حرب غزة: إدارة المواجهة العسكرية بين الخصمين براً وبحراً وجواً

04-01-2009

حرب غزة: إدارة المواجهة العسكرية بين الخصمين براً وبحراً وجواً

الجمل: تمثل مواجهة حركة حماس مع القوات الإسرائيلية سفراً جديداً في كتاب الصراع العربي – الإسرائيلي وتحديداً الفصل الفرعي الخاص بالصراع الفلسطيني – الإسرائيلي وتشير الوقائع والمعطيات الميدانية الجارية إلى انفتاح هذه المواجهة إزاء كل الاحتمالات سواء من جهة استخدام الوسائط أو من جهة تعدد الاحتمالات والأهداف والمسارات إضافة إلى تعدد التداعيات.
* مسرح القتال: معطيات الجغرافيا العسكرية:
يمثل قطاع غزة مستطيلاً يمتد طولياً (شمال - جنوب) ويقع في زاوية البحر الأبيض المتوسط عند نقاط الحدود الإسرائيلية مع الحدود المصرية. تبلغ مساحة القطاع حوالي 360 كيلومتراً مربعاً ويبلغ طول حدوده مع مصر حوالي 11 كيلومتراً، ومع إسرائيل حوالي 51 كيلومتراً بالإضافة إلى وجود شريط حدودي ساحلي يبلغ طوله حوالي 40 كيلومتراً.
تمثل رقعة قطاع غزة أرضاً سهلية مكشوفة ولا توجد بالقطاع أي مجاري مائية أو مناطق جبلية وأعلى ارتفاع لأراضي القطاع هو نقطة جوز أبو عورة البالغ ارتفاعها 105 أمتار عن سطح البحر.
توزيع الأرض نباتياً يشير إلى وجود 11% من مساحته عبارة عن حراج من الغابات، و29% مخصصة لزراعة المحصولات و24% أراضي صالحة للزراعة ولا توجد أراضي مخصصة للرعي. أما من الناحية البشرية فيتضمن القطاع ستة تجمعات سكانية رئيسية هي:
• كتلة رفح السكانية وتوجد بجانب حدود القطاع مع مصر.
• كتلة خان يونس السكانية وتوجد في الوسط باتجاه الجنوب.
• كتلة مخيم البريج السكانية وتوجد في الوسط تماماً.
• كتلة مدينة غزة التي تمثل أكبر الكتل وتوجد في شمال القطاع.
• كتلة مخيم جباليا التي توجد في أقصى شمال القطاع.
• كتلة مخيم الشاطئ السكانية الملتحمة مع مدينة غزة وتطل على شاطئ البحر المتوسط.
التمايز بين هذه الكتل يتم على أساس اعتبارات أن سكان التجمعات هم من اللاجئين الفلسطينيين الذين نزحوا إلى القطاع من المناطق الفلسطينية الأخرى، أما سكان القطاع الأصليين فيتمركزون بشكل رئيسي في مدينة غزة وخان يونس ورفح.
حركة النقل والمواصلات بين قطاع غزة والعالم تتم إما عن طريق البحر، أو عن طريق المعابر البرية مع كل من مصر وإسرائيل، ويمكن توضيح ذلك على النحو الآتي:
• الحركة البحرية: تسيطر إسرائيل على كامل المدخل البحري وبرغم ذلك، فقد استطاعت الأطراف الفلسطينية النجاح في استخدام الحركة البحرية عن طريق خطط التهريب البحري التي لم تنجح حتى الآن قوات البحرية الإسرائيلية في القضاء عليها بنسبة 100%.
• الحركة البرية: وتتم مع مصر عن طريق معبر واحد هو "معبر رفح"، أما مع إسرائيل فتتم عن طريق معابر: كاريم شالوم – صوفا – كارني – إيريتش.
• الحركة الجوية: يوجد مطار دولي في قطاع غزة ويقع في الركن الجنوبي عند تقاطع حدود القطاع مع الحدود المصرية – الإسرائيلية، وقد ظل هذا المطار مغلقاً بشكل تام لعدة سنوات مضت.
