يوم بهجت سليمان

28-05-2014

يوم بهجت سليمان

لم يحدث وأن أحدث خصام دبلوماسيّ أو إيعاز خارجية دولة لسفير دولة أخرى بمغادرة أراضيها ما أحدثه القرار الأردني بالطلب من السفير السوري في الأردن مغادرة أراضيها، وذلك لأسباب عديدة، تأتي شخصية السفير السوري ودوره الشعبي في الأردن في مقدّمتها.
 
وبما أن الكيان الأردني عمومًا، وكما هو معروف ومنذ إنشائه، يمارس دوره الوظيفي في خدمة منشئيه وحُماته بحيث يظلّ حكام هذا الكيان جنودًا غِبّ الطلب في كل ما يخدم المصالح الغربية في منطقتنا ويؤمّن المصلحة "الإسرائيلية" في الدرجة الأولى، فإن التصعيد الأردني لم يكن أردنيًّا بقدر ما هو تصعيد "إسرائيلي" غربي ضدّ سوريا. إذ يبدو هذا التصعيد وكأنه الورقة الأخيرة التي يحاول الحلفاء الاستعماريون استخدامها ضدّ سوريا المقبلة على مرحلة جديدة من إفشال المشروع الغربي وحلفائه العرب والإقليميين، وهي الانتخابات الرئاسية. وهو جزء من سياق المعركة التي يخوضونها لإسقاط سوريا وتفتيتها والاستيلاء على قرارها.
 
وقد بدا واضحًا تسريب خبر تعيين ممثل لائتلاف إسطنبول، بعد ساعات من الطلب الأردني بمغادرة السفير السوري، أن هذا القرار نقطة في سياق المعركة. وعليه لا بدّ من الإشارة إلى أن سوريا قد فهمت ما هو المقصد من التصرّف الأردني فورًا ولم يكن الردّ بالمثل إلا رسالة سورية في أنها ماضية في مقاومتها وإصرارها على إسقاط هذا المشروع. ولعلّ التداعيات المتلاحقة التي ستظهر على الجوانب الأخرى ستكون كفيلة بتوضيح مقاصد ما حدث يوم أمس. وقد بدأ الجانب السياسي يطلّ برأسه بعد تعيين ممثل للائتلاف.
وبما أن الأردنّ هو نقطة الالتقاء والربط بين مديري الحرب على سوريا وعلى رأسهم عمّال الميدان الاستخباراتيون وعملاؤهم، فإن اختيار سوريا لشخص السفير والإصرار على التمديد له هو رسالة كذلك في أنها تعرف جيدًا ما يجري في الأردن وما يتمّ التخطيط له، وإن غُلّفت كل التصرّفات السورية تجاه الأردن الرسمي بعبارات الودّ والأخوّة والإصرار على العلاقات المميزة، لأن الأردن في نهاية الأمر ليس تركيا.
 
فالسفير بهجت سليمان كان أحد أعمدة الاستخبارات السورية، واختياره سفيرًا في الأردن ليس الشقّ الدبلوماسيّ إلا أهون أسبابه. والقرار الغربي في الإيعاز للحكومة الأردنية بطرده أمس يبدو واضحًا أنه نتيجة للشكاوى المتكررة التي كان يرسلها عملاء الاستخبارات الغربية لحكوماتهم عن الدور الشخصيّ للسفير السوري في إفشال مخططاتهم. هذا في الوقت الذي تمنى فيه "إسرائيل" بالفشل تلو الفشل، وهي الموجودة في كل مكان على الأراضي الأردنية وبغطاء رسمي أردني لم تعد حكومة الأردن تخجل منه أو تبرره.
 
