أمريكا تتهم السعودية بالإهمال والتقصير والتباطؤ

27-06-2006

أمريكا تتهم السعودية بالإهمال والتقصير والتباطؤ

الجمل: الاجتماع الثاني، في الجولة الجديدة، للحوار الاستراتيجي نصف السنوي، بين الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة العربية السعودية، (تم الاتفاق على تأسيس هذا الحوار، في لقاء قمة كراوفورد بين الرئيس جورج دبليو بوش والعاهل السعودي عبد الله آنذاك، في أبريل 2005م. عقد الاجتماع الأول في مدينة جدة السعودية خلال شهر نوفمبر الماضي. هذا وقد تم الاتفاق على إقامة هذه الاجتماعات بسبب المسائل والمشاكل الثنائية التي تم تسليط الضوء عليها في محادثات كراوفورد بين الرئيس بوش والعاهل السعودي آنذاك. والتي وصفت بأنها بواسطة السعوديين (واضحة وصريحة)، وبأنها (كانت بلا تكلف) بواسطة الأمريكيين.
ومن المتوقع في هذه المرة، أن يحاول الطرف السعودي التركيز على الآفاق المستقبلية للتعاون الواسع الممتد، بينما الولايات المتحدة، سوف تركز على الاهتمام بما تسميه بـ (الإهمال والتعقيد والتباطؤ) الذي يشوب الإجراءات التي اتخذتها المملكة السعودية في الفترة الماضية.
تم تكوين ستة مجموعات عمل، وفقاً لاجتماع جدة بين الطرفين، في نوفمبر الماضي، لتغطية العمل المشترك الأمريكي – السعودي في المجالات الآتية: مكافحة الإرهاب – الشؤون العسكرية – الطاقة – الشؤون الاقتصادية والمالية وهي جميعاً مسميات تبدو أكثر عمومية، إضافة إلى أنها تتسم بالغموض والإبهام، وذلك على النحو الذي يعكس على (الضوء الخافت جداً) بعض الخلافات والتباينات الكبيرة بين السعوديين والأمريكيين. وبرغم ذلك، فإن ما تم استشفافه يشير إلى أن السعوديين قد استطاعوا بنجاح تفادي أي إشارة مباشرة لعملية الإصلاح السياسي وحقوق الإنسان، والتي تمثل المجالات الأكثر تعرضاً للنقد بواسطة مختلف مسؤولي الإدارة الأمريكية وأعضاء وزعماء الكونغرس. وحتى عندما تم التعرض لهذه المسائل، فقد أفادت التقارير بأنه عندما تمت طرحت  مسألة حقوق الإنسان، قام الجانب السعودي بتوجيه طعنة نجلاء وضربة قاضية للطرف الأمريكي، وذلك بإثارة الاهتمام في الاجتماع حول حالة المواطنين السعوديين المعتقلين في خليج غوانتانامو، حيث يقال بأنهم يشكلون النسبة الأكبر من جملة عدد المعتقلين.
مكافحة الإرهاب ومنح تأشيرات الـ (فيزا):
من بين جملة المواضيع التي طرحت للنقاش، كان موضوع الشكوك حول مصداقية وجدية أنشطة ومجهودات مكافحة الإرهاب، وهو الموضوع الأكثر أهمية في الاجتماعات. وقد تحدث المسؤولون الأمريكيّون حول (التعاون الأفضل) و(أن يكون التعاون دائماً في أعلى مستوياته)، وعلى الأغلب أن يكون كليهما صححياً، ولكن، الطبيعة المضللة لمثل هذه الملاحظات والإشارات الكلامية تستمد جذورها الواضحة من الإفادات السماعية والشفهية التي حدثت في جلسة الكونغرس الأمريكي التي عقدت بتاريخ 4 أبريل 2006م، وقد حدثت خلال استجواب لجنة الكونغرس الخاصة بالشؤون المصرفية لمعاون وزير الخزانة الأمريكية: "ستيوارت ليفي" حيث رد قائلاً :" مايجب أن يحدث هو بالضرورة أن على السعوديين القيام بإجراء تحقيقات مالية بشكل جاد وحقيقي، وذلك من أجل تحديد المتبرعين والمانحين من ذوي (الجيوب الكبيرة والعميقة)، والذين مازالوا يقدمون التمويل للإرهاب في الخارج. وذلك هو الشيء الذي يمثل اهتماماً  لازماً، وإن عدم قيام السعوديين بإجرائه، يعتبر في حد ذاته بمثابة غدر وطعنة من الخلف.. ) كذلك عندما قام رئيس لجنة الكونغرس المشار إليها "ريتشارد سيلبي" بسؤال معاون وزير الخزانة عن احتمال وجود فجوة أو هوة بين ما تقوله المملكة السعودية وماتنفذه من سياسات.. رد معاون الوزير قائلاً: (لقد نسيت وفات علي أن أقول بأن هناك إهمالاً وتقصيراً وتباطؤاًَ – من جانب السعوديين – وسوف أنظر لاحقاً.. إذا وجدت ثمة فجوة أو هوة).