* التكيف العسكري ومسرح غزة:
أولاً: على الجانب الإسرائيلي: تركز الخطة الإسرائيلية على شن الهجوم على القطاع ضمن ثلاثة محاور:
• هجوم بري: من خلال خط الجبهة البرية التي تمتد لحوالي 51 كيلومتراً وتمثل خط المواجهة البرية في حرب حماس – القوات الإسرائيلية.
• هجوم بحري: من خلال خط الجبهة البحرية التي يبلغ طولها حوالي 40 كيلومتراً وتمثل خط المواجهة البحرية.
• هجوم جوي: ويشمل استهداف الطيران الإسرائيلي لقطعة أرض مساحتها 360 كيلومتراً هي عبارة عن إجمالي مساحة القطاع التي تمثل أجواءها مسرح الحرب الجوية.
ثانياً: على الجانب الفلسطيني: تركز خطة حماس على الدفاع ضد العدوان الإسرائيلي على النحو الآتي:
• دفاع بري: يتضمن قيام الحركة بالدفاع عن حدود برية مع إسرائيل يبلغ طولها 51 كيلومتراً.
• دفاع بحري: يتضمن قيام الحركة بالدفاع عن حدود بحرية يبلغ طولها 40 كيلومتراً.
• دفاع جوي: على أساس اعتبارات الدفاع الجوي الإيجابي تعتبر الحركة في حالة انكشاف كامل في مواجهة الطيران الإسرائيلي لأنها لا تملك لا طائرات اعتراضية ولا دفاعات جوية، لكن على أساس اعتبارات الدفاع الجوي السلبي فإن الحركة ما تزال قادرة على تأمين قدراتها العسكرية والبشرية والسلاح والعتاد بعيداً عن متناول الطيران الإسرائيلي.
تحليل الأداء السلوكي العسكري يشير إلى الآتي:
• تحاول القوات الإسرائيلية إرهاق قدرات حركة حماس الدفاعية عن طريق القيام بمحاولات اقتحام القطاع "بحرياً" بما يجعل حماس تحاول الدفاع لحماية جبهة المواجهة البحرية البالغ طولها 40 كيلومتراً، و"برياً" بما يجعل حماس تحاول الدفاع لحماية جبهة المواجهة البرية البالغ طولها 51 كيلومتراً وبكلمات أخرى فإن إجمالي جبهة المواجهة التي يجب أن تعمل لحمايتها حركة حماس هي 91 كيلومتراً. إضافة لذلك فإن الطيران الإسرائيلي يستخدم الاستطلاع الجوي المستمر باستخدام الأقمار الصناعية الإسرائيلية والأمريكية التي ظلت تلعب دوراً مسانداً لإسرائيل في كل حروبها السابقة كما تستخدم إسرائيل الطائرات بدون طيار وطائرات التجسس التي تحلق على ارتفاعات شاهقة.
• جمع المعلومات الميدانية الداخلية: أكدت المعلومات أن الأجهزة الإسرائيلية قد حققت نجاحاً في زراعة الكثير من شبكات التجسس داخل الأراضي الفلسطينية وفي أوساط الفلسطينيين أنفسهم وقد تبين أن الكثير من المعلومات الدقيقة الفائقة الحساسية قد وصلت الإسرائيليين عن طريق هذه القنوات.
• استخدام القصف الجوي: تستخدم القوات الإسرائيلية القصف الجوي المستمر بكثافة لجهة تحقيق الآتي:
- أهداف مادية: تدمير البنيات التحتية بما يشمل القضاء على البنيات المدنية لزيادة معاناة السكان، والقضاء على البنيات العسكرية للقضاء على إمدادات حماس، وتصفية قياداتها إضافة إلى ضرب خطوط إمداد حماس وعلى وجه الخصوص شبكات الأنفاق عن طريق القنابل ذات القدرة على اختراق سطح الأرض لعشرات الأمتار.
