ثنائية دمشق–نيودلهي: دراسةمقارنة بين الإستراتيجية السورية والهندية

11-11-2008

ثنائية دمشق–نيودلهي: دراسةمقارنة بين الإستراتيجية السورية والهندية

الجمل: يقول المنظور التقليدي لنظرية توازن القوى أن الدولة، أي دولة، يجب أن تهتم بإجراء التقويم المستمر لوزنها ضمن معادلة توازن القوى الخاصة بالإقليم الذي تقع ضمنه الدولة، ولكن بسبب تزايد الارتباطات والتداخلات بين مكونات النظام الدولي لم تعد عوامل القوة الإقليمية تكفي لجهة ضبط وتقويم الوزن الإقليمي، وذلك لجهة تدخل القوى العظمى والكبرى وغيرها من الأطراف الثالثة على النحو الذي ألقى بتداعياته على توازنات القوى الإقليمية وتأسيساً على هذه الخلفية فإن صيغة توازن القوى في منطقة الشرق الأوسط تعتبر إحدى النماذج الأكثر حضوراً في حركة التعاون والصراع الدولي.
* ثنائية دمشق – نيودلهي: مقاربة التماثل:
يواجه النظام الدولي الراهن توجهاً نحو صيغة لتوازن القوى أكثر وضوحاً تضم إلى جانب أمريكا كل من روسيا والصين وفرنسا وسيترتب على هذه الحالة نظام دولي أقرب إلى التعددية القطبية وإزاء هذا الوضع فإن كل دول العالم الأخرى وبالتحديد سوريا، لن تكون استثناءً منها، يتوجب عليها اللجوء إلى أحد الخيارات الدبلوماسية الآتية:
• اعتماد دبلوماسية التحالف الاستراتيجي مع إحدى القوى العظمى
• اعتماد دبلوماسية الانعزال.
• اعتماد دبلوماسية الحياد الإيجابي.
من الصعب القيام بعملية التحديد المسبق لأي الخيارات يتوجب السعي نحوها، لأن دبلوماسية التحالف الاستراتيجي تجلب التبعية ودبلوماسية الانعزال غير ممكنة عملياً أما دبلوماسية الحياد الإيجابي فنجاحها يتوقف على مدى قبول القوى الكبرى بعدم التدخل وممارسة ضغوط القسر والإكراه إضافة إلى مدى قدرة الدبلوماسية الوطنية على التحرك ضمن مسار الحياد الإيجابي ببراعة ومصداقية، يتحدث أحد فلاسفة المنطق العرب قائلاً: "الشبيه بالشبيه يدرك"، واستناداً إلى هذه المقولة المنطقية الشهيرة نجحت فلسفة العلوم المعاصرة في التأسيس لعلم الأنالوجيا –علم المماثلة- والذي تقوم معطياته على أساس اعتبارات دراسة خصائص وطبيعة نموذج محدد من أجل التعرف على نموذج آخر مشابه لهذا وبرغم المسافة الجغرافية الفاصلة بين طرفي دمشق ونيودلهي فإنهما يتشابهان وإن كانا في الوقت نفسه لا يتشابهان.
• تقع سوريا في منطقة إقليمية فرعية تسمى الشرق الأوسط أما الهند فتقع في منطقة فرعية تسمى شبه القارة الهندية.
• تمثل سوريا دولة رئيسية في الشرق الأوسط وتمثل الهند دولة رئيسية في شبه القارة الهندية.
• تواجه سوريا بيئة جوار إقليمي حافلة بالأزمات والنزاعات (الأزمة الأردنية – الصراع العربي الإسرائيلي – الصراع العراقي – الصراع الكردي.. الخ)، وتواجه الهند بيئة جوار إقليمي حافلة كذلك بالأزمات والنزاعات (الحرب السيريلانكية – أزمة كشمير – الأزمة الباكستانية – الأزمة الأفغانية – أزمة إقليم التيبت الصيني..)
• تتضمن البيئة الداخلية السورية قدراً من التنوع الذي ظل يعيش بانسجام وتفاهم وتحاول حالياً بعض القوى الإقليمية والدولية استهداف هذا التعايش المنسجم بمحاولة تصدير الأزمات والإرهاب إلى داخل سوريا، وتتضمن البيئة الداخلية الهندية قدراً من التنوع الذي ظل يعيش بانسجام وتحاول حالياً بعض القوى الإقليمية والدولية استهداف هذا التعايش عن طريق تصدير الأزمات والإرهاب.
• مكانة سوريا الاستراتيجية على خارطة الشرق الأوسط جعلت من سوريا موفقاً هاماً لإغراء الدول الكبرى بمحاولة فرض السيطرة عليه، ومكانة الهند الاستراتيجة على خارطة شبه القارة الهندية جعلت من الهند موقعاً استراتيجياً هاماً أغرى الدول العظمى بمحاولة فرض السيطرة عليه.
وتأسيساً على هذه التماثلات، فإن هناك قدراً من التشابه لجهة التحديات والمخاطر الماثلة أمام دبلوماسية سوريا ودبلوماسية الهند.
* الدبلوماسية وإدارة قواعد اللعبة الإقليمية والدولية:
ترتبط سوريا  بعلاقات دبلوماسية تتفاوت لجهة الأهمية والوزن مع كل من موسكو – باريس – بكين – واشنطن، وقد ظلت العلاقات على خط دمشق – واشنطن أكثر توتراً بسبب:
• ملف النزاع السوري – الإسرائيلي حول الجولان السوري.
• ملف النزاع اللبناني – اللبناني.
