ووسيطاً.
وتولى المعارض فاتح جاموس تقديم أول مداخلة ورؤية سياسية للأزمة السورية. واختبر المتحاورون السجال بين من تتهمهم المعارضة بالموالاة أكثر من أي معارضة. وافتتح صفوان عكاش النقاش بالقول إن الحوار «يجري بين معارضة رسمية، وأخرى غير رسمية» في إشارة إلى ممثلي الأحزاب المرخصة في الاجتماع. وردت مجد نيازي بالقول إنها تطمح أيضا إلى تغيير النظام، وهددت سهير السرميني بالانسحاب، فيما لو جرى طرح النقاش بالموقع الرئاسي. وقالت «نحن من يعاني في الداخل قبل الآخرين». وقال صفوان عكاش في ما بعد «لقد شعرنا بأننا نحاور الجناح المتشدد للنظام، خصوصا مع ممثلي مجلس العشائر، الذي شكله النظام مؤخراً».
ومع ذلك عكس الحوار السوري في موسكو، احتلال الأزمة الإنسانية المكان الأول في أي مفاوضات مقبلة، لدى كل من شاركوا في الاجتماع، وتكريسها بالمعنى الواسع الذي يشمل وقف العنف، وفتح طرق الإمداد إلى كل المناطق، وإطلاق المعتقلين والمخطوفين فوراً، كمدخل لأي مسار سياسي يسعى إلى إنهاء الحرب السورية. ويغلب هذا الاتجاه على كل ما عرفته المفاوضات واللقاءات بين أي طيف من أطياف المعارضة والدولة السورية، متقدماً على بند مكافحة الإرهاب، أو البحث بشكل الدولة المقبلة أو الموقع الرئاسي والهيئة الانتقالية. «الوقت يداهمنا مع استمرار الحرب، ينبغي وقف النزف أولاً، وعدم تضييع الوقت» قالت رئيسة «حركة المجتمع التعددي» رندا قسيس.
ومن المفترض أن تتصدر الأزمة الإنسانية وأولويتها في الحل ورقة المعارضة السورية في موسكو، على أن تُعرض غداً على وفد حكومي يرأسه مندوب سوريا إلى الأمم المتحدة بشار الجعفري. والى الجعفري يضم الوفد معاون وزير الخارجية أحمد عرنوس، وخبيري القانون الدولي والعلاقات الدولية محمد خير عكام واحمد الكزبري، والملحق بالمكتب الإعلامي في رئاسة الجمهورية امجد عيسى.
وقال أمين سر «هيئة التنسيق» في المهجر ماجد حبو إن المعارضة قد تكلف أحد شخصياتها لقراءة الورقة المشتركة «ليس كممثل للمعارضة، ولكن كقارئ لهذه الورقة» على أن يكون جمال سليمان على الأرجح قارئها.
وعرض حبو لوقائع أولويات القاعة الحوارية في الأزمة الإنسانية قبل الدخول في السياسة، ونقاط التلاقي حول أولوية الملف الإنساني وإجراءات بناء الثقة، التي ستتبلور اليوم في ورقة مشتركة. وقال ان «توافقاً جرى على تأجيل النقاط الخلافية: من شكل الدولة المقبلة، ودستورها، والموقع الرئاسي، والتركيز على إجراءات بناء الثقة، والملف الإنساني»، فيما قال زعيم «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي صالح مسلم محمد إن «جميع المسائل ينبغي أن تكون قابلة للنقاش».
وإذا كان ممكناً تسجيل أول إنجاز حققه لقاء موسكو بمجرد انعقاده، «فهو إنهاء التمثيلية الحصرية للائتلاف السوري، وترقية أطياف من المعارضة السورية إلى طاولات التفاوض في عواصم دولية، لم ينتخبها أصدقاء سوريا» كما قالت قسيس.
ولكن تعزيز قدرتها على التفاوض، يحتاج إلى المزيد من الوقت، والى تثبيت المحطات المقبلة من حوارات موسكو، وضم المزيد من التيارات والشخصيات المستقلة إليها، وتعزيز حضور المعارضة الداخلية، شريطة أن يتفادى الروس الأخطاء البيروقراطية، وان يظهروا مرونة اكبر في تنظيم الجولة المقبلة من الحوار. والحال انه رغم غياب وجوه الصف الأول من «هيئة التنسيق» كهيثم مناع، وحسن عبد العظيم، وعارف دليلة، إلا أن الهيئة وفرت أرضية ومصداقية للاجتماع، بحضور ستة من أعضائها إلى موسكو، فيما لم يشكل غياب «الائتلاف» مفاجأة لأحد، لان الروس لم يعوّلوا على حضوره، فضلا عن أن غيابه في الجولة الأولى قد يكون مفيداً لبناء أرضية تفاوضية، لا يمتلك «الائتلافيون» رغبة حقيقية بالمساهمة فيها.
وقال نائب رئيس «التنسيق» هيثم مناع انه كان سيشارك في الحوار «لو أن الروس وافقوا على دعوة الأسماء التي طرحتها، كجهاد مقدسي، أو حبيب حداد، ولا يمكن لأحد أن يأتي من دون فريقه الذي يعمل معه». وأشار إلى أن الروس اتصلوا متأخرين لحثه على الحضور و «لكن على من يريد أن يكون وسيطاً في الحوار، أن يدعو الجميع بتكافؤ، إذ طلب الروس موافقة النظام على أسماء من أوفدنا، وهكذا اعترض الوزير (وليد) المعلم على جهاد مقدسي، فيما لم تعرض علينا أسماء وفد النظام، وسنشارك إذا رفع الحكوميون تمثيلهم، وتمت تلبية طلباتنا من الطرف الروسي، والتأكيد أن الحوار سيفضي إلى جنيف».