من جانبهم، شدد السعوديون على صعوبات الحصول على تأشيرة دخول الولايات المتحدة، المتقدمين لنيل الفيزا عليهم إجراء المعاينة والفحص الشخصي في السفارة الأمريكية بالرياض ، كذلك أكدوا على الحاجة إلى تجديد الاتفاق حول عدد الطلاب السعوديين الذين يدرسون بالولايات المتحدة. هذا، وفي مقابلة مع وكالة الأنباء السعودية الرسمية، تحدث الأمير تركي الفيصل (السفير السعودي لدى الولايات المتحدة) حول برنامج المنح المقترح الذي تم تحديده منذ أيام الملك عبد العزيز (مؤسس السعودية)، والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت.
كذلك ذكرت صحيفة سعودية في يوم 16 مايو، وجود العديد من الصعوبات، والتي من أبرزها عملية رصد ومراقبة جهاز التحقيقات الفيدرالي (FBI) الأمريكي، للطلاب السعوديين بالولايات المتحدة، وإثارته للشكوك حول الطلاب الذين لا يواظبون على حضور المحاضرات باعتبارهم مشكوكاً فيهم، ومن ثم يتم إدانتهم بأنهم (ينتهكون الفيزا) ويتم ترحيلهم وفقاً لهذا الاتهام!!
في الماضي كانت عناصر النخبة السعودية الحاكمة، تقوم بتشجيع المقاتلين الإسلاميين من أجل الذهاب إلى الجهاد في أفغانستان، والشيشان والبوسنة. وحالياً على مايبدو فقد انتهى مثل هذا النوع من التشجيع.
كذلك تقول الرياض، بأنها تكافح وتقاوم الجهود التي يقوم ببذلها بعض الشباب السعوديين، من أجل الانضمام إلى التمرد في العراق، وذلك برغم أن الدليل على نجاح هذه المكافحة مايزال ضئيلاً للغاية، طالما أن العديد من منفذي الهجمات الانتحارية في العراق كانوا من السعوديين. وعلى أية حال، فإن الولايات المتحدة سوف تبذل كل ماهو ممكن من أجل تشجيع جهود المكافحة السعودية الحالية.
صعود النزعة الإسلامية؟
سوف تظل واشنطن مهتمة، ليس فقط بأن السعودية (لاتسمح) بتمويل الإرهاب الإسلامي عن طريق التبرعات والهبات السخية، التي يقدمها بعض الأثرياء السعوديين، بل، والسعودية برغم إنكارها فإنها تقوم بتشجيع عملية تمويل المتطرفين الإسلاميين، وذلك باعتبارها تمثل جزءاً من سياسة الدولة السعودية الحالية. كذلك، يزعم المسؤولون السعوديون بأن المملكة العربية السعودية – حيث تمثل الوهابية والسلفية الصيغة الرسمية للإسلام- تقاوم وتكافح بنشاط وجدية النزعة الإسلامية المتطرفة، حتى داخل المملكة نفسها. وفي هذا الصدد أفادت بعض التقارير بأن فقهاء الدين السعوديين، يقومون بمجادلة ومحاورة (المنشقين) المحتجزين تحت الاعتقال في المملكة باعتبارهم (إرهابيين) حول الاعتبارات المتعلقة بمعنى الـ (جهاد) والـ (حرب المقدسة) ومبدأ الـ (تكفير) ، وبناء على ذلك، كل من يرفض الاقتناع برأي هؤلاء الفقهاء يتم اعتباره كافراً .. وبالتالي يواجه عقوبة الردة: وهي القتل والإعدام. هذا، وحيث أن البعض قد اعتبر عملية (تقويم وتصويب) هؤلاء المنشقين، بمثابة حكماً عقابياً مخففاً، فقد تحدث المفكر برنارد لويس، المختص البارز في الشؤون الإسلامية- في ملتقى قامت برعايته هيئة منتدى بو، قائلاً: "الوهابية السلفية بالنسبة للإسلام، هي مثل الـ (كوكلوكس كلان) بالنسبة للمسيحية".
