المدارس الخاصـة عندما تتحول التربية إلى سلعة
توسع التعليم في سورية خلال السنوات الأخيرة حتى وصل إلى 922 مؤسسة خاصة حسب احصائيات الـ 2009 وأخذ شكلاً جديداً من المنافسة والسباق المادي والتجاري إلى أن ابتعد عن أسباب وأهداف وجوده، وتحول الطلاب إلى مجرد سلع ٍتدر ذهباً .
ورغم ضرورة تطوير التعليم الخاص إلى جانب العام، إلا أن هذه الصورة رسمتها فورة ارتفاع أسعار الأقساط السنوية التي حدثت مؤخراً على نحو غريب، بالإضافة إلى ماوردنا من شكاوى تتحدث عن تدني المستوى التعليمي داخل هذه المؤسسات وعدم تناسب الخدمات المقدمة مع المبالغ المطلوبة، والازدحام داخل باصات النقل وداخل الصفوف، وأنظمة التدريس المتعبة والمرهقة للطلبة وأمور أخرى لم يستطع ذوو الطلبة إهمالها حتى لو كانوا من الشرائح المقتدرة مادياً..
فقد دار الحديث معهم حول ارتفاع أقساط الرياض والمدارس الخاصة بما يتراوح بين 30-50٪ عن العام الماضي، مع ارتفاع أسعار المواصلات والملابس المدرسية والقرطاسية وغيرها من الأمور التي اضطر الكثير من الأهالي لتغيير مدارس أولادهم إلى أقل درجة (نجمة) أو العودة بهم إلى المدارس العامة.
وأشاروا إلى مسألة الازدحام داخل باصات النقل حيث يجلس كل ثلاثة طلاب في كرسي واحد، والكثير منهم يصل بطريق الذهاب أو الإياب واقفاً وسط الباص، لامكان له، رغم أن هذه المدارس تأخذ أضعاف التكلفة الحقيقية كأجور نقل لطلابها.
والتحدث عن الازدحام قادهم إلى ازدحام آخر داخل الصفوف، تجاوز العدد المسموح به، فقد وصل عدد الطلاب في الصف الواحد إلى 40 طالباً في بعض المدارس، في حين حددها المرسوم 55 لعام 2004 بـ 30 طفلاً، بالإضافة إلى نواقص في التجهيزات ووسائل التعليم ومستلزمات الخدمات الصحية والترفيه والأنشطة اللاصفية وغيرها من القضايا التربوية والتعليمية الهامة
رغم التحفظات وحالات المنع تمكنا من أخذ ملامح عامة للعديد من هذه المؤسسات التعليمية وبخاصة التي تصنف بمستوى وسط أوجيد حيث وجدنا غرفاً صفية عادية جداً، قاعات للكمبيوتر بأجهزة قليلة، باحات مدرسية صغيرة، وأسعار تتراوح بين 35-65 ألف حسب المرحلة التعليمية للطالب.
هناك مدارس خاصة بالمرحلة الأولى للتعليم الأساسي وبالأصل مجهزة كمنازل للسكن حولت إلى مدارس مع وجود حديقة صغيرة، وعدد من الغرف الدرسية وخدمات متواضعة ومنها أبنية مدرسية جديدة في أحياء سكنية جديدة قدمت بعض الخدمات الاضافية من حيث الشكل والمظهر الخارجي للمدرسة، وتجهيزات الصفوف لكنها رفعت أسعارها بفارق 30 ألف ليرة سورية.
وبالمقابل يوجد مدارس حصلت على صفة استثنائية لكونها نموذجية في أبنيتها ومواصفاتها الهندسية وأنظمة تدريبها والخدمات والمرافق العامة إلا أنها أيضاً استثنائية بأقساطها فقد تصل إلى 200ألف للطالب الواحد خلال العام الدراسي.
