كيف مولت حماس انقلابها على الرغم من الحصار الاقتصادي الدولي عليها

الجمل:    نشرت صحيفة لوس أنجلوس الأمريكية تحليلاً أعده الباحث ماثيو ليفيت، حمل عنوان (اقتصاد حماس الخفي).
يقول ماثيو ليفيت:
التمرد المسلح يكلف المال، ولكي تستولي على قطاع غزة خلال الشهر الماضي، فقد كان على حماس دفع الرواتب، والحصول على السلاح، وتصنيع الصواريخ، وشراء المساعدة من الجماعات المحلية، ورشوة الخصوم، وطبع المنشورات والشعارات، وإنتاج الدعاية الإعلامية بما في ذلك القبعات والمناديل.
كيف مولت حماس هذا الانقلاب؟ وماذا عن (الحصار الاقتصادي) الدولي الذي كان مفروضاً ضد حكومتها؟ ألم تقم حماس بحزم أمرها من أجل الحصول على الأموال، فلجأ زعماؤها إلى تهريب الحقائب المعبأة بالأموال الإيرانية إلى داخل غزة عبر الحدود مع مصر؟
جزء من الإجابة يكمن في –أو بالأحرى يقع تحت- مدينة رفح، على الحدود المصرية، حيث أنفاق التهريب، تقوم بتشغيلها بعض عشائر غزة التي تهتم بتحقيق الأرباح أكثر من الايديولوجيا، وهي أنفاق تربط بين المنازل على كلا جانبي الحدود.. وقد اكتشفت السلطات المصرية الإسرائيلية أنفاقاً محفورة بعمق 98 قدماً تحت سطح الأرض وذلك بما يؤدي لتجنب أجهزة كشف السونار. وبعض الأنفاق مزودة بأنابيب نقل الهواء، والكهرباء، والإضاءة، بل والقضبان الحديدية التي يتم جر المقطورات عليها في عملية نقل وتهريب المواد الثقيلة الوزن. هذا، وعندما تم اكتشاف فتحات النفق وإغلاقها، بقيت أجزاؤه الداخلية سليمة، وتم حفر المزيد من الأنفاق الأخرى التي اتصلت مع هذا النفق.
يقول المسؤولون الإسرائيليون والمصريون بأنه مقابل بضعة آلاف من الدولارات، فإن بإمكان الجماعات مثل حماس أن تقوم باستئجار هذه الأنفاق لليلة واحدة أو أكثر، من أجل تهريب الأسلحة والمواد الأخرى. وقد ظلت حماس قادرة على تهريب ودفع قيمة الأسلحة برغم نظام العقوبات الدولية المفروض عليها، وذلك عبر عدة وسائل، وهنك تعاون لا حدود له بين أجنحة حماس العسكرية والسياسية والخيرية والاقتصادية.
تقول المعلومات التي تم الكشف عنها بواسطة المخابرات الأمريكية بأن المكتب السياسي لحماس، والذي يترأسه في دمشق خالد مشعل وموسى محمود أبو مرزوق، ظل لفترة طويلة يقوم بجمع المال لتسليح العناصر في الضفة الغربية، وقطاع غزة، فالمكتب يقوم بتهريب الأسلحة براً عبر الأردن إلى داخل الضفة الغربية، وبالبحر ضمن براميل مضادة لتسريب المياه يتم إلقاؤها خارج شاطئ غزة بواسطة السفن المبحرة من سورية ولبنان بحيث يتم نقلها سراً عبر أنفاق رفح، وخلال الأشهر الماضية كانت إيران تقوم بتمويل هذه العمليات.
استناداً إلى مصادر السلطات الإسرائيلية، فإن عز الدين شيخ خليل، أحد كبار الناشطين في حركة حماس، كان يشرف على عمليات تهريب الأسلحة عبر رفح من دمشق، وذلك حتى تم اغتياله بالانفجار الذي وقع هناك في عام 2004 (من المفترض أن إسرائيل تقف وراء الاغتيال، ولكنها لم تزعم بتاناً المسؤولية عنه).
