أي "معتدلون" تحت القصف الروسي؟

04-10-2015

أي "معتدلون" تحت القصف الروسي؟

الجمل *توني كارتالوشي ـ ترجمة رنده القاسم:
في مقالتها الأخيرة تحت عنوان :"الروس يضربون أهدافا في سوريه لا مناطق داعش"، تحاول صحيفة The New York Times تصوير أعمال روسيا الأخيرة في سوريه على أنها مخادعة و خطيرة، و تقول:
"شن سلاح الطيران الروسي هجوما ضد مقاتلي المعارضة السورية يوم الأربعاء، بما فيهم على الأقل مجموعة تم تدريبها على يد ال سي آي ايه ، مثيرة احتجاجات غاضبة من قبل المسؤولين الأميركيين و دافعة الحرب الطائفية المعقدة هناك نحو أرض جديدة خطيرة"
و بالطبع هذا الكلام يجعل أعمال روسيا مخادعة و خطيرة في حال كانت المجموعات المدربة من قبل السي آي ايه  هي أولئك "المعتدلين" الذين تدعي الولايات المتحدة وجودهم. و لكن هم ليسوا كذلك، و بهذا فان ما تقوم به روسيا مبرر كامتداد لسياستها الحالية.
منذ أشهر، و بعد سنوات من المقالات التي تؤكد قيام الولايات المتحدة سرا بتسليح مقاتلين  في سوريه بهدف إسقاط حكومة دمشق، و الروايات تدور حول "انشقاق" عشرات الآلاف من هؤلاء المقاتلين و انضمامهم للنصرة و ما يسمى الدولة الإسلامية و تُنشر للرأي العام من قبل وسائل الإعلام الغربية و السياسيين الأميركيين لتفسير الفشل الواضح للسياسة المزعومة من قبل الولايات المتحدة الرامية إلى خلق جيش من "المعتدلين" لمحاربة كل من داعش و القاعدة و الحكومة السورية.
في الواقع منذ البداية لم يكن هناك أبدا معتدلون. و منذ عام 2007 ، أي قبل سنوات من بدء الحرب في سوريه، كانت الولايات المتحدة قد قررت عمدا تمويل و دعم الأخوان المسلمين السوريين، و هم شكل من الأشكال الجناح السياسي للقاعدة ، و بدأت بتسليح ميليشيات مرتبطة بالقاعدة نفسها.
هذا الأمر كشفه عام 2007 الصحفي الحائز على جائزة بوليتزير سيمور هيرش  في مقال نشرته New Yorker تحت عنوان :"إعادة التوجيه :هل تستفيد السياسة الجديدة للإدارة من أعدائنا في الحرب على الإرهاب؟" و فيها ورد:
"من أجل إضعاف إيران، ذات الغالبية الشيعية، قررت إدارة بوش إعادة تحديد أولوياتها في الشرق الأوسط. ففي لبنان، تتعاون الإدارة مع حكومة السعودية ، السنية، في عمليات سرية ترمي إلى إضعاف حزب الله، المنظمة الشيعية المدعومة من إيران. كما وشاركت الولايات المتحدة في عمليات سريه تستهدف إيران و حليفتها سوريه. نتائج هذه النشاطات تجلت في دعم مجموعات متطرفة سنية تحمل الرؤية القتالية للإسلام و معادية للولايات المتحدة و متعاطفة مع القاعدة".
تقرير هيرش التنبؤي ذو الصفحات التسع يكشف أنه منذ ذلك الوقت و الأخوان المسلمون السوريون المتطرفون يحصلون على تمويل و دعم من الولايات المتحدة عبر السعودية، إذ كتب:
"يوجد دليل على أن إستراتيجية الإدارة المتعلقة بإعادة التوجيه قد استفادت من الأخوان المسلمين. جبهة الخلاص الوطني السورية عبارة عن ائتلاف يضم مجموعات معارضة  و أعضاؤه الأساسيون حزب يقوده عبد الحليم خدام، النائب السابق للرئيس السوري الذي انشق عام 2005،  و الأخوان المسلمون. و قال لي  ضابط سابق في السي آي ايه : "لقد وفر الأميركيون كلا من الدعم السياسي و المالي. و يحتل السعوديون دور الريادة في الدعم المالي، و لكن هناك تورط أميركي".  و قال بأن خدام ، الذي يعيش الآن في باريس، يحصل على نقود من السعودية، بعلم البيت الأبيض (عام 2005 التقى وفد من أعضاء جبهة الخلاص مع مسؤولين من مجلس الأمن القومي، و ذلك وفقا لتقارير صحفية). و أخبرني مسؤول سابق في البيت الأبيض أن السعوديين زودوا أعضاء من الجبهة بوثائق سفر".
