هل تعلمت واشنطن أي شيء من التدخل الروسي في سوريه؟

21-04-2016

هل تعلمت واشنطن أي شيء من التدخل الروسي في سوريه؟

*مارتين بيرجير ـ ترجمة رنده القاسم:
مع استمرار تغير الوضع على الأرض ضد الميليشيات المتطرفة التي غزت سوريه، تمكن الجنود السوريون مع القوة الجوية الروسية من توجيه ضربة مدمرة ضدهم، و خاصة ما يسمى الدولة الإسلامية . و بإفراط تحاول المصادر الإعلامية الغربية شرح سبب نجاح روسيا ضد داعش مقابل فشل الائتلاف بقيادة الولايات المتحدة.
و قالت صحيفة Le Figaro  الفرنسية أن فلاديمير بوتين وحده من وقف و واجه الإرهاب، بينما اختبأ كل البقية صارخين بأن كل إنسان مسؤول عن نفسه . لقد امتلك رؤية واضحة حول ماهية  أعدائه و كيف تجب محاربتهم. و لو أنه عجز عن دعم  الأسد في أشد لحظات الحاجة ، لمسحت  الأقليات الدينية المسيحية و اليزيدية و الشيعة و غيرها نهائيا من سورية. و من دون قيام الطائرات الحربية الروسية بشن هجمات يوما إثر آخر، و مع الاكتفاء بالرئيس الأميركي باراك أوباما و الدبلوماسية الفرنسية المتضاربة بقيادة فابيوس ، لما تمت استعادة تدمر. و ترى Le Figaro أن المعارضة المرنة التي أظهرها الروس ضد الإرهاب مجدت الحكومة الفدرالية الروسية و أظهرت أنها لا تزال مخلصة لجيشها ذي السمعة الحسنة و لأصولها الدبلوماسية.
و في وقت سابق، قالت الصحيفة ذاتها أن هناك اختلافا حادا بين انجازات الجنود الروس و السوريين المقاتلين معا ضد الإرهاب و بين المحاولات العقيمة للولايات المتحدة في كل من سورية و العراق. و قال سفير الولايات المتحدة السابق تشاس فريمان للصحيفة بأننا نشهد خطة إستراتيجية ذكية  وضعت في حيز التنفيذ من قبل روسيا. بينما الأميركيون يحاولون إقناع العالم أنهم لا يزالون يقاتلون داعش بشكل فعال، مع فشل وزير الخارجية الأميركي جون كيري في إقناع روسيا بإجبار الرئيس الأسد على التنحي، الأمر الذي كان هدف الولايات المتحدة الرئيسي في سوريه منذ البداية.
و كذلك قدمت لنا صحيفة Washington Post  مقالا ممتعا عن الوضع في سورية جاء فيه:
" خلافا لمعظم القوات الخاصة الأميركية التي تقوم حاليا بتقديم النصيحة للميليشيات في سوريه و العراق من وراء الخطوط و على مستويات كتائب و ألوية، فإن  الوحدات الروسية الخاصة تشارك في المعركة إلى جانب الجنود السوريين على مستوى تكتيكي. و وجود القوات الروسية الخاصة و المستشارين على الخطوط الأمامية ساعد الجنود السوريين و حلفاء الرئيس الأسد في دمج المكاسب و الحصول على أرضية عبر سوريه".
و بدورها أكدت Daily Beast على أن الضربات الجوية الروسية في المعارك الأخيرة كانت الدليل على التزام روسيا بالقتال ضد داعش. و هذه الوسيلة الإعلامية لا تملك أدنى شك في أن التدخل الروسي في سوريه غيّر قواعد اللعبة، و علاوة على  ذلك، مكنت الانتصارات الأخيرة روسيا من تصوير نفسها كمدافع عن الحضارة في مواجهة الهمجية.
أما The National Interest فقد ذهبت أبعد من ذلك بقولها: " التدخل الروسي ساعد في تحويل اتجاه الحرب لصالح نظام الأسد، و التدخل الروسي عمل بشكل كبير على تشويه السياسة الخارجية الأميركية في المجال الدبلوماسي".
غير أن وسيلة الإعلام الكندية المؤثرة  Global Research  ذكرت أن الغرب كان انتقائيا في تغطية الصراع السوري و المعركة ضد داعش، مع محاولة التقليل من الدور لذي لعبته القوات العسكرية الروسية . و قالت الصحيفة لو أن الحلفاء الأميركيين انتصروا على داعش، بغض النظر عن تطرفهم و وحشيتهم، لرأينا الأميركيين يهتفون في الشوارع كما فعلوا بعد الاغتيال المزعوم ل "بن لادن".ما يقود بشكل حتمي إلى التفكير بأولئك المسمون حلفاء  و من سيكون منهم أول حكومة سورية منتخبة ديمقراطيا.