أكثر ما هو مزعج بشكل واضح، يتمثل في التمويل الذي مازالت حماس تتلقاه باستمرار بواسطة جناحها الخيري والاجتماعي. وبرغم اعتبار حماس جماعة إرهابية بواسطة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فإن حماس، وبرغم مواجهة العقوبات الدولية المفروضة، فقد نجحت في تحويل الأموال إلى داخل الضفة الغربية وقطاع غزة عبر لجانها الخيرية ومنظمات الخدمات الاجتماعية التابعة لها. وبخلط الأموال مع وظائف وأغراض أجنحتها السياسية والخيرية والعسكرية، فقد استطاعت حماس توفير الدعم لميليشيا قواتها التنفيذية وكتائب عز الدين القسام والخلايا الأخرى، وذلك تحت قناع المشروعية السياسية والإنسانية.
على سبيل المثال: في الشهر الماضي قامت السلطات الإسرائيلية باتهام أربعة أعضاء من لجنة الرام الخيرية الموجودة في شمال القدس، وذلك بتهمة تمويل وذلك بتهمة تمويل حماس. واستناداً إلى الاتهام، فإن 237 ألف دولار قد تم تحويلها إلى لجنة الرام خلال العام الماضي بواسطة جماعة خيرية (تُعرف باسم اتحاد الخير) ويُقال بأنها منظمة توجد في السعودية وتعمل كـ(مظلة) للجماعات التي تقوم بتمويل حماس.
الآن حماس تسيطر على غزة، وسوف يكون من الحرج جداً إغلاق المنفذان الذين يساعدان على نقل الإمدادات وتمويل انقلابها- نفق تهريب رفح، والتمويل عبر شبكة الخدمات الاجتماعية التابعة لحركة حماس.
وفقط مصر هي التي يمكن بكفاءة وفعالية أن تغلق حدودها مع غزة، وقد وقفت القاهرة دبلوماسياً إلى جانب حماس وأعلنت معارضتها لظهور (أمراء الحرب الإسلاميين) في غزة، وهي تحتاج إلى اتباع هذه اللهجة بمبادرة حادة لمراقبة ورصد الحدود، والتركيز بشكل أساسي وأولي على الحدود مع غزة البالغ طولها 8 كيلومترات.
وأيضاً يجب أن تقوم بضبط الحدود الطويلة بين سيناء وصحراء النقب، والتي يقوم المهربون عبرها بنقل الأسلحة إلى الضفة الغربية.
الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يجب أن يعملا على تجنب وتفادي الكارثة الإنسانية عن طريق مساعدة ومساندة المنظمات الدولية التي تتمتع بالشفافية والملاءة لتقديم المساعدة والمعونة للفلسطينيين. ويجب عليهما أيضاً توسيع قائمة الكيانات الإرهابية الخاصة بهما بحيث تتضمن الكيانات التي تسيطر عليها حماس في الضفة الغربية وقطاع غزة، والتي تتلقى المساعدات الخيرية الأجنبية، وإدراج اللجان الخيرية المرتبطة بحماس سوف يترتب عليه قيام البنوك والمصارف الدولية بوقف المعاملات المالية معها.
طوال ما كان ممكناً ومسموحاً لأجنحتها السياسية والاجتماعية بحرية العمل، فإن حماس سوف تكون قادرة بشكل كامل على تمويل كل أنشطتها، بما في ذلك هجماتها واعتداءاتها ضد الإسرائيليين والفلسطينيين على السواء.
وعموماً، كاتب التحليل ماثيو ليفيت من الخبراء البارزين في معهد واشنطن التابع للوبي الإسرائيلي، وهو من المتخصصين في شؤون حماس، وسبق أن قام بوضع العديد من التحليلات والبحوث حول حركة حماس.
لذلك نود الإشارة إلى أن ما ورد في تحليل ماثيو ليفيت سوف ينعكس بالضرورة على الواقع الميداني، ومن ثم فمن الممكن أن نتوقع قيام الإدارة الأمريكية بالضغط على الحكومة المصرية كي تقوم بتشديد فرض رقابتها الصارمة على مدينة رفح المصرية والسلع والخدمات والأموال التي تدخل وتخرج من المدينة. وبرغم كل شيء يبقى ما هو أكثر أهمية: التاريخ أكد أن الشعوب لا يمكن حصارها، وقد كانت إسرائيل في الماضي تحاول حصار حركة فتح، ولم تنجح بسبب وقوف الشعب الفلسطيني معها، ولكن عندما حاصرت حركة فتح نفسها باتفاقية أوسلو وغيرها، فقد ترتب على ذلك تخلي الشعب الفلسطيني عنها، على النحو الذي جعل إسرائيل تنجح في محاصرتها.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة