العلاقات بين المسلمين والمسيحيين في بلاد الشام

26-11-2006

العلاقات بين المسلمين والمسيحيين في بلاد الشام

يقدم لنا الكتاب الذي يضم الابحاث التي قدمت للمؤتمر الذي انعقد في ربيع السنة 2004 مجموعة من الابحاث تتمحور حول العلاقات بين المسلمين والمسيحيين في بلاد الشام. وبشكل اكثر تحديداً في مدن دمشق وحلب وبيروت وطرابلس.
وقد بات معروفاً ان سجلات المحاكم الشرعية تعكس حياة المدينة التي تنسب اليها، وبدرجة اقل الارياف والمناطق المحيطة بالمدينة. وبالرغم من النية الواحدة للسجلات الشرعية يعرف الباحثون ان لهذه السجلات مواصفات تختص بها. وبهذا الصدد لا بد ان نذكر بان سجلات مدينة دمشق يرجع اولها الى القرن السادس عشر. اما سجلات طرابلس فان اولها تبدأ مع الثلث الأخير من القرن السابع عشر. اما سجلات بيروت فترجع الى منتصف القرن التاسع عشر. ويرجع السبب في ذلك الى الوقت الذي انشئت فيه محكمة في هذه المدينة او تلك. ومن حسن الحظ ان القيمين على المحاكم جيلا بعد جيل وقرناً بعد قرن حرصوا على ضغط هذه السجلات من باب حفظ حقوق الناس مهما تقادم الزمن. ونعرف الظروف الصعبة التي حفظت فيها هذه السجلات في ازمان لم تكن تقنيات الصيانة متطورة فيها، لكن هذا الحرص الشديد لم يمنع ضياع بعض الاوراق او تلفها. وبسبب احجامها التي تبلغ مئات السجلات في بعض المحاكم، وبسبب حداثة الاعتناء بها، فان التصنيف والفهرسة لم يحدثا بنفس المعايير، او لم يحدثا سوى بطريقة اولية لتسهيل العمل. علماً بأن فهرسة الموضوعات لم تحدث وتتطلب وقتاً طويلاً وجهوداً متعددة.
أذكر ذلك لكي ألفت الانتباه الى الصعوبات التي يعمل في ظلها الباحثون. وبعض هذه الصعوبات تقنية وبعضها الآخر منهجي وموضوعي، فهناك معرفة اللغة العثمانية بالنسبة لبعض القضايا، وهناك معرفة المصطلحات الفقهية والقانونية. وبما اننا ازاء باحثين شغوفين بعملهم فقد شق كل منهم طريقه.
ومنذ بدء الاهتمام العلمي بهذه السجلات، لفتت الانتباه الى قيمتها لجهة ما تحتويه من غزارة بالمعطيات التفصيلية واليومية التي لا تعوزها الدقة على الاطلاق، ومثال على ذلك اسعار السلع والوصف الدقيق للدور والحوانيت واسماء التجار والعلماء وارباب الاصناف والاداريين. وكما قيل فان هذه السجلات غيرت فهمنا لتاريخ الحقبة العثمانية وخصوصاً ما تعلق منها بالجوانب الاقتصادية والحرفية والادارية وتاريخ العائلات والأجهزة العلمية والعلاقات بين الاديان وغير ذلك.
واذا كانت المعطيات الرئيسية مدينية الطابع، فان بعض الباحثن خصصوا دراساتهم لمعرفة جوانب من حياة الارياف، كنظام الالتزام على سبيل المثال. واذا كانت المعطيات تتصف بكونها تعكس احوال المدن، فانها مصدر رئيسي لدراسة العلاقات بين المسلمين والمسيحيين. فالمدينة مسرح التبادل والتواصل والبيع والشراء ومركز الحياة الدنية والعلمية. وكانت مدنناً في بلاد الشام مسرح التعايش كما بينت ابحاث هذا الكتاب.
أودّ ان اشير الى مظهر نشأ مع مرور الوقت. فاؤلئك الذين يشتغلون على السجلات الشرعية باتوا يشكلون مجتمعاً بحثياً مصغراً، يعرف بعضهم بعضاً ويتعاونون من خلال الاستخدام المتبادل للابحاث التي يعدونها بين الحين والآخر. وهذا المجتمع البحثي المصغر يضم عدداً من الباحثين من اجيال مختلفة. بينهم لبنانيون وسوريون واردنيون وفرنسيون والمان ويابانيون. وقد شاركت عينة معبرة من هؤلاء في اعمال المؤتمر الذي نحتفل اليوم بصدور الكتاب الذي يضم ابحاثه.
وتبين الابحاث المنشورة ان بين هؤلاء حقوقيين ومؤرخين وعلماء اجتماع وباحثين يهتمون بالجوانب الاقتصادية او يهتمون بالعادات والتقاليد والازياء الخ... ولا شك بأن هؤلاء قد استخدموا طرقاً بحثية ومناهج علمية مختلفة بين بحث ذي طابع قانوني وبحث ذي طابع تاريخي يهتم بالخير والوقائع، وبين بحث ذي طابع اقتصادي او اجتماعي يستخدم الاحصاء والعينات.
أشير الى ذلك لأقول بأننا لم نستطع ان نطور الجوانب المنهجية في العمل على السجلات، فاذا كانت وثائق السجلات الشرعية تحتوي على جبال من المعطيات فاننا بحاجة الى تدريس طلابنا طرائق البحث في هذا النوع من الوثائق الذي تكتنفه العديد من الصعاب.
وإنني استفيد من هذه المناسبة لأدعو هذا المجتمع البحثي الذي اشرت اليه، والشغوف في البحث داخل السجلات ووثائقها، الى لقاءات دورية، من اجل تبادل الخبرات والمعطيات والاقتراحات وقد تبين لنا جميعاً مدى الحاجة الى فهرسة موضوعية لقضايا السجلات، باعتماد طرق التصنيف الحديثة التي تتبعها برامج الكمبيوتر التي تتقدم يوماً بعد يوم.
وهناك مهمات اكثر الحاحاً من الفهرسة والترقيم الموحد، وقد قامت باحثة فرنسية مع باحث ياباني بعمل مميز بالنسبة لسجلات دمشق، ومن الضروري أن يحدث ذلك بالنسبة لسجلات المدن الاخرى. ومن المعروف ان مثل هذه الجهود تحتاج الى اشتراك هيئات علمية ورسمية. وما التعاون الذي قام بين جامعة البلمند والمعهد الفرنسي للشرق الادنى وجامعة القديس يوسف، وكان هذا الكتاب ثمرته سوى الدليل على ان التعاون لا بد من ان يسهم في التقدّم العلمي وتطوير المناهج وتوسيع دائرة الاسئلة وهذا ما نحتاج اليه.

خالد زيادة

المصدر: النهار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...