هل يعيد المخرجون المسرحيون النظر في خياراتهم النصية؟

08-12-2011

هل يعيد المخرجون المسرحيون النظر في خياراتهم النصية؟

في زاوية «كواليس» التي كتبها الكاتب المسرحي د.علي سلطان في العدد الأخير من مجلة «الحياة المسرحية» أثار موضوعاً على غاية من الأهمية والإلحاح في الحركة المسرحية السورية خصوصاً، والعربية عموماً، ألا وهي قضية الصراع بين الشكل والمضمون في المسرح، وبالتحديد المسرح المعاصر الذي استفاد من التقدم التقني المذهل في تطوير أدواته وطرق وأساليب تواصله مع المتلقي، وهي طرق وأساليب كانت في مراحل سابقة من عمر المسرح العالمي تمر عقود، وربما سنوات من دون أن تطرأ عليها تغييرات تُذكَر، بينما نحن اليوم أمام حركة متسارعة وصورة مختلفة تماماً للمسرح في العالم أجمع تقوم على الاستفادة المستمرة والدؤوبة من كل ما يتوصّل إليه العالم من تقنيات حديثة تعطي المجال الأوسع للمخرجين المسرحيين في توسيع نطاق إبداعاتهم.

ارتباكات عربية ‏
هذا التقدم وما رافقه من عملية لتطوير الحركة المسرحية العالمية قابله ارتباك واضح في مسرحنا العربي الذي وجد بعضُ فرسانه أنفسَهم مضطرين للتفريط بشيء من الدعامات التي قام عليها المسرح العربي لمدة تزيد على المئة عام مقابل إدخال شيء من التجديد على الأشكال المسرحية العربية التي تحدث عنها كثيرٌ من الدارسين والمنظّرين المسرحيين العرب من دون أن يستطيع أيٌ من هذه الأشكال أن يكرِّس نفسه كشكل أوحد ونموذجي للمسرح العربي.. وهذه الدعامات كانت تقوم بشكل أساسي على كون النص المسرحي هو الأساس وهو البطل شبه الأوحد في العرض المسرحي بما يغتني به من أفكار وطروحات فرضت نفسها على مدى سنوات طويلة على الحركة المسرحية العربية، والسورية في المقدمة منها.. ويمكن القول إنه وخلال سنوات قليلة تغيّر الكثير من المفاهيم التي كان يقوم عليها المسرح في سورية والوطن العربي، فقد أصبح –غالباً- الشكل في العروض المسرحية الجديدة هو الأهم وهو الهدف الذي يتوجه نحوه المسرحيون من دون الأخذ بعين الاعتبار أن التفريط بأحد الركائز الأساسية للعرض المسرحي ألا وهو النص المسرحي سوف يؤدي إلى تقويض دعائم مفهوم العرض المسرحي الذي تشكّل عبر سنوات طويلة, وبذل المسرحيون العرب الكثير من جهدهم ووقتهم في سبيل تكريسه وتعزيزه في أرض لم تعرف هذا الفن –حسب وجهة نظر الكثيرين- إلا ابتداءً من النصف الثاني من القرن التاسع عشر. ‏

محاولات التأصيل المسرحي ‏
وبطبيعة الحال وكما ظهرت نظريات كثيرة تحاول التأصيل للمسرح العربي في سنوات الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي ظهرت في العقدين الأخيرين محاولات عديدة للتأسيس لأشكال مسرحية حديثة لم يعهدها المسرح العربي من قبل، وما يؤخذ على هذه المحاولات أنها بمجملها حاولت عن قصد أو من دون قصد تهميش النص المسرحي الذي وجد نفسه أخيراً عنصراً منبوذاً في الحركة المسرحية العربية، فلا هو بقادر على مواكبة التطور التقني في صالات المسارح ولا هو بقادر تالياً على الإبقاء على الأماكن التي شغلها في مراحل سابقة عند الفنانين المسرحيين من مخرجين وممثلين تحوّل بعضهم إلى كتّاب مسرحيين يضعون نصوصاً أقرب ما تكون إلى سيناريوهات ارتجالية ترسم خطوطاً عامة للعرض المسرحي بحيث تكون البروفة والتجريب أثناءها المقياس الحقيقي للعرض المسرحي، وهو الأمر الذي أدى إلى ظهور عروض مسرحية هجينة وعاجزة على الحفاظ على ما تبقّى من جمهور المسرح، فكيف باستقطاب جمهور جديد؟ ‏

هل هو انفضاص؟ ‏
عدد كبير من المسرحيين العرب يبدون اليوم في ورطة كبيرة وهم يلمسون لمس اليد انفضاض الجمهور عن أعمالهم واستنفاذ أهداف الأشكال الجديدة التي ابتكروها بسرعة لم يحسبوا لها حساباً ولم يتوقعوا أن تكون بهذه السرعة، وما عليهم اليوم إلا إعادة النظر بخياراتهم التي لم تلقَ القبول أو الاستحسان حتى من النقّاد الذين كانوا ‏

في كثير من الأحيان يفضّلون ركوب الموجة البعيدة عن خيارات الجمهور بمعناه الواسع، بينما يبدو الجميع اليوم من نقّاد وجمهور على قناعة تامّة أن الوقت حان للمسرحيين العرب كي يعودوا إلى رشدهم ويقتنعوا بأن إمكاناتهم كمخرجين مبدعين لا تكون بتهميش أيٍّ من عناصر العرض المسرحي بل بالاستفادة من كل العناصر، والنص الجيد أهمها وأكثرها قدرة على إعادة الجمهور إلى صالات المسارح العربية الخاوية. ‏

جوان جان 

المصدر: تشرين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...