ومن المكان ومواصفاته إلى الطاقات والكادر التدريسي ومستوى التعليم الذي تشكو منه الأسر، أنه أقل مما هو متوقع، إذلايوجد تأهيل أوتجديد لطاقات المدرسين والعاملين في هذه المؤسسات رغم تأكيد المرسوم على هذا الجانب في المادة (81) بأن يكون العاملون في المؤسسة التعليمية الخاصة من حملة الاجازات الجامعية .. فمعظمهم لا يحمل دبلوم تأهيل تربوي رغم أهمية ذلك في مرحلة التأسيس الأولي للطفل، والكثير ما زالوا طلاباً جامعيين أو ثانوية عامة، يتم انتقاؤهم من قبل ادارة المدرسة على أساس الخبرة بحثاً عن الرواتب المنخفضة إمكانية والاستغناء عنهم متى أرادوا ذلك، في حين تعد اللغات والمواد الاثرائية هي العمود الفقري الذي يسند سمعة هذه المدارس، بالاضافة إلى قضية متابعة الطالب بمتطلبات الحياة الحالية والمراقبة الادارية الأشد والمستوى المعرفي والعلمي والنفسي للطالب وغيرها من النقاط التي مجدها البعض، والتي ليست عامة أو على سوية واحدة في جميع المدارس فقد وصفها البعض بأنها تشكل عبئاً كبيراً على أطفالهم، فلا يجدون وقتاً يمارسون فيه أي نشاط آخر، وهو محروم من العيش كطفل طبيعي بسبب ضغط المعلومات
وبمقارنة كل ما تقدم، مع مواد المرسوم 55 الذي اتخذ عدة اجراءات لضبط العملية التربوية في هذه المدارس من جوانبها كافة، نجد أن المادة 25 والمادة 26 من التعليمات التنفيذية تأكد على شروط ومعايير البناء والمكان والتجهيزات، حتى إنها حددت مخصصات كل طفل من الباحة والمشارب ودورات المياه وهو أمر غير محقق في 50٪ من المؤسسات التعليمية الخاصة
وقد خصص المرسوم مساحة 1م2 لكل طفل في الشعبة الصفية، بينما الواقع يشير إلى ثلاثة أطفال في هذه المساحة، وفي مرحلة التعليم الأساسي والثانوي تشترط المادة 27 من التعليمات التنفيذية وجود مختبرات للعلوم والحاسوب مناسبة للمراحل الدراسية بحيث لا تقل مساحتها عن 40 م2، ومكتبة لا تقل عن 40 م2 أيضاً مع عدد طلاب 35 في القاعة الصفية، الا أن ذلك غير متوفر الا في بعض المدارس المشهورة.
وبالعودة إلى أهالي الطلبة وعلى لسانهم أيضا: المدارس الخاصة رفعت أقساطها هذا العام دون أن تجدد أي نوع من خدماتها بحجة ارتفاع مادة المازوت، وارتفاع اجور النقل، فواتير الكهرباء ورواتب المدرسين وغيرها .
وعلى سبيل المثال هناك مدرسة للتعليم الأساسي رفعت أقساطها حتى 140 ألف مع المواصلات ولكن هناك 18 ألف مضافة إلى المبلغ السابق سعر نسخة الكتب، وعشرة ألاف اشتراك طعام و20 ألف ثمن المستلزمات الأخرى مثل القصص، كتب تقوية، تدريبات و16 ألف ثمن بدلة مدرسية مع الجاكيت.
وهناك مدرسة أخرى وصلت تسعيرتها هذا العام إلى 150 ألف، من دون سعر الكتب ووسائط النقل، والمستلزمات الأخرى.
وبعض هذه المدارس تعطي الأهل عناوين محلات لبيع الملابس، كانت المدرسة قد تعاقدت معها،ويلزم الأهل بالشراء منها وبالأسعار التي تريدها باعتبارها تحمل شعار واسم المدرسة.
وبالطبع شراء هذه الملابس مع التبديلات ومع الملابس الرياضية والحقيبة يصل المبلغ إلى 25 ألف ل.س.
ومع أن البزنس واضح في طريقة تعامل هذه المدارس إلا أنها تعتبر أقل تسعيرة من غيرها من مدارس أخرى، كما أن جميع هذه المدارس حققت شروط وجودها من حيث المواصفات والبناء والتجهيزات والكادر التدريسي واستوفت بنود المرسوم، لكن المشكلة في المدارس التي سعت وراء الأرباح على حساب الخدمات وعلى حساب تعليم الأطفال.
وقد تحدث امهات الأطفال عن الضغط الكبير الذي يعانيه الطالب في هذه المدارس من حيث كثافة المعلومات والمنهاج وطول الوقت حيث يلزم الطفل من السابعة صباحاً حتى الرابعة مساءً، ويعود إلى المنزل محملاً بالواجبات الاضافية والوظائف والتحضيرات والتي تأخذ ساعات.
