الصراع السياسي ومستقبل الدولة البلجيكية

13-01-2011

الصراع السياسي ومستقبل الدولة البلجيكية

الجمل: تعاني الدولة البلجيكية واحدةً من أصعب السيناريوهات السياسية الأوروبية، وذلك بسبب الصراع الثقافي-اللغوي المستفحل والذي عرقل تشكيل الحكومة البلجيكية الجديدة. وحالياً تقول آخر المعلومات بأن ألبرت ملك بلجيكا قد قرر رفض استقالة الوسيط السياسي المكلف مؤقتاً بإدارة العملية السياسية إلى حين التوصل إلى حل: فما هي طبيعة الصراع السياسي البلجيكي؟ وإلى أي مدى سوف يؤثر على مستقبل الدالمكونات الثقافية الرئيسية في بلجيكاولة البلجيكية وبقية البلدان الأوروبية؟
* الاصطفافات المجتمعية البلجيكية: إشكالية التمركز الثقافي-اللغوي
تقع بلجيكا في غرب أوروبا وتبلغ مساحتها 30528 كم2 بعدد سكان يصل إلى حوالي 10.8 مليون نسمة، وحالياً تنقسم بلجيكا ديموغرافياً إلى ثلاثة كتل هي:
•    كتلة الفليميش الناطقة باللغة الهولندية، ويعتمدون الثقافة الهولندية كأساس لحياتهم الثقافية والاجتماعية، وتتمركز هذه الكتلة في شمال بلجيكا.
•    كتلة الوالونس الناطقة بالفرنسة، ويعتمدون الثقافة الفرنسية كأساس لحياتهم الثقافية والاجتماعية ، وتتمركز هذه الكتلة في الجنوب.
•    كتلة الجرمان الناطقة باللغة الألمانية، ويعتمدون الثقافة الألمانية كأساس لحياتهم الثقافية والاجتماعية، وتتمركز هذه الكتلة شرق ألمانيا.
على أساس اعتبارات التوزيع الإحصائي-الديموغرافي، يمثل الفليميش الناطقين باللغة الهولندية حوالي 59% من إجمالي السكان، ويمثل الوالونس الناطقين باللغة الفرنسية 40% من إجمالي السكان، أما الجرمان الناطقين بالألمانية فيمثلون حوالي 1% فقط.
تقول المعلومات، بأن المنطقة الشمالية من بلجيكا أصبح يغلب عليها الطابع الهولندي في كل شيء، ونفس الشيء بالنسبة للمنطقة الجنوبية التي أصبحت فرنسية الطابع والمنطقة الشرقية التي أصبحت ألمانية الطابع. إضافة لذلك فقد شهدت الحقبة الماضية انفتاحاً متزايداً بين سكان المناطق اللغوية-الثقافية الثلاث مع بلدانهم الأم الثلاثة.
* الانتقال من التمركز الإثنو-ثقافي إلى التمركز الإثنو-سياسي
تشير المعطيات الجارية إلى أن حالة التمركز الثقافي-اللغوي قد أدت إلى تزايد معدلات التمركز الجهوي ضمن ثلاثة مناطق بلجيكية، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد تزايدت الانقسامات في الأحزاب السياسية البلجيكية بحيث أصبح لكل حزب ثلاثة كيانات، يمارس كل واحد منها فعالياته السياسية في أوساط سكان المنطقة المعنية. وبرغم ذلك، فقد تدهورت الأمور أكثر فأكثر وذلك بسبب الآتي:
•    اصبح سكان المنطقة الشمالية ذات الطابع الثقافي الهولندي أكثر ميلاً وتفضيلاً لجهة الانتماء إلى الأحزاب السياسية ذات الطابع القومي-الاجتماعي الهولندي.
•    أصبح سكان المنطقة الجنوبية ذات الطابع الثقافي الفرنسي أكثر ميلاً وتفضيلاً لجهة الانتماء إلى الأحزاب السياسية ذات الطابع القومي-الاجتماعي الفرنسي.
•    أصبح سكان المنقطة الشرقية ذات الطابع الثقافي الألماني أكثر ميلاً وتفضيلاً لجهة الانتماء إلى الأحزاب السياسية ذات الطابع القومي-الاجتماعي الألماني.
وتأسيساً على ذلك، تبلورت داخل الساحة الوطنية البلجيكية ثلاث نزعات قومية-اجتماعية بما أدى إلى صعود ثلاثة تيارات سياسية قومية-اجتماعية، الأمر الذي أثر بدوره ليس في فعاليات الانتخابات العامة البلجيكية الأخيرة، وإنما أيضاً في نتيجة هذه الانتخابات، فقد صعدت إلى البرلمان القوى الآتية:
-    القوى السياسية الفلاميشية: وتمثل مجموعة الأحزاب السياسية الشمالية ذات التوجهات القومية-الاجتماعية الهولندية وحصلت على حوالي 69 مقعداً.
-    القوى السياسية الولونسية: تمثل مجموعة الأحزاب السياسية الجنوبية ذات التوجهات القومية-الاجتماعية الفرنسية وحصلت على حوالي 42 مقعداً.
إضافة لذلك، فقد حصلت القوى السياسية الأخرى مجتمعة على حوالي 7 مقاعد، ولكن، وبسبب سيطرة كتلة جهوية واحدة على الحكومة البلجيكية هو أمر غير ممكن، فقد ظلت عملية تشكيل الحكومة الجديدة تواجه مأزق السيناريو المعلق والذي ما زالت فعاليات تعليقه مستمرة حتى الآن.
* مستقبل الاتحاد الأوروبي في مواجهة العدوى الهولندية: إلى أين؟
شهد التطور السياسي الأوروبي عدداً كبيراً من المراحل الانتقالية، وذلك بفعل علاقات الصراع والتعاون التي مر عبرها التطور الأوروبي، وفي هذا الخصوص:
•    أدت الحروب الأوروبية-الأوروبية إلى تغيير العديد من الكيانات السياسية الأوروبية بما أدى إلى تقسيم دول وإدماج دول ضمن أخرى إضافة إلى ظهور العديد من الدول الجديدة.
•    أدت مرحلة السلام الأوروبية إلى تغيير العديد من علاقات المصالح بين الأطراف الأوروبية بما أدى إلى تغاير في أوزان القوى الأوروبية بين كيانات وافرة الثراء والقوة وأخرى فقيرة وضعيفة.
إضافة لذلك، فقد شهدت القارة الأوروبية المزيد من الصراعات والحروب الدينية والقومية-الاجتماعية. وحالياً، فقد استقرت منطقة غرب أوروبا على الأوضاع التي أفرزتها نتائج الحرب العالمية الثانية، أما شرق أوروبا فقد استقر على الأوضاع التي أفرزتها عملية انهيار الاتحاد السوفييتي السابق وتفكك يوغوسلافيا.
وعلى ما يبدو، فإن أوروبا الغربية سوف تدخل في مرحلة جديدة تتضمن المزيد من الزلازل القومية-الاجتماعية، وما يحدث الآن في بلجيكا يمكن أن يحدث في سويسرا والتي تعاني بدورها من وجود كتلتين سكانيتين تعتمد إحداها الثقافة الفرنسية والأخرى الثقافة الألمانية. هذا، وتقول المعلومات بأن إيطاليا سوف تعاني أيضاً من ظاهرة التفاوت بين الشمال والجنوب الإيطالي، وحتى شمال السويد تقول المعلومات بأن سكانه أصبحوا أكثر عنصرية إزاء سكان جنوب السويد، وذلك بسبب اعتدادهم الآري بشعرهم الذهبي الذي يميزهم عن الآخرين!

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...