القرآن ليس دستورا، بل هو كتاب عقيدة

13-01-2016

القرآن ليس دستورا، بل هو كتاب عقيدة

الله غايتنا ... الرسول قدوتنا ... القرآن دستورنا ... الرسول زعيمنا ... الجهاد سبيلنا .. والموت في سبيل الله اسمى امانينا “هذا هو النص الكامل للشعار الذي وضعه حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، وقد قام بشرحه فيما يُسمّى بالأصول العشرون لفهم الاخوان المسلمين للإسلام[1] و لقد احتلّ هذا الشعار حيّزا مهما في كتابات وخطب كبار منظري الاخوان المسلمين كالشيخ يوسف القرضاوي و سعيد حوّى و غيرهم، و قد جرى استخدام هذا الشعار الجذّاب جماهيريا في الانتخابات الرئاسية المصرية من قبل محمد مرسي حيث صرّح في اجتماع انتخابي: القرآن دستورنا.. وقادرون على تطبيق الشريعة الآن[2] و كذلك من قبل حركة حماس حيث هتف نوابها بهذا الشعار في جلسة المجلس التشريعي لمنح الثقة لحكومة اسماعيل هنية[3] و كذلك الجبهة الاسلامية للإنقاذ في الجزائر قبل انقلاب العسكر 1992على نتيجة الانتخابات، و لقد تجاوز استخدام هذا الشعار تيار الاخوان المسلمين بالخاصة الى بقية طيف الاسلام السياسي و خاصّة السلفية الجهادية مع التركيز على مقولة الجهاد العنفي. 


القرآن الكريم كتاب عقيدة توحيديَّة يسعى في سبيل الهداية والاعتبار إن أُحسن فهمهُ، فهو كتاب دين أمَّا الدُّستور فهو وثيقة تحدّد القواعد الأساسيَّة للدَّولة ونظام الحكم واختصاص السُّلطات.. إلخ فالقرآن الكريم يقع في اختصاص الدّين أمّا الدُّستور فيقع في اختصاص السّياسة، و في ذلك يمكن تبيّن العديد من الفروق والاختلافات بينهما:


أولا- لغة الوثائق السياسية و القانونية هي لغة توصيفيه دقيقة لا تحتمل المجاز و الاستطرادات و القصص و الايقاع اللغوي، بينما لغة الوثائق العقائدية الدينية بما فيها القرآن تشحذ النفس ، تحتفي بالمُدهش العجائبي ، ذات جرس موسيقي ، غنية المجاز تؤكّد على القيم الاخلاقية عبر اشارات عامة.


ثانيا- القرآن هو خيار إيماني يقوم على الحرية و الاقتناع و طمأنينة الفرد للمعتقد، بينما الدستور هو مرجعية سياسية توافقية مُجتمعيّة مُلزمة للأفراد والتمثيلات السياسية بعد اقرارها.


ثالثا- الدستور الحقيقي يساوي بين المواطنين بغض النظر عن عقائدهم و مذاهبهم و طوائفهم في الوطن الواحد ، بينما القرآن الكريم يميز بين المؤمنين و غير المؤمنين من أبناء الوطن الواحد، فهناك منافقين و هناك فاسقين و هناك مشركين و هناك أهل الكتاب.. الخ و هذا التميز مفهوم تماما لكونه تمييز على اساس عقائدي، و العقيدة- أي عقيدة- هي بطبيعتها فئوية تقوم على التمييز بين المؤمن و الكافر بها.


رابعا- النبي محمد بعد أن هاجر الى يثرب وضع ما يسمى تاريخيا بصحيفة المدينة لينظم العلاقة بين المسلمين و غيرهم من قاطني المدينة، و لم يعتمد القرآن كمرجعية ملزمة للجميع، إن لغة وثيقة المدينة هي أقرب الى لغة الدستور و الوثائق السياسية، تحتوي على حقوق و واجبات و التزامات ..الخ و أسلوبها و لغتها لا تشبه القرآن. 


خامسا- في بلد متعدد الطوائف و المذاهب الدينية كلبنان و نيجيريا و ماليزيا مثلا ما هي النتيجة المتوقعة من شعار” الله غايتنا ... الرسول قدوتنا ... القرآن دستورنا ... الرسول زعيمنا ... الجهاد سبيلنا .. والموت في سبيل الله اسمى امانينا “؟! و الاجابة ليست تخمينا او افتراضا بل و يمكن تلمّسها في الواقع و التاريخ القريب.


سادسا- على سبيل المثال إنّ نظام ولاية الفقيه في ايران، و حزب الله الشيعي في لبنان و مليشيا عصائب أهل الحق في العراق، ليس لديهم أدنى اعتراض على شعار” الله غايتنا ... الرسول قدوتنا ... القرآن دستورنا ... الرسول زعيمنا ... الجهاد سبيلنا .. والموت في سبيل الله اسمى امانينا“و لكنّهم يفسّرونه بطريقتهم، وفق توظيف سياسي معيّن! و كذلك إنّ كلا من تنظيم الدولة الاسلامية في العراق و الشام و جيش الاسلام و جبهة النصرة ليس لديهم أدنى اعتراض على شعار” الله غايتنا ... الرسول قدوتنا ... القرآن دستورنا ... الرسول زعيمنا ... الجهاد سبيلنا .. والموت في سبيل الله اسمى امانينا “فماذا كانت النتيجة !!