تشرف وزارة التربية على التعليم الخاص من لحظة إعطاء التراخيص، وعليه توجهنا ومعنا كل الملاحظات والشكاوى السابقة إلى مديرية التعليم الخاص حيث أجابنا الدكتور محمد محمد معاون الوزير على تفاصيل متعددة تتعلق أولاً بالشروط الواجب توفرها لإنتاج مؤسسة تعليمية خاصة من حيث جاهزية الأبنية وموقعها ومساحتها وتجهيزاتها من مناهل الشرب الخاصة، المرافق الصحية، أجهزة الإنذار بالحرائق والإطفاء، المساحة المخصصة لكل صف، عدد الطلاب داخل الصفوف، وجود مختبرات للعلوم والحاسوب وجود وسائل تعليمية حديثة، مساحة الباحة، وجود المكتبات، وسائط نقل مريحة، وأمور أخرى ينص عليها قانون التعليم الخاص السوري والتي قادتنا للسؤال حول كيفية تصنيف المدارس والرياض الخاصة وفقا للشروط المطلوبة؟
معاون وزير التربية أشار إلى أن المادة 45 من المرسوم التشريعي 55 لعام 2004 قضت بوجوب تصنيف المؤسسات التعليمية الخاصة تحديد أقساطها، حيث طبقت ضمن أربع فئات من حيث البناء« تجهيزاته والقدرة الاستيعابية للقاعة الصفية الواحدة، الأطر التعليمية- سير الدراسة- أسس تسجيل الطلاب » بالإضافة للقرار الوزاري رقم 3597/543( 4/8) المتضمن الطلب من مديريات التربية تشكيل لجان لتصنيف المؤسسات التعليمية الخاصة لديها.
ومع ذلك يبدو أن الكثير من المدارس والرياض الخاص لم تلتزم بتلك التصنيفات لتحديد أسعارها وعليه كان السؤال ملحاً، إن كان هناك سقف معين لارتفاع الأسعار، كيف تنظر الوزارة لموضوع الخدمات؟ وعليه أكد د. محمد:
منع رفع الأسعار من عام إلى عام بمبالغ كبيرة منعاً باتاً، والأقساط تتم وفقاً لأحكام المادة 37 من التعليمات التنفيذية بوجوب تحديد أقساط كل مرحلة وإعلانها بشكل بارز في لوحة الإعلانات الخاصة بالمؤسسة وأن يشمل القسط الرعاية الصحية والخدمات التعليمية وثمن القرطاسية.
أما بالنسبة لأجور الخدمات الأخرى والميزات الإضافية بما فيها أجور النقل لها تسعيرة إضافية تعلن عنها المؤسسة التعليمية لأولياء الأمور قبل التسجيل وتكون الزيادة 1٪ سنوياً أو 3٪ كل ثلاث سنوات، ويحق للوزارة إعادة النظر في أحكام هذه المادة عند اللزوم وفي حال التجاوزات وتفرض على المدارس المخالفة عقوبات منصوص عنها في المادة /101/ من التعليمات المذكورة.
على أرض الواقع لاحظنا مزاجية بتحديد الأقساط السنوية ومنافسة غيرية وصلت إلى درجة غير مقبولة ولا تعبر عن الزيادة المطروحة في المرسوم وهي 1٪، فكانت تفسيرات معاون الوزير هي بضرورة التنويه أن زيادة الأقساط التي طرأت كانت نتيجة زيادة أجور العاملين في هذه المؤسسات التعليمية والتي ارتفعت 25٪ بحسب قرار وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل رقم 873 لعام 2008، إضافة إلى زيادة أسعار مادة المحروقات وما يترتب عليها من نفقات في أجور النقل وارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية.
وقد أعطت الوزارة الحق لمن تقدم بطلب أن ترفع أقساطها بنسب تتراوح بين 10-35٪ حسب التصنيف. مع السماح لهم بزيادة أسعار النقل حسب تسعيرة وزارة الاقتصاد نفسها التي كانت 77٪، هذا كان من حقهم، وذلك بشكل آلي يجب أن يتقدموا بطلب ويدرس من قبل الوزارة.
ولأن الشيء بالشيء يذكر كان لا بد من الاستفسار عن مدى تحقق الوزارة من الشروط الموضوعية لهذه المدارس والتي تسمح لها بتلك الزيادات مع الاستفسار عن الكوادر المؤهلة وتدريبها؟
فكانت الردود تتعلق بالدور الرقابي للوزارة والتقيد بفقرات القانون الذي حدد التسعيرة 1٪ مع زيادة 25٪ تم تجاوزها أصولاً لأسباب موضوعية.
