سياسة الاحتلال الأمريكي تجاه أقليات العراق

11-09-2006

سياسة الاحتلال الأمريكي تجاه أقليات العراق

الجمل:  يتميز العراق بأقلياته ومجموعاته الاثنية والطائفية. ومن أبرز أقليات العراق، نجد: الأكراد، الآشوريين، والتركمان، إضافة إلى مجموعات صغيرة أخرى مثل: الأزيديين، والصابئة المندائيين والروما، والفرس، واليهود.
تركز قوات الاحتلال الأمريكي على إشاعة فكرة أن هذه الأقليات ظلت لا تتمتع بالمساواة مع السكان العرب في الفترات السابقة من تاريخ العراق.. وتحمل العرب مسؤولية قيام نظام صدام بقمع هذه الأقليات، عندما حاولت التمرد خلال فترات سابقة، كذلك تقوم قوات الاحتلال الأمريكية بالترويج لفكرة أن العرب ظلوا يقومون بعملية (تعريب قسري) لهذه الأقليات، وذلك بهدف إجبارها وإرغامها على التخلي عن هويتها الثقافية والدينية. وحالياً أصبحت قوات الاحتلال الأمريكي تشير إلى وضع الأكراد في شمال العراق، والذين أصبحوا يتمتعون به بفضل الاحتلال الأمريكي في فترة ما بعد سقوط نظام صدام، على أساس اعتبارات أن وضع الأكراد هذا يمثل وضعاً نموذجياً يجب الاحتذاء به بوساطة كل أقليات العراق الصغيرة الأخرى.
• الأكراد: يبلغ عددهم في العراق حوالي 4 ملايين نسمة، ومازالوا يتمسكون باتفاقية سيفريس التي وعدتهم بدولة مستقلة كردية في منطقة الأناضول،  وقد تم التوقيع على هذه الاتفاقية بعد هزيمة الامبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى.. والجدير ذكره أن هذه الاتفاقية قد وعدت باقتطاع أجزاء من شرق تركيا وإعادة ضمها لأرمينيا مرة أخرى، ولكن بعد هزيمة القوات اليونانية في الحرب التركية- اليونانية التي دارت في الفترة 1919 إلى 1922، تم التوقيع على اتفاقية لوزان في عام 1923، وكانت لصالح تركيا هذه المرة، بحيث أعطت هذه الاتفاقية الدولية تركيا كل المنطقة المعروفة بـ(كردستان التركية)، وتم الاتفاق على أن تكون (كردستان العراقية) تابعة حصرا لأراضي الامبراطورية البريطانية ضمن العراق، الذي كان يتبع آنذاك للامبراطورية البريطانية. أما كردستان الإيرانية فقد تم اعتبارها ضمن  الأراضي الفارسية.
في عام 1945 قاد مصطفى البرازاني التمرد ضد الحكومة المركزية العراقية، وبعد فشل التمرد، هرب البرزاني وابنه إلى موسكو عاصمة الاتحاد السوفييتي آنذاك، وفي مطلع حقبة الستينيات، وعلى خلفية ضغوط تمرد لواء الموصل ضد السلطات في بغداد، أصدر الرئيس العراقي آنذاك عبد الكريم قاسم قراراً بالسماح للبرزاني بالعودة من المنفى، والذي عاد بدورة فوراً وقدّم خدماته لعبد الكريم قاسم في عملية سحق التمرد العربي الموالي لتوجهات الزعيم جمال عبد الناصر، ومرة أخرى، في عام 1961 بدأ البرزاني تمرداً كردياً واسع النطاق في شمال العراق.
تم إعطاء الأكراد حق الحكم الذاتي، في مطلع السبعينيات، ولكنهم ظلوا مختلفين وموزعي الانتماءات، إضافة إلى ارتباط الحركات السياسية الكردية بالقوى الأجنبية المعادية للعرب مثل إسرائيل وأمريكا، وذلك على نحو لعبوا فيه كثيراً على ورقة الصراع العربي- الإسرائيلي، على أساس اعتبارات أن التعامل والتعاون مع إسرائيل سوف يجلب لهم الدعم والمساعدات مادام الطرفان (يحاربان عدواً واحداً)، هو العرب.
ولكن لماذا منحت سلطات الاحتلال الأمريكي الحركات الكردية مزيداً من حرية الحركة؟..
هذا السؤال الذي لم يستطع الأكراد الإجابة عليه، وظلت أغلبيتهم تعتقد أن أمريكا تقدم لهم هذه المساعدة من أجل الاستقلال، ولكن الإجابة الحقيقية تكمن في أن أمريكا تساعدهم من أجل الاستعانة بهم في توطيد سلطة الاحتلال واستخدامهم في ضرب المقاومة العربية، مثلما استخدمهم عبد الكريم قاسم، ولن تسمح لهم أمريكا بإقامة دولة كردية، مهما غضت النظر حالياً عن سلوكهم السياسي، وذلك لأن إسرائيل والولايات المتحدة تهتمان أكثر بتحالفهما الوطيد مع تركيا، وإذا كان الخيار أمام إسرائيل وأمريكا، بين تركيا وكردستان، فإن الأكراد يعرفون تماماً أن تركيا لا يمكن استبدالها بكردستان.