• ملف الاحتلال الأمريكي للعراق.
وبالنسبة للهند فهي ترتبط بعلاقات دبلوماسية تتفاوت لجهة الأهمية والوزن مع كل من موسكو – باريس – بكين – واشنطن، وقد ظلت العلاقات على خط نيودلهي - بكين أكثر توتراً بسبب:
• ملف النزاع الهندي – الباكستاني حول إقليم كشمير.
• ملف النزاع السيرلانكي – السيرلانكي.
• ملف الاحتلال الأمريكي لأفغانستان.
هذا، ولجهة المماثلة بين دبلوماسية دمشق ودبلوماسية نيودلهي، ومعطيات خبرة إدارة قواعد اللعبة الإقليمية والدولية  يمكن الإشارة إلى الآتي:
• خلال فترة الحرب الباردة وطدت دمشق علاقاتها مع موسكو لموازنة خطر محور تل أبيب – واشنطن.
• خلال الحرب الباردة وطدت نيودلهي علاقاتها مع موسكو لموازنة خطر محور إسلام آباد – واشنطن.
بعد انتهاء الحرب الباردة بدأت مرحلة تحمل المزيد من الخصائص الجديدة التي برزت على خلفية التغيرات التي حدثت في صيغة التوازن الدولي، فقد أدى انهيار الاتحاد السوفيتي إلى تراجع دور موسكو على النحو الذي ترتب عليه نشوء المزيد من الفراغ الاستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط ومنطقة شبه القارة الهندية ولملء هذا الفراغ فقد:
• نجحت واشنطن في التقدم نحو نيودلهي مع الاحتفاظ بإسلام آباد.
• نجحت واشنطن في التقدم نحو بغداد ولكنها فشلت في التقدم نحو دمشق.
وبالمقابل يمكن ملاحظة ما يلي:
• نجحت نيودلهي في بناء القدرات غير التقليدية لمعادلة التوازن غير التقليدي مع إسلام آباد.
• نجحت دمشق في بناء القدرات الكمية المتفوقة لمعادلة توازن القوى في مواجهة القدرات النوعية المتفوقة إسرائيلياً.
نلاحظ أن هذه التماثلات تطرح المزيد من التساؤلات حول ما يمكن أن تطلق عليه تسمية دبلوماسي "الخطة ب" الخاصة بالخمس سنوات المقبلة:
• تحاول الصين تطبيق لعبة الحفاظ على توازن الردع على خط إسلام آباد – نيودلهي ويقول الصينيون صراحة أنهم سيتدخلون لصالح باكستان حليفة أمريكا إذا حاولت الهند القيام بأي عمل عسكري ضدها.
• تحاول أمريكا تطبيق لعبة الحفاظ على زخم المنافسة على خط نيودلهي – إسلام آباد على أساس اعتبارات أن أمريكا ستكون أكثر استعداداً لدعم قدرات الطرف الذي يقدم لها تنازلات أكبر وتقول المعلومات بأن الهند قدمت التنازلات لجهة التعاون مع تل أبيب أما إسلام آباد فقد قدمت التنازلات لجهة الوقوف إلى جانب أمريكا في الحرب على الإرهاب.
• تحاول روسيا تطبيق لعبة أنابيب النفط، وذلك عن طريق إغراء إسلام آباد ونيودلهي بأن الوئام والتعاون بينهما يستلزم الابتعاد عن واشنطن في المرحلة القادمة باعتباره الشرط الأساس لتأمين إمدادات النفط والغاز الروسي التي ستؤمن الاستقرار الاقتصادي في الهند وباكستان.
وعلى هذه الخلفية، تحاول نيودلهي حالياً تبني وانتهاج دبلوماسية التعاون مع جميع الأطراف لجهة الحصول على الدعم والمزايا النسبية الإيجابية أما بالنسبة لدمشق، فإن فرصتها في تدخل الأطراف تكون أكبر بسبب خبرة الدبلوماسية السورية في التعامل مع الملفات الساخنة والباردة، وحتى الآن فقد استطاعت الدبلوماسية السورية أن تقطع شوطاً كبيراً في بناء العلاقات والروابط على خطوط موسكو – باريس – بكين، إضافة إلى ردع محاولات محور واشنن – تل أبيب طوال سنوات إدارة الرئيس بوش.
لكن، برغم تداول التقارير العالمية لاحتمالات حدوث المزيد من التغييرات الإيجابية في السياسة الخارجية الأمريكية الشرق أوسطية، فإن احتمالات أن لا تشمل هذه التعديلات منطقة الشرق الأوسط ما تزال كبيرة طالما أن العلاقات على خط تل أبيب – واشنطن ما تزال وثيقة ولن نكون بعيدين عن الواقع والصواب إذا توقعنا أن تستبدل الإدارة الأمريكية الجديدة ثياب الجمهوريين بثياب الديمقراطيين على غرار استبدال الحيّة لجلدها، وبكلمات أخرى فقد استبدلت حيّة البيت الأبيض أكثر من مرة الثياب الجمهورية بالثياب الديمقراطية ولكنها ظلت هي هي إزاء أزمة الشرق الأوسط وإذا كانت الإدارة الجمهورية قد استخدمت ملف دعم الإرهاب في استهداف دمشق فإن الإدارة الديمقراطية قد تستخدم بعض الملفات الأخرى وما أكثر ملفات البيت الأبيض عندما يتعلق الأمر باستهداف سوريا.

 


الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...