الدور الفرنسي المتوقع في الشرق الأوسط بعد مجيء أوباما

17-11-2008

الدور الفرنسي المتوقع في الشرق الأوسط بعد مجيء أوباما

الجمل: تطرقت التحليلات السياسية العربية إلى الدور الأمريكي الجديد المتوقع بعد صعود إدارة أوباما الديمقراطية إلى البيت الأبيض الأمريكي بدلاً من إدارة بوش الجمهورية، ولكن ما لم تتطرق له هذه التحليلات هو الدور الفرنسي المتوقع في الشرق الأوسط بعد التغيير الذي حدث في البيت الأبيض والذي بالضرورة سيترتب عليه تغيير في علاقات عبر الأطلنطي، وتحديداً دبلوماسية خط واشنطن – باريس.
* خلفيات دبلوماسية واشنطن وتأثيراتها على خط باريس – واشنطن:
اعتمدت إدارة بوش على مذهبية مبدأ الاستباقية وعممته كأساس لتحركات الولايات المتحدة الاقتصادية والسياسية والأمنية والعسكرية، وقد انعكس مبدأ الاستباق هذا في توجهات واشنطن التدخلية وعلى وجه الخصوص في مناطق الشرق الأوسط، وشبه القارة الهندية والبلقان والقوقاز إضافة إلى أمريكا الوسطى والكاريبي.
تضمن مبدأ التدخل الاستباقي من بين ما تضمن لجوء واشنطن المتزايد إلى استخدام حلفائها وعلى وجه الخصوص الدول الأوروبية ودول المعتدلين العرب في تعزيز تدخلات واشنطن الاستباقية في منطقة الشرق الأوسط. وبالنسبة لباريس فقد عمدت واشنطن إلى الآتي:
• القضاء على النزعة الاستقلالية الفرنسية.
• استخدام بريطانيا وبعض القوى الأوروبية الأخرى لجهة التقليل من وزان باريس داخل الاتحاد الأوروبي.
• استهداف مناطق النفوذ الفرنسي في المناطق الأخرى وعلى وجه الخصوص دول الفرانكفونية التي تحظى بالرعاية الفرنسية.
• تقييد عمليات تدفق رأس المال المباشرة وغير المباشرة وعلى وجه الخصوص نقل التكنولوجيا ورأس المال كآلية ووسيلة تهدف إلى عرقلة نمو فرنسا وصعودها إلى مرتبة القوى العظمى.
• استخدام علاقات عبر الأطلنطي كآلية لجهة الحد من حرية حركة دبلوماسية باريس في مناطق الشرق الأوسط والدول الفرانكفونية.
جميع هذه الآليات والوسائل وأساليب الإعاقة كانت تندرج ضمن استراتيجية الولايات المتحدة التي أكدت عليها وثائق مشروع القرن الأمريكي الجديد التي شكل مضمونها الأساس القيمي – الإدراكي لتوجهات السياسة الأمريكية التي رسم خطوطها مجلس الأمن القومي السابق.
حتى الآن، لم تتضح بعد خطوط استراتيجية مجلس الأمن القومي الجديد لأن إدارة أوباما الجديدة لم تتضح تفاصيلها بعد وإن كانت خطوطها العامة قابلة للتنبؤ والتكهن.
* دبلوماسية باريس الشرق أوسطية: تحدي تجاوز مبدأ الاستباق الأمريكي:
ترتبط نظرية توازن القوى بإسقاطاتها العسكرية والدبلوماسية وترتبط نظرية فراغ القوة بإسقاطاتها الأمنية عسكرياً ودبلوماسياً، وعند الجمع بين معطيات نظرية توازن القوة ونظرية فراغ القوة وتطبيقاتهما في الشرق الأوسط نلاحظ الآتي:
• أدى انهيار الاتحاد السوفيتي إلى انهيار نظام القطبية الثنائية.
• أدى انهيار القطبية الثنائية إلى تراجع قوة الاتحاد السوفيتي عن الشرق الأوسط على النحو الذي أنشأ "فراغ القوة".
• تقدم قوة الولايات المتحدة الأمريكية لملء الفراغ في الشرق الأوسط عن طريق تدعيم وتعزيز تمركزها العسكري والدبلوماسي في أوساط حلفائها عن طريق نشر القوات الأمريكية (العسكرية) وبناء تحالف المعتدلين العرب (دبلوماسياً).
