مصر والحرب السرية الأمريكية – الإسرائيلية على السودان

09-07-2007

مصر والحرب السرية الأمريكية – الإسرائيلية على السودان

الجمل:   في النصف الأول من حقبة تسعينات القرن الماضي، تقدمت الحكومة المصرية إلى مجلس الأمن الدولي بشكوى أعدها وقدمها لمجلس الأمن الدولي وزير الخارجية المصرية آنذاك –عمرو موسى- وكانت تطلب من المجلس فرض العقوبات على السودان، وقد وجدت الشكوى التأييد الفوري من الولايات المتحدة، وبعد المداولات والضغوط الأمريكية تم فرض العقوبات التي طالبت بها مصر...
- ما وراء العقوبات:
أدت العقوبات الدولية إلى تصاعد المعاناة والضغوط الاقتصادية، الأمر الذي أدى إلى إضعاف القدرات العسكرية السودانية في مواجهة حرب الجنوب، وإلى تدهور الخدمات في الأقاليم الثانية، وبالذات دارفور.
كذلك على خلفية العقوبات التي فرضها مجلس الأمن بناء على طلب مصر ودعم أمريكا، قامت مادلين أولبرايت، اليهودية ووزيرة الخارجية الأمريكية بتخصيص ملايين الدولارات لدعم الدول المجاورة للسودان ضمن ما كانت تطلق عليه وزارة الخارجية الأمريكية (برنامج معونات دول الطوق السوداني)، والتي قامت مادلين أولبرايت بجولة غطت فيها هذه الدول الواحدة تلو الأخرى: تشاد، أفريقا الوسطى، الكونغو، أوغندا، كينيا، أثيوبيا، وارتيريا ثم مصر.
إغراءات المعونة الأمريكية دفعت هذه الدول إلى إغلاق حدودها مع السودان، وعدم استقبال سوى اللاجئين القادمين حصراً من جنوب السودان آنذاك، وقد تزايدت في وسائل الإعلام الأمريكية وفي دول الاتحاد الأوروبي، ودول (الطوق السوداني) بأن الحرب الدائرة في جنوب السودان هي حرب إسلامية مسيحية تدور بين العرب المسلمين الموجودين في شمال السودان مع الأفارقة المسيحيين الموجودين في جنوب السودان.
تورطت في هذا الأمر حتى (الكنائس المسيحية العربية) وعلى وجه الخصوص الكنائس الإنجيلية البروتستانتية التي ترتبط بعضها بجماعات شهود يهوه، وبعض الكنائس الكاثوليكية التي تبنت حملة عالمية تخصيص صلاة خاصة من أجل المسيحيين في السودان.
- مصر والحرب السرية الأمريكية – الإسرائيلية:
برغم أن حركة التمرد في جنوب السودان كانت تهدف إلى فصل جنوب السودان، فقد قامت الحكومة المصرية بالاستجابة للطلب الأمريكي باستضافة المقر الرئيسي لحركة التمرد الجنوبية السودانية، وأصبح زعماء وقادة التمرد العنصري الانفصالي تحت ضيافة الحكومة المصرية، ويقابلون المسؤولين المصريين أمام الإعلام المقروء والمسموع وهناك صور كثيرة تجمع بين الرئيس المصري حسني مبارك وزعماء التمرد.
فتحت مصر وغيرها من الدول التي أطلقت عليها الوزيرة اليهودية مادلين أولبرايت دول الطوق السوداني، أبوابها للاجئين بكميات كبيرة، وجاءت المنظمات الإنسانية الدولية غير الحكومية (الكنيسة التابعة لجماعات شهود يهوه إلى مصر، وغيرها، لكي تقدم مساعداتها في حل الأزمة والكارثة الإنسانية التي ترتبت على قيام العرب المسلمين بشن حرب الإبادة ضد الأفارقة المسيحيين!! واستقبلت مصر وحدها أكثر من 300 ألف لاجيء من جنوب السودان، قامت منظمات شهود يهوه بترحيلهم تحت غطاء اللجوء الإنساني والدولي إلى مختلف أنحاء العالم.
على خلفية الضغوط والمعاناة اندلعت حرب دارفور وتبرعت الحكومة المصرية باستقبال أكثر من 70 ألف لاجيء من دارفور.. وجاءت أيضا نفس المنظمات المشبوهة تقدم لهم الدعم.
- أزمة اللاجئين وانكشاف الدور المصري – الإسرائيلي.
بعد توقيع اتفاقية السلام السودانية في مطلع عام 2005 طالبت الأمم المتحدة اللاجئين بالعودة إلى مناطقهم في جنوب السودان، وقد رفض هؤلاء اللاجئين العودة، متذرعين بأن عودة اللاجئين كما هو منصوص عليها في القانون الدولي هي (العودة الطوعية) وليست العودة القسرية، وهنا أوقفت مفوضية اللاجئين الدعم الشهري الذي كانت تقدمه لهؤلاء اللاجئين وإزاء رحلة المعاناة أصبحت الحكومة المصرية تشدد الضغوط على هؤلاء اللاجئين، وفي الوقت نفسه بدأت تتصل بهم بعض (وكالات السفر والسياحة المصرية) عارضة عليهم تسهيل أمورهم ونقلهم إلى أوروبا عبر إسرائيل... وكانت الحكومة المصرية تتصرف كمن لا يرى ولا يسمع.. علما بوجود الكثير من الاتفاقيات التي تربطها بالسودان، وبالدول العربية الأخرى.
- استغلال إسرائيل لملف اللاجئين والتواطؤ المصري..