سابعا- دستور أي دولة في العالم يحدد طبيعة النظام السياسي فيها ، هل هو ملكي ام جمهوري ، هل هو شمولي ام ديمقراطي ، هل هو رئاسي أم برلماني؟ أنصار نظرية القرآن دستورنا ليس لديهم اجابة في نصوص القرآن على هكذا تساؤلات! و هذا لا يُنقص شأن القرآن بل يُنقص من شأن تفكيرهم . إنّ دستور أي دولة في العالم يحدد أشكال و اختصاص السلطات التشريعية و التنفيذية و القضائية ، و لكن أنصار نظرية القرآن دستورنا ليس لديهم أدنى اجابة في نصوص القرآن على هذا السؤال! * إنّ عبارات قرآنية من قبيل ( و أمرهم شورى بينهم ) و ( شاورهم في الأمر) لا تصلح لأن تكون نصوصا دستورية أو قانونية فهل الشورى خاصة بالمسلمين أم جميع المواطنين؟ و هل الشورى ملزمة أو غير ملزمة و ما هي حدود الزامها؟ و من هم الذين يشاوروهم!.. الخ إنّ عبارة” و شاورهم في الأمر“ المُخاطب بها هو النبي محمد و ليس غيره ، و هذا كامل سياقها ” فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْر“. آل عمران الآية 159 و قد جاءت الآية بمثابة نصائح عامة في السلوك الانساني و أخلاق بعينها. و كذلك عبارة” و أمرهم شورى بينهم“فسياقها عقائدي ديني يتحدث عن الصلاة و الصدقة ...و هذا كامل سياقها” والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون“الشورى الآية 28 ، و قياسا على ذلك فيجب ألا يستغرب جماعة” القرآن دستورنا “أن يكون بيت الشعر المنسوب لبشار بن برد: إذا بلغ الرأي المشورة فاستعنْ برأي لبيبٍ أو مشورة حازمِ مادةً دستوريّة كذلك! يمكن أن نتوقّع احد أنصار الاسلام السياسي يجادل في أن الآية التالية” وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ “المائدة الآية 44 تفيد أن القرآن الكريم هو دستور! و لكن و بإلقاء نظرة سريعة على الآية السابقة لها 43 :” كَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ“نجد أن المُخاطب بها يهود يثرب و ليس جماعة المسلمين اصلا، و قد لا يحتمل هذا المقال الدخول في نقاش تفصيلي حول أمثلة أخرى.


القول بأنّ القرآن الكريم هو دستور، يعني فهما معيّنا للقرآن، و كلّ فهم هو بشريّ تاريخيّ ونسبيّ، وقد نُسب إلى عليّ بن أبي طالب قديما القول: ” لا تخاصمهم بالقرآن، فإنّ القرآن حمّال أوجه “ ونسب له كذلك القول: ” هَذَا اَلْقُرْآنُ إِنَّمَا هُوَ خَطٌّ مَسْطُورٌ بَيْنَ اَلدَّفَّتَيْنِ لاَ يَنْطِقُ بِلِسَانٍ وَلاَ بُدَّ لَهُ مِنْ تَرْجُمَانٍ ولا ينطق بل ينطق به الرّجال“، ومشهور ما حدث في قضيّة التَّحكيم بين عليّ ومعاوية، وكلاهما يستندان إلى ذات المرجعيّة القرآنيَّة! فهل من داع لإدخال القرآن الكريم في سوق المزايدات السّياسيَّة، وإعادة إنتاج معارك الجمل وصفّين! *إنّ شعار” القرآن دستورنا " هو شعار مُهدّد للسلم الأهليّ، كلّ من يطرحهُ ويقوم باستخدامه سياسيًّا، هو يفترض نفسه الوصيَّ على شؤون القرآن، وهو يحتكر كلمة الله سبحانه و تعالى و يستخدمها في صراعه مع الخصوم و لعبة السلطة، و الأمر أبعد ما يكون عن البراءة و التُقى. و لقد انتبه بعض الاسلاميين المنشقين عن التيار التقليدي للإسلام السياسي لخطورة هكذا شعار و امكانات استثماره سياسيا بشكل سلبي ، فألّف السعودي علي الرباعي كتابا بعنوان القرآن ليس دستورا[4] و رأى أنّ رفع شعار( القرآن دستورنا ) هو للمقايضة و المزايدة، فالدستور نتاج عمل بشري بينما القرآن هو كلام الله. و كذلك عبد المنعم ابو الفتوح المنشقّ عن جماعة الاخوان المسلمين ذكر أن «القرآن دستورنا» هو شعار عاطفي وأدبي لا يعبر عن منهجنا في العمل السياسي [5].


الهوامش:


[1] راجع كتاب حسن البنا الملهم الموهوب- عمر التلمساني- نسخة الكترونية على موقع ويكيبيديا الاخوان المسلمين.
[2] جريدة اليوم السابع- 13 مايو 2012
[3] جريدة الاقتصادية- العدد 4552 تاريخ 29 مارس 2006
[4] القرآن ليس دستورا- علي بن محمد الرباعي- منشورات رياض الريس- 2014
[5] الشرق الاوسط- العدد 9675 تاريخ 25 مايو 2005م

حمزة رستناوي

المصدر: الأوان

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...