- أهداف معنوية: تدمير وتقويض الروح المعنوية للسكان المحليين وعلى وجه الخصوص دفع سكان القطاع المتمركزين في مدينة غزة وخان يونس ورفح إلى التذمر من مواجهة سكان جباليا ومخيم الشاطئ والبريج وغيرها طالما أن القوام البشري لحماس سيتمركز في تلك التجمعات. وتشمل الأهداف المعنوية كذلك القضاء على مصداقية حركة حماس في حماية القطاع والقضاء على السلطة المحلية التي تسيطر عليها الحركة إضافة إلى تحقيق هدفين إضافيين: الأول، ترغيب سكان القطاع في ضرورة التخلي عن دعم حركة حماس والتوجه إلى دعم حركة فتح طالما أن حماس تجلب لهم المزيد من القنابل التي تصبها الطائرات الإسرائيلية فوق رؤوسهم، والثاني ردع سكان الضفة الغربية من مغبة التخلي عن حركة فتح واللجوء إلى دعم حماس طالما أن وجودهم تحت مظلة فتح يدرأ عنهم خطر القصف والحصار الإسرائيلي.
* إدارة المواجهة العسكرية:
تقول المعلومات والتسريبات الإسرائيلية بأن إسرائيل تؤكد على الآتي إزاء حربها ضد قطاع غزة:
• إن المواجهة مع حركة حماس سوف لن تكون سهلة.
• إن المواجهة مع حركة حماس سوف تستمر فترة طويلة قادمة.
• إن على الإسرائيليين الموجودين في جنوب إسرائيل وتحديداً المتاخمين لقطاع غزة أن يستعدوا لتحمل المعاناة الناتجة عن الحرب.
• إن الجيش الإسرائيلي سيتوقع انفتاح المزيد من جبهات القتال الإضافية وبالذات الجبهة الشمالية وتحديداً الحدود اللبنانية – الإسرائيلية لأن المواجهة القادمة مع حزب الله ما تزال محتملة وممكنة خلال الفترة القادمة.
• إن انخراط الجيش الإسرائيلي حالياً في مواجهة حركة حماس في جنوب إسرائيل يتزامن في الوقت ذاته مع استعداداته بشكل كامل لخوض المواجهة في شمال إسرائيل وتحديداً ضد حزب الله.
هذا، وقد وردت كل هذه النقاط في المؤتمر التلفزيوني الذي تحدث فيه وزير الدفاع الإسرائيلي الجنرال إيهود باراك معلناً أن عملية الغزو البري قد بدأت ضد قطاع غزة وبأن إسرائيل تتحسب لاحتمالات المواجهة ضد حزب الله.
الاسم الكودي للعملية الإسرائيلية هو الجملة العبرية القائلة "ميفتزا أوفيريت بيتزوكاخ" وهي عبارة توراتية – عبرية تقابل بالانجليزية "cast lead" ومعناها الإمساك بزمام المبادرة أو تجميع أطراف القيادة. هذا وتقول التسريبات الأمريكية أن هذه الخطة تم إعدادها قبل ستة أشهر وأن تنفيذها سيستمر لفترة قد تمتد إلى حوالي ستة أشهر قادمة، وهذا معناه أن على حركة حماس أن تطبق بمهارة عالية مبدأ اقتصاد الجهد والقوة الحربية بحيث تتفادى التعرض للخسائر البشرية الكبيرة والاستهلاك الكبير للسلاح والعتاد في موجات الهجوم الإسرائيلي الأولي.
هذا، وتقول التسريبات العسكرية الإسرائيلية بأن الهجوم الإسرائيلي قد أدى إلى إفقاد حماس حتى الآن حوالي 30% من قدراتها العسكرية وفقاً للتقديرات الأولية للخسائر التي أصابت حماس من جراء القصف الجوي والبحري الإسرائيلي.
* إدارة الهجوم البري:
في يوم 28 كانون الأول الماضي حشدت إسرائيل حوالي 6700 جندي احتياطي منهم 2000 تحت الاستدعاء و4500 تم استدعائهم لحظة صدور القرار، ولاحقاً صدر استدعاء لـ 2500 عنصر احتياطي آخرين. وبدأت العملية البرية بموجات القصف الجوي ولكن بعد ظهر يوم 3 كانون الثاني تم تعزيزها بموجات القصف المدفعي المنطلق من نيران بطاريات المدفعية والدبابات الإسرائيلية.