وعدا عن أن المواطنين الأردنيين في أغلبهم هم من المتعاطفين مع الدولة السورية في حربها للمشروع الاستعماري الغربي "الإسرائيلي"، وكثيرون منهم في قلب المعركة السياسية، يدفعهم واجبهم القومي للقتال بكل ما أوتوا من أجل انتصار سوريا_ انتصارهم، فإن شخصية اللواء بهجت سليمان وكاريزماه الخاصة وثقافته الاجتماعية والسياسية كان لها الدور الأبرز في حماس الأردنيين والفلسطينيين وعموم العرب الذين يعيشون في الأردن للانخراط في معركة سوريا القومية، وقد كان الحراك السياسي الأردني أبرزها. وقد وصل الأمر إلى أن أيّ أردني بدأ يحسّ عمليًّا أن بهجت سليمان صديقه الشخصي ولن يحتاج إلى أحد ليعرّفه إليه أو يأخذ له موعدًا. وهذا عامل كبير في القرار الغربي لاستبعاده عن الساحة، فما الفائدة من الملك وحرّاسه ومرتزقته وإخوانه المسلمين إذا كان الأردنيون في الجانب الآخر؟
 
الأخطر كذلك في وجود بهجت سليمان في الأردن أنه استطاع قلب الطاولة على الحكومة الأردنية وأسيادها الغربيين و"الإسرائيليين" في موضوع اللاجئين السوريين في الأردن، فبعد انكشاف سراب الوعود الغربية للاجئين السوريين الذين يعيشون هناك إن كان منهم من هو موجود في معسكرات الاعتقال في الزعتري أو غيره، أو من خرج إلى الأردن بوعود الجنّة الخليجية، فإن تواصل هؤلاء مع سفير بلدهم والالتجاء إليه وتفاجئهم باستقباله لهم وترتيب أمور عودتهم وتسوية وضعهم، هو من أكبر وأخطر الأوراق التي استطاع بهجت سليمان حرقها، وليس اكتشافًا كم كان يعوّل أصحاب المشروع المعادي لسوريا على ورقة اللاجئين السوريين.
 
والأمر الذي كان أكبر من قدرة كل عملاء الاستخبارات الغربية و"الإسرائيلية" هو قدرة السفير السوري على جلب عشرات آلاف السوريين الذين ربما تجاوزوا المائة ألف لتسجيل أسمائهم في السفارة السورية من أجل المشاركة في الاستحقاق الدستوري السوري المتمثّل في الانتخابات الرئاسية؛ فأن يسجّل هذا العدد الهائل من السوريين الموجودين في الأردن اسمه مختارًا وبمنتهى الطواعية كي ينتخب رئيسًا له، ومن الواضح أن من أقبل على الذهاب إلى السفارة وتسجيل اسمه سينتخب الرئيس بشار الأسد، فهو أمر خطير يعني إغلاق ملفّ اللاجئين السوريين والمتاجرة به نهائيًّا، ويجب الإسراع في التخلّص من صانعه ومدبّره.
 
لكن المفاجأة كانت في ردّ الفعل الشعبي الأردني على قرار الحكومة الأردنية، ومن راقب مواقع التواصل الاجتماعي بعد القرار الأردني وردود الأفعال التي سجّلها الأردنيون والفلسطينيون فور صدور القرار ومن دون تردد سيتأكّد أن صاعقة تلقّاها أرباب المشروع الاستعماري في حجم التأييد الشعبي الكاسح لسوريا ولسفيرها تحديدًا. فقد امتلأت الصفحات بصور "أبو المجد" صديق الأردنيين على اختلاف مستوياتهم وفئاتهم، وبدأ سيل عبارات التضامن والاستنكار، وانهالت بيانات الإصرار على الوقوف إلى جانب سوريا والتأكيد على تحدّي قرار الحكومة والمشاركة في التصويت "الشرفي" الذي ابتدعه الدكتور بهجت سليمان.
 
لقد كان يوم 26 أيار من عام 2014 يوم بهجت سليمان من دون منازع، ومن تابع تفاصيل هذا اليوم سيعرف أن يوم بهجت سليمان هو يوم سوريا التي تقاوم المشروع الاستعماري الغربي. فقد كان التضامن معه هو إعلان موقف ضدّ الحرب على سوريا والقتال إلى جانبها بما أتيح من إمكانات. ولا أشكّ أن ملك الأردن تمنّى لو أنه كان في موقع "أبو المجد" يوم أمس.لم يحدث وأن أحدث خصام دبلوماسيّ أو إيعاز خارجية دولة لسفير دولة أخرى بمغادرة أراضيها ما أحدثه القرار الأردني بالطلب من السفير السوري في الأردن مغادرة أراضيها، وذلك لأسباب عديدة، تأتي شخصية السفير السوري ودوره الشعبي في الأردن في مقدّمتها.
 

محمد سعيد حمادة : عربي أونلاين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...