على قدم وساق لاحتواء تدفق النازحين من لبنان

20-07-2006

على قدم وساق لاحتواء تدفق النازحين من لبنان

الجمل : حسان عمر القالش - جديدة يابوس : يوم طويل بدأناه بالتوجه الى منفذ "جديدة يابوس" الحدودي مع لبنان, الاعلانات الطرقية أثناء مسيرنا لم تكلّ أو تمل ّ من تذكيرنا ولفت انتباه القادمين من لبنان برقم الهلال الأحمر السوري (9338-011), تجاوزت سيارتنا عدة شاحنات أردنيّة محملة بمساعدات طبية, و تاكسيّات دودج سورية فارغة الا من سائقها, كلها متجهة الى بيروت.
وصلنا الى الحدود على مشارف هنكار الجمارك السورية, وكان المشهد الأولي مغاير تماما لما ألفناه عن ذاك المكان, فلول وجماعات من الناس تمشي بتؤدة وبطء بعد أن عبرت الحدود وأصبحت بمأمن من غدر العدو وغاراته, باصات, فانات, سيارات على أنواعها, امتلأت بالعائلات المنكوبة بقدر امتلائها عزيمة وصمودا – صادقا لا شعاراتيا – على رغم الحزن وشبح المأساة, وبعضها كان لـ"سياح" خليجيين خاب أملهم بالموسم السياحي البيروتي كما خاب ظننا بمواقف سلطاتهم.
لم نجد سوريا الا وكان مستنفرا شاحذا همّة استثنائية, الجميع, ضباط وخفراء الجمارك الذين تضاعفت اعدادهم وبقوا "معسكرين" منذ ستة أيام كما قال أحدهم, وشباب الهلال الأحمر السوري الذين قاست أرجلهم مسافة ومساحة نقطة الحدود عشرات المرات لكثرة تنقلهم بين الناس والسيارات يساعدونهم ويقدمون لهم مايستطيعون من خدمات (مياه, عصائر, اسعافات أولية) وكأنهم سرب من مظلات بالأحمر والأبيض تظلل وتقي الشعب المقاوم مرارة التهجير, وكذلك كان الشباب والصبايا من تجمع اللجان المدنية الذين اكتسوا بتيشيرتات بيضاء توسطها علما سوريا ولبنان, تهافتوا على الناس والأهالي يسجلون أسماء من هم بحاجة الى مسكن ويجمعونهم بانتظار الانطلاق بهم لايصالهم لبيوت تستر عورة النزوح, وكان من المؤثر رؤية أعداد من المواطنين يزاحمون أولئك الشباب نحو الأهالي عارضين عليهم ايصالهم الى دمشق والتكفّل بمسكنهم, وهناك من ائتمن كوادر الجمارك والأمن العام على أرقام هواتفهم استعدادا لاستضافة ستمائة شخص كما طلب من "الجمل"  نشر هذه الأرقام ـ واردة إدناه ـ  وكذلك كان رجال الشرطة في أعلى جاهزية يعملون قدر استطاعتهم تعجيل المعاملات, ورؤساؤهم من الضباط يجولون بين الناس.
كان هناك رجل دين "معمّم" تجمع حوله الشباب يسجلو طلباته, نادتنا عمامته السوداء وكأن القلب لهف للتنهد بالقرب من رجل قادم من لبّ الحدث ومصنعه ورجاله, كان يتحدث بصوت باهر الثقة وكلماته تصل مسمعنا مرفوعة القامة: الحمد لله, كلو خير انشاء الله, هم – الصهاينة – يراهنون على صمودنا ويظنون باننا سنركع, لكن انتظروا. والتمعت البشارة في عينيه, كان واصلا للتو من "حارة حريك" وقد لاقى أولاده القادمين من "قانا" في منتصف الطريق.