• الآشوريين: ويتمثلون في المسيحيين الناطقين باللغة الآرامية، وحالياً يقدر عدد الآشوريين بحوالي 1،3 مليون نسمة مازالوا موجودين فيا لعراق، وقد عانى الآشوريون من تجارب دامية خلال فترة الامبراطورية العثمانية، وعلى خلفية قمع العثمانيين الأتراك للآشوريين، رفض الآشوريون التوقيع على ميثاق الولاء لفيصل ملك العراق في عام 1933م، وحاول الملك إقناعهم بأنه ليس عثماني ولا تركي، بل هو عراقي، مثلهم، ولكنهم أصروا على موقفهم، والذي دعمته بعض الأطراف العربية خاصة جماعات شهود يهوه التي ترتبط بالدوائر البروتستانية البريطانية والاسكندنافية، ومن ثم حدثت المواجهة بين السلطات الملكية العراقية والآشوريين في يوم 7 آب والتي سقط فيها مئات الضحايا من الطرفين.
تقدم قوات الاحتلال حالياً الكثير من الدعم لتسهيل سفر الآشوريين إلى خارج العراق، وتنشط حالياً جماعات شهود يهوه في الدول الاسكندنافية في عملية دعم إجراءات هجرتهم إلى السويد، النرويج، فنلندا، الدنمارك، واستراليا ونيوزيلندا.. وحالياً أصبح الآشوريون يشكلون جماعات كبيرة الوجود في هذه البلدان، وما لم ينتبه إليه الأشوريون الآن، هو أن تسهيلات السفر والهجرة هذه ليس المقصود منها دعمهم ومساعدتهم، بل يقصد منها تفريغهم من المنطقة، والقضاء على تراثهم القديم الذي يتعارض مع أطروحات ثقافة إسرائيل القديمة، التي تتبناها الحركة الصهيونية حالياً.
• التركمان: يتركز تواجدهم في شمال العراق، وبالذات في منطقتي الموصل وكركوك، ويتعصب التركمان العراقيون بشدة لعملية استخدام اللغة التركية.. وعلى خلفية الصراع بين الأكراد والسلطات التركية حول كردستان التركية، حدث صراع موازي بين الأكراد والتركمان العراقيين، بحيث ظل الأكراد يحاولون طرد التركمان من شمال العراق تارة، ويحاولون التحالف معهم ضد العرب تارة أخرى، وبين هذا وذاك، تعمل سلطات الاحتلال الأمريكي على تهدئة الصراع بين الأكراد والتركمان، بحيث يتسنى لها استخدام التركمان في توطيد سلطتها على كامل المنطقة. وهناك محاولات جارية لإعطاء التركمان وعداً بالحصول على حق الحكم الذاتي ضمن كردستان، وتضمين ذلك بمسودة (دستور كردستان).
• الأقليات الأخرى: وتتمثل في الأرمن (توجد قرية أرمنية واحدة بشمال العراق، وبقية الأرمن في بغداد)، ويبلغ عدد الأرمن العراقيين حوالي 10 آلاف شخص فقط، كذلك يوجد في العراق حالياً حوالي 100 يهودي عراقي، ويقدر عدد الفرس بحوالي 500 شخص. ونلاحظ أن سلطات الاحتلال الأمريكية تركز حالياً على تضخيم مشاكل هذه الأقليات إعلامياً بما يعطيها حجماً أكبر من وزنها الحقيقي، وذلك بهدف إثارة هذه الأقليات ضد العرب من جهة، ومن الجهة الأخرى الحصول على دعمها وتأييدها للوجود الأمريكي في المنطقة.. وهناك أيضاً مجموعات النور التي تقيم في جنوب العراق، وعلى خلفية مشاكلها وصراعاتها القديمة مع السكان الشيعة قامت سلطات الاحتلال الأمريكية بإشعال فتنة داخلية بينهم وبين الشيعة على النحو الذي أدى إلى حدوث اشتباكات بين مجموعات النور من جهة وقوات بدر والمهدي من الجهة الأخرى.. أما الأزيديون فهم الأكثر عدداً من بين هذه الأقليات، ويبلغ عددهم حالياً 650 ألف ويتمركزون في منطقة سنجار، وهناك صراع بينهم وبين الأكراد يقوم على أساس أن الأكراد يعتبرون الأزيديين طائفة كردية بينما يرفض الأزيديون انتماءهم للأكراد.. وقد قام الأكراد بإجبار الأزيديين على التسجيل ضمن الدوائر الكردية في الانتخابات العراقية الأخيرة.. وحالياً تسيطر قوات البشمركا على كل القرى الأزيدية الواقعة قرب الموصل، وقد نفذت عملية اغتيال لأحد الزعماء الأزيديين البارزين المعارضين لسيطرة الأكراد، وذلك في منتصف العام الماضي، كذلك يقوم المسؤولون الأكراد في شمال العراق بالتعاون مع السياسيين الأكراد في حكومة بغداد بإعاقة تنفيذ مشروع يهدف لتنمية المناطق الأزيدية في حدود 12 مليون دولار، وعلى الأرجح أن يؤدي صمت سلطات الاحتلال الامريكية المقصود إلى تفجير نزاع فرعي في شمال العراق بين الأكراد والأزيديين، إضافة إلى النزاعات الموجودة بالأصل في المنطقة نفسها بين الأكراد والتركمان والعرب والآشوريين والكلدانيين.
وبالنتيجة: سوف يظل ملف الأقليات العراقية يلعب دوراً رئيساً في مخططات سلطات الاحتلال الأمريكية الرامية إلى إضعاف المقاومة العراقية، وضرب النسيج الاجتماعي العراقي بما يهدد علاقات هذه الأقليات مع السكان العرب العراقيين، وبما يؤدي في النهاية إلى جعل العراق واحدة من محميات مشروع الشرق الأوسط الجديد الأمريكي- الإسرائيلي.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...