طلال معلّا: التشويه في اللوحة السورية تعبير عن قلق

24-06-2015

طلال معلّا: التشويه في اللوحة السورية تعبير عن قلق

يمتزج الفنان بالناقد والشاعر عند طلال معلّا – بانياس- 1952 مبرماً شخصية فريدة في تناول مستويات معرفية للوحة التي لطالما اشتغل عليها في معارضه وأعماله المنتقاة في كبريات متاحف العالم؛ فدراسته للأدب العربي بكلية الآداب بدمشق، ومن بعدها للفن في إيطاليا؛ جعلت من هذا الفنان السوري موئلاً لتيارات حداثة فنية عربية رافق بزوغ معظمها في باريس وأميركا والقاهرة وبرلين ودمشق ودبي والشارقة؛ مشرفاً على ندوات و «بيناليهات» عربية وأجنبية، قدّم لها إطارها النظري كناقد مرموق في ندواتها، مثلما كتب عنها العديد من المؤلفات التي كان أهمها كتابه «أوهام الصورة - 2001 ـ دبي»..
 التقينا الفنان طلال معلّا في معرضه الأحدث بدمشق «انتهى زمن الصمت» وكان معه الحوار الآتي:
 ] نلاحظ في لوحات معرضك الخمس والثلاثين بروزا لموجة التشويه التي تكرّست في العديد من أعمال الفنانين السوريين، برأيك لماذا هذا الإصرار اليوم على حضور كل هذه المسوخ والكائنات المشوّهة في اللوحة؟
 ـ بالنسبة إليّ علاقتي بالتشويه علاقة قديمة، أساساً التعبيرية السورية ـ إن جاز لنا إطلاق هذا الاسم عليها ـ تخصصت ضمن التشكيل العربي على الأقل، وهذا «التشويه» يمكن أن يكون مصطلحا غير مطابق للشكل الموجود في اللوحة؛ فكل ما يخالف الشكل الطبيعي للإنسان هو تشويه له. هكذا تم التعارف في الكتابات أو النصوص التي تتناول أنواع الفن في المنطقة وفي سوريا خصوصاً؛ لكنني أعتقد أن الموضوع أبعد من قضية تشويه؛ فعلى الجسد الإنساني أن يكون حمّالاً للمواضيع والقضايا؛ لذلك هذه التحويرات، غياب أعضاء واختلاف الأبعاد في التكوين، كل ذلك هو خروج على النمط البشري؛ وبالتالي هناك إشارات لتهديدات وخطورة تحيق بهذا الجسد أو هذا الكائن الإنساني؛ يعبّر عنه بما يُقال إنه تشويه؛ فالتشويه يمكن أن يكون في العلاقة، في أشياء غير مادية عموما، لذلك نحن نطلق صفة مادية على شيء غير مادي.
في اللوحة نفس الطريقة، أعتقد أن التشويهات الموجودة في اللوحة السورية هي للتعبير عن قلق، وبالتالي يمكن للتشويه أن يعطي تكثيفا للقضية المُراد طرحها لدى فنان معين، فالتشويه عند فنان عمله على صلة بالوجه الإنساني تختلف عن فنان آخر على صلة بالجسد، أحياناً رسم الوجوه غير رسم الرؤوس، وبالتالي ماذا نرسم؟ ولماذا نرسم هذا الشكل؟ المبدأ أن الشكل يخرج عفوياً من وعي الفنان، كل المبالغات التي نراها في اللوحة اليوم لا ترقى إلى المعنى المشوّه الذي يراد رسمه أو يراد التعبير عنه، فازدحام القضايا في المنطقة والاستلاب الداخلي؛ والمعاناة التي يعيشها هذا الإنسان، أضف إليه الوعي الزائد والقدرات التي لا يسمح بإخراجها إلى حيز الوجود، كلها حيز من آلية التشويه التي نراها تتكرر في اللوحة السورية.
 ] لكن ألا ترى معي أن ظاهرة التشويه قد تكرست فعلاً واكتملت؛ جراء الكثير من تجارب فنانين عملوا عليها بكثافة من مثل.. سبهان آدم وسعد يكن وقصي سلمان ونذير إسماعيل وسواهم؟
 ـ هو توجه؛ وأقول هو توجه لأن التجربة تكررت، ولكنني أرى ذلك لا في مجال التشويه وحسب؛ بل باتجاه التعبير؛ والتعبير هنا يشتمل على أكثر من التشويه عامة؛ فهناك ظروف موضوعية لدى هؤلاء الفنانين ليذهبوا في هذا الاتجاه. ظروف سياسية واجتماعية واقتصادية؛ ظروف تتعلق بالحرية بالهوية بالانتماء، بالقلق على الحياة وعلى الوجود.
 ] هل تفســر هذا الانجـــرار وراء التــشويه كمفارقة أم كمناكفة لغيـــبيات هـــذا الشرق وأدبياته الدينية الراسخة؟