الى الوراء قليلا كانت ثلاثة باصات تابعة للنقل العام الداخلي اللبناني متوقفة وركابها يهوجون ويموجون كل في حال, النائم والواقف والذي أخذ يحكي مع أطفاله لاشغالهم عن شقاء ما يعيشون من لحظات, صعدنا اليهم وأوقفتنا نظرات السائق الذي مال على مقعده ولفّ ساقا فوق ساق وأخذ ينفث دخان سيجارته في زهد ملفوف بنظرات تأمل, لم يكترث بأسئلتنا كيف وهو واصل قبل لحظات من عاصمة تحترق كما قال وأنه سيعود الى هناك بعد أن يوصل ركابه.
استضافنا العقيد مشهور حسن في الجمارك بمكتبه الذي توسطه تلفاز أداره على محطة "المنار" الفضائية, حدثنا بأناقة صارمة كما هي بزّته الخضراء الخاكيّة: ربما وصل عدد الداخلين الى سوريا الى الـ500 ألف, كان معظمهم في اليومين الأوّلين من الخليجيين والأجانب, وبعدها ازدادت أعداد اللبنانيين, وصلتنا "تعليمات" بتسهيل أمورهم جميعا واعفائهم من رسوم الدخول, بالأمس كان الضغط شديدا حيث دخل مايقارب السبعين ألف الى البلاد.
نذكر أننا قبل انطلاقنا برحلتنا هذه قد سمعنا مذيعا في احدى الفضائيات اللبنانية يناشد السلطات السورية مساعدة اللاجئين اللبنانيين, جاءنا هذا التذكّر عندما رأينا ما وصفناه هنا وشاهدنا باصات النقل العام الداخلي تملأ الساحات لتوصيل من يرغب الى العاصمة "مجانا" كانت قد خصصتها وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل , اضافة الى لوحات كبيرة كتبت عليها أرقام هواتف لمساعدة منكوبي حرب لبنان, مع كل الأوراق الكبيرة التي غطّت زجاج صالة الأمن العام وغصّت بأرقام هاتفية أيضا بعضها لمواطنين والبعض الآخر لسفارات خليجية.
عدنا أدراجنا الى دمشق متجهين الى "المدينة الجامعية" عند أوتستراد المزة, بعدما علمت "الجمل" أنه تم  تخصيص عدة أبنية فيها لتسكين عائلات من اللاجئين اللبنانيين اضافة الى المدارس الحكومية في ضواحي دمشق, عرطوز وقطنا ودوما..وغيرها.
عزم علينا الأستاذ نبيل كركوتي وبلّ ريقنا بفنجان قهوة طلبناه مرّا كطعم الأيام السبعة التي مضت, وجلسنا معه ومع طاقمه من الموظفين (معن وفادي وبقية الشباب) في غرفة من غرف الطابق الأرضي من الوحدة الثانية خصصت  لتكون عبارة عن فرع صغير للمصرف التجاري السوري يصرّفون فيه العملات لنزلاء المدينة من العابرين اللبنانيين والأجانب, وأخبرنا كيف أنه قطع اجازته مع أسرته في اللاذقية بعدما طلب منه المدير العام د.دريد درغام التوجه مباشرة الى نقطة "جديدة يابوس" لتفعيل الأمور هناك وتيسير معاملات الناس ومن ثم العودة الى المدينة الجامعية للاشراف على رعاية الشؤون المصرفيّة لللاجئين فيها. وأن بعض اللبنانيين يفرطون في حساسيتهم بالتعامل معهم ويظنون بهم السوء أحياناً. وقال أنه "في شتورة صرّف أحد اللبنانيين الدولار بـ48 ليرة وتفاجأ بأننا نصّرفه بـ51,30 بفارق يسير عن السوق السوداء الذي يصرّفه بـ51,5  ومع ذلك اتصل أحدهم بادارتنا يشكي لها أننا "أكلنا" عليه بقية المبلغ"!!! ثم يتساءل "كيف ذلك ونحن نعطي ايصالا رسميا بالمبلغ المقبوض؟"  و أكد فاديوهو موظف ايضا في التجاري السوري "أن بعض الموظفين يضطرون لإكمال المبالغ الناقصة "الفراطة" من جيوبهم, فمن أين نجيء بقطع الليرة الواحد"ة. 
