بعد جهد 18 عاماً: نهج البلاغة كاملاً

06-01-2007

بعد جهد 18 عاماً: نهج البلاغة كاملاً

قلما نال محقق تقريظا على ثمار جهده، مثلما نال العلامة السيد صادق الموسوي على انجازه «تمام نهج البلاغة»، الذي صدر مؤخرا عن «مؤسسة الاعلمي للمطبوعات» في بيروت.
تكمن اهمية الانجاز في انه جاء تلبية لمطلب عمره مئات السنين، اذ ان الشريف الرضي سبق ان جمع ما يسر له ظرفه وزمانه (سنة 400 للهجرة)، من خطب ورسائل وكتب ووصايا جدّه الامام علي بن ابي طالب، في كتاب اسماه «نهج البلاغة»، الذي طالما نهل منه طلاب العلم واللغة والدين والاخلاق وبلاغة اللسان.
لكن امنية طالما راودت كثيرين من الاعلام ومن رجال الدين والدنيا، بان يقوم من يكمل هذا العمل الكبير، بالبحث والتنقيب في امهات كتب التاريخ واسفار رواة الحديث، عما عجز كتاب «نهج البلاغة» المتداول عن ضمه بين صفحاته وهو كثير. وشهدت محطات الزمان الماضي محاولات في هذا السبيل، منها ما قام به ابن ابي الحديد المعتزلي الشافعي وابن ميثم البحراني، فوفقا في حدود، لكن ما قام به العلامة الموسوي هو انجاز بكل القياسات، اذ ان الاضافات في تمام النهج، على كتاب النهج المتداول، تبلغ في حدود عشرة اضعاف، في حين يبقى خارج صفحات تمام النهج، حسب ما يقول المحقق، قرابة ثلاثة في المئة من اقوال وخطب وكتب ووصايا الامام علي، لم يعثر عليها بعد.
واذا كان باب نقد الكتاب غير يسير حاليا، نظرا إلى عدم وجود مادة مقارنة او مطابقة يصح معها التفنيد والتوصيف، فان لتاريخ المحقق في اصراره على القيام بما عزم عليه على اكمل وجه، ما يشفي غليل الباحث عن الكمال، خصوصا ان الذي قام به المحقق اداء لرسالة يؤمن بها وخدمة دينية وتاريخية يحمل عمامتها منذ عشرات السنين، قضاها مدافعا ومضحيا عما يؤمن به وهو الذي رافق الثورة الاسلامية في ايران بقيادة الامام الراحل الخميني، منذ انطلاقتها في عز قوة وجبروت نظام الشاه. وعرف رهط كبير من اللبنانيين السيد صادق في تبشيره بالثورة وعمله لنصرتها في اصعب الاوقات، هذا عدا كونه متزوجاً من لبنانية ويعيش في لبنان منذ عشرات السنين.
- هذه الرسالة التي حملها واكملها المحقق، تتدعم بنص ينشره للامام الخميني يحدد فيه رؤيته لكتاب «نهج البلاغة» بالقول: «نهج البلاغة»، الذي هو بعد القرآن الكريم اكبر دستور للحياة المادية والمعنوية، واعظم كتاب لتحرير البشرية، والذي تعد تعاليمه في الامور الروحية والشأن الحكومي افضل السبل الى النجاة والسعادة، هو لامامنا المعصوم». ويضيف الى هذا النص، وصية من أية الله الخامنئي تقول: «من الامور التي كنت اشعر بضرورتها منذ امد بعيد هو جمع اجزاء الخطبة الواحدة التي قد يكون السيد الرضي رحمة الله عليه نثرها في كتابه «نهج البلاغة». ويضيف: قد يجد المرء فقرتين من خطبة على قدر كبير من الاهمية، لكنه ـ مع الاسف ـ يرى بين فقراتها انقطاعا؛ فعلى اصحاب الهمم العالية ان يبادروا الى البحث والتحقيق لعلهم يتمكنون ـ قدر المستطاع ـ من وصل ما انقطع من فقرات كل خطبة».
