حرب لبنان الحقيقية تبدأ اليوم

15-08-2006

حرب لبنان الحقيقية تبدأ اليوم

الحرب الحقيقية في لبنان تبدأ اليوم. قد يعتقد العالم وقد تعتقد اسرائيل ان القرار الدولي بوقف اطلاق النار، الذي سيتم العمل به عند الساعة السادسة من صباح اليوم (امس)، سيكون بداية النهاية للحرب القذرة الأخيرة في لبنان، بعد مقتل اكثر من الف لبناني من المدنيين واكثر من ثلاثين مدنيا اسرائيليا. لكن الحقيقة مختلفة كليا ولن تعاني من هذه الاوهام الذاتية: فالجيش الاسرائيلي الذي تلقى ضربات حزب الله في الساعات الأربع والعشرين الماضية يواجه الآن الحرب الفدائية الأقسى في تاريخه. وهي حرب قد يكون الإسرائيليون خاسرين بامتياز فيها.
وقد قُتل ما بين 39 و43 جنديا إسرائيليا، في اليوم الأخير وحده قبل قرار وقف اطلاق النار وظل حزب الله يطلق صواريخه الى داخل اسرائيل، متصديا في الوقت ذاته لغزو اسرائيل المكثف داخل لبنان. لقد تحدثت السلطات الإسرائيلية العسكرية عن عمليات تطهير ومسح يقوم بها جنودها في جنوب نهر الليطاني، ولكن بالنسبة للبنانيين، يبدو كما لو ان حزب الله هو الذي يقوم بعمليات التطهير والمسح. واثناء الليلة الأخيرة، لم يستطع الإسرائيليون حتى الوصول الى طاقم الهليكوبتر من الموتى، التي اسقطها حزب الله ليل السبت الماضي، والتي تحطمت في أحد وديان لبنان.
على الصعيد الرسمي، قبلت اسرائيل الآن القرار الأممي بوقف اطلاق النار، الذي يدعو الى وقف كافة الأعمال الحربية العسكرية الإسرائيلية، والى وقف هجمات حزب الله. وأعلن حزب الله انه سيلتزم بوقف اطلاق النار في حال لم يبقَ أي جندي إسرائيلي على الأراضي اللبنانية. ولكن هناك عشرة آلاف جندي إسرائيلي حتى ان الإسرائيليين يشيرون الى ثلاثين الف جندي إسرائيلي دخلوا الآن الأراضي اللبنانية، وكل واحد منهم أصبح هدفا لحزب الله.
منذ صباح اليوم (أمس)، ستتوجه عمليات حزب الله تحديدا ضد الغزو الإسرائيلي. ولن يتحمّل الإسرائيليون ان يخسروا أربعين جنديا يوميا. لقد صلى حزب الله منذ عدة سنوات، وانتظر طويلا اللحظة التي سيواجه فيها الجيش الإسرائيلي على الأرض، بعدما اعوزته المقدرة على اسقاط طائرات ال أف 16 التي دمرت الكثير من المباني والمنشآت اللبنانية.
الآن، اصبحت المجابهة، التي خطط لها حزب الله منذ زمن بعيد، قيد التنفيذ. لقد بقي آلاف المقاتلين في حزب الله أحياء ومدججين بالسلاح في أرجاء وديان وقرى جنوب لبنان بانتظار هذه اللحظة؛ وبعد ساعات معدودة على تحذير الأمين العام السيد حسن نصر الله، لإسرائيل، يوم السبت الماضي، بأن رجاله بانتظار الجيش الإسرائيلي عند ضفاف الليطاني، قفز رجال حزب الله من كمائنهم وقتلوا أكثر من عشرين جنديا إسرائيليا في أقل من ثلاث ساعات.
إن إسرائيل نفسها، وفقا لتقارير من واشنطن ونيويورك، قد خططت طويلا لحملتها الحالية ضد لبنان، والتي قادت اليها عملية حزب الله مخترقا الحدود الى الجانب الإسرائيلي، وقتله ثمانية جنود إسرائيليين، وأسره جنديين آخرين في 12 تموز الماضي. غير انه يبدو ان الإسرائيليين لم يأخذوا في الحسبان خطة حزب الله العسكرية الأكثر بداهة: بأنه لو تمكن من الصمود لأيام بوجه الغارات الجوية، فسوف يرغم الجيش الإسرائيلي، في النهاية، على دخول لبنان مجددا برا ومحاربته بشروط متساوية.