سماح الحكومة المصرية للاجئي جنوب السودان بالإقامة وحرية الحركة داخلها كان أمراً استثنائيا مقصودا لأن مصر ظلت لفترة طويلة لا تسمح لسكان شمال السودان العربي بدخول أراضيها، أما اللاجئين الجنوبيين المدعومين بواسطة حركات التمرد وجماعات شهود يهوه فكانت مصر تستقبلهم بكل سهولة ويسر ودون أي تعقيدات.
- اللاجئين ومذهبية الحرب السرية الإسرائيلية ضد العرب:
يقول السيد منغواجوك أحد المتمردين الذين هربوا من صفوف التمرد، وانضموا للحكومة والذي أصبح عضوا في البرلمان بأن الخبراء الإسرائيليون ظلوا يحضرون بانتظام عن طريق كينيا وأوغندا وأثيوبيا إلى جنوب السودان وكانوا يقدمون المحاضرات والندوات وينظمون الدورات التدريبية داخل أدغال جنوب السودان، وكانت طائرات الشحن الإسرائيلية تقوم بإجلاء الجرحى (الذي كان يعالج بعضهم في إسرائيل) وبعضهم الآخر في دول الطوق السوداني.. كذلك كان الإسرائيليون يركزون في تعاملهم مع متمردي جنوب السودان على ترسيخ مذهبية المقارنة بينهم وبين الأكراد، واليهود وكانت هذه المقارنة تقوم على المبادىء الآتية:
(1) بالنسبة للقضية:
- لقد استولى العرب على أراضي الأكراد، وعلى أراضي الأفارقة في جنوب السودان.
- لقد سبق أن استولى العرب على أراضي اليهود، ولكن اليهود استطاعوا استعادة أراضيهم من العرب وبالتالي فإن قضية الإسرائيليين والأكراد وأفارقة جنوب السودان هي (قضية واحدة) تقوم على أساس اعتبارات استرداد الحقوق التي سلبها العرب.
(2) بالنسبة للعدد:
- إن الإسرائيليين يقاتلون القوات والجيوش العربية.
- إن الأكراد يقاتلون الجيش العربي العراقي.
- إن الجنوبيين السودانيين يقاتلون الجيش العربي السوداني وبالتالي لما كانت هذه الأطراف الثلاثة تقاتل الجيوش العربية فإن (العدو واحد).
وهكذا قام الخبراء الإسرائيليون بتبرير وتسويغ دعمهم لهذه الحركات الانفصالية على أساس أن القضية واحدة، والعدو واحد.
- الدور المصري في تحسين صورة إسرائيل في أفريقيا:
تحاول إسرائيل منذ انتهاء حرب الصيف الماضي بذل الجهود الحثيثة من أجل تحسين صورتها والظهور بمظهر إنساني أمام العالم، وحاليا تقوم الكثير من مكاتب السفر والسياحة بالتقاط اللاجئين (الذين سبق أن قامت الحكومة المصرية بالمساعدة في تجميعهم وترتيب إقامتهم في مصر) وبالذات العمال الفقراء الذين يعملون بالمهن الهامشية وإفساح المجال أمامهم بالرحيل إلى إسرائيل، وعلى بوابات الحدود المصرية – الإسرائيلية تستقبلهم (الجمعيات اليهودية) وكاميرات شبكة أخبار فوكس نيوز وغيرها... ولتسهيل هذا الأمر أصدرت الحكومة الإسرائيلية قرارا بتقديم المساعدات للاجئين السودانيين الفارين من وطأة حرب دارفور الأهلية، علما بأن كل اللاجئين الذين تم عرضهم في أجهزة الإعلام لا يوجد بينهم أي لاجيء من دارفور فكل سحناتهم وملامحهم ولهجاتهم التي نقلتها أجهزة الإعلام تؤكد بأنهم من لاجئي جنوب السودان الذين بقوا في القاهرة ورفضوا العودة الطوعية إضافة إلى أن هؤلاء اللاجئين ظلوا موجودين في مصر منذ منتصف تسعينات القرن الماضي أي قبل اندلاع حرب دارفور بحوالي خمسة سنوات...ولكن برغم ذلك ووسط دهشة الجميع تقوم السلطات المصرية بتسهيل سفرهم وعبورهم إلى إسرائيل دون مراعاة للاتفاقيات الخاصة الموقعة بينها وبين السودان.
إن المساعدة التي قدمتها مصر لإسرائيل سوف تترتب عليها تأثيرات مدمرة بالنسبة لمصر نفسها، وذلك لأن معظم هؤلاء اللاجئين الجنوبيين سوف يتم تجنيدهم بواسطة الموساد وإعادة تصديرهم عبر كينيا وأوغندا إلى جنوب السودان حيث منابع مياه النيل شريان الحياة والذي لولا وجوده لكانت مصر، كما قال الرئيس السوداني عمر البشير مجرد صحراء جرداء من الحجارة والرمال...
وتجدر الإشارة إلى أنه ليست هذه هي المرة الأولى التي تقدم فيها مصر المساعدة لإسرائيل في عبور اللاجئين الأفارقة إليها... فقد ثبت أن الطائرات الإسرائيلية التي كانت تقوم بنقل اليهود الفلاشا من صحراء شمال السودان على مطار بن غوريون في إسرائيل كانت مصر تقوم بإغلاق رادارات الدفاع الجوي الموجود في منطقة جنوب البحر الأحمر... وذلك حتى لا يعرف ضباط الدفاع الجوي المصريين شيئا عن التحركات الليلية الجوية الإسرائيلية التي كانت تتم عبر أجواء جنوب شرق مصر المتاخم لشمال السودان وسواحل البحر الأحمر.

الجمل قسم الترجمة والدراسات

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...