ما هو مستقبل داعش؟

26-10-2014

ما هو مستقبل داعش؟

الجمل-*كاترينا ريشكوفا- ترجمة: رندة القاسم:

في الأشهر الأخيرة ارتعد العالم خوفا من العنف الذي ترتكبه الدولة الاسلامية في الشام و العراق (داعش). و في الأصل خُلقت المجموعة اثر سقوط صدام حسين، كجزء  من مشروع يهدف لخلق "عراق جديد ديمقراطي" . و كان قدر هذا المشروع الفشل ، كحال محاولات أخرى سابقة من قبل واشنطن من أجل اعادة رسم خارطة الشرق الأوسط. و منذ البدايات لم يكن البيت الأبيض قادرا على ادراك الخطر المحتمل لـ "وصفته السياسيه" التي كانت غير دقيقة و متفجره. انه مشروع مشابه لما قامت به واشنطن تحت مسمى "محاربة التهديد السوفييتي" ، و أدى الى صعود القاعدة و طالبان أفغان، و كلاهما بتمويل من ال CIA. و يمكن أيضا الاشارة الى محاولة تسليم  الأخوان المسلمين زمام السلطة في مصر، و المحاولات العقيمة لاسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، و قد تلقت الأخيرة دعما علنيا من السيناتور الأميركي جون ماكين.
بكلمة أخرى، أولا يقوم الغرب على إثارة التعصب في المناطق ذات المصالح الاستراتيجية ، ثم يقوم على نصح  المتعصبين بشن حرب على أعدائه، و على نحو مفاجئ، تتغير خطب واشنطن لأجل شن هجوم على "أخطر شياطين العالم". حسنا، هذه الطريقة عرفت منذ الحرب العالمية الثانية عندما قال الرئيس الأميركي آنذاك هاري ترومان: "إذا رأينا أن ألمانيا تنتصر سنعمل على مساعدة روسيا ،و اذا كانت روسيا هي من يحقق النصر سنساعد المانيا، و بهذه الطريقة نجعلهم يقتلون بعضهم البعض قدر المستطاع".
في الواقع، ميليشيات داعش كانت تتصرف بجسارة منذ أول تجل لتعاطف واشنطن معهم ، حين نظرت اليهم على اساس انهم "معارضة معتدلة في سوريه و العراق" . غير ان قادتهم أضحوا مقتنعين بروعتهم و بأنهم يتمتعون بالحصانه بسهوله. و منذ الأيام الأولى لاعلانها ، و بينما كانت تحاكي عجرفة الولايات المتحده، انتهكت داعش عددا من المبادئ الشرعية الدولية.

أولا، تجدر الاشارة الى أنه من وجهة النظر القانونيه، لا يمكن لمنظمة أن تسمي نفسها "دولة" ان كانت تفتقد لعدد من الصفات المحددة. و المنطقة التي ادعت داعش أنها ملكها تابعة لدول معترف بها، و خاصة العراق و سوريه. اضافة الى أن الدولة الاسلامية صرحت بانها ماضية لاحتلال المشرق، ما يشير الى أراضي عدد من الدول في شرق المتوسط تضم سوريه، لبنان، اسرائيل، الأردن، فلسطين، مصر و تركيا.
علاوة على ذلك، ما من نظام قانوني مطبق في الدولة الاسلامية  يضم قواعد ملزمة للقيادة ،الأمر الجوهري بأي دولة حقيقية. و بالنسبة لقانون الشريعة ، الذي تستشهد به داعش معظم الوقت، فانه لا شيء عدا مجموعة قواعد دين

عن الانترنت

يه ، القانون الأعلى في دولة مسلمة، غير ان المجتمعات الاسلامية المعاصرة بحاجة الى معايير اضافيه تنظم العلاقات القانونيه.
و قبل أي شيء، الأساس المالي في أية دولة موجوده يكون عن طريق نظام ضرائب و نفقات. و نظام الضريبة الاسلامية في الدولة الحديثة غير قادر على الايفاء بمتطلبات الدولة الاسلامية. فداعش لا تملك ميزانيه، و لا مؤسسات ماليه، و لا شيء.. و تدفق الأموال عن طريق هبات عفوية من قبل أشخاص مؤيدين لايديولوجية الدولة الاسلاميه، الى جانب أرباح النفط. و من السذاجة افتراض أن المجتمع الدولي سيرفض شراء النفط بسبب مصدره. كل هذه العائدات تخدم هدفا واحدا، و هو ضمان استمرار نشاطات داعش العسكريه و الارهابيه، و الدولة الاسلامية لن تحل أية مشكلات اجتماعيه.
و يجب ملاحظة أن مبدأ العدالة من أهم مبادئ القانون الاسلامي، و كان القادة المسلمون معنيين دائما بدعم رعاياهم، و خاصة أولئك الواقعين في فاقة شديده، و ذلك وفقا لمنهج القرآن و السنه، غير أن الدولة الاسلامية لا تولي هذا الأمر أدنى اهتمام.