حاولت القوات الإسرائيلية يعد القيام بعمليات الاستطلاع بالنيران القيام بعمليات التقدم البري الاستطلاعي وبالفعل بدأت محاولة التغلغل بواسطة بعض المجموعات البرية الصغيرة المكونة من قطع الدبابات والمدرعات التقدم إلى داخل القطاع ضمن المحاور الرئيسية الثلاثة الآتية:
• المنطقة الحدودية المواجهة للمنطقة الواقعة بين مدينة غزة ومخيم البريج وذلك في محاولة لفصل المدينة عن المخيم.
• المنطقة الحدودية الفاصلة بين مخيم البريج وخان يونس لفصل المخيم عن خان يونس.
• المنطقة الحدودية الفاصلة بين رفح وخان يونس لفصلهما عن بعضهما البعض.
إضافة لهذه المحاور توجد المحاور الثانوية الآتية:
• محور الضغط على مخيم جباليا من جهة الشمال.
• محور الضغط على مخيم جباليا ومدينة غزة من جهة الشرق بما يؤدي إلى محاولة فصل المخيم عن غزة واستنزاف قدرات حماس الكبيرة في جباليا بحيث يواجه المدافعون عن المخيم توزيع الجهود في الدفاع عن المخيم من جهتين.
• محور الضغط البحري: وحتى الآن لم تتضح معالم هذا المحور بشكل جيد.
يشير الأداء السلوكي العسكري الميداني الإسرائيلي إلى أن الهجوم البري باستخدام الدروع والمدرعات سيتم تعزيزه بالقصف الجوي المكثف ومحاولات إنزال القوات الخاصة في بعض المناطق التي تتأكد قيادة الهجوم الإسرائيلي بأنها خالية من دفاعات حماس.
ولكن في حالة مواجهة الهجوم البري للمصاعب فمن الممكن بعد فترة وتحديداً بعد التأكد من إنهاك قدرات حماس الدفاعية أن تلجأ إسرائيل إلى عمليات الإنزال البحري الواسعة على طول جبهة المواجهة البحرية البالغ طولها 40 كيلومتراً. ومن الممكن أن تسعى إسرائيل إلى فرض السيطرة على بعض النقاط البحرية الموجودة في الشاطئ عن طريق تزامن الإنزال البحري ثم العمل على تعزيز هذه السيطرة بجعل القوات تتقدم من الجانبين وعلى سبيل المثال لا الحصر:
• التقدم البري في المنطقة الفاصلة بين مدينة غزة ومخيم البريج من جهة البحر ومن جهة الحدود.
• التقدم البري في المنطقة الفاصلة بين مخيم البريج وخان يونس من جهة البحر وجهة الحدود.
• التقدم البري في المنطقة الفاصلة بين خان يونس ورفح من جهة البحر وجهة الحدود.
بعد اكتمال هذا السيناريو تكون إسرائيل قد أكملت سيناريو الفصل بين الكتل السكانية الرئيسية وبعد ذلك يمكن أن تبدأ المرحلة الثانية وهي القيام بالتعامل عسكرياً مع كل منطقة على حدة باعتبارها تمثل نقطة مواجهة عسكرية مغلقة ميدانياً.
حتى الآن لا توجد مؤشرات تفيد لجهة تدهور قدرات حماس الدفاعية ولا مؤشرات تفيد لجهة تقدم قدرات إسرائيل الهجومية. وعلى ما يبدو أن مواجهة حماس – القوات الإسرائيلية ستظهر مؤشراتها الأساسية بعد يومين أو ثلاثة ومن الممكن أن تلجأ حماس إلى تكتيك الانكماش ضمن مناطق الكتل السكانية داخل القطاع وترك القوات الإسرائيلية تتقدم وذلك بما يترتب عليه استدراج القوات الإسرائيلية إلى مسرح حرب عصابات داخل القطاع بما يتيح لحماس إيقاع المزيد من الخسائر في أوساط الإسرائيليين.
ولكن، لما كان دخول القوات الإسرائيلية وتمركزها في المناطق الخالية يترتب عليه الفصل بين الكتل السكانية الرئيسية سوف يلحق الضرر بقدرة حماس على المناورة وتعبئة الحركة وتفعيل عملياتها العسكرية فإن هذا الضرر يمكن أن لا يحدث إذا كانت حماس قد تحوطت لذلك عن طريق تمديد شبكة الأنفاق الرابطة بين الكتل السكانية الثلاثة.

 

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...