مر مشروع اتمام «نهج البلاغة» في ثلاث مراحل استلزمت ثماني عشرة سنة من البحث والتنقيب والتحقيق، الى ان صدرت «النسخة المشروحة» عام 1414 للهجرة، وتلاها اصدار «النسخة الموثقة» عام 1418 للهجرة. وكانتا مقدمتين لاصدار «النسخة المسندة ـ تمام نهج البلاغة»، في نهاية العام الفائت 1426 للهجرة ـ 2006 للميلاد. وهي ثمرة جهد استخرج غايته من حوالى 770 عنوانا، اضافة الى ست عشرة نسخة مخطوطة من كتاب «نهج البلاغة»، استلزم الوصول اليها الاطلاع على حوالى ستين الف كتاب، بحث المحقق عنها في زوايا اكبر واهم المكتبات العالمية، ابرزها مكتبات: القاهرة، تونس، الرباط، صنعاء، بيروت، دمشق، الرياض، روما، فيينا، بون، مدريد، لندن، باريس، نيودلهي، نيويورك، واشنطن، اوتاوا، حيدر اباد، بومباي، جدة، دبي وميلانو. وقد وثّق لهذا الامر تعميم وزارة الخارجية الايرانية الى سفاراتها وقنصلياتها في هذه المدن لمساعدة المحقق في انجاز هدفه، وكذلك تعميم رئيس رابطة الثقافة والعلاقات الاسلامية محمد علي تسخيري الى الملحقين الثقافيين في البلاد المذكورة.
لم يسع المحقق الى جمع كل ما روي عن الامام علي، بل عمل على استكمال نصوص «نهج البلاغة» المتداول، باعتبارها صحيحة الاسناد للامام علي. ولم تشمل الاضافات هذا الجانب بعينه فقط، بل امتدت لتقدم جهدا مميزا في فهرسة المصادر، واعتنت بنشر اسم الكتاب والمؤلف وتاريخ وفاته واسم المؤسسة الناشرة وتاريخ النشر ورقم الطبعة، بما يساعد المطالع على الوصول مباشرة وبسهولة الى المصدر. ومما يروى في سبب اقتصار «نهج البلاغة» المتداول على اجزاء من خطب ورسائل الامام علي، ان الشريف الرضي اعتمد على الانتقائية في جمع الكتاب بذهنية بلاغية، مما احدث انقطاعا في النصوص، يؤدي الى بروز انقطاع للمعاني امام القارىء، لان الشريف الرضي واجه عوائق عدة في عمله، اولها انه كان نقيبا للاشراف واميرا للحج ومدرسا في الفقه واديبا ومفسرا، كما ناب في فترة عن والي بغداد. وادى مجموع هذه الانشغالات الادبية والعلمية والاجتماعية والسياسية، الى منعه من ان يعطي الوقت الكافي للغوص في بحر المخطوطات الواسع، الذي كان متوفرا في زمانه.
- يتوزع الكتاب على سبعة اجزاء وثامن للفهارس. تضم الاجزاء الاربعة الاولى فصل الخطب التي القاها الامام علي في مناسبات مختلفة، بينها خطبة البيان المشهورة التي استحوذت مع شروحاتها على جزء كامل (حوالى 600 صفحة) وفي شروحاتها رواية كاملة لظروف القائها والاطالة فيها. وخصص الجزء الخامس من الكتاب لفصل الكلمات، والسادس لباب الوصايا الشفهية والادعية، فيما احتوى الجزء السابع على فصل الكتب (الرسائل) والعهود والاحلاف والوصايا المكتوبة.
- حظي الكتاب بتقريظ واشادة العديد من الاعلام الكبار، الذين نوهوا بالجهد الذي بذله المحقق. اول الذين ابدوا عجابهم بالكتاب رئيس الجمهورية الاسلامية السابق في ايران السيد محمد خاتمي، الذي كتب تقديما للكتاب. كما قدم للكتاب والد المحقق السيد محمد باقر الموسوي الشيرازي، واشاد بالمحقق والكتاب الفيلسوف والمحقق الحسن بن عبد الله الطبري الآملي المعروف بحسن زادة الآملي ومن قوله. وعرف بالكتاب المفتي العام في الجمهورية اليمنية احمد محمد زبارة، كما قدم له وعرف به كل من: «مؤسسة نهج البلاغة»، رئيس المركز الاسلامي في هاكبورغ ـ المانيا محمد باقر الانصاري، رئيس المركز الاسلامي في واشنطن محمد رضا حجازي، الكاتب والمحقق الراحل السيد حسن الامين، المحقق العلامة الدكتور التيجاني السماوي، اما ختام التقريظ فكان للاديب اللبناني جورج جرداق.

عدنان الساحلي

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...