يبدو ان صواريخ حزب الله الموجهة بالليزر والمصنوعة في ايران، تماما كما هي غالبية اسلحة إسرائيل أميركية الصنع، قد انزلت الرعب بالفيالق العسكرية الإسرائيلية يوم السبت الماضي، وكان اسقاط حزب الله للمروحية الإسرائيلية لا سابق له في مسار الحرب الطويلة التي خاضها ضد إسرائيل.
من المفترض، ان يتمكن مبعوثو الاغاثة من التحرك باتجاه الجنوب اللبناني اليوم، لمساعدة آلاف المواطنين الشيعة المحاصرين في قراهم. ولكن لا احد يعرف ما اذا كان حزب الله سينتظر بضعة ايام ليسمح للمساعدات بالوصول الى البلدات المدمرة، هو المنهك بقدر الإسرائيليين.
تتكرر الفظاعات عبر أرجاء لبنان، آخرها قافلة من السيارات تنقل 600 عائلة مسيحية من بلدة مرجعيون الجنوبية يقودها جنود من الجيش اللبناني؛ اتجهت القافلة شمالا عبر سهل البقاع، حيث تعرضت لهجوم الطائرات الحربية الإسرائيلية. قُتل سبعة مواطنين على الأقل بمن في ذلك زوجة رئيس البلدية المسيحية التي ضرب سيارتها صاروخ إسرائيلي.
وفي غرب بيروت، دمرت القوات الجوية الإسرائيلية ثمانية مبان سكنية، حيث كانت تعيش ست عائلات. وقد قتل 12 مدنيا في جنوب لبنان، بينهم أم وأطفالها وخادمتها. كما قتل إسرائيلي جراء صواريخ الكاتيوشيا المتواصلة التي يطلقها حزب الله عبر الحدود. ان لجيش المقاتلين الإرهابيين بنظر الإسرائيليين والأميركيين، والابطال الذين يزدادون بطولة في أرجاء العالم المسلم العديد من القتلى للثأر من أجلهم، رغم ان قائدهم لا يبدي اهتماما كبيرا في تنفيذ مبدأ العين بالعين، ويبدي حماسة أكبر لضرب الجيش الإسرائيلي.
وعند هذا المفصل المميت في تاريخ الشرق الأوسط، حيث لا يجدر بأحد ان يقلل من اهمية هذه اللحظة في المنطقة، يبدو الجيش الإسرائيلي عاجزا عن حماية إسرائيل، بقدر عجز حزب الله عن حماية لبنان.
ولكن إذا انهار وقف اطلاق النار، وهو أمر يبدو مؤكدا، فإن أيا من الإسرائيليين او الأميركيين لا يملك خططا للتهرب من النتائج المتوقعة. فالولايات المتحدة رأت في هذه الحرب فرصة لهزم الداعمين الإيرانيين والسوريين، ولكن ها هي الطاولة تنقلب عليهم. فالجيش الإسرائيلي يبدو قادرا على تدمير الجسور، ومحطات الطاقة، ومحطات الوقود، والمباني السكنية، ولكنه عاجز عن تحطيم هذا الجيش الإرهابي الذي أقسمت إسرائيل والولايات المتحدة على تصفيته.
قال رئيس وزراء إسرائيل ايهود أولمرت بالأمس (أمس الأول): ان الحكومة اللبنانية مسؤولة عن اي انتهاك لاتفاق وقف اطلاق النار. كما لو انه كان يعرف هذا الامر، وهذا، طبعا، يقدم عذرا جديدا لإسرائيل لمعاودة الهجوم على البنى التحتية المدنية في لبنان. إلا ان الأكثر إثارة للقلق، تلك الشروط الملتبسة لقرار مجلس الأمن الدولي حول تشكيل القوة الدولية، التي يفترض نشرها في الأراضي الواقعة بين نهر الليطاني والحدود اللبنانية مع إسرائيل.
فإذا استمر القتال بين حزب الله والإسرائيليين في الجنوب اللبناني خلال الأسابيع المقبلة، فأي دولة ستتجرأ آنذاك على ارسال قواتها الى الادغال التي سيتحول إليها الجنوب؟
انها مأساة دامية محتمة لجميع المتورطين فيها. وحرب لبنان الحقيقية لم تبدأ سوى اليوم.

روبيرت فيسك

المصدر: السفير نقلاً عن الإندبندنت

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...