نمط حياة «يُبعِد» الهرم

11-04-2012

نمط حياة «يُبعِد» الهرم

يرتبط الكلام عن نوع العمر ارتباطاً وثيقاً بنوعية الحياة التي يعيشها المرء في عمره. ولا يقتصر الأمر على مرحلة ما بعد عمر الستين عاماً. باتت العوامل المساعدة على الوصول إلى شيخوخة «كريمة» شبه متعارف عليها، إذ صارت أهمية ممارسة الرياضة مسألة معروفة عند معظم الناس. ويعتبر المشي من أهم العوامل المساعدة على الحفاظ على الصحة الجسدية والذهنية. ويضاف إليه ضرورة اعتماد نظام غذائي متوازن، وتناول المأكولات التي تساعد على ضبط الأمراض المزمنة التي غالباً ما تترافق مع التقدّم في السن، مثل ارتفاع ضغط الدم وتراكم الدهون على جدران الأوعية الدموية وسكّري البالغين وغيرها. وتشمل العوامل المساعدة على درء عوارض الشيخوخة وتأمين فرصة حياة ملائمة لكبار السن، الانخراط في المجتمع والإبقاء على شبكة علاقات اجتماعية وصداقات دافئة تخفّف من تداعيات الدخول في شتاء العمر.

ثورة صامتة

في هذا السياق، أشارت الاختصاصية في طب الشيخوخة الدكتورة سلام جلول إلى أن أعراض التقدّم في العمر تبدأ عربياً مع التقاعد، وتتخللها انتكاسات نفسية كبرى تؤدي بكثير من الأشخاص إلى الانعزال. وتحذّر جلول من هذه الأمور، مؤكدة أن العزلة هي أشد العناصر ضرراً بالمسن الذي غالباً ما يكون عرضة للاكتئاب أكثر من الشباب.

«نعيش في خضم ثورة صامتة تتجاوز إلى حدّ كبير المسائل السكانية، وتترتب عليها آثار اقتصادية واجتماعية وثقافية ونفسية وروحية ورئيسية». وردت هذه الكلمات على لسان الأمين العام السابق للأمم المتحدة، كوفي أنان، لدى إعلان السنة الدولية لكبار السن في 1 تشرين الأول (أكتوبر) 1998. ولحظت «الجمعية العالمية للشيخوخة» استخدام عبارات مثل «زلزال الشيخوخة الديموغرافي» و «نظام سكاني دولي جديد» لوصف النمو المذهل للسكان المسنين عالمياً. ويُتوقع أن تبلغ نسبة الأشخاص في سن الستين وما فوق أكثر من الضعف، أي أنها ستزيد من 10 إلى 22 في المئة، بين عامي 2000 و2050، وتصبح عندها موازية لشريحة الأطفال (من الولادة إلى سن الرابعة عشرة).

والمفارقة أن الدول المتقدّمة تعيش مرحلة تجاوز فيها عدد المسنين عدد الأطفال، بل أن نسبة المواليد باتت أقل من معدل الوفيات، ما يعني «انقراضاً» صامتاً في هذه الدول. وأشار المستشار السابق للأمن القومي في أميركا هنري كيسنجر إلى أن ما يهدد صعود قوة الصين، إنما يتمثّل في الآثار الديموغرافية المتولّدة من سياسة «الطفل الواحد» التي فرضها الحزب الشيوعي الصيني على المجتمع لعقود طويلة. وفي بعض البلدان الصناعية المتقدمة، يتوقّع أن تتجاوز أعداد المسنين ضعفي عدد الأطفال بحلول عام 2050.

غير أن «زلزال الشيخوخة» الفعلي على وشك أن يصيب البلدان النامية حيث يشيخ السكان بسرعة في النصف الأول من القرن الحادي والعشرين. ويُتوقع أن ترتفع نسبة المسنين من 8 إلى 21 في المئة بحلول عام 2050، بينما تنخفض نسبة الأطفال من 33 إلى 20 في المئة. ووصفت جلول هذه الأرقام بـ «المُذهِلَة»، مشيرة إلى ضرورة العمل على وضع خطة للحدّ من تداعياتها عبر مسارات تتضمّن التوعية على نوعية الحياة، وزيادة الوعي بأهمية الكشف المبكر على الامراض المتّصلة بالشيخوخة.

وأكدت جلول ان التشخيص المُبكر للأمراض المتعلقة بالشيخوخة يساعد على الحدّ من سلبيات هذه المرحلة من العمر وتداعياتها النفسية على المُسِنّ وعائلته. ولفتت إلى أهمية الرياضة الذهنية التي تشمل أشياء مثل تنشيط الذاكرة عبر التلفزيون أو القراءة والكتابة والكلمات المتقاطعة. ولفتت جلول إلى أن هذه الممارسات يجب ان تترافق مع مراقبة المُسنّ عن كثب، والتواصل المباشر معه للتأكد من مدى انخراطه في هذه النشاطات بتفاصيلها كافة.

وفي دورتها الثامنة والاربعين التي عُقدت في شباط (فبراير) 2010، أوصت «لجنة التنمية الاجتماعية» التابعة للامم المتحدة والمكلفة تنفيذ «خطة عمل مدريد» الدولية (2002) المتعلقة بالشيخوخة، بتأهيل المجتمعات من أجل استيعاب تداعيات ظاهرة الشيخوخة، عبر قطاعات الصحة العامة، خصوصاًً بتأمين رعاية صحية ميسورة الكلفة وجيدة المستوى. كما شددت اللجنة على أهمية التدريب في مجال طب المسنين، إضافة إلى التركيز على الشقّ المتعلق بالوقاية. وأعطت جلول أهمية للعمل على ادخال مفهوم «الرعاية التلطيفية» Palliative Care على المجتمعات، خصوصاً في الدول العربية، بهدف المساعدة على إعانة هؤلاء المسنين. وأشارت أيضاً إلى ضرورة أن يبدأ المرء بتحصين نفسه عبر الكشف الدوري عند الطبيب، بداية من عمر الأربعين. واستطردت قائلة: «كلما بدأت نوعية الحياة الجيدة عبر ممارسة الرياضة واتباع نظام غذائي جيد، في عمر مبكّر، كانت لها انعكاسات إيجابية على الإنسان. فمع بداية سن الأربعين يصبح الكشف الدوري أمراً ضرورياً».

تتعدى الشيخوخة التجاعيد التي تحفر الوجوه، والأمراض المزمنة المتعارف عليها. إنها مرحلة حياة «طويلة»، بل انها امتداد لما سبق من عمر الانسان. تهاب غالبية الناس الشيخوخة، فتسارع إلى إخفاء حقيقة عمرها، قبل أن تظهر العوارض غير القابلة للطمـس، خصوصاً إذا ما داهمت شخصاً غير مؤهل نفسياً وجسدياً لتقبّلها.

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...