وعلى خلفية هذه التحولات والتبدلات في صيغة القوى في منطقة الشرق الأوسط حاولت فرنسا خلال فترة الرئيس جاك شيراك ملء فراغ القوة السوفيتية ولكنها لم تستطع القيام بذلك واضطرت أمام صعود قوة أمريكا إلى خيار الوقوف بجانب واشنطن ومن أبرز الدلائل والشواهد على ذلك:
• التخلي عن معارضة واشنطن والقبول باحتلال العراق وإشراك القوات الفرنسية ضمن قوات التحالف الدولي الموجودة في العراق حالياً.
• الوقوف إلى جانب واشنطن في حرب أفغانستان.
• الوقوف إلى جانب واشنطن في ملف الأزمة اللبنانية وإسقاطاته الوظيفية لجهة استهداف سوريا وبقية خصوم إسرائيل في المنطقة.
وعلى هذه الخلفية أصبحت الدبلوماسية الفرنسية الشرق أوسطية في حالة شبه الاندماج الكامل مع أجندة الدبلوماسية الأمريكية الشرق أوسطية، حتى أن صعود ساركوزي نفسه قد فسره المحللون والمراقبون على أنه امتداد للنفوذ الأمريكي داخل فرنسا، بما يشير إلى أن النزعة الاستقلالية الفرنسية أوشكت على الانحسار والانتهاء، هذا، ولم تكن التحليلات والتصورات هذه خاطئة، على الأقل في وقتها لأن حملة المرشح ساركوزي نفسها قد ركزت على الآتي:
• بناء تحالف استراتيجي قوي بين باريس وواشنطن.
• إعادة بناء فرنسا بحيث تصبح على غرار نموذج الولايات المتحدة في القارة الأوروبية.
• الانخراط بقوة دعماً لتوجهات السياسة الخارجية الأمريكية في العالم.
ولكن، بعد مواجهة أجندة السياسة الخارجية الأمريكية للفشل وتزايد المعارضة داخل أمريكا لتوجهات إدارة بوش الجمهورية بدا واضحاً أن الدبلوماسية الفرنسية والسياسة الخارجية الفرنسية قد بدأت تحاول تلمس طريقها المستقل في العالم عن دبلوماسية واشنطن ومن أبرز الدلائل على ذلك:
• التحركات الدبلوماسية الفرنسية الأخيرة في أزمة الشرق الأوسط، والتي تبنت خيار التعاون مع دمشق، والتخلي عن خيارات واشنطن غير المتعاونة مع دمشق.
• التحركات الدبلوماسية الفرنسية الأخيرة في أزمة القوقاز، والتي تبنت خيار التعاون مع موسكو والتخلي الذي وصل إلى حد معارضة واشنطن في العمل لاستهداف موسكو.
لقد راهنت الدبلوماسية الفرنسية في تحولاتها الأخيرة على عدم استمرار إدارة بوش في البيت الأبيض وقد كسبت الرهان بصعود أوباما وعلى خلفية ذلك تبرز التساؤلات الآتية:
• هل تنتظر باريس ظهور الخطوط العامة للسياسة الخارجية الأمريكية الجديدة حتى تقوم بوضع خططها الدبلوماسية بما يتوافق مع توجهات الإدارة الجديدة؟
• هل ستحاول باريس المضي قدماً في انتهاج دبلوماسية مستقلة عن واشنطن خاصة وأن الوقت الحالي يتيح لها فرص القيام بذلك؟
إن استقلالية دبلوماسية باريس إزاء الشرق الأوسط تعتبر العامل الأكثر أهمية في الوقت الحالي على الأقل لإعادة توازن القوى إلى صيغة محصلته المتوازنة، والتي تتيح لفرنسا القيام بدور أكبر في منطقة الشرق الأوسط وهو الدور الذي كان موجوداً وحاضراً بقوة في الماضي، ولكن تراجع قوة باريس أدى بالمقابل إلى فراغ القوة الفرنسية في الشرق الأوسط الذي تقدمت واشنطن لملئه خلال فترة المرحلة الثانية من الحرب الباردة التي أطلق الخبراء عليها تسمية مرحلة الحرب بين موسكو وواشنطن على اتفاقيات  هلنسكي التي شكلت بداية مرحلة ما عرف بالانفراج الدولي بين قطبي الحرب الباردة.

 

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...