شبه الجزيرة العربية منبت الانحراف الديني

21-08-2015

شبه الجزيرة العربية منبت الانحراف الديني

الجمل ـ* كاثرين شاكدام ـ ترجمة رنده القاسم:
لا تزال دول كثيرة في العالم تحمل انطباعا مفاده أن واشنطن و حلفاءها الإقليميين في الشرق الأوسط ، و على رأسهم السعودية، يقودون بالفعل حروبا عادلة في المنطقة،و يقاتلون و يواجهون صعود التطرف الوهابي. غير أن الواقع يقول بضرورة توجيه أنظار هذه الدول شرقا،  مع كون إيران الدولة التي شكلت عائقا و حصنا ضد انتشار هذا الوباء الأسود.
إذا أخذنا بعين الاعتبار  كل تصريحاتها و  وعودها،  و كل رواياتها الرسمية المصنعة و الاتهامات المسعورة من قبل الهيئات الإعلامية ضد المسلمين و ما يوصف بال "الدول المسلمة العدوة"، عندها يحق لنا السؤال حول من  ساهم أكثر مما ساهمت  الولايات المتحدة في صعود و انتشار داعش؟
و للدقة ، فان واشنطن وفرت الغطاء السياسي و المساعدة العسكرية، بينما اهتمت الرياض بالأمور اللوجستية كالتمويل و خلق شبكات تجسد فهمها المتطرف للإسلام من أجل استعباد و من ثم بلقنة الشرق الأوسط و وسط آسيه.
هذه اللعبة الكبيرة التي يؤديها الإمبرياليون الغربيون، و الأنظمة الدمى التابعة لهم،  بدأت منذ عقود، إذا لم نقل قرون، عندما زرعت أول بذرة للانحراف الديني في الصحراء العربية في القرن الثامن عشر، كطريقة لتدمير الإمبراطورية العثمانية و انهيار أسس التعددية في الإسلام.
السعودية ، مبدعة التطرف الإسلامي العالمي و الحليفة القريبة للولايات المتحدة، مرتبطة بالمؤسسة الحاكمة الغربية. و إلا كيف يمكن تفسير أن أكبر صفقة بيع أسلحة أميركية في التاريخ كانت من نصيب السعودية عام 2011. و ارتباط السعودية بالإرهاب معروف عالميا و أكاديميا لأنها  مولت، و لا تزال، المدارس التي لقنت الناس التفكير الأصولي. لقد قامت المملكة، مهد الإرهاب، بتغذية التطرف بشكل كبير.
حتى الستينات من القرن العشرين كانت الوهابية بشكل عام مقتصرة على شبه الجزيرة العربية ، إلى أن حلت اللحظة التي قررت فيها الملكية السعودية منح ملجأ للأعضاء المتطرفين من الأخوان المسلمين الهاربين من مصر عبد الناصر. و كتب السفير الأميركي كورتين وينسور: "حصل تخصيب متبادل بين الوهابية الرجعية و المعزولة ،عقيدة المؤسسة الدينية السعودية،و بين تعاليم سيد قطب المتعلقة بالجهاد السلفي الرافض للحكام العرب العلمانيين على أساس أنهم ملحدين و هدف شرعي للحرب المقدسة (الجهاد). فكان اجتماع الوهابية المحافظة اجتماعيا و ثقافيا مع التطرف السياسي "القطبي"، ما أسفر عن تنوعات عسكرية للإسلام السياسي الوهابي الذي أنتج فيما بعد القاعدة".
و مع ذلك فان "حفرة الأرنب" تصل إلى أبعد من ذلك.فارتباطات القوى الغربية بالإرهاب، كسلاح لزعزعة استقرار العالم العربي برمته، أمر وثقه أشخاص و باحثون مرموقون. ففي كتاباته يحرص الصحفي العتيق روبرت دريفوس على التطرق إلى التاريخ الطويل من العلاقات الأميركية و البريطانية السرية مع الأخوان المسلمين، الذين أصبحوا  الآن محظورين،  و مجموعات إسلامية أخرى ضد مجموعات عربية يسارية و قومية علمانية تسعى إلى تقويض المصالح البريطانية و الغربية في الشرق الأوسط.
سعيد رمضان، من قيادات الأخوان المسلمين في الخمسينات، تمت الإشارة إليه من قبل  دريفوس و إيان جونسون، الصحفي في وول ستريت، على أساس ارتباطه بالاستخبارات الغربية و تلقيه الدعم من السي آي ايه.
 لقد كان الجناح اليميني الإسلامي وكيلا فعالا ضد اليسار العربي القومي و المعادي للإمبريالية. و التقارير المسربة من ويكيليكس من عام 2005 تظهر أن دعم مجموعات معارضة سورية ، بما فيها الأخوان المسلمين، بدأ منذ عهد بوش.
و لم يعد دور الولايات المتحدة في التطرف و الإرهاب موضع نقاش، إذ أضحى حقيقة مثبته. و لكن إذا لم تكن أميركا هي من يحارب الإرهاب فمن الذي يفعل؟ الجواب، , و إن كان غير مريح للدول الغربية ، هو إيران.
ما من قوة في المنطقة أكثر عزيمة  من الجمهورية الإسلامية على كسر ظهر الإرهاب . و بالفعل أرسلت طهران رجالها و أسلحتها إلى العراق، مانحة بغداد دعما لا محدودا  عندما كانت بأمس الحاجة. و لولا تدخل إيران، و لولا القوة الإيرانية العسكرية ضد داعش، لكانت سقطت العاصمة العراقية و مدن أخرى في يد داعش.
و في تموز الماضي قدم  نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية و الإفريقية  أفضل تلخيص للديناميكية السياسية و مضامينها اليوم، حين صرح أن الهدف الأساسي للقوى المتطرفة في الشرق الأوسط هو سلب ثروات الدول المسلمة و تدمير جبهة المقاومة ضد إسرائيل. كما و أكد أن الإرهاب ما كان ليوجد في الشرق الأوسط لو كانت الدول المسلمة في المنطقة متحدة.
هذه الحرب ضد الإرهاب هي حرب استقلال...استقلال عن الإمبريالية الجديدة ..استقلال عن الفاشية الجديدة...
و بينما تستمر القوى الغربية بنفث دعاياتها المسمومة ضد إيران ، على أساس أن الإسلام الشيعي يشكل خطرا على استقرار العالم، فلنذكر أي حلفاء فضلوا على إيران: السعودية و تركيا و قطر الثلاثي الوهابي المتطرف.
و إذا كانت إيران تشكل حقا خطرا على الإمبريالية الجديدة فهذا يعود إلى موقفها الثابت المعارض لأي شكل من الإملاء السياسي أو الديني. و دعونا نتذكر كيف خلقت الجمهورية الإيرانية من رفض الطغيان، و كيف دفع الإيرانيون ثمنا كبيرا لأجل استعادة حريتهم، ناهضين بالمقاومة ضد طموحات الهيمنة الغربية. إن رسالة إيران و سياستها كانت لدعم حق تقرير المصير السياسي لا التبعية.
و بينما يواجه العالم العربي التطرف على يد داعش، تقود إيران محور المقاومة الحقيقي .. و من لبنان إلى اليمن فالبحرين ارتفعت أصوات تشجب الوهابية و تطالب الدول و المجتمعات بالوقوف معا ضد المضطهدين الحقيقيين.
فهل سيفعلوا؟


*مديرة مركز بيروت لدراسات الشرق الأوسط و محللة سياسية مختصة بالحركات المتطرفة.

عن مجلة New Oriental Outlook الإلكترونية

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...