 ـ الإنسان ضد مسخ وضد تشويه وجوده؛ هذا شيء أساسي، لكن ألا تعتقد معي أن وقوف هذا الإنسان ساعات طويلة من أجل الخبز أو ليتر مازوت هو تشويه له أيضاً، التشويه هو تشويه قيمة وليس تشويه شخص عموما، أعتقد أن الاعتداء على كرامة إنسان يمكن أن يذهب بنا إلى ما هو أبعد من وجود هذه الكرامة في اللوحة عامة، حين نتكلم عن الفن نتكلم بهذه المباشرة، لكن ما هو موجود في اللوحة أبعد من ذلك بكثير؛ بمعنى آخر إذا رأيت عند «سعد يكن» هذه التشويهات التي تظهر في لوحته ـ حتى لا أتكلم عن نفسي ـ نلاحظ أن هناك تعويضاً في اللوحة، على مستوى الخطوط؛ البنية تشويهية هذا صحيح، لكن هناك تعويضاً بالتفاؤل عبر اللون الذي يضيء في أعمال «يكن». رغم ذلك هذا بات اليوم يشكل اتجاهاً، لكن مع عدد الممارسين للفنون في بلدنا نرى أن كل الاتجاهات متوفرة، الحروفية والتجريدية والانطباعية؛ جميعها يتعايش بعضه مع بعض، ما عدا أساليب ما بعد الحداثة التي حضورها قليل بالنسبة لتيارات أخرى؛ فلم تعد الريشة هي الأساس لننتج فناً، ولم تعد اللوحة بأبعادها المسندية هي المطلوبة فقط في هذا العالم المتغير.
الحداثة والتراث
] ألا ترى معي أن المحترف السوري قد قفز إلى الحداثة دون أن يمر بمراحل اشتغاله على إعادة صياغة تراثه التشكيلي، فما بين منمنمات الواسطي وتماثيل تدمر وأضرحتها الأفقية في أوغاريت؛ كيف يمكننا أن نلمس هذه الشخصية الخاصة بالفن السوري في ظل هذه القطيعة مع ماضيها الفني؟
 ـ صحيح، لأن الفن السوري غير مدروس أساساً، قلة منا كفنانين سوريين وعوا مفاصل الحضارة السورية عامة، أستطيع أن أقول إن فن التصوير انطلق من هذه الأرض، وبالعودة إلى «دورا أوروبوس» وآلاف السنين قبل الميلاد وبعدها؛ نستطيع أن نقع على مئات التصاوير التي تشبه الفن السوري؛ وهي جداريات وجدرانيات كبيرة جداً؛ جزء كبير منها موجود اليوم في المتحف الوطني بدمشق، أعتقد أن الجميع مطلع على هذه الأعمال سواء من ناحية الشكل أو اللون أو المضمون الذي تحدث في مجمله عن قصص دينية أو لاهوتية معينة؛ فلا لون يعيش كل هذه القرون الطويلة دون أن يكون هناك خبرة لدى الفنان السوري القديم، لذلك أقول إن وجوه الفيوم في مصر، وهي لاحقة لوجوه وشخصيات «دورا أوروبوس» في سوريا هي أساس للفن الإنساني عامة؛ أما على مستوى الفن والثقافة فلقد انفتحنا على عصر النهضة في الغرب مع بداية الستينيات، وهو عصر كان منفتحاً على قضايا أخرى كثيرة؛ فحين نتكلم عن الواسطي في العراق نقول أيضاً إنه كان متأثرا بفنون المنطقة؛ أي أنه تأثر أيضاً بالفن الصيني والمنغولي في أفغانستان وسواهما، بالمعنى العام الفن هو إنساني، فنحن لا نريد أن نذهب إلى قولبة الفن ببقعة وحضارة معينة، لأنه لا يمكن أن يكتمل النحت على الصورة التي ذكرتُها في تدمر بهذه الواقعية الشديدة؛ دون أن يكون هناك خبرة عالية بهذا المجال، لا يمكن أن يكون هناك نظرية في النحت الآشوري بأن تكون كل وجوه منحوتاته متشابهة لخلق حالة من شعورنا بانعدام الزمن في هذا الفن؛ دون يكون هناك وعي قد ذهب إليه الفنان الآشوري في أعمال تلك الفترة.
إذاً نحن نمتلك الأساس الذي أتكلم عنه، إذا تتبعنا هذا التسلسل؛ نجد أنه ليس هناك انقطاع في سوريا عن الفن، بعكس ما قيل عن ذهنية تحريم الفن والنحت من قبل الأديان، فحتى في عصر حروب الأيقونة التي دامت قرنا كاملا تقريباً من «728-843/م» استمر الفن السوري بالعطاء مؤدياً وظيفته عامة.


أجرى الحوار: سامر محمد إسماعيل

السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...