ويخرج جنيف من حوار اليوم الأول في موسكو، أقل مرجعية منه في أي حوار سابق. ويعبّر ذلك عن إعادة نظر واسعة في الأولويات، وهي تشق طريقها نحو التبلور بين أطياف المعارضة الداخلية، والدولة السورية، والديبلوماسية الروسية، وهو ما ستحمله ورقة الحوار المعارض هذا المساء. وتسمح ورقة كهذه لموسكو بتحقيق أحد أهدافها بإحداث فرز بين أنصار جنيف في قراءته «الائتلافية»، قبل ظهور تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» - «داعش»، والداعين إلى تغليب الواقعية والمرونة في مسألة تشكيل هيئة انتقالية كاملة الصلاحيات، لا تعني سوى استمرار الحرب، فضلا عن عيوبها الأخرى، وتجاهلها القضية الكردية. «ينبغي تعديل (بيان) جنيف، والتوافق على النقاط الخلافية فيه، لأن السوريين لم يكونوا حاضرين عند صياغته» بحسب ممثل «الاتحاد الديموقراطي» في فرنسا خالد عيسى.
وأعاد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف تحديد الإطار الجديد للمسار السياسي الذي لا يتطابق مع قراءة جنيف الأولى، الذي تسعى إليه موسكو من خلال الحوار. ورأى لافروف أن «اللقاء التشاوري سيمهد أرضية يمكن التقدم منها نحو مفاوضات مستقبلية تحت غطاء الأمم المتحدة».
وبخلاف ما كان معلناً في موسكو، فإنه من المفترض أن يؤدي الحوار السوري، إلى بيان ختامي يتضمن مواعيد الحوار المقبل، والمشتركات التي يمكن البناء عليها بين المعارضة والدولة. وقال مصدر سوري إن الروس استجابوا لطلب دمشق إصدار بيان ختامي، خصوصا أن الكثير من النقاط التي بدأت بالتبلور تسمح بذلك، خصوصا بيان القاهرة الذي عدد أولوية مكافحة الإرهاب، وحصر السلاح بيد الدولة، ووحدة سوريا وسيادتها.
وقال المصدر السوري إن ورقة تفاهم من هذا النوع ستؤدي إلى تسريع المصالحات في الداخل، خصوصا أن الكثير من «كتائب الجيش الحر»، أو ما تبقى منها في مواجهة «داعش» و «جبهة النصرة» في القلمون وغيرها، ستذهب إلى التعاون مع الجيش السوري، بصورة علنية وأسرع مما كان في الماضي، ضد الإرهاب.
«موسكو» دون أضواء... والأسد يسأل «مع مَن نتفاوض؟»
وكان قد وصل 28 ممثلاً عن المعارضات السورية إلى موسكو وبدؤوا مشاوراتهم المغلقة في مكان محايد دون أي تمثيل لدول أخرى، بينما تنحصر مهمة المساعدين الذين يعرفونهم منذ فترة طويلة في مساعدتهم فقط على البدء في الحوار دون أن يكون المطلوب إقرار أي وثيقة، على أن يتفهم المعارضون أنهم يجب أن يعيشوا فى سوريا دولة ذات سيادة في ظل وحدة الأراضي السورية وحماية كل المجموعات، حسب الخارجية الروسية أيضاً.
في موازاة ذلك، كان للرئيس بشار الأسد كلام واضح عن مشاورات موسكو ومسألة الحوار عامة، إذ أكّد في مقابلته المنشورة أمس في مجلة «فورين أفيرز» أنه «ذاهبون إلى روسيا وسنتفاوض، لكن هناك سؤال آخر هنا: مع من تتفاوض؟ الأشخاص الذين ستتفاوض معهم من يمثلون؟ هذا هو السؤال». باعتقاد الأسد، إن «مشكلتنا في الأزمة الراهنة أن علينا أن نسأل عن نفوذ هذه الأطراف على الأرض. عليك أن تعود إلى ما أعلنته الجماعات المسلحة عندما قالت مراراً إن هذه المعارضة لا تمثلنا. وعليه ومن الناحية العملية فإذا أردت أن تجري حواراً مثمراً ينبغي لهذا الحوار أن يجري بين الحكومة وهذه الجماعات المسلحة». واعتبر الرئيس السوري أنّه «لا يمكن أن تكون معارضة إذا كانت مجرد دمى في أيدي قطر أو السعودية أو أي بلد غربي، بما في ذلك الولايات المتحدة... أو تتلقى أموالاً من الخارج». في السياق، أكد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أن مشاورات موسكو تهدف إلى توفير ساحة للنقاش بين جميع الأطراف السورية، مشيراً إلى أن المشاركين في المشاورات متفقون على ضرورة إحلال السلام ومحاربة الإرهاب في سوريا.
ورأى لافروف أنّ «لقاء الأطراف السورية في موسكو ليس محادثات، فاللقاءات التي ستجري بمشاركة ممثلين عن الفئات المختلفة من المعارضة تهدف إلى تقديم مكان وساحة للمناقشة للتوصل إلى مناهج وطرق مختلفة وواحدة للحديث ومناقشة المسألة مع ممثلي الحكومة». وشدد لافروف على أن روسيا ستتابع جهودها مع مصر والدول المهتمة بحل الأزمة بشكل سلمي لتهيئة ظروف تسمح ببدء حوار شامل تحت رعاية الأمم المتحدة.
الوطن ـ السفيرـ الأخبار ـ وكالات
إضافة تعليق جديد