بعد جولة الحوار الاستراتيجي الأمريكي – السعودي، التي تم إجراؤها في نوفمبر الماضي، حدث أن فازت حركة حماس في الانتخابات التي  حدثت في الضفة الغربية وقطاع غزة. ومن المؤكد أن إسلاميي حماس، هم الأكثر التزاماً في كل الاعتبارات العقائدية والإيديولوجية، لذلك فهم الأقرب والأكثر وداً وانسجاماً مع الكثير من السعوديين، وذلك بخلاف أعضاء حركة فتح الملتزمين بالتوجهات السياسية العلمانية. وفي هذا الصدد، قامت واشنطن بالأساس بالضغط على الرياض وذلك من أجل حماس " الإرهابية"، لتلتزم باتخاذ موقفاً يؤدي لإيقاف كل المساعدات، بشكل يتطابق مع الإجراءات التي اتخذها الغرب ضد حركة حماس.. وقد قال السعوديون، على لسان الأمير تركي (سفير السعودية في واشنطن)، والذي صرح في 10 مايو الماضي، بأنهم قد أخبر زعماء حركة حماس وقادتهم ، بأنهم إذا أرادوا أن يكونوا حزباً حاكماً يقبل التعايش مع الآخرين، فإن عليهم الالتزام والتقيد بالاتفاقيات والمعاهدات التي تم إقرارها، بما في ذلك أن يقبلوا بمبادرة اجتماع القمة العربية المنعقد في بيروت عام 2002م، وأيضاً خارطة الطريق الرباعية ، إضافة إلى نبذهم العنف أيضاً.
وبرغم، حديث السفير الأمير تركي، لا يزال الأمريكيون يتشككون من حقيقة أن السعوديين قد طالبوا حركة حماس بذلك!!، على كل حال، فبرأي الأمريكيين، أن المملكة العربية السعودية، تحت  حكم الملك عبد الله، تعطي أولوية قصوى لمصالحها الذاتية، وأن تقديمها الدعم للسلطة الفلسطينية التي تسيطر عليها حركة حماس، ليس سوى عملية يحاول السعوديون بموجبها توضيح فكرة أن الرياض لا تقوم دائماً بتنفيذ كل ماتطلبه منها واشنطن. وقد قال الملك عبد الله لبعض المساعدين والمرافقين  حوله، أن يفهموا تماماً بأن الولايات المتحدة الأمريكية لن تكون قادرة بما فيه الكفاية لقيادة العالم في المستقبل، طالماً أن بعض مراكز القوى الأخرى في العالم، أصبحت تكتسب كل يوم قوة إضافية أكبر..
في اجتماع 18 مايو، الذي تم برئاسة مشتركة ثنائية، بواسطة كل من كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية، والأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي، الذي عقد بعد أقل من أسبوع من قيام راكب دارجة نارية سعودي بإطلاق النار، تم اعتقاله عقب ذلك.
وقد جرح شرطي سعودي في هذه العملية أيضاً. وبعد تحقيقات مكثفة أعلن المسؤولون في السعودية، بأن محمد عبد الرزاق الغامدي هو مرتكب الهجوم، وأضافوا أنه مصاب بمرض نفسي، ولكن برغم ذلك، فإن وسائل الإعلام السعودية لم لم تشر مطلقاً إلى أن ثلاثة من جملة الخمسة عشر خاطفاً المتورطين في أحداث الحادي عشر من أيلول، يحملون اسم (كنية ) الغامدي حيث لاحظت لجنة التحقيق الخاصة بأحداث الحادي عشر من أيلول أن هناك اثنين من السعوديين يحملون اسم الغامدي كانوا مرشحين للاشتراك في عملية (اختطاف الطائرات).
ذكرت صحيفة سعودية، وجود كتب دينية في سيارة الشخص المهاجم، إلا أن وزارة الداخلية السعودية، أعلنت بأن هذا الشخص كان يتصرف من تلقاء ذاته، وليس له ارتباط مع أي جماعة أو حزب أو تنظيم، وعموماً، مهما كانت القصة، فإن الحادثة قد لعبت دوراً في تأكيد حقيقة انكشاف موقع القنصلية الأمريكية في جدة بما يجعلها عرضة للهجمات، والتي سبق وأن قام تنظيم القاعدة بالهجوم عليها في عام 2004م، على نحو أدى إلى مقتل خمسة من حراسها، ومن ثم، تقوم الحكومة الأمريكية حالياً بتسريع تنفيذ خطة نقل مقر القنصلية الأمريكية من موقعها الحالي إلى مكان يسهل الدفاع عنها، ويصعب الهجوم ضدها.. وذلك بالقرب من مطار جدة الدولي.


الجمل : قسم الترجمة
الكاتب : سايمون هندرسون
المصدر: معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...