الصحيفة الاقتصادية الأميركية   The Wall Street Journalتؤكد حقيقة أن هناك دروس يجب أن تتعلمها الولايات المتحدة من التدخل الروسي المحدود في الحرب السورية و قالت:
"حرب فلاديمير بوتين الممتازة الصغيرة في سوريه لم تنفجر دون توقف. و مع ذلك احتاج السيد بوتين لستة أشهر ليظهر للعالم أن مشاركات عسكرية متواضعة يمكنها تغيير ميزان القوى، و بأن ليس كل تدخل في الشرق الأوسط ورطة....إذن ما الذي يجب أن تفعله الولايات المتحدة في سوريه؟ التخلي عن دولة سوريه موحدة، دعم الحكم الذاتي الكردي شمال سوريه و دولة علوية حول اللاذقية  مدعومة من روسيه، مع شرط رحيل الأسد. تدمير داعش و المجموعات الجهادية السنية الأخرى بدمج القوة الجوية الأميركية مع إئتلاف الجنود السعوديين و المصريين و الأردنيين.
و على خلفية تغطية كهذه، من قبل وسائل الإعلام الغربية ، تبدو الخطط  القذرة للبيت  الأبيض و السي آي ايه غير شريفة ، و هي المتعلقة باستبدال القتال ضد الإرهاب الدولي ،و بشكل خاص داعش، بإسقاط حكومة دمشق و التخلص من الرئيس بشار الأسد من السياسة السورية. و هذه الخطة إلى جانب أخريات شبيهات بها، وصفت بشكل دقيق في كتاب حمل عنوان "Left of Boom" ، و قد كتبه  دوغ لوكس ، عميل سابق في السي آي ايه كان متورطا بشكل مباشر في  عدد من العمليات المشابهة في أفغانستان و باكستان و سوريه.
كانت خطة البيت الأبيض عام 2012 ترمي إلى الاستيلاء على جزء من سوريه و استخدامه لشن هجمات ضد حكومة دمشق، و لكن في عام 2015 توسعت هذه الإستراتيجية عبر وثيقة أصدرتها مؤسسة Brookings تحت عنوان :" تفكيك سوريه: إستراتيجية جديدة من أجل  أكثر الحروب الأميركية بؤسا" . و ورد أن الفرصة الوحيدة أمام واشنطن لتحقيق نتائج مرضية في سوريه تكمن في تفكيك هذه الدولة عن طريق خلق  اتحاد كونفدرالي يضم عدة مناطق تتمتع بحكم ذاتي. و هذه الخطة، التي نالت موافقة إدارة أوباما، تشير ضمنا إلى أنه يتوجب على البيت الأبيض الاستمرار في السعي لإسقاط الرئيس السوري الشرعي و تقليص الدولة التي كان يرأسها إلى عدد من المناطق غير المحكومة التي سيتنازع عليها أمراء الحرب و المقاتلون المتمردون و المنظمات الإرهابية.
و لكن هناك مشكلة صغيرة متعلقة بهذه الخطة، و هي أن ما من أحد في واشنطن يؤمن اليوم أن الجهاديين المدعومين من قبل الولايات المتحدة يمكنهم هزيمة القوات المشتركة الروسية –السورية و التي تعزل تدريجيا المقاتلين عبر سورية. و لهذا كانت الخطة "ب" التي تتضمن خلق ملاذ آمن للإرهابيين  على طول الحدود السورية- التركية.  هذه المنطقة سوف تسمح للولايات المتحدة و "شركاءها في الجريمة" بالقيام على تسليح و تدريب و رعاية الإرهابيين. و ما من شك بأن قوات أميركية خاصة ترسل إلى سوريه بأعداد كبيرة في الأيام الحالية و مهمتها الإشراف على العملية لضمان سير كل شيء وفقا للخطة.
و لكن ربما حان الوقت من أجل أن يضع البيت الأبيض نهاية لسياساته الفاسدة في الشرق الأوسط. و عوضا عن ابتكار خطط معادية لروسيا، يجب أن تبدأ الولايات المتحدة قتالا فعليا ضد داعش في سورية و العراق لحماية العالم من "طاعون القرن الواحد و العشرين الأسود". ربما بعد ذلك قد تحصل واشنطن على إطراء حقيقي في وسائل الإعلام من أجل تصرفاتها الواقعية، و لمساهمتها الحقيقية في القتال ضد الإرهاب الدولي.


*صحفي و محلل جيوسياسي

عن مجلة New Eastern Outlook الالكترونية






"


 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...