أما بالنسبة للسكان، و هو خاصة أخرى تحدد الدولة، فانه سؤال كبير حين يتعلق الأمر بالدولة الاسلاميه.فأي سكان يجب أن يكونوا قادرين على التكاثر، و لكن بما أن كل نشاطات داعش ترمي الى محاربة أعداء خارجيين، فان سكانها يزدادون عن طريق أسر النساء. غير أن الاسلام شجب العنف ضد النساء، و عير تاريخها كانت الحضارة الاسلاميه، لاسيما السنيه، تدافع عن حق المرأة بالزواج طوعا. و العلاقة بين الجنسين خارج اطار الزواج يعتبر زنا، و هو واحد من أكبر الآثام في الاسلام. و العنف ضد نساء من أديان أخرى يعتبر أيضا اثما كبيرا، و بما أن القرآن و بوضوح سمح للرجال المسلمين الزواج من يهوديات و مسيحيات، فهذا يعني أنهن يملكن نفس الحقوق كما المسلمات.
لا يمكن اعتبار الدولة الاسلاميه منظمة اسلاميه، و الأفكار و المبادئ و الطريق التي تتبعها داعش تناقض معايير القرآن و السنه، فالعنف و قتل المسلمين و أهل الكتاب (أي المسيحيين و اليهود الذين تجلى لهم الرب ، كما المسلمين، و منحهم دينا و تعاليم أخلاقيه) يعتبر ثاني أكبر الخطيئات في الاسلام. غير ان داعش و بوضوح تحث أتباعها على قتل الشيعة. و لهذا ، فان المنظمة تستخدم الاسلام كغطاء و لكنها في الواقع لا تشترك باي شيء مع هذا الدين.

اذن ما الذي يجذب الناس من كل أنحاء العالم للانضمام لصفوف مقاتلي داعش؟؟ انها الحصانة التي يتمتعون بها. 
في المرحلة الحالية من تطور العلاقات الدوليه ، يعتبر أي استيلاء على الأرض عملا عدوانيا يؤدي الى استخدام القوة ضد المعتدي. غير ان مثال داعش أظهر مدى عجز المجتمع الدولي اليوم. فالمنظمة خلقت في العراق، الدولة التي سببت الولايات المتحده دمارها. و في مرحلة زمنية محددة لم يكن بالامكان اعتباره دوله، اذ لم يكن هناك هيئات حكومية و توقف البرلمان عن الوجود حين لم توجد قوانين للتعاطي معها، و السلطة الحقيقية قسمت بين فصائل منوعة. و نتيجة لذلك، البلد الذي قسم تماما بالعداء الداخلي ، اكتسحه اسلاميون متطرفون. و بما أنه ما من وجود لأحد يوقف ميليشيات داعش في العراق، تحول البلد الى منصة الانطلاق من أجل نشر أفكار الدولة الاسلامية الرهيبه. و الآن، و بعد الحصول على المساعدة الماليه و الدعم الذي تحتاجه، بعد الاستيلاء على خطوط انتاج الغاز و النفط، تبدو داعش مستعده لاغراق المشرق بالدماء.
و بما أن الأراضي المحتلة من قبل ميليشيات داعش تعود لدول اخرى (العراق و سوريه)، لذا من أجل شن ضربات جوية ، أو أي نوع من العمليات العسكريه، لا بد لدولة أو مجموعة دول الحصول على موافقة العراق و سوريه اضافة الى مجلس الأمن. و اذا أخذنا بعين الاعتبار حقيقة أن الأراضي التي تعتبر الدولة الاسلامية أنها تابعة لها مأهولة برجال و نساء أسرى،  فان أي ضربات ضد داعش ستشكل خطرا على حياة مدنيين. اضافة الى أن دول الشرق الأوسط و شمال افريقيا و وسط آسيا قد تسلل اليها عناصر من داعش يقومون على تهيئة السكان المتطرفين للثورة ضد حكوماتهم في الوقت المناسب.
و ليست الدول الاسلامية وحيدة في معاناتها من خطط داعش، فالاتحاد الأوروبي و حتى الولايات المتحدة الأميركية سيتبعونها. و مع عودة الجهاديين ذوي الخبرة القتاليه الى أوطانهم ستغدو مشكله "الارهاب المحلي" الأكثر شيوعا. لا سيما اذا أخذ المرء بعين الاعتبار التصريحات التي اطلقتها داعش حول هجماتها القادمة، و خاصة أن أحدها قد تم بنجاح في أنفاق لندن.
و لهذا السبب يجب ألا يعتمد قتال داعش على ضربات واشنطن الجوية غير الشرعية التي كانت في العراق و سوريه. و لكن عوضا عن ذلك يجب ان تكون هناك جهود مشتركة من أجل مواجهة التطرف في أي مكان يطل فيه برأسه.


*دكتوره في القانون، و بروفيسوره في معهد موسكو للعلاقات الدوليه.
عن مجلة New Eastern Outlook الالكترونيه

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...