فادي الذي سبق أن عمل في فرع المصرف في "التنف" على الحدود السورية – العراقية, قال :ان مارأيته هنا من مآسي اللبنانيين لم أره في التنف حيث مأساة العراقيين. وتابع وكأنه "يفضفض" لنا: لوهلة تخيلت وأنا أتابع عملي وأساعد هؤلاء الناس أنه ربما كان أحدهم من الذين مشوا في مظاهرات بيروت وكانوا يطلقون علينا أشنع السباب والشتائم, لكن العفو عند المقدرة فأنا أستطيع هنا والآن ان أريهم حقيقتنا كسوريين. ويتابع فادي :معظم نزلاء المدينة الجامعية من اللبنانيين الذين يحملون الجنسية الدنماركية, نسّقت سفارتهم مع وزارة السياحة السورية التي أنزلتهم هنا بانتظار عملية اجلائهم, وبدا أن السفارة قد غطّت تقصيرها مع رعاياها بتواضع امكاناتنا, فأخذ معظم أولئك النزلاء يشكون "هذا القرف" الذي تركوهم فيه ويتنهترون  بالموظفين ظانّين أنهم مأجورين من قبل  سفارتهم وأن سكنهم هذا "على حساب" السفارة وليس تبرعا من الحكومة السورية.
الى جانب غرفة المصرف كانت غرفتان درزت أرضيتهما بصناديق المياه والمرطبات ورزم من كراتين فارغة من ساندويشات أكلت, اضافة الى قاعة كبيرة فيها طاقم طبي من أطباء وممرضين مناوبين ليلا نهارا تحسبا لأي عارض يصيب النزلاء الجدد.
في مكتب صغير خصصه مدير السكن الجامعي المهندس أحمد الزعبي ليكون غرفة عمليات يتابع منه ويشرف على العمل, جلس (بسام. ع ) وقال لنا : هلأ وصلنا..نعم نحن دنماركيين, ذهبنا الى السفارة وهي أرسلتنا الى هنا. كانت والدته تجلس في قبالته سألناها من أين أتت, قالت من بيروت لكن لم تعرف من أين بالتحديد فهي لاتعرف لبنان جيدا ولا تأتي اليه الا لـ"شم الهوا" أو السياحة,
أثناء انصرافنا رأينا سيدة في منتصف العمر سمراء البشرة, تبعثر شعرها الأسود القصير, تلبس بيجامة نوم مهلهلة وتحمل ثلاث مخدّات: الوضع هون منيح بس عنّا بالدنمارك لا, لأنهم لم يخدمونا كما خدمناهم – الدنماركيين – ونحن ندفع لهم 40% ضريبة..وسكتت عن الكلام تتنهد الحسرة: مع انو تخليت عن جنسيتي اللبنانية مقابل الدنماركية, هلأ بدي رجّع اللبنانية..
كانت شكواها من استنسابية تعامل موظفي سفارتها معها ومع الناس, والانتقائية في اختيار من يرحّل قبل غيره.
السوريون من مدنيين وعسكريين وموظفين, من مدراء ووزراء, وضعوا بيروقرايتهم الادارية على الرف وتحولوا خلية نحل لاتهدأ, تهدر حركة ونشاطا نجدة لشعب يحبونه كرمى لعين المقاومة.
كانت أطياف المجتمع اللبناني في معظمها هنا في سوريا - وان غلب عليها القادمون من الجنوب و من الضاحية – منهم من حرّم العودة مجددا الى لبنان بعد أن "انفقست" اجازته السياحية, منهم من تأقلم مع الظرف ويتحيّن العودة قريبا الى وطنه وبيته, ومنهم من يوصل الأطفال والنساء ويعود يجرس بيته من صاروخ غاشم...
ارقام هواتف المواطنين السوريين المستعدين لاستقبال القادمين من لبنان.
الدكتور أحمد الحاج دياب :    093673397
مصطفى ناصر الدين 093676292
حسين الحاج دياب 094456198
أبو أحمد مرعي  097296636   و 3922570  الصبورة


الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...