ختام «مهرجان دمشق للفنون المسرحية»: ميديا التركية وقايين الفلسطيني

06-12-2010

ختام «مهرجان دمشق للفنون المسرحية»: ميديا التركية وقايين الفلسطيني

عرضان من بين آخر ما قدم في «مهرجان دمشق للفنون المسرحية» (الذي اختتم أمس) يثيران الاهتمام، كل في اتجاه، ونعني بهما العرض التركي «مكان ما في منتصف العالم»، والفلسطيني «هبوط اضطراري». ما يثير هو غنى الأول وإتقانه واحتوائه على عناصر مشغولة بصبر ودقة ما يشي بمؤسسة كبيرة وراء العمل، رسمت ودعمت وأنتجت من مسرحية «هبوط اضطراري»ممثلين وتقنيين رفيعي المستوى، في الوقت الذي يشهد فيه المرء بؤس المسرح الفلسطيني، وفقره، وتكراره، وقلة حيلته. لا نقول إن العرض التركي استثنائي في جماله، لكنه يؤشر إلى الجهد والإتقان، شيء يجعل المرء يغص بسؤال لطالما طرحه محمود درويش بسخرية؛ متى نفرغ إلى شؤون إنسانية تشغل البشر على اختلاف مشاربهم، ألا يحق للفلسطيني أن يفرح بكرة القدم، أو يهتم لشؤون البيئة، وكذلك أليس من حقه أن يصنع مسرحاً أكثر غنى من تلك الخرق البائسة، والأداء الهش لممثليْن يبدو أنهما اعتادا، وقد سبق أن قدما العرض في غير عاصمة عربية، على استقبالهم كممثلين للقضية الفلسطينية لا كممثلين مسرحيين، وبالتالي سيقابلون بالتصفيق أياً كان الأداء.
في «هبوط اضطراري» نعثر على ممثلين اثنين، يتناوبان أداء شخصيات المسرحية (كتبها سلمان ناطور)، التي تعرض لأخوين فلسطينيين، أحدهما من عرب الـ 1948، وقد طلبت منه أمه، بعد اتفاق أوسلو، أن يذهب ليلتقي أخاه الغائب والمطارد منذ أربعين عاماً. الأخ القادم من تونس، بعد هجرات متتالية من الأردن إلى بيروت وسواها، سيتعرض للتحقيق والتنكيل النفسي في أحد المطارات العربية، والآخر الآتي من عرب الشرايط الفلسطينية سيقضي وقتاً من الإهانة والتحقيق في مطار إسرائيلي. كلا الرجلين يشكل ماضيه عبئاً وإصبعاً ممدودة بالاتهام، الأول الذي وجد نفسه مضطراً للعمل في المستوطنات الاسرائيلية متهماً بأنه عميل للموساد، والثاني متهم بالإرهاب. لقاء الرجلين الموعود في القاهرة لا يتم، إلا في الخيال، يعلن الرجلان أن عليهما، وعلى شعبهما أن ينتظر أيضاً وأيضاً كما انتظروا من قبل.
لكن العمل سيقوم بإدانة الفلسطينيين قبل الآخرين، في كلام يأتي على لسان محقق في المطار، حين يعترف الفلسطيني أمامه بأنه قتل سبعة إسرائيليين بعدد الدونمات السبعة التي اغتصبها الاسرائيليون، يقول له «ماذا كان سيحل بإسرائيل لو أن كل فلسطيني سرق منه دونمٌ قتل إسرائيلياً». لكنه قبل ذلك يعلن رفضه وسخطه، فيروح يشتم مطارات العالم، والاتفاقات مع الإسرائيليين من مدريد إلى أوسلو وسواهما.
الكوميديا التي قدمت في «هبوط اضطراري» كانت باهتة، لا تعول في إضحاكها إلا على حشو مفردات وإيماءات مبتذلة، أين منها «قصص تحت الاحتلال» التي قدمت في أعوام سابقة في المهرجان الدمشقي.
أجواء ملونة
أما العرض التركي (من إخراج نورالله تونجار) فهو يعود إلى حكاية تقليدية، تذكر ببنية المسرح الإغريقي وأساطيره، فهو حكاية حب وقتل وانتقام. آغا يريد أن يستاثر بحبيبة أخيه، يقتله ويتزوجها، هي التي تذعن أمام جبروته، إلى أن يأتي نجار عابر ماهر، يصنع سريراً جميلاً لولدها، فيستبقياه، هو يريده صديقاً، في الوقت الذي تنشأ بين النجار وزوجة الآغا علاقة حب وجنس، إلى أن يكتشف الآغا تلك الخيانة، فيقتل غريمه النجار، لكن انتقام الزوجة يشتعل فتعيد ما فعلته ميديا في الحكاية الإغريقية حين قتلت أطفالها لتحرق قلب زوجها، وهذا ما تفعله الزوجة هنا، ليصبحا متعادلين، كل منهما فقد كل من يحب.
لكن ليس سحر العرض التركي في حكايته، بل في تلك الأجواء الشديدة التلون، استخدامه للستائر، تلويناً وإضاءة، وللمكان، من دون ديكور يذكر، حيث الحضور الأهم هو للممثلين وللجوقة، التي تستعيد تماماً دور الجوقة في المسرح الإغريقي. إنها هنا راوية الحكاية، ونصيرة البطلة، الضحية التي تحمل اسم آهتان. لكن العرض يبدو من دون أسئلة معاصرة، حكاية بلا إطار زماني أو مكاني، ومن السهل أن تروى في دمشق كما في تركيا.
العرض التركي قدم في إطار تظاهرة «المنصة لمسرح البحر المتوسط»، التي ضمت خمسة عروض في «مهرجان دمشق»، ولكن يبدو من دون أن يكون هنالك موضوع أو فكرة ما تنضوي تحتها هذه العروض. العرض التركي تفرد بحظ أن يسمح له بالإعادة ليتسنى للجمهور مشاهدته، الأمر الذي لم ينسحب على عروض أخرى، وكأن ذلك اعتراف من المهرجان أن ليس غيره ما يستحق المشاهدة والإعادة.

راشد عيسى

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...