عام 2011 بدأت فروع من القاعدة في سوريه، و أشهرها جبهة النصرة، بعمليات واسعة متخذة دور القيادة في الحرب التي تدعمها واشنطن ضد دمشق، و في 2012، عندما قامت الإدارة الأميركية باعتبار جبهة النصرة منظمة أجنبية إرهابية، كان من الواضح أن الجزء الأكبر من القوات المعادية للحكومة في أرض المعركة تنتمي للقاعدة.
و في تقرير أصدرته الخارجية الأميركية حول جبهة النصرة جاء ما يلي:
"منذ تشرين الأول 2011، أعلنت النصرة مسؤوليتها عن حوالي 600 هجوم، يتدرج من هجمات انتحارية جاوزت الأربعين إلى عمليات استخدمت أسلحة بسيطة أو وسائل تفجير ارتجاليه، في مداخل المدن الرئيسية بما فيها دمشق و حلب و حماه و درعا و حمص و ادلب و دير الزور . و خلال هذه الهجمات قتل أعداد من السوريين الأبرياء".
من الواضح أن القاعدة لم تكن متورطة فحسب بالصراع منذ بدايته، بل كانت تقوده. و هذا يخالف الخطاب الأميركي الحالي القائل  أن القاعدة دخلت القتال فيما بعد، مستفيدة من الفوضى التي خلقها "المعتدلون" في قتالهم مع دمشق. من الواضح أن القاعدة نفسها هي من قاد هذه الفوضى منذ البداية ، و ما زالت تقودها حتى اليوم.
و لشرح كيف حل عوضا عن  "المعتدل" الخيالي، الذي تتحدث عنه أميركا، القاعدة و داعش في أرض المعركة السورية، ادعت الولايات المتحدة أن عمليتها ذات الخمسة أعوام و التي كلفت مليارات الدولارات تعاني من انشقاقات رهيبة. و ذكر مقال في الغارديان تحت عنوان :"متمردو الجيش السوري الحر ينشقون و ينضمون إلى مجموعة جبهة النصرة الإسلامية" :
"مجموعة المعارضة السورية المسلحة الأساسية، الجيش السوري الحر، يفقد مقاتلين و قدرات تنضم إلى جبهة النصرة ، المنظمة الإرهابية ذات الروابط مع القاعدة و التي انبثقت كأقوى مجموعة من ناحية التجهيز و التمويل تقاتل نظام بشار الأسد".
و في مقال تحت عنوان "بعد أربع سنوات، الجيش السوري الحر ينهار" ، ذكرت صحيفة        The International Business Times   :
"التقطت جبهة النصرة آلاف الرجال الذين قاتلوا يوما تحت مظلة الجيش السوري الحر خلال السنوات الثلاث الماضية. و هي توفر لجنودها مئات الدولارات شهريا كرواتب  و حصص طعام ، بينما لا يتقاضى الجنود في الجيش السوري الحر أي راتب شهري . و عندما اكتسبت مجموعات متطرفة مثل جبهة النصرة أرضيه في سوريه و تلقت ملايين الدولارات نقدا و أسلحة من رجال أعمال أثرياء في دول الخليج و ليبيا، لم يكن أمام "المتمردين المعتدلين" خيار، إذ شعروا و كأنهم خدعوا و لهذا انضموا إلى داعش"
ذكرت صحيفة The Daily Beast في مقال تحت عنوان "انحلال مجموعة تمرد سوريه أساسية مدعومة من الولايات المتحدة و انضمامها للإسلاميين" :
"انهارت مجموعة التمرد السورية "حركة الحزم"، و هي واحدة من أكثر الميليشيات الموثوقة المقاتلة ضد بشار الأسد، و قام ناشطون بنشر تصريح على شبكة الانترنيت من قادة الخط الأمامي  مفاده أنهم يحلون وحداتهم و يضموها إلى ألوية تابعة لتحالف إسلامي أكبر لا تثق به واشنطن"
لقد حملت حركة الحزم معها إلى القاعدة و داعش أسلحة أميركية متطورة تساوي ملايين الدولارات بما فيها صورايخ TOW الأميركية المضادة للدبابات
كما و قيل بأن الفرقة 30، و هي أحدث مجموعة مدعومة من الولايات المتحدة، قد انضمت إلى القاعدة، على افتراض أنهم لم يكونوا ميليشيات تابعة للقاعدة منذ البداية. و قد نشرت The Telegraph مقالا تحت عنوان " فرقة المتمردين 30 المدربة من الولايات المتحدة تخونها و تسلم الأسلحة لفروع القاعدة في سورية" و نقرأ في المقال:
"ذكرت التقارير أن المتمردين المدربين من قبل البنتاغون في سوريه قد خانوا داعمهم الأميركي و سلموا أسلحتهم إلى القاعدة في سوريه مباشرة بعد الدخول ثانية  إلى البلد...مقاتلون من الفرقة 30، فرقة المتمردين "المعتدلين" المفضلة لدى الولايات المتحدة استسلموا لجبهة النصر التابعة للقاعدة"
هذه الأخبار التي يقر بها الغرب نفسه، حول انضمام "المعتدلين" المدعومين من قبل الولايات المتحدة إلى صفوف القاعدة بالآلاف، تؤكد على  الأقل أن سياسية أميركا القائمة على المعارضة المعتدلة فد فشلت بشكل كامل. و لكن  الوثائق التي تعود إلى عام 2007 تثبت أن الولايات المتحدة لم تملك النية بخلق معارضة معتدلة منذ البداية، و أن الأخبار حول "الانشقاقات" هي ببساطة تغطية على التمويل و التسليح المباشر للقاعدة و داعش في سوريه.
و على الأقل يمكن القول أن روسيا حين تقصف هذه المجموعات، التي انضمت إلى القاعدة أو ممكن أن تنضم إليها، إنما تقدم خدمة للبنتاغون. الأمر الذي يعيدنا إلى أحدث مقال نشرته New York Times  . فروسيا لا تقوم اعتباطيا بقصف "معتدلين" في سوريه مدعومين من الولايات المتحدة من أجل القضاء على ما يزعم أنه معارضة "شرعية" لحكومة دمشق، و إنما يقوم الروس بقصف إرهابيين إما يعملون تحت لواء القاعدة و لكن يصورون من قبل الولايات المتحدة بشكل مختلف، أو سينتهي بهم المطاف حتما بتسليم مقاتليهم و أسلحتهم إلى القاعدة..إن روسيا تضرب القاعدة....
و ورد أيضا في مقال The New York Times:
" قال وزير الدفاع آشتون يوم الأربعاء أنه بدعم الأسد و تحدي أي شخص يقاتل الأسد تتحدى روسيا كل البلد الذي يحارب الأسد ، و أضاف " بعض من هذه المجموعات مدعومة من قبل الولايات المتحدة و ضرورية لكي تكون جزءا من الحل السياسي في سوريه".
بالتأكيد روسيا تقصف ميليشيات مدعومة من الولايات المتحدة، و لكن هذا لأن الولايات المتحدة قامت عمدا بدعم القاعدة و داعش في سورية. فحين تقرر الولايات المتحدة بصدق توجيه ضربة قاضية لقوات داعش، يمكنها ببساطة إغلاق المعابر الحدودية التركية التي يتدفق عبرها التمويل لداعش من مقاتلين و أسلحة و عربات. و بضمان الحدود السورية التركية شمالا، و الأردنية السورية جنوبا، يمكن للولايات المتحدة القضاء على داعش في غضون شهر ، إذا لم يكن أقل.
و بسماحها عمدا بتدفق التمويل لداعش تحت أنظار حلفائها و قواتها العسكرية المتمركزة في الأردن و تركيا،تؤكد الولايات المتحدة أنها تعمل على تخليد وجود داعش.
و قال وزير الدفاع آشتون أن موقف روسيا "مشؤوم" ،ما يبدو أنه مناشدة من قبل الولايات المتحدة لمقاومة محاولات موسكو اقتلاع مجموعات القاعدة إضافة إلى محاربة داعش و القضاء عليها.و لكن المشؤوم حقا هو  سياسة دعم الإرهابيين التي تكشفت أمام العالم  ، و السياسة التي فشلت حتى الآن في إسقاط الحكومة السورية المدعومة الآن من القوات الروسية و الإيرانية و ربما الصينية .
و أخيرا ، لأولئك الذين لا يزالون يشكون في كون داعش من خلق السياسة الخارجية الأميركية، أقول أن داعش تقاتل الآن القوات العسكرية المشتركة من سوريه و حزب الله و إيران و العراق و الآن روسيا. و لا بد أن يسأل المرء من الذي يملك الموارد المادية و المالية و القدرات على دعم جيش وحيد قادر على مواجهة تحالف متعدد القوميات بهذا الحجم؟ إذا لم يكن من الولايات المتحدة و حلفائها في المنطقة ، فمن أين تحصل داعش على قدراتها القتالية؟؟؟؟
الادعاء بمحاربة داعش ، و بنفس الوقت دعمها، هو بالتأكيد موقف مشؤوم ، حكم عليه بالفشل اليوم ، و حكم عليه بالإدانة الأبدية في المستقبل...


*كاتب و محلل جيوسياسي أميركي مقيم في بانكوك

عن مجلة New Eastern Outlook الالكترونية


إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...