(وثائق سورية): خطاب القوتلي تكريماً لروح الشهيد جول جمال

07-04-2009

(وثائق سورية): خطاب القوتلي تكريماً لروح الشهيد جول جمال

  خطاب فخامة الرئيس في حفلة أقامتها الكنيسة الأرثوذكسية بدمشق تكريماً لروح البطل الشهيد جول جمال الذي استشهد في حرب العدوان على مصر عام 1956م.

(إن هذا الحفل التذكاري الذي تقيمه الكنيسة الأرثوذكسية على روح الشهيد جول جمال أحد ضباط البحرية في الجيش السوري لهو أجمل تحية ترسل إلى تلك الروح الطاهرة في عليائها حيث تقييم الآن في صف الشهداء الأخيار راضية مطمئنة.
    وإنه ليسعدنا أن نشارككم في هذا الاحتفال ونجتمع وإياكم في مقام الذكرى وفي ظل لواء الشهادة تلك الشهادة الكبرى التي كانت قدوة شريفة وقيادة ظافرة لنرسل معكم تحية الوطن إلى المواطن الصالح وتحية الجيش إلى الجندي الباسل والابن البار.
    في مقام هذه الذكرى نجتمع اليوم وتحت لواء الشهادة المظفر نسير وكم كان لنا في تاريخ هذا الوطن من ذكريات جامعة وقفنا معاً في مقاماتها وسرنا معاً تحت راياتها فجعلت لنا من هذه الأرض المقدسة وطناً واحداً ومورداً واحداً وكانت بين أوثق الروابط التي تربط الأهل بالأهل والصحب بالصحب في آلامنا وآمالنا.
    بين شاطئ اللاذقية وشاطئ بور سعيد أيها الأخوان الأعزاء استطاع جندي سوري ثاقب بصره وعميق إيمانه وعظيم حبه لوطنه وعروبته أن يرى حقيقة لا تخفى ويجب أن لا تخفى على أحد وهي أن البارجة الافرنسية المعتدية الغادرة لو أتيح لها أن تقهر بالأمس بور سعيد فإنها غداً ستقهر اللاذقية وأن العدو واحد وأن الوطن العربي واحد أيضاً وعندما وجه هذا الجندي السوري المغوار نفسه إلى أحضان الخطر كان على يقين كبير بأنه لا يدافع عن مصر وسورية وحدهما بل عن العروبة وسلامتها الخالدة وسيادتها، فهو ليس ابن الجيش أو الوطن فحسب بل ابن هذه الأمة الخالدة بمآثرها الظافرة بمجد شهدائها.
    وأن أمة هذا شأنها لن تغلب بأذن الله.
أيها الاخوان:
    ليس جول جمال وحيداً في تاريخ نضالنا المشترك مسيحيين ومسلمين في سبيل الدفاع عن أرض هذا الوطن وفي سبيل الدفاع عن القومية العربية فتاريخنا البعيد والقريب حافل بذكريات مشتركة سطر فيها السوريون والعرب في جميع ديارهم مواقع غراء في محاربة المغيرين الطامعين والدفاع عن حرية هي للجميع وعن أرض ورزق هما للجميع وعن سيادة وعزة وكرامة هي للجميع.
    ففي الثورة العربية الكبرى إبان الحرب العالمية الأولى قدم المسيحيون والمسلمون رجالهم إلى ساحات القتال وشهداءهم على مذابح الحرية وفي النضال القاسي الطويل الذي جابهنا به الاحتلال الفرنسي كان امواطنون على اختلاف مذاهبهم ومللهم ونحلهم مسلمين ومسيحيين جنباً إلى جنب في معركة الدفاع عن النفس الشرف وكم حاول المحتل الغاصب وهو في عنفوان قوته ونفوذه أن يفسد الضمائر ويبذر بذور الفتنة والتفرقة، فزعم أنه يحمي المسيحية كما زعم غيره من أرباب المطامع أنه يحمي الإسلام فلم يلق هذا وذاك سوى خيبة الأمل وإخفاق الخطط المرسومة واستغلال الدين وتشويه سمعة البلاد، وللمسيحيين وللمسلمين رب يحيهم ووطن يرأف بهم ومصير مشترك يمشون في طرقه يداً بيد وقلباً بقلب.
    في هذه المناسبة القومية وأمام روح الشهيد الخالد أرسل التحية لغبطة البطريرك الارثوذكسي وصحبه الأجلاء وأبناء هذه الطائفة الكريمة لما أتاحوه لنا من المشاركة بتخليد ذكرى ابن حبيب من أبناء هذا الوطن الفخور بشبابه المعتز بجنوده العظيم بمجد شهدائه.
إنها مناسبة لأعلن أمام جموعكم أيها الإخوان أن الحكومة السورية بالإضافة إلى ما قامت به من واجباتها الوطنية في تخصيص راتب لعائلة الشهيد التي استحقت شكر الله والوطن فقد أطلقت أمانة العاصمة اسم الشهيد جول جمال على الشارع وراء شارع بغداد حتى شارع حلب كما أطلقت وزارة المعارف اسم الشهيد على الثانوية الثالثة للذكور ومنح الشهيد الغالي وسام حربي من الدرجة الممتازة تخليداً لذكراه وتمجيداً لبطولته وترسيخاً لها في صدر الأجيال وأنا نرجو الله سبحانه وتعالى أن يتغمد الشهيد برحمته ورضوانه وأن ينفع الأجيال العربية جميعها بذكرى تضحيته وفدائه.

المصدر:
مجموعة خطب الرئيس شكري القوتلي خلال عامين من رئاسته أيلول1955-أيلول 1957م، دمشق عام 1957م.

الجمل- إعداد:سليمان عبد النبي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...