حيث أشار معاون الوزير إلى وجود لجان وموجهين اختصاصيين وتربويين يقومون بمتابعة هذه المؤسسات التعليمية الخاصة للتأكد من مدى تنفيذها لأحكام المرسوم، فهناك لجنة رئيسية مؤلفة من مديرين مركزيين و6 لجان فرعية تابعة لهذه اللجنة ويرأس كل لجنة مدير من الإدارة المركزية،وتستطيع هذه اللجان القيام بزيارات ميدانية لرصد الواقع .
أما مايتعلق بالكادر التدريسي فيجب ألا يقل عن أمثالهم بالتعليم الرسمي، وكل من يدرس في التعليم الخاص يجب أن يكون حائزاً على إجازة جامعية بالاضافة إلى تأهيل تربوي، ومن الناحية التطبيقية إن التعيين في هذه المدارس يحتاج لموافقة الوزارة والتي حددت بأن يكون خريج كلية التربية والحد الأدنى أنه مارس التعليم.
يسمح في رياض الأطفال لأهلية التعليم الابتدائي أوالاعدادي أن تدرس فيها وأيضاً لحاملي الثانوية العامة على أن يكون لديه أكثرمن 500 يوم خدمة، ويسمح للمربية المساعدة أن تكون من حملة الشهادة الثانوية ، ماعدا ذلك إجازة جامعية وتأهيل تربوي وذلك حسب المادة 78 من التعليمات التنفيذية.
وحول تلاعب بعض المدارس والرياض، ومخالفتها للشروط المنصوص عنها سواء في الخدمات أو الكادر التدريسي أو التصنيف أوالمناهج؟ أفادنا د. محمد أنه ليس بهذه البساطة يمكن للجان الموضوعة أن تغطي بزياراتها 21 ألف مدرسة على مستوى سورية، أما المناهج فهي ملزمة بالتقيد بالمنهاج الرسمي المعتمد من قبل الوزارة مع السماح لها بتدريس بعض المراجع الاثرائية باللغات الاجنبية.
بلغ عدد المؤسسات التعليمية الخاصة المرخصة في سورية 1573 مؤسسة وفي دمشق بلغ عددها 306 مؤسسة تعليمية خاصة باستثناء المعاهد وفي محافظة ريف دمشق 274 مؤسسة وفق احصائية 2008-2009م إلاأن هذه الاحصائية لم تشمل في عملها واقع عدد الطلاب الكبير في الكثير من هذه المدارس والتي تجاوزت الـ 30 طالباً للروضة والـ 35 طالباً للتعليم الأساسي والثانوي، والمخالفات في الخطط الدرسية وافتتاح الشعب الصفية الاضافية، والأعداد المسموح بها في وسائط النقل؟ حيث أكد معاون الوزير :
إن وزارة المالية سمحت لهذه المؤسسات باستيراد سيارات عاملة على البنزين أوالمازوت ومعفاة من الرسوم الجمركية بقرارها رقم 37، وقد قضت الفقرة الأولى من القرار الوزاري رقم 425/543 (4/8) بعدم تجاوز الزيادة في استيعاب السيارات والمحددة 50٪ من عدد المقاعد كحد أقصى لاسيما لطلبة المرحلتين الابتدائية ورياض الأطفال .
لقد هدف المرسوم التشريعي 55 لعام 2004م إلى إتاحة المجال أمام المؤسسات التعليمية الخاصة للقيام بدورها التربوي إلى جانب التعليم الرسمي وللاسهام في رفع سوية التعليم وكذلك فسح المجال لزيادة الاستثمارات في مؤسسات تعليمية متطورة إلا أن واقع الأمر عكست القرارات وأخذ منها الجانب الذي يثمر في تطوير الأقساط السنوية لهذه المدارس دون أن يزرعوا لخدمات تعليمية جيدة في أغلبها .
ولم تبرر الاجابات السابقة الواقع التجاري الذي تعيشه هذه المؤسسات التعليمية ولم تكن شافية في طرحها لجميع الثغرات، بل دفعت بهذا الاشكاليات لمزيد من المقارنات والتساؤلات وأبرزت نقاط ضعف كثيرة.
ميساء الجردي
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد